تحذير أخير للتأثير الأمريكي في سوريا

تحذير أخير للتأثير الأمريكي في سوريا

بتواصلي المباشر وجهًا لوجه مع قيادة ما يقارب الـ50 تنظيمًا سوريًا مسلحًا في الأسابيع الأخيرة، أستطيع أن أقول إن مستويات الأمن والاحترام للولايات المتحدة في المعارضة السورية في أدنى مستوياتها على الإطلاق. بدلًا من تعزيز الثقة والمكانة بين المجموعات التي كانت تدعمها الولايات المتحدة، فإن قرارات وإجراءات السياسة الأمريكية الأخيرة في سوريا قوضت كثيرًا مكانها داخل الصراع؛ وبالتالي شجعت المتطرفين.

ويبدو أن أمريكا تقف على حافة خسارتها العناصر المتبقية الأخيرة من النفوذ والسياسة في الصراع السوري، مما قد يؤدي لتطورات خطيرة جدًا يجب تجنبها بأية تكلفة.

وبينما ارتكبت أخطاء واضحة في السياسة الخارجية منذ انفجار الصراع في سوريا في 2011، فإن صعود داعش وتصرفاتها العنيفة ضد السوريين والرهائن الغربيين شجع توحيد سياسة سورية تبدو أنها خالية تمامًا من أي فهم أو تقدير للمتغيرات والوقائع على الأرض. لعزل داعش، كان البدء بتنفيذ ضربات جوية ضدها صحيحًا، وتركيز حشد تحالف دولي يجب أن يعزز. على أي حال، فإن التركيز المحدود للضرات في سوريا يعني  أن التحالف يحقق احتواء أقل من قصير المدى لطموحات داعش.

وبشكل موسع، فإن أكثر من 200 ألف شخص قتلوا في سوريا منذ آذار 2011، مع عشرات الآلاف من المفقودين. هذا الواقع المرعب -الذي يرمز له العديد بالقنابل البرميلية التي يسقطها النظام، والآن بقنابل الفيل التي تطلق من الأرض في دمشق- لم يتوقف يومًا واحدًا منذ بدء الضربات الجوية في الـ22 من أيلول/سبتمبر، بل تصاعدت وتيرته كذلك. بحسب إحصاءات قريبة، شن الطيران الحربي السوري ما يقارب الـ2000 غارة جوية بين الـ20 من تشرين الأول والـ29 من تشرين الثاني، مؤديًا لمقتل 527 شخصًا، وإصابة أكثر من 2000. ومع الطيران الأمريكي المحلق في الأجواء السورية، فإن هذا لن يغيب عن ذاكرة السوريين.

بالنسبة للمعارضة السورية، فإن نظام الأسد وداعش وجهان لعملة واحدة، ولكن بكون نظام الأسد “رأس الأفعى” وداعش “ذيلها”. فشل التحالف الذي تقوده أمريكا لاستهداف النظام ينظر له كمعادل موضوعي، كتصرف معاد للثورة. أكثر من ذلك، مما قد يفاجئ المراقبين الخارجيين، فإن جبهة النصرة التابعة للقاعدة لا زالت حتى اليوم عاملًا مؤثرًا في الحرب ضد النظام؛ وبالتالي، فالضربات على موقعها ينظر لها على أنها دليل للمصالح الأمريكية المضادة للثورة. بالرغم من أن وجهة النظر هذه قد تتغير، بقول أحد القادة السوريين السلفيين إن “النصرة تسير في الطريق الخطأ”، فإن ضرب مقرات حركة أحرار الشام السورية في 5 تشرين الثاني الماضي -وقد تأكد من العديد من السوريين والمصادر الدولية- قد عزز الانطباع بأن المصالح الأمريكية ابتعدت عن الثورة السورية.

إذا كانت ضربات التحالف ضد داعش في سوريا مختارة بطريقة لحماية أو الدفاع عن المعارضين والمدنيين، فإن درجة من الغضب يمكن امتصاصها. ولكن، هذه ليست الحالة، كما يبدو بوضوح في شمال شرق حلب؛ حيث لا زالت داعش هادئة في هجومها ضد مقاتلي النظام الذين يواجهون في الوقت نفسه تقدم قوات النظام من جنوب حلب. مصير حلب عامل مهم وجودي للثورة، ولكن يبدو أن داعميهم في واشنطن والأماكن الأخرى غير معنيين.

الواقع المنحوس ازداد تعقيده بموقف مبعوث الأمم المتحدة دي ميستورا لـ”تجميد” القتال في حلب كجزء من خطة لتشجيع الحل السياسي للصراع. عند الحديث بشكل خاص، فكل الفصائل المعارضة الفعالة في حلب تعترف بأنها تخسر، لذلك بينما وافق وزير الخارجية السوري وليد المعلم على تجميد الصراع، فإن ذلك سيكون بمثابة اعتراف علني بالهزيمة بالنسبة للمعارضة. ومع ذلك، فإن مجموعات حلب تشتكي من أنه بينما زار دي ميستورا دمشق، فإنهم لم يستطيعوا سوى الالتقاء بنوابه. كما أن مبادرة تجميد القتال بوضعها الحالي لا تخلو من الخيال.

