على خلفية الأزمة العراقية التركية:هل أبقى النفوذ الإيراني ومليشياته للعراق سيادة؟!

على خلفية الأزمة العراقية التركية:هل أبقى النفوذ الإيراني ومليشياته للعراق سيادة؟!

IRAN-Militias-660x330

 أثار استبدال الحكومة التركية الوحدة العسكرية المكلفة بتدريب قوات البيشمركة والموجودة في المنطقة بعشيقة القريبة من مدينة الموصل منذ قرابة عامين ونصف العام، جدلًَا كبيرًا في الطبقة السياسية العراقية بين معارض ويطالب بمحاسبة تركيا، وبين مؤيد لها ويرى فيها وسيلة لمواجهة تنظيم الدولة في العراق وبلاد الشام”داعش”. فالمعارض لهذا التواجد توالت بياناته الاستنكارية فعلى مستوى رئاسة الجمهورية عد فؤاد معصوم رئيس جمهورية العراق الوجود التركي “انتهاكاً للأعراف الدولية ومساً بالسيادة الوطنية”، وينسحب هذا الموقف على مستوى رئاسة الوزراء إذ أشار رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إلى أن وجود قوات تركية مدرعة “خرق خطير للسيادة العراقية”. وهدد باستخدام كل الخيارات في حال عدم انسحاب القوات التركية من الأراضي العراقية. وتحدى الحكومة التركية بإبراز أي دليل حول علم الحكومة العراقية أو موافقتها على دخول القوات التركية إلى العراق.

أما على مستوى مجلس النواب العراق صوّت في 9كانون الثاني/دبسمبر من الشهر الجاري في جلسته التي عقدها برئاسة سيلم الجبوري، على قرار يدين دخول قوات تركية عسكرية الى الأراضي العراقية. ودعا حاكم الزاملي رئيس لجنة الأمن والدفاع فيه، القوة الجوية العراقية إلى قصف مواقع القوات التركية الموجودة حالياً في مدينة الموصل. وقال: إن “دخول القوات التركية إلى مدينة الموصل شمالي العراق يعد بمثابة جس نبض لدخول قوات من دول أخرى لتكون بديلاً عن داعش”. وطالب الزاملي القائدَ العام للقوات المسلحة رئيسَ الوزراء، حيدر العبادي، بإصدار أوامر للقوة الجوية وطيران الجيش بضرب هذه القوات في حال رفضها الانسحاب، لافتاً إلى أن “هذه القوات دخلت بموافقة حكومة إقليم كردستان، وليس بموافقة الحكومة المركزية”.

وفي خطوة تصعيدية من قبل الحكومة العراقية ضد تركيا خوّل مجلس الوزراء العراقي في 8كانون الأول الثاني/ديسمبر من الشهر الجاري، رئيس الوزراء حيدر العبادي اتخاذ الخطوات والاجراءات التي يراها مناسبة بشأن التواجد التركي على الاراضي العراقية .وبحسب بيان لمكتب رئاسة الوزراء جاء فيه، ان مجلس الوزراء يخوّل السيد رئيس المجلس حيدر العبادي اتخاذ الخطوات والاجراءات التي يراها مناسبة بشأن تجاوز القوات التركية على الحدود العراقية وخرقها للسيادة الوطنية مع دعمه الكامل للقرارات التي اتخذها مجلس الامن الوطني بشأن الموضوع ومتابعة تنفيذها. وتابع البيان، ان مجلس الوزراء أجمع على ان دخول قطعات من القوات التركية أمر مرفوض ومستنكر، وان الحكومة العراقية تجدد موقفها بمطالبة الحكومة التركية بسحب قواتها. كما خول التحالف الوطني رئيس الوزراء حيدر العبادي بالتصدي لازمة دخول قوات عسكرية تركية الى الأراضي العراقية. واتفق اعضاء التحالف خلال اجتماع عقدوه برئاسة رئيس التحالف الوطني ووزير الخارجية ابراهيم الجعفري على تخويل العباديِّ باتخاذ الاجراءات الضروريّة للحفاظ على أمن وسلامة البلد، ومن بينها اللجوء إلى مجلس الأمن الدوليِّ والجامعة العربيّة اذا لم يسحب الجانب التركي قواته من العراق.

   ولا يختلف موقف رأس حربة النفوذ الإيراني للعراق والمتمثلة بالمليشيات الشيعية، المعروف بولاءاتها الطائفية الشيعية لإيران، سواء في العاصمة طهران أو بقلب المنطقة الخضراء في بغداد، عن المواقف السابقة، إذ هددت بضرب المصالح التركية في العراق؛ رداً على ما وصفوه “دخول قواتها إلى مدينة الموصل”. وقال القيادي في كتائب سيد الشهداء، رضا الساعدي  إن “كافة الفصائل المقاتلة المنضوية تحت منظومة الحشد الشعبي اتفقت على ضرب المصالح التركية في العراق، وإنها بصدد أن تعمم بيانات في الأسواق عامة وبين المواطنين تدعو إلى مقاطعة البضائع التركية”.

أما هادي العامري القيادي الميداني لهذه الميليشيات سارع إلى تهديد الأتراك الموجودين في شمالي العراق بأن “يدمر دباباتهم فوق رؤوسهم” إذا لم يغادروا المناطق العراقية التي دخلوها، مؤكدا أن السلطة في المنطقة الخضراء “لا علم لها بهذا الدخول” خاصة بعد أن أصدر مكتب رئيس الوزراء حيدر العبادي بيانا ندد فيه بتواجد القوات المدرعة بالدبابات قرب منطقة كردستان والموصل. ودعا الأمين العام لمنظمة بدر والقيادي في ما يسمّى قوات الحشد الشعبي هادي العامري إلى الخروج في تظاهرات أسماها “تظاهرات السيادة” وقال العامري خلال حفل استذكار الثورة الحسينية الذي أقيم في الجامعة المستنصرية ببغداد “إننا سنخرج الجمعة في تظاهرات سيادة والدفاع عن السيادة”، مضيفا أننا “لا نقبل بأي شكل من الأشكال التجاوز على سيادة العراق”. وأضاف العامري أن “الأتراك تجاوزوا الحدود العراقية بطائراتهم ودباباتهم وقواتهم البرية ونحن صامتون، في حين قاموا بإسقاط الطائرة الروسية تحت ذريعة أنها تجاوزت الحدود التركية بـ17 ثانية”. وتابع كل ذلك “يحتم علينا بذل المزيد من الجهد لرفض هذا العدوان التركي”، مخاطبا الأتراك “إنكم لستم أقوى من الأميركان الذين خرجوا تحت الضغط ودباباتكم ستدمر على رؤوسكم في حال عدم إخراجها من العراق”. كما دعت  عن الفصائل الشيعية المسلحة إلى قطع الصلات بين بغداد وبين حكومة اقليم كردستان برئاسة مسعود البارزاني، على اعتبار أن الأكراد سهلوا دخول القوات العسكرية التركية الى شمال العراق، كما ان بعض الفصائل دعت العبادي الى شن غارات جوية ضد مواقع العسكريين الأتراك. وفي هذا المسار أكد الناطق الرسمي باسم الحشد الشعبي كريم النوري على اللجوء إلى القوة المسلحة ضد تركيا ما لم تسحب قواتها من العراق. وأضاف” الحشد الشعبي لا يفرق بين الاحتلال الداعشي أو التركي الذي يدنس أرض العراق والخيارات مفتوحة للمواجهة”

 وقد دعا زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، مجلس الامن الدولي لإصدار قرار يلزم تركيا بإخراج قواتها من العراق.واوضح الصدر في رد على سؤال ورده بشأن موقفه من دخول القوات تركية الى الاراضي العراقية، وما نتج عنه من مواقف سياسية ،ان العراق بات ساحة للصراع بين اطراف عدة مثل الصراع بين واشنطن وموسكو او الصراع بين الاخيرة وانقرة. واستغرب الصدر اصدار البيانات التي تهدد بضرب مصالح انقره في العراق في هذا التوقيت على الرغم من ان الاخيرة جاثمة على اراضي هذا البلد منذ زمن داعيا البرلمان الى اتخاذ طريق التصعيد السياسي وليس العسكري في الوقت الحالي.

وعلى النقيض من ذلك، جاء الرد من أثيل النجيفي،محافظ نينوى سابق ومؤسس الحشد الوطني الذي يحارب داعش، الذي يرى أن التدخل العسكري التركي في شمال العراق “سوف يساعد على تحرير المناطق التي تسيطر عليها داعش، وهو تدخل مرحب به من قبل المواطنين”. وكشف أثيل النجيفي محافظ نينوى السابق، أن قدوم القوات التركية إلى محافظة نينوى شمال العرق “تم بموافقة رئيس الوزراء العراق حيدر العبادي وبعلم من رئيس مجلس النواب سليم الجبوري”. وقال النجيفي في منشور له على صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، إن “القوات التركية التي جاءت كانت بطلب من رئيس الوزراء العراقي خلال لقائه مع رئيس الوزراء التركي أحمد داودأوغلو”.وأضاف أثيل النجيفي أن “العبادي طلب أي مساعدة عسكرية تقدمها تركيا للعراق، وعلى إثرها أرسلت أنقرة شحنات عسكرية إلى مطار بغداد كما أرسلت قوات تركية لتدريب قواتنا في معسكر ‏زليكان منذ أكثر من ثمانية أشهر”، مؤكدا أنها “بعلم رئيس مجلس النواب، سليم الجبوري الذي تحدث عن موضوع المعسكر مع داودأوغلو، وإذا كانوا لا يستطيعون مواجهة النفوذ الإيراني الذي أبلغ رفضه لحكومة العبادي والتي بدورها غيّرت رأيها بسرعة في خصوص التدخل التركي وكأنهم لا يعلمون شيئا، فهذا شأن آخر”.وأضاف النجيفي “أما نحن كمواطنين لمحافظة نينوى ولا نحمل صفة رسمية، فإننا نرحب بأي قوة تقدم لنا المساعدة الحقيقية لمحاربة داعش وطردها من الموصل، ووجود الدعم والإسناد التركي مهم وحيوي لأنه يقطع عدة طرق على داعش ويعجّل بتحرير الموصل. وتركيا قادرة على تحديد دورها من خلال التحالف الدولي”. وأوضح النجيفي في نهاية منشوره، أقول إلى الذين “يتبرأون من قراراتهم بأننا لن ندخر جهدا لتحرير مدينتنا بعد أن خذلتمونا أول مرة وسلمتم مدينتنا لداعش وبعد أن تخليتم عنا مرة ثانية ولم تقدموا أي عمل جدي لتحريرها”. وقال أثيل النجيفي، في سياق التأكيد على ترحيبه بالتدخل التركي، “تشير المعلومات الواردة من مدينة الموصل إلى أن إرهابيي داعش قاموا باعتقال عدد كبير من ضباط الجيش العراقي السابق كخطوات استباقية لخوفهم من التحاق أولئك الضباط بالحشد الوطني عند بدء معركة الموصل.

أما عن الموقف التركي إزاء هذا الهجوم العراقي فقد صرّح رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان أن القوات التركية الموجودة بالقرب من مدينة الموصل كانت بطلب من رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، وهذا ما أكد عليه رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البارازني عندما صرّح بالقول” أن هناك تنسيق أمني مسبق بين العراق وتركيا بشأن وجود قوات تركية عند أطراف الموصل”.

وبتحليل الأزمة التركية العراقية الراهنة بعيد عن التشنج والتوتر والطائفية يمكن القول أن الحكومة التركية أجرت محادثات مكثفة مع الولايات المتحدة قبل نشر قواتها حول مدينة الموصل، شمالي العراق، وأن نشر قوات عسكرية تركية حول بلدة بعشيقة بالقرب من الموصل يعكس التنسيق العسكري عالي المستوى بين أنقرة وواشنطن، ولذلك يمكن تأكيد وجود ضوء أخضر أميركي لهذه الخطوة التركية. وأن وجود عسكريين أتراك يدربون قوات السنة العرب بالتحديد في المنطقة التي تمركزوا بها دليل على أن تركيا حليف مهم في الحرب على تنظيم «داعش»، موضحاً أن القوات التركية المنتشرة حول بعشيقة تبعد مسافة 12 إلى 18 كيلومتراً عن مواقع مسلحي «داعش»، وبالتالي احتمال المواجهة بين الطرفين مطروح بقوة.
وأضف إلى ذلك أنه لا يستبعد نشر بعض المدربين الأتراك العسكريين في محافظة كركوك، شمال بغداد، لأن المحافظة لازالت تواجه تهديداً جدياً من «داعش» الذي يسيطر على بلدة الحويجة المهمة داخل المحافظة ولديه نشاط واسع في مناطق جبال حمرين الواقعة في مثلث كركوك ومحافظتي ديالى وصلاح الدين. أما التمسك بمبدأ سيادة العراق على كامل ترابه الإقليمي وأن تركيا انتهكتها من خلال إرسال الجنود يمكن القول أن التمسك بهذه السيادة بالنظر إلى الممارسات الفعلية لا وزن لها. فمنذ الاحتلال الأميركي للعراق، لم تعد مسألة سيادة هذا البلد واستقلاله أولوية في أجندات الزعماء والساسة الجدد، نظرا لارتباط العديد منهم بخيوط ومصالح خارجية تسيّر توجهاتهم السياسية وترسم مسار تحركاتهم على مختلف الجبهات، ولعل الطرف الأهم المستفيد من هذا الشكل غير المباشر من الهيمنة هو إيران فالفصائل الشيعية التي تتباكى على احترام السيادة العراقية تستقبل في كل يوم عسكريين وخبراء وأسلحة من ايران ويوجد المئات من عناصر الحرس الثوري الأيراني بين مقاتلي قوات «الحشد» التي تقاتل «داعش»، ولكن عندما يتعلق الموضوع بدعم تركي أو اميركي للسنة والأكراد يكون الاعتراض والتشكيك والتهديد وكأن العراق هو لمكون واحد وكأن الحرب على الإرهاب هي من اختصاص مكون بعينه». والسؤال الذي يطرح في هذا السياق على الحكومة العراقية والمليشيات الشيعية: ماذا يفعل قاسم سليماني في العراق هل هو ممثل الصليب الدولي فيه، أم ماذا؟
أما الحديث عن السيادة العراقية وعدم انتهاكها فكما هو معلوم أن العراق دولة ناقصة السيادة نظرا لوقوعه بشكل فعلي تحت النفوذ الإيراني منذ الاحتلال الأمريكي له وتحديدا في العام 2006م. فمفهوم السيادة لا يتجزأ وفق هوى الطبقة السياسية الحاكة في العراق. فالعراق قبل عدة أيام تعرض لواحدة من الانتهاكات التاريخية لسيادة الدولة، إذ إجتاحه وعبر منفذ “زرباطية” الحدودي بين العراق وإيران أكثر من نصف مليون إيراني، ودخلوا البلاد عنوة ومن دون جواز سفر ولا تأشيرة، ولا أي أوراق ثبوتية، بذريعة إحياء أربعينة الإمام الحسين! وقد حدثت تلك الخطوة في ظل ضعف منهجي وعدم وجود قوات على الحدود وإهمال فظيع من القيادة العامة العسكرية التي يرأسها رئيس الوزراء حيدر العبادي، وطبعا البرلمان لم يتحدث أو يستنكر، والدولة لم تتصرف، بل تركت الأمور فوضى عارمة يتفرج عليها الجيش العراقي الذي بدلا من أن يواجه هذا الانتهاك للسيادة بحزم وقوة.
هل من المعقول ما يجري؟ لقد قامت الحكومة العراقية على أقدامها بدءا من رئيس الجمهورية مرورا برئيس الحكومة حيدر العبادي وكل أركان دولة إحتجاجا على دخول قوات تركية طالبين منها الإنسحاب الفوري أو أن المواجهة مع المليشيات الشيعية، بينما صمتت الدولة العراقية التائهة عن فضيحة تسلل مئات الآلاف من عناصر «الباسيج» والحرس الثوري للعمق العراقي في اعتداء علني، وهم يرفعون الرايات والإعلام الإيرانية في مشهد تاريخي فضائحي لإنهيار السيادة ولتمركز جيش من طوابير الحرس الثوري في العراق لتفعيل مسارب الحرب الأهلية الطائفية القائمة!  ويودع العراقيون العام 2015 بفضيحة وطنية من العيار الثقيل، ويكرس النظام الطائفي التحاصصي القائم أزمته التاريخية، ويؤكد عجزه التام عن مهمة قيادة العراق نحو بر الأمان، وبما يشكل إرهاصة حقيقية ليس لنهاية العراق كدولة موحدة ذات سيادة فقط، بل لرفع راية المشروع الإيراني في الهيمنة وتجزئة المنطقة.
في الختام يأتي التصعيد العراقي ضد التواجد العسكري التركي بالقرب من مدينة الموصل في سياق التطورات العسكرية والأمنية في البيئة الإقليمية ولاسيما بعد التدخل العسكري الروسي المباشر في الأزمة السورية في 30أيلول/سبتمبر الماضي، وتشكيل تحالف رباعي أمني يضم روسيا وإيران والعراق وسوريا، كما يأتي أيضا بعد إسقاط سلاح الجو التركي في 24تشرين الثاني/نوفمبر الماضي المقاتلة الروسية من طراز “سوخوي24″، التي انعكست بشكل سلبي على العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية التركية الروسية، كما إنها تأتي أيضا في سياق التهديد الروسي لتركيا بأن الرد على إسقاط المقاتلة لن يقتصر فقط على الجانب الإقتصادي والدبلوماسي وإنما سيشمل  أيضا أبعاد أخرى. فروسيا من أجل القضاء على المعارضة السورية تدخلت في سوريا تحت ذريعة محاربة تنظيم الدولة”داعش” وقد يتكرر هذا الأمر في مواجهة تركيا في العراق ما لم يتم تسوية الأزمة بعقلانية لأنها ستكون نذر حرب إقليمية واسعة.
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية