حرب الصورة: قراءة في الرسائل الإعلامية لداعش

حرب الصورة: قراءة في الرسائل الإعلامية لداعش

193262727

قديما ركز المحللون والمنظرون على اللغة باعتبارها الوحدة الرئيسية لبناء المعنى وللاتصال. إلا أنه في العصر الراهن حدثت تطورات تكنولوجية عالمية هائلة جعلت من الصورة محورًا ومركزًا في عملية الاتصال. في هذا العصر أصبحت للصورة سلطة وقوة من هنا فالرموز والصور هي مصادر للقوة السياسية فهناك سلطة للصورة المرئية لا يمكن إغفالها(1). نلمس ذلك جميعًا من كم الصور التي نتعرض إليها يوميًا في كل مكان، فيتم التأثير علينا من قبل مجموعة كبيرة من الإشارات والرموز البصرية التي يتم تداولها من عدة خلال وسائل اتصال تقليدية مثل التلفزيون والصحف والسينما من ناحية ووسائل اتصال حديثة مثل وسائل التواصل الاجتماعي ومواقع الإنترنت الجديدة من ناحية أخرى. كل هذا جعل أعين وأقلام الباحثين والمراقبين تنصب حول الصورة تحديدًا لاستكشاف ماهيتها ومكامن قوتها.
كل تلك التطورات دفعت كثيرًا من المفكرين في مرحلة ما بعد الحداثة لطرح مفاهيم مثل “المشهد” و “مجتمع الاستعراض” مدركين قيمة الصور وتأثير ثقافة المشهد واستهلاك الصورة على الجماهير. فقد حذر المنظر والكاتب الماركسي الفرنسي جي ديبور – صاحب الكتاب الشهير ” مجتمع الاستعراض “(2) – وزملاؤه من أصحاب النزعة الموقفية من الإغواء الخاص بمشهد الحياة المعاصرة(3). وقد هدف الموقفيون حين طرحوا رؤاهم إلى التخلص من المجتمع البرجوازي وتقويض نظامه البصري المهيمن . فقد ظهر كتاب “مجتمع الاستعراض” لأول مرة عام 1967، وقد أشار الكاتب إلى مقولة لفيورباخ هي ” ولا شك أن عصرنا .. يفضل الصورة على الشيء .. النسخة على الأصل، التمثيل على الواقع، المظهر على الوجود .. وما هو مقدس بالنسبة إليه، ليس سوى الوهم، أما ما هو مدنس فهو الحقيقة وبالأحرى، فإن ما هو مقدس يكبر في عينيه بقدر ما تتناقض الحقيقة ويتزايد الوهم (4). لذا أصبحت الصورة هي المحرك الأساس للتحصيل المعرفي وتعريف الحقيقة, وهنا يكون المواطن العالمي مستهلكًا لتلك الصور التي تزيف الحقائق والواقع ولا تعكسه بالضرورة .
وتلعب الصورة دورًا كبيرًا في السياسة الدولية وهو ما يهمنا تحديدًا في تلك الدراسة. فيتم تداول الصور بسرعة كبيرة فتصل إلى عدد كبير من البشر حول العالم. فيمكن لتلك الصور أن تخلق الصراعات، توثق المذابح، توطد العلاقات بين دول وشعوب. وقد دفع هذا المنظرين إلى الاستعانة بالمنهاجية البصرية ” Visual Methodology ” في تحليل الخطاب السياسي والتي تهتم بالصورة والرموز لما لها من تأثير سياسي. فقد ركز هؤلاء المنظرون على الأسبقية أونطولوجية للمرئي، لأن التفكير يتم بالصورة أولًا قبل أن يتم باللغة.
انطلاقًا من تلك الحقيقة، تسعي الدراسة إلى تبيان أهمية الصورة وتميزها وقدرتها وقوتها من خلال الاقتراب من الصورة الداعشية تحديدًا والتطرق إلى : كيف استطاع تنظيم داعش توظيف الصورة والاستفادة من خصائصها الفريدة؟ وما الوسائل البصرية التي استخدمها التنظيم الداعشي؟ وما الرسائل البصرية التي أراد تنظيم داعش إيصالها والمعنى الذي وصل للمشاهد؟ من هنا تنقسم الدراسة إلى ثلاثة محاور رئيسية:

أصبحت الصورة هي المحرك الأساس للتحصيل المعرفي وتعريف الحقيقة, وهنا يكون المواطن العالمي مستهلكًا لتلك الصور التي تزيّف الحقائق والواقع ولا تعكسه بالضرورة
أولًا – الوسائل الإعلامية التي طرح من خلالها تنظيم داعش رسالته.
تتبني الكثير من الحركات الإسلامية المتطرفة استراتيجية تتخذ من الرمز والصورة محورًا لها. وداعش ليست استثناءً على تلك القاعدة. فالفيديوهات والصور كانت آليتها لإثبات نفوذها في العالم وطرح رؤيتها. والصورة التي طرحتها داعش ليست الحقيقة ولكنها كانت محاولة خلق واقع جديد يتحكم صانعيها في حدودها الصورة وتأطيرها بما يسمح لها بإيصال رسالتها . فيمكن للرموز والصور تسليط الضوء على حادثة قد لا تكون بنفس قدر أهمية حدث آخر كما يمكنها تضخيم الأحداث.
وقد أدركت داعش أننا في عصر الصورة وأن هناك تسيدًا للصورة على الكلمة. من هنا فإن دراسة سيميائية الصورة عند داعش في غاية الأهمية. فالرموز والصور التي تطرحها داعش جزء أصيل من رسالة التنظيم . فتوجه داعش رسالة بصرية قوية وتقدر قيمة الصورة في إرساء مفاهيم في عقول الأفراد. وعلى النقيض مما هو معروف عن التيارات المتشددة من أنها تحرم الصور وتنتقد الإعلام فإنها لجأت إلى تلك الوسائل بصورة براجماتية لإيصال أهدافها . وكانت صدمة المشاهد إستراتيجية تبنتها داعش. فلا بد لأي صورة تنشرها داعش أن تكون صادمة وينبغي للصورة التالية أن تكون أكثر عنفًا من السابقة لإحداث الارتباك والقلق لدى مشاهديها خوفًا مما يمكن أن ترتكبه داعش فيما بعد.
وتُقدِم داعش على تصوير عملياتها باستخدام تقنيات حديثة للغاية في إنتاج الفيديوهات. فقامت شركة إنتاج الفيديو الداعشية “الحياة” بعرض المئات من الفيديوهات الدعائية لداعش . وتعتمد داعش على سياسة إعلامية احترافية، فبعض المتخصصين في الإعلام والسينما يؤكدون أن داعش تستخدم تقنيات الإخراج الموجودة في هوليوود، وتحديدًا عند استخدام الأسلوب السينمائي لتهديد أمريكا، في الفيديو الذي نشره التنظيم، ومدته 52 ثانية، وفيه تهديد للبيت الأبيض بتدميره وإشاعة النيران في كافة أرجاء الولايات المتحدة(5).
بجانب ذلك يغلب على الصورة الداعشية النفعية فهي لإيصال رسالة سياسية معينة كما يغلب عليها عدم التركيز على إبراز الجمال بل تركز على إظهار القسوة والوحشية . وتعتمد داعش في نشر الصور على وسائل التواصل الاجتماعي. فتساعد تلك الوسائل على إيصال الرسائل المصورة إلى عدد كبير من المشاهدين. ومن خلال نشر الصور على صفحات التواصل الاجتماعي مثل تويتر وفيس بوك يزداد عدد المشاهدين بكثافة لها .
كما تعتمد داعش على مجموعة كبيرة من المواقع الإلكترونية لنشر أفكارها وأخبارها. ومن أشهر المواقع التي تنتمي للجماعات التكفيرية، منبر الإعلام الجهادى، المتخصص في نشر جميع بيانات وعمليات تنظيم داعش، إلى جانب بعض التنظيمات الأخري وعلي رأسها تنظيم أنصار بيت المقدس. وتعد شبكة الجهاد العالمي من أبرز الشبكات الجهادية التي تنشر أخبار وبيانات تنظيمي داعش والنصرة، كما يعد منتدي شموخ الإسلام، أحد أبرز المنتديات الجهادية التي تنشر جميع أخبار الحركات التكفيرية في سوريا والعراق، ومن أبرزها تنظيم داعش، وتنشر أيضًا بيانات التنظيمات الجهادية (6).
يتبنى الكثير من الحركات الإسلامية المتطرفة إستراتيجية تتخذ من الرمز والصورة محورًا لها
ثانيًا : مكونات الصورة الداعشية
هناك مكونات عديدة للصورة تهتم بها داعش مثل اللون والديكور والملابس كما كانت هناك بعض الرموز التي استعان بها الداعشيون مثل رمز ” الجسد ” وفيما يلي نلقي الضوء على بعض تلك الرموز:
*الجسد الإنساني: حرص الداعشيون على تصوير قوة أجسادهم، وتراءى لنا هذا في عدة فيديوهات . ففي الفيديوهات يتم تصوير الداعشي بأنه رجل ضخم طويل عريض المنكبين . لا يظهر وجه الداعشيين في كثير من الفيديوهات مع أن الوجه هو المعبر عن تفرد الشخص، وغايتهم من وراء ذلك هو التخفي، وبجانب ذلك فارتداء كل المنتمين للتنظيم لذلك الزي لإيمانهم بذات الأهداف. وفي فيديو إعدام الأقباط المصريين على السواحل الليبية، بدت أحجام وأبدان الضحايا متفاوتة، أما الداعشيون فكانوا عمالقة أشداء يرتدون الأسود ، كان زعيم داعش يرتدي زيًا عسكريًا ، بيده السكين التي يشير بها إلى المشاهد، وهو يتلو علينا خطابه. وشاطئ البحر يغلب عليه الغيوم. وقد أمسكوا بالرهائن الذين بدوا مستسلمين لكل اوامر خاطفيهم ثم في نهاية الفيديو يختلط الدم بمياه البحر مفاجئة(7).
ومن الملاحظ على الصور أو مقاطع الفيديو المصورة التي تنشرها داعش لإعدامات الرهائن، تركيزها على أجساد من يقومون بتنفيذ عمليات الإعدام وهم عادة ما يكونون ذوي اجساد ممتلئة، وقامات فارعة، ويقفون بصورة منتصبة أمام الكاميرات، وهو جزء من مناخ إشاعة الخوف لدى المتلقي بصريا لتلك الصور، عبر اللغة المكشوفة أو المضمرة التي يتم تأويلها من قبل المشاهد.
*الزي والتنكر: يتميز الداعشيون بالزي المختلف. في الفيديوهات يرتدي الداعشيون زيًا اسود. أما ضحاياهم يرتدون الزي البرتقالي الذي يبدو عليه دقة الصناعة. ودوما ما يحاول الداعشيون اخفاء وجوههم من على أغلفتهم فهم يعيشون في خوف من الإفصاح عن وجوههم . أما بالنسبة للتنكر فيلجأ إليه أفراد تنظيم داعش لتنفيذ عملياتهم . وقد انتشر الترويج للزي الداعشي في العالم . فقد ذكرت صحيفة “إندبندنت” البريطانية أن تجار الملابس في إندونيسيا يستثمرون الحرب في العراق وسوريا ويقدمون ما قالت إنه “بضائع تجارية إرهابية”، حيث يتم بيع تصاميم للزي الذي يلبسه “الجهاديون”، وقمصان وقبعات وأغطية رأس، كلها تحمل تصاميم ورسوم مأخوذة من دعاية داعش(8).