بأخذ كل ذلك معًا، فإن هذه الوقائع المشاهدة أدت لشك حاد في أهداف أمريكا في سوريا. وأدى ذلك لكون المجموعات التي تدعمها أمريكا علنًا تعاني من انحدار واضح في سمعتها. تبعات هذا الانتقال كانت واضحة بشدة في بداية تشرين الثاني الماضي عندما هاجمت جبهة النصرة -بدعم قليل من مجموعات معارضة أخرى، ولكن الأكثر أهمية بمستوى اجتماعي من السكان المحليين- وأجبرت جبهة ثوار سوريا المدعومة أمريكيًا وحركة دعم على الخروج من مقراتها في إدلب. قائد جبهة ثوار سوريا جمال معروف، الذي بالرغم من سمعته العالية بالفساد يحظى بدعم إعلامي كبير في أمريكا، غادر قاعدته ورحل إلى تركيا. قادة الكتائب المعتدلة لاحقًا وصفوه بأنه “متوتر جدًا” بعد اجتماعه في غازي عينتاب مع المجلس العسكري الأعلى في 17 تشرين الثاني.

هذه الهزيمة الكبيرة لجبهة ثوار سوريا عززت الثقة بالمجموعات المتطرفة مثل جبهة النصرة، والتي استمرت منذ حينها بالتوسع في سيطرتها من جانب واحد على مناطق استراتيجية شمال غرب سوريا. أشعل هذا كذلك أزمة ثقة بين المجموعات المدعومة من الغرب، حيث يتحدث الكثيرون منهم ضمنيًا عن عدم ثقتهم بداعميهم الأمريكيين. وبشكل خاص مجددًا، عبر قادة كبار المجموعات المدعومة أمريكيا عن مخاوفهم من أن فشل السياسة الأمريكية في سوريا يعني انشقاق مقاتليهم عنهم، وانتقالهم لمجموعات أكثر تشددًا. وقال أحد القادة، كصدى لقول بعض من سبقه إنه “عاجلًا أم آجلًا، لن يبقى في سوريا سوى جبهة النصرة والدولة الإسلامية والنظام”. بعض المعتدلين الغاضبين من الحالة ذهبوا بعيدًا بادعائهم أنه “لن يكون من السهل عليهم إدانة جبهة النصرة أو داعش إذا حصلت هجمة إرهابية باسم أحدهما في الغرب”، فقد قال أحد قادة الجيش السوري الحر، إنه “إذا شعروا ليوم واحد بمعاناتنا في سوريا، فليكن ذلك”.

المعلومات الأخيرة حول مجلس قيادة الثورة الذي شكله 72 فصيلًا معارضًا في الـ29 من تشرين الثاني كان تطورًا واضحًا كبيرًا، فبعد أربعة شهور من المفاوضات بين أكثر 100 فصيل مؤثر في سوريا، عملت بنية المجلس كتذكير قاس لتبعات فشل الغرب وأمريكا أن يكون داعمًا بشكل كاف للمصالح الجوهرية للثورة من جهة، وواسعًا بما يكفي لينتشر بين المجموعات وتستطيع رؤية هذه المصالح متحققة.

الأعضاء التأسيسيون في الجبهة الإسلامية -التي شكلت بشكل أساسي في تشرين الثاني 2013، كاحتجاج على مؤتمر جنيف 2، والمعارضة السياسية في الخارج والمدعومة من الغرب- اختيروا لمناصب مهمة في قيادة المجلس، بما في ذلك رئاسة المكتب السياسي. أحرار الشام، التي ينظر لها بشك من قبل الغرب، حصلت على مقعدين في المجلس التنفيذي، وأثرت بشدة على عملية تشكيل المجلس وتلعب دورًا رئيسًا -بجانب فريق من القضاة والمحامين المنشقين- في المجلس، طامحين في المقام الأول لتشكيل محكمة معارضة من خلال دمج ظاهري براغماتي بين القانون العربي المدني والشريعة. سواء ظل المجلس متماسكًا أم لا في الشهور القادمة، فإن تشكيلته أظهرت غيابًا نسبيًا للمجموعات المعروفة بدعمها من أمريكا والغرب.

بدون سؤال، فداعش تهديد إقليمي ودولي أمني، ولكن دولة بـ100 ألف متمرد مسلح غاضب تهديد كذلك. لكل الثوار السوريين -من مجموعات الجيش الحر المدعومة من أمريكا إلى أحرار الشام السلفية- فإن داعش تهديد، ولكن النظام عدو. قتال الأخير يمثل طريقة لهزيمة الأول، وليست العكس. قتال داعش وتجاهل النظام ببساطة ليس خيارًا.

المعارضة السورية المسلحة محددة الآن بالذهاب وحدها، فبحسب ما أخبرني قائد مدعوم من الغرب، فإنه “ببساطة لم يبق هناك ثقة بأمريكا. سنفعل ما نحتاجه للثورة والشعب، بقينا لثلاث سنوات نستجدي المساعدة الأمريكية. ويومًا ما، قد يندمون على عدم إعطائنا إياها بصدق”.

بالرغم من أن المسؤولين الأمريكيين الذين وضعوا مسودة برنامج “التسليح والتدريب” مصرون على أن معركة النظام لن تؤجل، إلا أن التجنيد لم يبدأ حتى. وأكثر من ذلك، فإن الدفعة الأولى من المجندين المتدربين لن تصل الجبهات السورية حتى بداية 2016. بحلول ذلك، قد لا يكون هناك أي “معتدلين” باقين حقًا.

تشارليز ليستر – بروكنجز
(التقرير)
http://goo.gl/DJpFnL