القوات التركية في العراق : الدوافع والأهداف

القوات التركية في العراق : الدوافع والأهداف

Turkey-Iraq

أثارت الانباء والمعلومات التي نشرها محمود خالد السورجي الشخصية الكردية والناطق الرسمي باسم معسكر الحشد الوطني عن التحاق (3) أفواج عسكرية تركية كاملة العدد والتجهيز من معدات ودبابات ومدرعات واليات ومدافع وذخائر الى معسكر الحشد الوطني المهئ لتحرير مدينة الموصل الواقع في منطقة زليكان ضمن قضاء الشيخان التابع لمحافظة نينوى كثيرا من التساؤلات والتكهنات عن تدخل عسكري تركي في شمال العراق وتحديد مهمته بعمليات قتالية مشاركا لمقاتلي ومتطوعي الحشد الوطني في اخراج مقاتلي تنظيم الدولة الاسلامية من مدينة الموصل .
وأدت هذه المعلومات الى احداث ارباك في الوضع العام في العراق وتحديدا في المناطق المحيطة باطراف مدينة الموصل خاصة وان هذا المعسكر يضم أكثر من (1200) مقاتل من متطوعي ومقاتلي اهالي محافظة نينوى وتم اعداده ةالاشراف عليه من قبل أثيل عبد العزيز النجيفي محافظ نينوى السابق ويضم عدد من المتطوعين من ابناء المحافظة على اختلاف انتماءاتهم واعمالهم وارتباطاتهم وتم التحاقهم واعدادهم واعادة ترتيب اوضاعهم لتهيئتهم لتحرير الموصل .
ان وجود هذه الاعداد من القوات التركية يدعوننا الى التأمل ومواجهة تطور الاحداث في شمال العراق وتحديدا في المناطق التي تشهد نزاعا عسكريا ومواجهة واضحة مع مقاتلي الدولة الاسلامية في شمال الموصل واطرافها بسهل نينوى حيث لا زالت قوات من تنظيم الدولة تحكم سيطرتها على نواحي وأقضية تشكل أهمية استراتيجية وتعبوية في تعزيز تواجده وبقائه في مركز مدينة الموصل.
ويمكن لنا قراءة المشهد السياسي والعسكري بهذه المناطق وفق المنظور الاتي:
1.ان معسكر زليكان أعد واشرف عليه من قبل محافظ نينوى السابق والذي طلب وجود عدد من القادة والضباط الاتراك للتدريب والاشراف على اعداد المتطوعين وتهيئة المقاتلين وابداء المساعدة الميدانية الكفيلة بانجاح مهمتهم التعبوية في تحرير مناطقهم واخراج تنظيم الدولة الاسلامية منها .
2.سبق لمثل هذه القوات وان تواجدت في معسكر بعشيقة الكائن في منطقة جبل بعشيقة المطل على مركز المدينة وفيه أكثر من (200) عسكري تركي بمختلف الرتب وبمعداتهم واجهزتهم العسكرية التي تتألف من (13) عجلة عسكرية كبيرة و(8) مصفحات كبيرة الحجم واخرى صغيرة الحجم يبلغ عددها (4) مصفحات مع (15) دبابة وعدد من الصهاريج .
3.ان ناحية بعشيقة تقع شمال غرب مدينة الموصل ويسيطر تنظيم الدولة الاسلامية على مركز الناحية بعد تمكنه من التقدم والزحف شمال مدينة الموصل التي تواجد فيها منذ العاشر من حزيران عام 2014 وسيطرته على عددمن المواقع في منطقة سهل نينوى في حين ان المرتفعات والمناطق المحيطة بناحية بعشيقة بيد القوات الكردية العراقية المسلحة .
4.ان تواجد هذه القوة من المستشاريين والمدربين العسكريين الاتراك حصل بعلم وتنسيق بين حكومة بغداد والمسؤولين في أقليم كردستان العراق قبل اكثر من سنة ونصف غايته تسريع الخطى واعداد الخطط لأخراج مقاتلي التنظيم من مدينة الموصل والمناطق المحيطة بأطرافها .

ولكن ما هي الدوافع والاسباب لنشر هذه المعلومات الان ومن ورائها وما هي النتائج المتوخاة منها هذا ما سنحاول تسليط الضوء عليه في النقاط التالية:
1.ان القرار الستراتيجي الذي اتخذته الحكومة التركية بربط انابيب حقول النفط الذي تهيمن عليه حكومة اقليم كردستان مع الخط العراقي الممتد للموانئ التركية على البحر الابيض المتوسط مقابل استمرار تعطيل الخط الرئيسي القادم من جنوب العراق ومحافظة كركوك بسبب الاحداث التي اعقبت دخول مقاتلي تنظيم الدولة الاسلامية للعراق وسيطرته على الكثير من المواقع والابار النفطية في مناطق محافظات نينوى وصلاح الدين وكركوك ، فبدلا من التعامل برؤية واضحة وسليمة من قبل الحكومة العراقية نراها تصعد من وتيرة الاتهامات لانقرة وتوجيه الاتهامات لها .
2.التأثير على النتائج الايجابية التي التي حققتها الزيارة التي قام بها رئيس أقليم كردستان مسعود البرزاني لكل من دولة الامارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والاستقبال الذي حظي به من قادة هذه الدولتين خاصة العاهل السعودي الملك سلمان والتي دعمت وساندت القيادة الكردية في الاقليم وسياستها في التعامل مع الشأن والتطورات السياسية في العراق وان اي حلول تشهدها المنطقة بالمستقبل ستكون لقيادة الاقليم دورا حيويا فيها .
3.احراج القيادة الكردية في منطقة اقليم كردستان العراق واحداث شرخ في علاقتها مع حكومة بغداد ومحاولة وضع العراقيل امام اي حالة من التفاهم بينهما ،خاصة وان مثل هذه المعلومات تعطي لبغداد وبعض السياسين العراقيين موقفا يسعون فيه لتأزيم العلاقة مع أربيل .
4.ان الحضور التركي على الاراضي العراقية لم يكن امرا جديدا وحصل هذا باتفاق مع الحكومة العراقية وأكده رئيس وزراء تركيا (احمد عبدالله اوغلو) في المؤتمر الصحفي الذي عقده يوم الخامس من كانون الاول 2015 وان ليس لتركيا اي اطماع في العراق او انها تسعى للسيطرة على اراضي ومناطق عراقية وان وجود العسكريين الاتراك هو اعطاء دورات تدريبية وتقديم المشورة العسكرية التي تساهم بتطوير المقاتلين العراقيين .
5.جاءت المعلومات عن الانتشار التركي العسكري بعد أيام من اعلان الحكومة الامريكية ارسال قوات برية اضافية الى العراق حيث يتمركز اكثر من (3500) جندي امريكي للمساعدة في تنفيذ عمليات محددة ضد تنظيم الدولة الاسلامية .
6.الاعلان عن نشر هذه القوات جاء بعد ازمة اسقاط الطائرة الروسية من قبل الدفاعات الجوية التركية على الحدود السورية التركية ومحاولة لتأجيج حالة الصراع مع الحكومة التركية وزجها في مواقف سياسية تحسب عليها في التدخل بمناطق مهمة وذات نزاع عسكري شائك وخطير وتصعيد المواجهة مع تركيا لاحراج المسؤولين الاتراك وتصعيد الموقف ضدهم بما يخدم السياسات الاقليمية والمصالح الدولية في هذه المنطقة المهمة .
ان الرؤية السياسية لمجمل الاوضاع التي يشهدها العراق وغياب الحلول الكفيلة باصلاح الاوضاع فيه وعدم الاتفاق على مشروع سياسي يوحد العراقيين ويبعد عنهم الصراعات الطائفية والاثنية والقومية كفيل بان نرى اوضاعا اكثر مأساوية في العراق مع استمرار التدخل الخارجي لجميع الدول والجهات ذات المصلحة الاقليمية والدولية في تحديد مستقبل العراق .

وحدة الدراسات العراقية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية