2015 :عام النفط الأصعب

2015 :عام النفط الأصعب

مركز-الروابط-للبحوث-والدراسات-الاستراتيجية
هبط النفط في الايام القليلة الماضية الى ادنى مستوياته ، وبأرقام قياسية ، ليلقي بتبعاته على الاقتصاد العالمي بشكل عام ، واقتصادات ات الدول المنتجة بشكل خاص، وأحدث ارباك في اسواق النفط العالمية والتي تشهد نزيف مستمر منذ عام ونصف العام تقريبا .
وماتزال أسعار نفط خام برنت تتجه الى الاسفل ، حيث وصلت هذا الشهر الى ادنى مستوياتها منذ 11 عام بسبب تخمة المعروض ، وبالرغم من بعض التحسن الغير مجدي بسبب التوقعات المتشائمة ، فقد بلغ سعر برميل بح النفط الخفيف (لايت سويت كرود) تسليم فبراير للعقود المرجعية 29 سنتا، 36,10 دولارا في المبادلات الإلكترونية في آسيا.
لم تخلو التوقعات من التشاؤم حول مستقبل اسعار النفط خلال العام المقبل 2016، فاليوم بدأت الدول المنتجة تضع موازناتها السنوية وتحدد اسعار النفط ، فالأمر بدا واضحا من خلال العديد من التصريحات بأن العام المقبل لن يكون افضل بكثير من هذا العام الذي نودع اخر أيامه .
اذا تأملنا واقع أسواق النفط واسعاره لهذا العام سنجد ان عدد من العوامل كان لها الاثر في تراجع اسعار النفط عل مدار العام وهي كالاتي :

– الاقتصادي العالمي: يمكن ان نطلق على عام 2015 بأنه “عام المفاجآت “للاقتصاد العالمي والأسواق العالمية فقد شهد هذا العام ، تباطؤ ثاني اكبر اقتصاد في العالم (الاقتصاد الصيني ) وما تبعه من هزات للاسواق العالمية ، ثم تلى ذلك تراجع اليورو منذ بداية العام فقد خسر حوالي 13 %، بعض الإشارات الإيجابية ظهرت من خلال معدل التضخم والناتج المحلي وكذلك تحسنت سوق العمل، ثم جاءت ازمة الديون اليونانية التي تسببت في ازمة اقتصادية وكادت ان تؤدي الى خروج اليونان من الاتحاد الاوروبي ،وكان لها اثر كبير وبشكل مباشر على الاسواق العالمية .
– العرض والطلب : لم يتراجع المعروض طوال العام 2015 ، فقد ابقت الدول المنتجة في اوبك على سقف الانتاج بحدود 31.5 مليون برميل يوميا للحفاظ على حصتها السوقية من المنتجين الجدد (النفط الصخري) وهو ما شكل نوع من المواجهة عدها الاقوى منذ 1985-1986، عندما قرر أعضاء “أوبك” وقف تخفيضات المعروض لاستعادة حصتها في السوق، وبالرغم من هذا الوضع الغير مسقر مازالت هناك مخاوف من استمرار زيادة المعروض النفطي العام المقبل وهو ما سيحد من المكاسب للدول المنتجة.
اضف إلى ذلك إمدادات النفط الإيراني ، وزيادة الإنتاج النفطي في العراق، فضلاً على ارتفاع الإنتاج الروسي من النفط الخام إلى قرابة 10.78 مليون برميل يومياً، كلها عوامل ستنعكس على اسواق النفط خلال العام المقبل .
ناهيك تصويت الولايات المتحدة بالموافقة على إلغاء حظر مفروض منذ 40 عاماً على تصديرها النفط الخام وكان هذا الحظر فرض في 1975 لحماية مخزون الطاقة الاميركي على اثر حظر النفط العربي الذي هز اقتصاد الولايات المتحدة، الأمر الذي سيؤدي إلى ضخ بعض من إنتاجها المفرط للأسواق العالمية.
– المخزون التجاري العالمي :  حيث تشير بيانات معهد البترول الأمريكي أنّ “مخزونات النفط التجارية في الولايات المتحدة زادت بمقدار 4.9 مليون برميل في 15 تشرين الأول/اكتوبر لتصل إلى 465.96 مليون برميل مقابل توقعات سابقة بزيادة المخزون بمقدار 2.8 مليون برميل.

الدول المنتجة وانعكاسات الاسعار
لم تكن الدول المنتجة بمعزل عن انعكاسات تراجع اسعار النفط ، فقد ألقت خسائر اسعار النفط بضلالها على اقتصادات الدول المنتجة ، وبطبيعة الحال كانت الدول المعتمدة على سعر برميل النفط (الريعية ) هي الاكثر تأثرا ، ولم يقتصر الاثر الناجم هذه الدول بل على المنتجين بشكل عام ، وهنا نذكر بعض هذه الدول :.
– العراق
كما ذكرنا في مقالات سابقة ، فالعراق من بين اكثر الدول تأثرا بأسعار النفط والتي اوجدت عجزا في موازنته العامة نحو 24 تريليون دينار بما يعادل نحو 20.5 مليار دولار.
ويرى مراقبين ان العراق تمكن عام 2015 من زيادة إنتاجه وصادراته بما يقرب من 0.55 مليون برميل يوميا مقارنة بإنتاج 2014. ومع ذلك، فهناك شك في تمكن العراق من القيام بالشيء ذاته عام 2016 وربما أبعد من ذلك.
ويعد العراق من بين الدول العربية الاقل استقرارا فبالإضافة الى الازمات الاقتصادية التي ورثتها الحكومة الحالية عن سابقاتها ، هناك ازمة سياسية وامنية نتيجة الأوضاع غير مستقرة، والحرب مع تنظيم الدولة “داعش” والتردِ في الاقتصاد والمالية نتيجة لتدني أسعار النفط وتأثيره على الموازنة والاستثمار.

– إيران
ايران التي خرجت توا من بند العقوبات الغربية بعد التوصل لاتفاق حول برنامجها النووي ، لكنها قد تعود الى الاسواق بزيادة نصف مليون برميل يوميا ، وهو ما يزيد من التخمة في المعروض في اسواق النفط العالمية وهو ما سيحرم الخزينة من ايرادات إضافية .
فقد خفضت إيران في مسودة ميزانيتها السنة المالية القادمة بنسبة 2.6%، مقارنة بخطة السنة الحالية، بعدما تأثرت المالية العامة للدولة بهبوط أسعار النفط.
وينذر انخفاض خام برنت إلى أدنى مستوى له في 11 عاما، فوق 36 دولارا للبرميل، الأسبوع الحالي، بأضرار للصادرات الإيرانية.
الدول الخليجية
يتفاوت التأثير الذي الحقه تراع اسعار النفط من بلد الى اخر داخل دول مجلس التعاون الخليجي ، فالسعودية مثلا واجهت انعكاسات لتراجع اسعار النفط لكنها كانت قادرة على مواجهتها كما ذكرنا في مقالات سابقة على الرصيد الاحتياطي ، والاقتصادي القوي ، كلها عوامل اسهمت في تمكين الرياض من مواجهة هذا التراجع في اسعار النفط ، اما باقي الدول مثل الكويت فقد واجهت ضغوط على موازنتها المتوقع أن تسجل موازنتها للسنة المالية الحالية عجزاً بقيمة 20 مليار دولار بعد ضغط النفقات وتأجيل بعض المشاريع ، اما قطر فقد كان العجز في موازنتها حوالي 12.7 مليار دولار لعام 2016
وتوقعت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني أن يصل إجمالي العجز في موازنات دول الخليج في الفترة من 2015-2016 إلى 265 مليار دولار.
وهناك العديد من الدول غير العربية ايضا التي تأثرت موازناتها بتراجع اسعار النفط ، نذكر منها فنزويلا وهي قد تكون من اكثر الدول تأثرا ، ونيجيريا وغيرها من الدول .
وهنا لابد من الاشارة الى ان الدول النفطية بشكل عام بحاجة الى تنويع مصادر دخلها وعدم الاعتماد على ايرادات النفط بشكل اساسي ، للتمكن من مواجهة التقلبات في اسعار النفط والاسواق.
مستقبل اسعار النفط
لا يبدو ان نهاية ازمة اسعار النفط ستكون قريبة ، فمازالت العوامل التي ادت الى هذا الانهيار الكبير في اسعار الذهب الاسود قائمة ،ومعركة “أوبك” و منافسيها من المنتجين الجدد لم تحسم بعد بل يمكن القول انها في طريقا الى التعقيد ، والاقتصاد العالمي مازال غير مستقر الى الان ،وهذه بعض العقبات التي تواجه اسعار النفط ، وهنا نشير الى ان العام 2016 لن يحمل الكثير من التفاؤل للمراهنين على ارتفاع اسعار النفط ، وقد يكون النصف الاول من العام 2016 هو الاصعب بالنسبة للأسواق والمنتجين ، فقد تشهد هذه المرحلة زيادة في المعروض النفطي ،من خلال استعداد بعض المنتجين لزيادة انتاجهم اليومي مثل (العراق ، ايران ) ، وزيادة التدفق الذي بدأت به الولايات المتحدة لعد اتخاذ مجلس النواب الأمريكي إجراء جديدا لرفع الحظر المفروض على صادرات النفط الخام ، وهي بطبيعة الحال عوامل ستزيد كما ذكرنا من المعروض النفطي وبالتالي سينعكس ذلك على اسعار النفط عالميا .

وبالرغم من تعدد التوقعات حول اسواق النفط سيبقى للعوامل الجيوسياسية والصراعات ،وتقلبات السوق دورا اساسيا في تحديد اتجاه الاسعار ،وهو ما يجعل من التنبؤ بأسعار النفط مهمة صعبة خصوصا مع الاحداث التي تعصف بالعالم عموما ومنطقة الشرق الاوسط بشكل خاص، وهو ماقد يفرض قضايا جديدة تغير مسار الاحداث بشكل او بآخر .

عامر العمران

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية