العراق يترنح ما بين القوات الأمريكية والمليشيات الشيعية وتنظيم الدولة

العراق يترنح ما بين القوات الأمريكية والمليشيات الشيعية وتنظيم الدولة

USA-ISIS-IRAQ

قام الرئيس الامريكي باراك أوباما منذ توليه رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية في العام2009م، بالعديد من الزيارات الدبلوماسية لدول الجماعة الدولية، إلا أنه لم يزر العراق إلا مرة واحدة في ذات العام، كما كانت آخر زيارة لوزير خارجيته جون كيري له في حزيران/يونيو عام2014م وذلك بعد سيطرة تنظيم الدولة في العراق وبلاد الشام”داعش” على محافظة الموصل. واقتصرت زيارة المسؤولين الأمريكيين للعراق على الجانب الأمني والعسكري دون السياسي.

قد يرى البعض أن عدم زيارة الرئيس الأمريكي ووزرير خارجيته  لا تحمل في طياتها أي مدلولات سياسية، في حين يرى فريق آخر عكس ذلك تمامًا، فالولايات المتحدة الأمريكية هي التي أنشأت النظام السياسي العراقي في مرحلة ما بعد الرئيس الأسبق صدام حسين في العام 2003م، ليكون نظامًا حليفًا لها، لذا فإن عدم وجود  العراق في جدول أعمال زياراتهما الخارجية، مما لاشك فيه، يحمل رسالات سياسية أرادت واشطن أن ترسلها لحكومة بغداد. وفي هذا السياق نتساءل لماذا يحجم الرئيس باراك أوباما ووزير خارجيته عن زيارة العراق؟ وما الذي تريده واشنطن من بغداد، وما هو التصور الأمريكي لعراق ما بعد داعش، وما هو مستقبل النفوذ الإيراني في عراق ما بعد داعش أيضا؟

شاركت إيران بشكل رئيسي في عملية صياغة الترتيبات الأمنية داخل العراق منذ سقوط نظام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين عام 2003؛ حيث استثمرت علاقاتها القوية مع التيارات الشيعية، وفرضت نفسها رقمًا مهمًا على الساحة العراقية. لكن اللافت للانتباه في هذا السياق، هو أن النفوذ الإيراني في العراق بدأ يظهر إلى العلن أكثر من أي وقتٍ مضى مع تصاعد حدة الحرب التي يشنها التحالف الدولي ضد تنظيم “داعش”، والتي شاركت فيها الميليشيات الشيعية المسلحة المدعومة من إيران والمعروفة بوحدات “الحشد الشعبي”، بشكل أثار مخاوف عديدة حول التأثير الإيراني المتزايد في العراق الذي قد يُعزز الانقسامات الطائفية، ويدعم تمدد تنظيم “داعش” داخل وخارج العراق.

لكن رغم إبداء دوائر عديدة في واشنطن تخوفها من تنامي النفوذ الإيراني في العراق، إلا أن إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما ما زالت تتبني سياسة غامضة ساهمت في تشجيع طهران على ممارسة المزيد من التأثير داخل العراق. وتتمثل أبرز مؤشرات ذلك في:

1- رؤى أمنية متضاربة: أظهرت تصريحات العديد من المسئولين الأمريكيين إزاء الميليشيات الشيعية تضاربًا واضحًا في تأثير هذه الميليشيات على الأوضاع الأمنية في العراق، فقد أبدى وزير الدفاع أشتون كارتر في إفادة له أمام مجلس الشيوخ- مخاوفه من أن تُشعل تكريت الفتنة الطائفية في العراق، في حين اعتبر رئيس أركان الجيش الأمريكي الجنرال مارتن ديمبسي (الذي أُحيل للتقاعد) أن إيران يُمكن أن يكون لها دور إيجابي في الهجوم لاستعادة مدينة تكريت طالما لم يؤدِّ التدخل الإيراني إلى توترات مع السنة. بينما اعتبر مارك بيرى الخبير العسكري ومحلل السياسات الخارجية بوزارة الدفاع الأمريكية أن الدور الإيراني في العراق يوفر على الولايات المتحدة الكثير من المشاكل.

2- دعم أمريكي غير مباشر: مع أن واشنطن لا تُشارك في العمليات العسكرية التي تخوضها القوات العراقية لاستعادة مدينة تكريت من سيطرة تنظيم “داعش”، إلا أن الضربات الجوية الأمريكية التي استهدفت مواقع “داعش” ساهمت، بشكل غير مباشر، في تحقيق مكاسب للميليشيات الشيعية، التي ارتكب بعض عناصرها، حسب اتجاهات عديدة، انتهاكات عديدة بدا جليًا أنها لم تلق اهتمامًا كافيًا من جانب واشنطن.

3- توازن طائفي غير مستقر: تسعى إدارة أوباما إلى تأسيس نظام سياسي قائم على التوازن الطائفي داخل العراق، إلا أن ثمة عقبات عديدة تحد من إمكانية تحقيق ذلك، في ظل العنف الطائفي الذي تنتهجه الميليشيات الشيعية، والضرر الذي تُلحقه بالتركيبة السكانية في العراق لصالح إيران.

أدركت الولايات المتحدة الأمريكية أن السياسة الغامضة التي تتبعها إزاء العراق انعكس بشكل إيجابي لصالح المشروع الإيراني التوسعي، ولتصحيح مسار هذه السياسة وجدت في سيطرة داعش على الموصل وبعض المحافظات العراقية وسيلة للتخلص من رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي والاتيان بحيدر العبادي رئيسً لوزراء العراق، فعلى الرغم من الدعم العسكري والسياسي لحكومته إلا أنها لم تحقق ما تسعى واشنطن إليه، وهو تحقيق المصالحة الوطنية بين مكونات المجتمع العراقي، وما أدل على ذلك اللقاء الذي جمع بين رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في 22 تشرين الثاني/نوفمبر من العام الجاري مع نائب وزير الخارجية الأمريكي “توني بلنكن” الذي تجاهل في البيان الحكومي الحديث عن المصالحة الوطنية وركز البيان على الجهود المشتركة بين الولايات المتحدة الأمريكية والعراقية في محاربة تنظيم داعش. فقادة المليشيات الشيعية ترفض أية مصالحة وطنية حيث يرون هؤلاء القادة في العرب السُنة ليس إلا رقما لا قيمة له في المعادلة العراقية، ولمواجهة هذا الرفض سعت الولايات المتحدة الأمريكية عبر سفيرها في بغداد “ستيوارت جونز” في تعزيز التواصل مع قادة الأكراد والعرب السنة لتشكيل تحالف في مواجهة الحكومة العراقية وقادة المليشيات الشيعية.

وفي بيئة التوتر هذه في العلاقات الأمريكية العراقية غير معلنة أعلن وزير الدفاع الأمريكي “أشتون كارتر” في الأول من كانون الأول/ديسمبر من الشهر الحالي أنه يتم نشر قوات “خاصة” في العراق للقيام بعمليات ضد تنظيم داعش من بينها شن مداهمات لمراكز للتنظيم في سورية. وصرح كارتر امام لجنة القوات المسلحة انه يتم نشر “قوة استكشافية متخصصة” في العراق لمساعدة القوات العراقية والبشمركة على قتال تنظيم داعش وذلك “بالتنسيق التام مع الحكومة العراقية”. واضاف ان “قوات العمليات الخاصة الاميركية لديها مجموعة فريدة من القدرات التي تمكنها من القيام بمهام متعددة”، مؤكدا “نحن مستعدون لاستخدام قدرات هذه القوة الفريدة في اي فرصة مناسبة”.واضاف ان هذه القوات الخاصة قادرة كذلك على التدخل في سورية المجاورة التي اعلنت واشنطن ارسال نحو 50 -والتي قد تصل إلى 200- من قوات العمليات الخاصة الى اراضيها.وقال كارتر “هذه القوات الخاصة ستتمكن مع الوقت من القيام بالمداهمات، وتحرير الرهائن، وجمع المعلومات الاستخباراتية والقبض على قادة في داعش”.

واضاف ان هذه القوة قادرة كذلك على “القيام بعمليات احادية في سورية”. واكد كارتر انه “مستعد لتوسيع” دور القوات الخاصة في سورية، ودعا القوى الدولية الى تعزيز جهودها لهزيمة تنظيم داعش. أدى هذا الإعلان إلى بروز الخلاف بين بغداد وواشنطن بشكل علني، إذ أعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي  بوضوح ان حكومته ترفض ذلك القرار الذي اتخذ دون التشاور معها. حيث دافع رئيس الوزراء العراقي عن قوات بلاده قائلا إنها قادرة على هزيمة تنظيم “الدولة الإسلامية” دون مساعدة من قوات أجنبية مقاتلة. وجاءت تصريحاته في بيان نشر بعد ساعات قليلة من حديث وزير الدفاع الأمريكي، أشتون كارتر، أمام الكونغرسفي التاريخ المشار إليه آنفًا، عن نشر قوة عمليات خاصة جديدة في العراق لتكثيف القتال ضد التنظيم، الذي يسيطر على مساحة كبيرة من الأراضي في العراق وسوريا. وقال العبادي إن “قوات العمليات الخاصة العراقية، وقوات مكافحة الإرهاب، تؤدي دورا مهما في القتال ضد عصابات داعش، وأثبتت قدراتها في استهداف قادة التنظيم، وتنفيذ مهمات خطيرة لاستعادة مناطق حيوية”.وأشار رئيس الوزراء العراقي إلى أن بلاده بحاجة إلى التدريب والسلاح والاستشارة من المجتمع الدولي، وليست بحاجة إلى “قوات أجنبية مقاتلة على الأراضي العراقية”. وقد رد وزير الخارجية الأمريكي جون كيري على هذا الاستنكار العراقي الرسمي لإرسال قوات أمريكية للعراق بالقول، “إن واشنطن أطلعت الحكومة العراقية على كامل خططها لنشر قوات خاصة». وأضاف أن «الحكومتين ستجريان مشاورات عن كثب لتحديد مهماتها وأماكن انتشارها».

 ومن جانبها رفضت المليشيات الشيعية وقوى سياسية شيعية عراقية مسلحة ذات نفوذ في العراق نشر لقوات أميركية في العراق، وتعهدت بمحاربتها. وفي هذا السياق قال جعفر الحسيني المتحدث باسم كتائب حزب الله إن جماعته ستلاحق وتقاتل أي قوة أميركية تنشر في العراق. وأضاف أن أي قوة أميركية ستصير هدفا رئيسيا لجماعته. وأشار إلى أن جماعته قاتلت الأميركيين من قبل وهي مستعدة لمواصلة قتالهم. وأدلى متحدثون باسم منظمة بدر المدعومة من إيران وعصائب أهل الحق بتصريحات مماثلة وأعربوا عن عدم ثقتهم في القوات الأميركية بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة على العراق في عام 2003 وأطاح بالرئيس العراقي الأسبق صدام حسين وما تلاه من احتلال. وأعلن الناطق باسم «الحشد الشعبي»، أن «القرار الأميركي مرفوض». وأضاف أن «العراق لا يحتاج إلى قوات أجنبية»

وأكد النائب عن التيار الصدري الدكتور ضياء الأسدي أن موقف التيار الدائم هو رفض أي تدخل أجنبي عموما والأمريكي خصوصا، منوها إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت السبب الرئيسي للمشاكل في العراق، وأثبتت في السابق أن وجودها في العراق كان سببا للمشاكل وليس الحل لأزماته.
وأكد «أن التيار الصدري لا يرى ضرورة لوجود قوات أمريكية في العراق لأن قدرات أبنائه كفيلة بمواجهة تنظيم داعش». وعبر ضياء الأسدي أن الشعب العراقي قد يضطر لاستخدام كل الوسائل والطرق لمواجهة أية قوة أمريكية إذا فكرت بالدخول إلى العراق. وأشار إلى أن الشعب الأمريكي أيضا لا يريد ان يعود أبناؤه إلى العراق، لأنهم جربوا قبلا ورأوا الخسائر الكبيرة التي تكبدتها قواتهم، وهم يعرفون أن الشعب العراقي لا يرحب بهم.

