رفع العقوبات ليس العامل الرئيسي لاقتصاد إيران

رفع العقوبات ليس العامل الرئيسي لاقتصاد إيران

436x328_97127_259094_893892_large

يحرص الرئيس الإيراني حسن روحاني على جدولة “يوم تنفيذ” الاتفاق النووي قبل الانتخابات النصفية في شباط/فبراير ليثبت أنّ اقتصاد الجمهورية الإسلامية آخذ في التعافي. ولكنّ تقرير «صندوق النقد الدولي» الصادر بتاريخ 21 كانون الأول/ديسمبر قد وثّق التحديات الكثيرة التي تواجه الاقتصاد الإيراني حتى إذا تمّ رفع العقوبات عما قريب، كما أن ميزانية 2016 / 2017 التي طرحها روحاني على «مجلس الشورى الإسلامي» في 22 كانون الأول/ديسمبر لا تتخذ إجراءات هامة لمواجهة هذه التحديات.

سنة ضعيفة

إن الوعد الانتخابي الذي قطعه روحاني باستعادة النمو الاقتصادي من خلال استكمال صفقة نووية بدا جيداً جداً في عام 2014 / 2015 (العام الإيراني يبدأ في 20 آذار/مارس). وقد أدّى التخفيف المتواضع لبعض العقوبات وتحسين الثقة إلى المساهمة بنمو “الناتج المحلي الإجمالي” بنسبة 3٪ في ذلك العام، بينما ارتفعت الأسعار الاستهلاكية بنسبة 15٪ فقط مقابل 35٪ في العام الذي سبق. وفي 6 أيلول/ سبتمبر 2014، قال روحاني لجمهور في مشهد: “اليوم، نستطيع أن نعلن، والحمد لله، أننا قد انتقلنا من مرحلة الركود”.

ولكنّ الأمور ساءت بعد ذلك. ويتوقع «صندوق النقد الدولي» أنّه في عام 2015 / 2016، سينتهي المطاف بـ “الناتج المحلي الإجمالي” في موضع بين انكماش بنسبة 0.5٪ ونمو بنسبة 0.5٪، في حين سترتفع الأسعار الاستهلاكية بنفس المعدل كما في العام الماضي. ومن المتوقع أن ترتفع نسبة البطالة من 10.4٪ في 2013 / 2014 إلى 11.9٪ هذا العام. و”مؤشر بورصة طهران” هو أقل بنسبة 30٪ من الذروة التي حققها في كانون الثاني/يناير 2014، ويُتوقع أن تنخفض الواردات بنسبة 10٪ هذا العام.

في 9 أيلول/سبتمبر، بعث وزراء الدفاع، والعمل، والاقتصاد/المالية، والصناعة/التجارة الإيرانيين بخطاب إلى روحاني شكوا فيه من السياسة الاقتصادية. وفي منتصف تشرين الأول/أكتوبر، اعتمدت إدارته حزمة لتحفيز الاقتصاد، فخفّضت سعر الفائدة بين البنوك، وخفضت الاحتياطي الإلزامي للمصارف، ووفرت تسهيلات إقراض لصادرات السلع الاستهلاكية المعمرة والصادرات غير النفطية المحلّية الصنع.

عدم فعل الكثير لاستعادة النظام الاقتصادي

تمت مهاجمة إدارة الرئيس السابق أحمدي نجاد عن حقّ بسبب سوء إدارته والتعتيم الذي اتبعه، ولكنّ فريق روحاني لم يحقق الآمال الكبيرة التي أشارت إلى أنه سيتبع سياسة أكثر تشدداً من فريق أحمدي نجاد. وبعد عام ونصف من فترة ولايته، أشار تقرير «صندوق النقد الدولي» بشكل حساس إلى أنّه “لا يُعرف مبلغ الدَين العام بشكل محدّد، إذ لم يسجّل منه سوى جزء محدود… ومن المتوقع صدور التقديرات الأولية للدَين العام الإيراني في نهاية عام 2015”. ويشمل الدَين مبلغ غير معروف من المتأخرات المستحقة للشركات والتي تكدّست في العامين الماضيين، وفي هذا الصدد يضيف التقرير: “كانت السلطات تضع اللمسات الأخيرة على جردة جميع المتأخرات الحكومية واستراتيجية لسدادها”. وعلاوةً على ذلك، تبقى المعلومات بشأن أموال لائحة طويلة من الهيئات الحكومية وشبه الحكومية مجزأة في أحسن الأحوال، بما في ذلك الوكالة الحكومية التي تعنى بتقديم الدعم، والحكومات الإقليمية، والمؤسسات العامة غير المالية، والحكومات الإقليمية، والمؤسسات العامة.

كما أن النظام المصرفي في حالة سيئة هو الآخر. ويأتي الجزء الوارد في تقرير «صندوق النقد الدولي» عن المصارف الايرانية تحت عنوان “تفكيك الميزانيات العمومية: أولوية فورية لدعم النمو”، ويبدأ بتحذير ينذر بالسوء: “إنّ تعقيد وخطورة التحديات التي تواجه النظام المصرفي يتطلبان إجراءات فورية”. ولم يُنجز فريق روحاني حتى الآن شيئاً يُذكر على هذا الصعيد: “أوضحت [السلطات] أنه قد تمّ استكمال فحص أوّلي لصحة المصارف المالية، الأمر الذي يشير إلى مستويات أعلى بكثير من [القروض المتعثرة]، وتتوقع [هذه  السلطات] أن تبدأ بتقييم أكثر تفصيلاً للمصارف الأكبر في وقت قريب”.

وقد فشل روحاني أيضاً في التصدي لمشكلة العملة المغالى في تقييمها. ويشير تقرير «صندوق النقد الدولي» إلى أن “المغالاة في تقييم العملة… قد استمر على مدى العام الماضي،” مشيراً إلى أنّ “الأسس الاقتصادية كانت تدعو إلى انخفاض في القيمة”. [كما أن] مشروع الميزانية الذي تمّ طرحه بتاريخ 22 كانون الأول/ديسمبر يفاقم المشكلة عن طريق افتراض أنّ سعر الصرف في عام 2016 / 2017 لن يتغيّر وسيبقى عند 29,970 ريال/دولار. وخلافاً لفريق روحاني، اتخذ أحمدي نجاد إجراءات صارمة بشأن هذه المسألة عند الحاجة – ففي أواخر عام 2012، وعند مواجهتها عواقب الضغوط الأمريكية والأوروبية الكبيرة على مبيعات النفط، قررت إدارة أحمدي نجاد عضّ الجرح ونفّذت تخفيضاً كبيراً للقيمة، الأمر الذي عزز إيرادات الحكومة بالريال الإيراني من مبيعات النفط المتبقية، كما حفّز الصناعة والزراعة أيضاً. وأصبحت المنتجات المحلية أكثر جاذبية، بينما ارتفعت أسعار الواردات وحققت الصادرات المزيد من الأرباح.

وبشكل عام، يوصي الخبراء الاقتصاديين باعتماد سياسة مالية ونقدية “معاكسة”، أي اللجوء إلى فوائض الميزانية وارتفاع أسعار الفائدة عندما تكون الظروف مواتية، وإلى العجز في الميزانية وانخفاض أسعار الفائدة عندما يكون الاقتصاد ضعيفاً. ولكنّ فريق روحاني فعل عكس ذلك. ووفقاً لما أشار «صندوق النقد الدولي»، “كانت السياسة المالية الايرانية مسايرة للاتجاهات، الأمر الذي يؤدي عادةً إلى خفض النمو”. ومنذ عام 2012، انخفض الاستثمار في البنية التحتية بنسبة 3٪ من “الناتج المحلي الإجمالي”، والاستثمار في رأس المال البشري (التعليم والصحة) بنسبة 2.5%. وكانت السياسة النقدية أكثر مسايرة للاتجاهات، إذ كانت توسعية في الأوقات الجيدة وانكماشية في الأوقات العصيبة. وباختصار، كان أداء فريق روحاني أفضل بقليل في مجال السياسة المالية والنقدية من أداء الفرق السابقة التي تعرضت لانتقادات كثيرة.

تقدّم محدود في التخطيط للمدى المتوسط

بعد اتخاذ الكثير من الإجراءات لإحياء منظمة التخطيط والميزانية” التي حظيت بالاحترام لوقت طويل وألغيت في عهد أحمدي نجاد، لم يتمكّن روحاني من كسب التأييد لخطة تنمية خمسية جديدة، هي السادسة من نوعها منذ ثورة عام 1979. وفي تموز/يوليو، أصدر المرشد الأعلى علي خامنئي تعليمات عامة شملت 31 نقطة بشأن ما ينبغي أن تتضمنه “خطة التنمية السادسة”. وفي وقت لاحق لم يعد “مجلس تشخيص مصلحة النظام” [“المجلس”] راضياً عن التقدم الذي حققته الحكومة في إعداد الخطة وقام بالتدخّل – وهذا “المجلس” هو هيئة يترأسها الرئيس السابق أكبر هاشمي رفسنجاني ومكلفة بحل النزاعات. ولكنّ روحاني انزعج من هذه الخطوة، فتوقف عن حضور اجتماعات “المجلس” في منتصف أيلول/سبتمبر، الأمر الذي أوضحه قادة “المجلس” بنشرهم صورة لاجتماع عُقد في 28 تشرين الثاني/نوفمبر تُظهر كرسيه فارغاً. وتشير بعض التقارير إلى أنه تمّ تقديم “خطة التنمية السادسة” هذا الأسبوع مع الميزانية، وفقاً لطلب «مجلس الشورى الإسلامي» وبمعارضة روحاني، ولكنّ التفاصيل المتوفرة قليلة.