*مغزي اللون: اللون البرتقالي هو الغالب في فيديوهات داعش. ولم تكن داعش أول من استخدمته . فقبل داعش استخدم تنظيم القاعدة الزي البرتقالي عام 2004 حين بثّ مقطعًا مرئيًا للمهندس الأمريكي بول جونسون، الذي اختطفوه في جزيرة العرب وقطعوا رأسه. وكان استخدام التنظيم للون البرتقالي كردّ على زي السجناء في سجون غوانتانامو الذين يرتدون اللون البرتقالي(9)وقد ذكر مسئول كبير بوزارة الدفاع الأمريكية إنها “ليست مصادفة” أن تكون تسجيلات الفيديو الحديثة من داعش لإعدام رهائن أردنيين ويابانيين تظهر الضحايا يرتدون زيًّا برتقاليًّا “، ويُعتقد أنه لون زي سجناء جوانتنامو .
*المرأة: صورة المرأة المفضلة لداعش هي المرأة المنتقبة التي تحمل السلاح للدفاع عن المبادئ الداعشية. وهناك زي خاص بالنساء، ووضعت كتيبة الخنساء الداعشية تعليمات ومواصفات لباس صارمة تطالب جميع الإناث في سن البلوغ بارتداء عباءتين معا لإخفاء تفاصيل الجسم، وقفازات سوداء لتغطية أيديهن، وثلاثة أغطية للرأس حتي يمنعن النظر إلى وجوههن، حتي في ضوء الشمس المباشر(10). وعلى الرغم من مطالبات الحركات الإسلامية الجهادية النساء دومًا باعتزال المجال العام فكان يُحظر على النساء الظهور والتطرق إلى الشأن السياسى، فإن نساء داعش يلعبن دورًا حيويًا فقد تم تدريبهن على القتال والتجسس ونقل المعلومات. وفي الصور والفيديوهات يتم تصوير النساء وهن يستعرضن حركاتهن في مخيّمات التدريب العسكري من خلال مقاطع الفيديو(11). ويُذكر أن 40% من مواقع الفكر المتطرف تديرها نساء ينتمين إلى داعش ولا يجدون أي حرج من التحدث للرجال . ويتم توظيف تلك النساء فيما يُعرف بنكاح الجهاد (12).
بعض المتخصصين في الإعلام والسينما يؤكدون أن داعش تستخدم تقنيات الإخراج الموجودة في هوليوود، وتحديدًا عند استخدام الأسلوب السينمائي لتهديد أمريكا
ثالثاً – استفادة داعش من خصائص الصورة وأهم الفيديوهات التي صنعتها داعش
تعددت الصور التي صُنِعت من قبل داعش وتميزت بالدقة والحرفية الشديدة. فطل علينا داعش بصور صادمة لقطع رؤوس وصلب واغتصاب وبتر أعضاء. من أكثر الصور الصادمة كانت صور طفل يحمل بندقية للجهاد قبل أن تكون لديه القدرة على المشي، وصورة لتجمع الحشود لمشاهدة قتل الكفار وخارقي القوانين، صور لإلقاء الأجساد من أعلي أسطح العمارات، وصور لجماعة الخنساء الجهادية للنساء الجهاديات اللاتي يعاقبن النساء اللاتي يخترقن القواعد الداعشية، وصور اتخاذ الكنائس في العراق كسجون وأماكن للتعذيب، وصور تدمير التماثيل في مدينة تدمر. أما بالنسبة للفيديوهات، فقد تعددت واعتمدت داعش فيها على تصوير أقسي درجات العنف التي يتميز بها داعش. فقد ظهر منها فيديو نُشٍر في أغسطس 2014 لإعدام الصحفي الأمريكي جيمس فولى. وفي نوفمبر 2014 فيديو لإعدام الأمريكي بيتر كاسيك و16 جنديًا سوريًا. وفي يناير 2015 نُشِر فيديو لطفل داعشي يعدم روس . وفي فبراير 2015 تم نشر فيديو لإحراق الطيار الأردني معاذ الكساسبة حيًا وأيضًا في نفس الشهر نُشِر فيديو لإعدام 21 قبطيًا مصريًا في ليبيا، وفي مايو 2015 عُرِض فيديو لسجين سوري يحفر قبره قبل إعدامه . كما ظهر في أغسطس 2015 تسجيل فيديو جديد نشره تنظيم “الدولة الإسلامية” طفل ممن يطلق عليهم “أشبال الخلافة” يقوم بعملية ذبح ضابط في الجيش السوري(13)
وتصور بعض الفيديوهات الداعشية النساء أيضًا مثل فيديو بعنوان ” داعش تبيع النساء عذارى بسوق النخاسة” النساء وهن مقيدات بالحبال، ويتم إيقاعهن على الأرض وضربهن(14). وقد تم عقد مسرحية في لندن لمحاكاة فيديو داعش وفي نهايته يقولون “تسقط داعش” Down With ISIS (15). أيضًا فيديوهات لاغتصاب جماعي لنساء مسيحيات في الموصل وهم يرددون لا إله إلا اللـه واللـه أكبر(16).
كما نشر تنظيم “داعش” فيديو جديدًا لا يقل بشاعة وإجرامًا، عن الذي سبقه، لعملية إعدام عدد من أسري قوات “البيشمركة” لديه، بعد ساعات قليلة من فقدان التنظيم 13 قرية كان يسيطر عليها إثر هجوم مشترك لقوات كردية وعراقية تساندهما مقاتلات أمريكية. وأظهر التسجيل عددًا من أفراد “البيشمركة” وهم يرددون الشهادة وأدعية قبيل ذبحهم بالسكاكين وفصل رؤوسهم عن أجسادهم، ثم وضعها على بطونهم(17)).
ومن أكثر الفيديوهات التي تناولها الباحثون بالتحليل فيديو الصحفي الأمريكي “جيمس فولي” ويغلب على فيديو قطع رأس فولي الحرفية والتقنية العالية، وواضح أن من صنعه محترف في الإخراج والتصوير . وفيه تصوير خارجي ليس داخليًا وهو ما يعطي انطباع عدم الخوف من الآخرين. ثم يتم تصوير صحفي أمريكي آخر “ستيفين سوتلوف” وهو يرتدي نفس الزي البرتقالي، وتهدد داعش في النهاية بأنه ستكون نهايته الموت إذا لم ينفذ أوباما مطالبهم(18). إلا أن بعض المحللين قد تشككوا في مقتل فولي حقيقةّ بسبب عدم إبراز عملية النحر وبسبب تماسك الضحي أثناء القتل وكأنه يشعر بعدم الخوف رغم اقترابه من الموت .

رابعاً: الرسائل البصرية التي تصل للمشاهد من جراء مشاهدة تلك الصور الثابتة والفيديوهات
يبدو مكمن قوة داعش بالأساس في استخدام التكنولوجيا العالية لإيصال الرسالة . ولأننا في عصر الصورة فيلجأ التنظيم إلى الصور من أجل تضخيم قوة داعش ومن أجل إرسال الرسالة بصورة مثيرة صادمة بالتأكيد وسريعة . فالهدف كله هو استعراض القوة .
وقد تناول الكثير من المنظرين الصورة الداعشية بالتحليل فتذكر “سيمون مورلين فريس” في مقالها ” بتخطى أي شيء شاهدناه من قبل: فيديوهات قطع الرؤوس ورؤية العنف في الحرب ضد داعش ” أن الاهتمام العالمي الكبير بفيديوهات داعش عن قطع الرؤوس يعبر عن أهمية الخيال البصري ووسائل الإعلام البصرية Visual Media في الحروب الراهنة . كما أضافت أن التطور التكنولوجي والأساليب التي يتم إنتاج وتداول الصور من خلالها، والارتباط الشديد للمواطنين حول العالم يسّر أساليب تبادل الصور عن الحرب. فلا يمكن أن نفهم الحرب والعنف بدون أخذ وسائل الإعلام البصرية في الاعتبار(19). ثم تتطرق الباحثة إلى أن كثيرًا من الدراسات ركزت على السياقات الدينية والثقافية التي تم من خلالها طرح تلك الفيديوهات وتمكنها من أن تُصبِح أدوات في أيدي المنظمات الإرهابية . لكن لم يتم دراسة مدى إمكان تشكيل تلك الفيديوهات للسياسة والحرب عند شعوب العالم المشاهدة لتلك الفيديوهات. وهو ما سعت إليه تلك الدراسة من خلال محاولة فهم كيفية تشكيل الصورة للسياسة العالمية ومدى قوتها ونفوذها. وقد رأت الباحثة أنه يصعب التحكم في الفيديوهات التي يتم تداولها على الإنترنت، وأنه أحيانًا ما يكون للفيديوهات تأثير سياسي آخر مختلف عما أراده صانعوا تلك الفيديوهات هذا بسبب التأويل المختلف للصور(20).
صورة المرأة المفضلة لداعش هي المرأة المنتقبة التي تحمل السلاح للدفاع عن المبادئ الداعشية
وإذا ألقينا الضوء على تأثير الصور الداعشية، نجد أن الدول الغربية أضحي لها مشروعية كبيرة لدخول سوريا ومحاربة داعش بعد انتشار فيديوهات قطع الرؤوس والبتر والصب. فمع استنكار الرأي العام والحكومات العالمية لتصرفات داعش، سرعان ما أكد القادة السياسيون البريطانيون والأمريكيون أن فيديوهات داعش تمثل “تجسيد الشر” وهي من صنع جماعة إرهابية تقف أمام الإنسانية جمعاء(21). فاستفادت الدول الغربية من تلك الفيديوهات للتوغل في منطقة الشرق الأوسط. فمثلما كان فيديو تفجير برجي التجارة العالمي الذريعة التي دخلت بها الولايات المتحدة الأمريكية أفغانستان والعراق، يمكن القول إن صور قتل الرهائن إحدى ذرائع دخول الغرب سوريا .
أما المجتمع العربي فيقف عاجزًا عن مواجهة تلك الصور والفيديوهات مع أنها لها تأثيرات سلبية طويلة المدي أيضًا . إلا أن بعض حكومات الدول الإسلامية حول العالم قد أدركت أن لتلك الصور تأثيرًا على صورة الإسلام، فتطرقت إلى الآثار السلبية الشديدة لتلك الممارسات على صورة الإسلام بالخارج . فذكر وزير الخارجية الماليزي حنيفة أمان في مبنى الأمم المتحدة بعد اجتماع لمجلس الأمن أن تلك الصور التي تصدرها داعش تسيء لصورة الإسلام لدى العالم. لذلك دعا الدول الإسلامية إلى التنسيق فيما بينها لحل المشكة ولوقف داعش ولتصحيح الصورة التي رسمها داعش (22).

علي سبيل الخاتمة
لا نعيش فحسب في عصر الصور بل عصر “حروب الصور” . اشتعلت معارك طاحنة في العالم العربي متمحورةً حول الصورة. رأينا ذلك بقوة في الثورات العربية. فالنزاعات التي لفتت الانتباه دار كثير منها حول الصورة إما صورة قتل أو تعرية أو تشويه … إلخ .
وقد انتبهت داعش إلى تأثير “الصورة” فكانت سلاحًا أيضًا في حرب نفسية . نجحت داعش في ترسيخ صورة ذهنية لها في العالم بأنها كيان إرهابي استثنائي في الوحشية، وعملت داعش على “مسرحة القتال” فكانت داعش تحاول مسرحة الوحشية وعرضها. فالرموز الصادرة عن داعش تم طرحها على المسرح (On Stage )، تلك الصور والرموز قد تتصل بالواقع ولكنها ليست الحقيقة بحذافيرها، فالصورة هنا من خصائصها تضخيم الأحداث بالإضافة في بعض الأحيان إلى الخداع والإيهام .
في النهاية، نرى أننا ترسخ في أذهاننا صور كثيرة يمكننا ألا نتذكر كثير من تفاصيل الحدث ولكن تبقى الصورة راسخة مثل صورة “محمد الدرة ” أو “علي دوابشة ” أو “إيلان كردي” فينبغي أن نعلم تأثير الصور علينا، وينبغي إدراك دلالة الصور وحجم تأثيرها على وعينا بالأحداث.
*مدرس مساعد، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة
أهم المراجع
(1)بدر الدين مصطفى، سلطوية الصورة المرئية، في : كريم الصياد ( محررًا )، اثنتا عشرة عينًا على مشهد التسلط: جماعة جذور الفكرية، ( القاهرة: دار الهاني، 2008 ).
