الحرب العالمية الثالثة على الأبواب: المافيا ــ “داعش”

الحرب العالمية الثالثة على الأبواب: المافيا ــ “داعش”

350

سيجد تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) نفسه مضطراً للتعامل مع نمط جديد من الأعداء. نمطٌ نادراً ما يتدخّل في مجريات أمور العالم “الفوقي”، مكتفياً بصناعته من “تحت”، من الشارع. هناك سيواجه “داعش” خصماً، ربما سيكون أكثر من يدرك كينونته ويفهمه ويشبهه في بعض الزوايا… المافيا.

في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، ضرب “داعش” في قلب أوروبا، في العاصمة الفرنسية باريس، مهدداً الولايات المتحدة من اعتداء مماثل، تحديداً نيويورك. سعت الإدارة الأميركية إلى “التأكيد على قدرتها حماية المواطنين”، مع استنفارها أجهزتها الاستخبارية والأمنية. طيف 11 سبتمبر/ أيلول 2001، لا يبارح الذاكرة الجماعية للشعب الأميركي. لم تنجح السلطات في إزالة مخاوف سكان الولاية الأكثر ضجيجاً في أميركا، بالكامل. هنا، لم تعد عبارة “أميركا وُلدت في الشوارع”، في فيلم “عصابات نيويورك”، مجرّد رواية أخرجها مارتن سكورسيزي، بل باتت فعلاً حقيقياً مع إعلان قائد عصابات نيويورك، الأميركي من أصل إيطالي، جيوفاني غامبينو، الحرب على “داعش”.

“غامبينو: نمو الإرهاب العالمي، سيسمح للعالم برؤية الوجه الجيّد للمافيا”

لم يكتفِ غامبينو بذلك، بل كان واقعياً في مقابلة مع محطة “سي بي أس” الأميركية، قائلاً: “في الحياة، هناك جزء جيد وجزء سيئ وجزء قبيح من كل شيء، ونمو الإرهاب العالمي، سيسمح للعالم برؤية الوجه الجيد للمافيا”. تجاوز غامبينو المحاذير، مشيراً إلى أن “هناك سمعة سيئة للمافيا، ناتجة عن أخبار غير صحيحة بمعظمها”. لم يكن كلامه حتى الآن صادماً، بقدر ما كان عليه حين قال “عمل الاستخبارات الأميركية محدود. لا يعرف رجالها الشارع كما نعرفه في نيويورك، لنقص استخباراتي لديهم. لكنني أطمئن كل سكان نيويورك، وخصوصاً ممّن تربطهم صلات بالعائلة الصقلية (جزيرة صقلية الإيطالية موطن المافيا الأصلية)، أنهم وعائلاتهم وأولادهم سيكونون بخير من الوحش المدعو داعش، طالما أن المافيا موجودة”.

لم يفت غامبينو معاتبة الممثلين الذين أدّوا أدوار رؤساء العصابات في هوليوود، مسميّاً تحديداً آل باتشينو وروبرت دي نيرو، لـ”أنهم لم يقفوا على الملأ ويعلنوا معنا أنهم سيواجهون داعش”. ووجّه رسالة تحذير للتنظيم: “يُمكنكم أن ترعبوا أوروبا، لكن صقلية ستكون مقبرتكم”.

اقرأ أيضاً: “القدّاس الأسود”: جرائم بحماية القانون

من الولايات المتحدة إلى المكسيك، يُدلي خواكين “إل تشابو” غوزمان بدلوه أيضاً ضد “داعش”. يُعدّ غوزمان أشهر زعماء عصابات المخدرات عالمياً، منذ أيام الكولومبي الراحل بابلو إيسكوبار (1949 ـ 1993). زعيم كارتل سينالوا المكسيكي، الهارب من العدالة، هدّد في رسالة إلكترونية، زعيم “داعش”، أبو بكر البغدادي، وفقاً لصحيفة “واشنطن تايمز”.

تحلّى غوزمان بروحية الشوارع عبر الفضاء الالكتروني، مؤكداً للبغدادي “سترى الإرهاب الحقيقي إذا استمررت بالتأثير على نشاطي. رجالي سيدمّرونكم، فالعالم ليس ملككم لكي تملون ما ترونه”. وبلغة “داعشية” توعّد غوزمان بـ”قطع قلب ولسان من يحاول التدخل في تجارة كارتل سينالوا”.

وإذا ما اضطرت المافيا في نيويورك إلى التعامل مع السلطات، فإنها لن تكون المرة الأولى التي يتمّ فيها ذلك. في عام 1943، وفي ذروة الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945)، نجحت قوات الحلفاء، وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا، في إجراء أكبر عملية إنزال بحري في التاريخ في ذلك الحين، على شواطئ جزيرة صقلية. ساهم الإنزال في تسريع سقوط الدوتشي بنيتو موسوليني في روما، ومن ثم الزحف نحو العاصمة الألمانية برلين، لإسقاطها لاحقاً. لم يكن اجتياح صقلية ليتحقق، لولا مساهمة الرجل الذي عُرف عنه أنه “باتصال واحد يُمكنه تبديل مجرى الأمور”: تشارلز “لاكي” لوتشيانو. سطع نجم لوتشيانو مطلع الثلاثينيات من القرن العشرين، بعد إحكامه السيطرة على عائلات نيويورك بالتعاون مع يده اليمنى ماير لانسكي، عبر سلسلة من الاغتيالات التي قضى فيها على الزعماء التقليديين للمافيا. أطلق لوتشيانو على العمليات اسم “يوم الصلاة على غروب شمس مافيا صقلية”، قبل أن يُلقى القبض عليه بتهمة “تسهيل الدعارة”، في عام 1936. مع ذلك ظلّ لوتشيانو يقود “عائلته” من السجن، حتى عام 1942، حين بدأ التواصل بينه وبين أركان من البحرية الأميركية، التي طلبت دعم المافيا الإيطالية لإتمام عملية الانزال في صقلية. وافق لوتشيانو على ذلك، في مقابل نيله حريته بخروجه من الولايات المتحدة إلى إيطاليا.

“غوزمان للبغدادي: سترى الإرهاب الحقيقي إذا استمررت بالتأثير على نشاطي”
تدخّل المافيا ضد “داعش”، إن حصل، يعني أن المعركة مع التنظيم انتقلت إلى مستوى أكثر خطورة للطرفين. الاثنان يُتقنان لغة الشارع. الاثنان يعلمان كيفية السيطرة على المحاور الأساسية في كل نزاع، وكيفية توجيه رسائل بعيدة عن القوانين. بصورة أوضح: الطرفان نجحا في خرق القوانين، لدرجة أن لا شيء قانونياً قادر على الوقوف في وجهيهما. تريد المافيا الأميركية من أصل إيطالي محو كل تاريخها السيئ في الحروب الداخلية بين عائلاتها الخمس الأساسية في نيويورك: بونانو، وكولومبو، وغامبينو، وجينوفيزي، ولوكيزي. وذلك عن طريق الادّعاء بـ”حماية البلاد من داعش”.

بدورها، تبدو العصابات المكسيكية، تحديداً كارتل سينالوا، أقرب إلى مفهوم “حماية المصالح الخاصة”، من دون التفكير بمصالح عامة كما يحصل في نيويورك. في المقابل، في المقلب الآخر من العالم، تبدو عصابة “ياكوزا” اليابانية هادئة في موضوع “داعش” حتى الساعة. لم تقم العصابة في السنوات الأخيرة بجديد، عدا العمل “الاعتيادي” كتجارة البشر وتبييض الأموال، غير أنها قدّمت “وجهاً انسانياً” قلّ نظيره، في 11 مارس/ آذار 2011، حين ضرب زلزال السواحل اليابانية. أدى الزلزال الذي بلغت قوته 8.9 على مقياس ريختر، إلى دمار أجزاء كبيرة من المناطق الساحلية في شمالي البلاد، فضلاً عن تشريد الآلاف من السكان. وقبل أن تهبّ الدولة لنجدة المواطنين، كانت عصابة “ياكوزا” تُقدّم مئات الشاحنات المحمّلة بالمواد الغذائية والطبية والأغطية والماء. “الوجه الإنساني” هو ما تبحث عنه المافيات في الولايات المتحدة والمكسيك: محو سجلّات الماضي السوداء بحجّة “محاربة داعش”.

بيار عقيقي
العربي الجديد