ورفض رئيس لجنة الأمن والدفاع النيابية حاكم الزاملي “من التحالف الوطني”، أي وجود لقوة أمريكية في العراق، متعهدا بمحاربتها إذا وصلت إلى الأراضي العراقية.
وتوعد الزاملي في بيان ولقاء متلفز بمحاربة أية قوة «غربية او إسلامية» تدخل العراق، قائلا : «إننا سنحارب أي قوه تدخل إلى العراق سواء كانت عربية او إسلامية او غربية كما حاربنا داعش». وقال الزاملي في بيان إن «العراق يمتلك قدرات بشرية كبيرة متمثلة بالجيش العراقي والشرطة والحشد والسرايا والمتطوعين ولا حاجة لتدخل أجنبي يقاتل بالنيابة عن الشعب العراقي»، محذراً من أن «ذلك مخطط خبيث يراد منه زرع الفتنة بين أبناء الشعب العراقي وتشجيع المتطرفين بالقدوم إلى العراق لإذكاء التطرف وتقسيم البلاد». أما  النائب عن «ائتلاف دولة القانون» محمد الصيهود فقد قال «تصريح كارتر وقراره نشر قوة خاصة على الحدود مع سورية لتنفيذ مهمات قتالية، من دون الرجوع الى الحكومة الاتحادية، يعكس مدى انتهاك السيادة العراقية، ما يتطلب موقفا حازماً من العبادي والقوى السياسية».

 يطرح هذا الإصرار الأمريكي عن أسباب إرسال قوات أمريكية إلى العراق على الرغم من رفض الحكومة العراقية ذاتها عدة أسئلة منها: هل تتعلق الاسباب بالتغييرات في موازين القوى التي تعرفها ساحات القتال في البلدين مؤخرا، وخاصة بعد التدخل العسكري الموسع لقوى عظمى مثل روسيا وفرنسا والمانيا، وكذلك بريطانيا التي يتوقع ان تلحق بهم في القريب العاجل بعد الموافقة من مجلس العموم مساء امس الاربعاء؟ هل استيقظ الضمير الامريكي فجأة وقرر اغاثة آلاف الضحايا من المدنيين؟ ام ان ادارة الرئيس باراك أوباما وضعت تصورها الأخير لعراق ما بعد داعش.

فالولايات المتحدة الأمريكية أمام خياران لا ثالث لهما فيما يتعلق بعراق ما بعد داعش، أولى هذين الخياران يتمثل في حصول تسوية سياسية في بلد كالعراق يعاني من كل أزمات النظام السياسي التي أوصلته إلى مصاف الدولة الفاشلة، ولأجل إعادة إحياء العراق كدولة قوية متماسكة فلا بد من الرجوع إلى تقوية نظام الدولة وعدم المساس بالحدود الجغرافية ودعم سلطات الحكومة المركزية-بغض النظر عن طبيعتها- كي تبسط سيطرتها وتحتكر “العنف الشرعي” في أراضيها. أما الخيار الثاني فيتجسد في تقاسم النفوذ ومواصلة تقطيع أوصال الدولة العراقية، فتبنيها المبكر لفكرة “الحرس الوطني” بوصفه قوة محلية، ومفهوم الاتحادية النشطة مخرجًا مؤسسيًا للأزمة العراقية المستفحلة، يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية قد تعتقد أن لا مركزية الحكم في دولة كالعراق يمثل أفضل الحلول الناجعة له. لكن حتى الآن لم يجر تمرير التسويات اللازمة لإعادة هيكلية الحكم في العراق.

ولا يبدو أن ذلك يمكن أن يحدث من الدخول في مزيد من الصراعات. ومازال الرهان على “قوة سنية بديلة” رهانًا نظريًا ليس بسبب سيطرة داعش على معظم المناطق المعرفة ب”السنة”، بل أيضًا لأن هناك عوائق عديدة تحول دون العودة إلى نهج بترايوس من دون تطويره جذريًا، فلا الولايات المتحدة الأمريكية بوارد تخصيص المستوى نفسه من الالتزام السياسي والمالي الذي كانت تخصصه في زمن بترايوس، ولا المجتمع المحلي المنهك والذي تعرض لأكبر عمليات التهجير في تاريخه يمتلك الإمكانية السابقة ذاتها لصناعة بديل متجانس ولا فصائل قد تتناحر في المستقبل. وإذا كان هذا الخيار يعتمد أيضًا على التزام الحكومة العراقية بدعم القوة المسلحة السنية، فإن هذا الالتزام سيكون دائما في موضع الشك في ضوء الصراع الشيعي-الشيعي الذي قد يضعف قدرة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي على تحقيق تسوية تاريخية تقوم على توزيع السلطة بالطريقة التي تطرحها الولايات المتحدة الأمريكية.

ويظل التحدي الأكبر هو الموازنة بين توزيع السلطة والحفاظ على هيكل الدولة، توازن بدا حتى الآن عصيا على التحقيق خصوصا في ظرف نمو الأفكار العابرة  للحدود وتدخل القوى الإقليمية الكبرى وتراجع الموارد. لهذا يبدو أن أي رؤية طموحة لبناء الاستقرار مقرونا بأطر أكثر عدالة للحكم، تحتاج إلى تسوية إقليمية كبرى لم تجهز عناصرها بعد، ولا يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية تنظر إليها بوصفها خيارًا جديًا. لقد انتقلت السياسة الأمريكية في مرحلة ما بعد الحرب الباردة من محاولة تشكيل منطقة الشرق الأوسط بما يخدم مصالحها الجيوسياسية، إلى محاولة احتواء آثار التحول الجاري بسبب الديناميات الداخلية للمنطقة وصراعاتها وسقوط نماذج حكمها القديمة وإطلاق نزعات هوياتية بديلة لتحل محل الدولة الوطنية. وهذه العملية لم تحصل بمعزل عن الدور الذي قامت به السياسة الأمريكية لعقود طويلة في المنطقة، لكنها تجري بقدر من الاستقلالية عن سيطرة تلك السياسة. لكن ماذا عن مستقبل النفوذ الإيراني في العراق ما بعد داعش؟

 مثل سيطرة تنظيم “داعش” على مناطق عديدة في العراق قد فرصة سانحة لطهران من أجل تعظيم نفوذها، لا سيما في ظل تغاضي واشنطن عن هذا النفوذ المتنامي لانشغالها بمواجهة التنظيم. إلا أن ذلك لا ينفي أن مرحلة ما بعد “داعش” قد تشهد تراجعًا في النفوذ الإيراني، وذلك لاعتبارين رئيسيين: يتمثل الأول، في تصاعد تأثير العديد من القوى والحركات السياسية العراقية المعارِضة للوجود الإيراني، نتيجة الممارسات الطائفية، وانتهاكات حقوق الإنسان التي تمارسها الميليشيات الشيعية، وهو ما يمكن أن يحظى بدعم دولي وإقليمي خلال المرحلة المقبلة. وينصرف الثاني، إلى تزايد معارضة الجمهوريين في الكونجرس الأمريكي لأي نفوذٍ إيراني مؤثر في المنطقة، خاصة بعد توقيع الاتفاق النووي المحتمل، وهو مسار ترجحه اتجاهات عديدة ترى أن وصول رئيس جمهوري إلى البيت الأبيض في المرحلة القادمة يمكن أن يدفع واشنطن إلى تبني سياسة جديدة لتحجيم النفوذ الإيراني في العراق.

 لقد فرضت التطوراتُ الجديدة التي طرأت على الساحة العراقية والمتمثلة في سيطرة تنظيم “داعش” على مناطق واسعة في شمال العراق بداية من 10حزيران/ يونيو 2014، دورًا إيرانيًّا أكثر قوةً في العراق، إلا أن ذلك ربما ينتج تحديات أمام إيران، خاصة بعد أن أصبحت الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران تشكل خطرًا كبيرًا على سيادة العراق، بشكل ربما يدفع اتجاهات عديدة إلى التحرك في الفترة القادمة من أجل العمل على تحجيم الدور الإيراني في العراق، رغم أن ذلك يواجه عقبات عديدة لا تبدو هينة.

          وحدة الدراسات العراقية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الإستراتيجية