(2)Debord , Guy ( 2005 ) , Society of the Spectacle, ( California : AK Press )
(3) شاكر عبد الحميد (2005)، عصر الصورة – السلبيات والإيجابيات، ( الكويت : عالم المعرفة )، ص 109 .
(4) المرجع السابق ، ص 111 .
(5) أمجد المنيف، الصورة.. في قبضة داعش! ، 6 يناير 2015 – العدد 16997 صفحة 7 وعلى الرابط التالي : http://www.alriyadh.com/1010586
(6)كامل كامل وآخرون، بعد دعوة السيسي بغلقها.. ننشر أسماء أخطر 35 موقعًا تكفيريًا على شبكة الإنترنت باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية.. أبرزها منتدى الإعلام الجهادي وشموخ الإسلام والقوقاز والدولة الإسلامية وراية الحق
http://www.youm7.com/story/2015/
11-1-2015 .
(7) صبري حافظ، داعش وسطوة الصورة .. تمويه الهمجية وزعزعة الشرعية، http://www.tahrirnews.com/posts/ 21-2-2015
(8) Natasha Culzac, Dress like a jihadist: Isis and terror-related merchandise flogged online and in Indonesian stores, http://www.independent.co.uk/news/world/middle-east/dress-like-a-jihadist-isis-and-terror-related-merchandise-flogged-online-and-in-indonesian-stores-9560230.html , 24-6-2014 .
(9)ماذا وراء اللون “البرتقالي” في إعدامات “داعش”؟، http://www.alsumaria.tv/news/ 29-8-2015 .
(10)عنتر سعيد، تعرّف على تقنيات “كتيبة الخنساء” للتجسس على نساء داعش،
http://www.alarabiya.net/ar/arab-and-world/syria/2015/07/12/%D8%AA%D8%B9%D8%B1%D9%8
12- 8-2015 .
(11) نساء القاعدة .. من الهاشمية إلى الصفوف الأولي لقيادة التنظيم : تحول لدور المرأة وطريقة التعامل معه ، http://www.alarabiya.net/articles/2010/06/04/110439.html ، 4 يونيو 2010
(12) تعرف على الفرق بين نساء القاعدة وداعش .. http://www.shaamtimes.net/news-detailz.php?id=35820 ، 6-8-2015 .
(13) لأول مرة.. عملية ذبح يقوم بها طفل من “أشبال داعش” (صور( ، http://arabic.rt.com/news/788846-%D8%B7%D9%81%D9%84-A%D8%B0%D8%A8%D8%AD
17-7-2015 .
(14)داعش تبيع النساء عذارى بسوق النخاسة على الرابط التالي:
https://www.youtube.com/watch?v=Uf-6tg9bNP0
) ISIS Sex Slave Market In London (Protest)(15)
https://www.youtube.com/watch?v=SbnyqYd3W_0
(16) جماعة التنظيم الإسلامي داعش يقومون باغتصاب جماعي لبنات ونساء مسيحيات
https://www.youtube.com/watch?v=LubY2D01tIw
(17)نجلاء الطائي، “داعش” ينشر فيديو لإعدام سبعة أسرى من أفراد “البيشمركة”،
http://www.arabstoday.net/home/also-in-the-news/-
1-10-2015
(18) Beheading as a Symbolic Warfare, Perlmutter, Dawn http://www.frontpagemag.com/fpm/239161/beheading-symbolic-warfare-dawn-perlmutter , 21-8-2014 .
(19) Friis, Simone Molin, ‘Beyond anything we have ever seen’:
beheading videos and the visibility of violence in the war against ISIS, International Affairs , 91: 4 (2015) , p.p.726 .
(20)p.727l Ibid.
(21)Ibid., p.735 .
(22) , Majeed Gly, Malaysian foreign minister: ISIS destroys Islam’s image
http://rudaw.net/english/world/190620151, 19-6-2015 .

د. مريم وحيد

المركز العربي للبحوث والدراسات