ولعل التحدي الأكبر الذي تحتاج “خطة التنمية السادسة” إلى معالجته هو كيفية خلق فرص عمل لـ 600 ألف شخص، وفقاً لبعض التقارير، وهم الأشخاص الذين يدخلون سوق العمل في كل عام. وعلى الرغم من أنّ «صندوق النقد الدولي» يتكهّن زيادة نمو “الناتج المحلي الإجمالي” إلى 4٪ سنوياً، فهو يتوقع أيضاً ارتفاع البطالة خلال العامين المقبلين، لتعود إلى المعدل الحالي الذي يبلغ 11.9٪ بعد خمس سنوات من الآن. ويستند هذا التكهّن على الافتراض المتفائل بأنّ السياسات تتغير لصالح القطاعات التي تخلق فرص عمل بدلاً من الصناعات الثقيلة التي تم تفضيلها حتى الآن. إن توقّع «صندوق النقد الدولي» هو “سيناريو مع معدلات نمو مرتفعة في أعقاب رفع العقوبات”؛ ولكنّ “مرونة التوظيف” – المصطلح التقني للعلاقة بين نمو “الناتج المحلي الإجمالي” وخلق فرص العمل – التي تتبعها إيران والتي لم تتغيّر “سوف تستمر في رؤية البطالة ترتفع إلى 14٪”.

إن الاحتمالات الضعيفة لتوظيف الشابات الإيرانيات، المتعلمات على نحو متزايد، قد تخفّض بشكل مصطنع من أرقام البطالة موضع البحث، حيث أن الكثير من هؤلاء الشابات لم يدخلن يوماً إلى سوق العمل. ويشير “البنك الدولي” إلى أنّ نسبة مشاركة القوى النسائية العاملة في الجمهورية الإسلامية تبلغ 18٪ – أقل من نسبتها في تركيا (32٪) ومصر (26٪)، وحتى المملكة العربية السعودية (22٪).  ولكن لو شاركت المرأة الإيرانية في القوى العاملة بمعدل مشاركة المرأة في تركيا، لبلغت نسبة البطالة حالياً 18٪.

المراهنة على المعتدلين الذين ليسوا أكفاء بشكل خاص؟

طوال حملته الانتخابية عرض روحاني تحليلاً بسيطاً تمثل: بأن العقوبات كانت المشكلة الرئيسية للاقتصاد، وأن إبرام الاتفاق النووي كان أفضل وسيلة لتخفيفها. ولكنّ هذه الصيغة لا تبدو جيدة اليوم. ففوائد تخفيف العقوبات لن تصل ببطء فحسب، بل أن انخفاض أسعار النفط قد سلط الضوء أيضاً على اعتماد إيران المفرط على ذلك المورد. وتبدو صيغة “اقتصاد المقاومة” التي طرحها خامنئي لتحفيز القطاع غير النفطي، وسيلة أفضل إلى حد كبير لخلق فرص العمل المطلوبة بشدة. وفي الوقت نفسه، يبدو الموضوع الثانوي لانتخاب روحاني – أي إعادة الإدارة المختصة بدلاً من الفساد وعدم الملاءمة في فريق أحمدي نجاد، أقل إثارة للإعجاب على نحو متزايد. وقد يحقق روحاني الأهداف المتفائلة التي حدّدها في خطابه بتاريخ 23 كانون الأول/ديسمبر وهي، أن تكون نسبة النمو 5٪ ونسبة التضخم 9.9٪، وأن تأتي 75٪ من إيرادات الحكومة من مصادر غير نفطية. ولكنّ العديد من الاقتصاديين الايرانيين يشككون في ذلك.

وفي بيان صحفي لـ «صندوق النقد الدولي» في أكتوبر/تشرين الأول، نُقل عن رئيس الفريق الذي أعدّ التقرير حول إيران هذا الشهر، مارتن سيريسولا، قوله: “تبدو مخاطر التوقعات كبيرة، كما أن الإمكانيات على المدى الطويل ستعتمد بشكل حاسم على عمق الإصلاحات التي يتمّ تنفيذها… وفي النهاية، إذا تم تنفيذ إصلاحات خفيفة، لن يكون لتخفيف العقوبات سوى تأثير إيجابي معتدل على الاقتصاد”. ويلخّص هذا التصريح باقتدار الوقع النسبي لرفع العقوبات والسياسة الداخلية كتأثيرات على الاقتصاد الإيراني. إن القول الذي لطالما تردّد حول سياسة إيران – بأنه يتعين على الغرب أن يساعد المعتدلين مثل روحاني – يبدو رؤوفاً جداً إذا قام هؤلاء المعتدلين بعمل القليل لمساعدة أنفسهم. فهم السبب في مشاكلهم في المجال الاقتصادي إلى حدّ كبير، وهذه المشاكل ليست نتيجة لأي إجراءات يتخذها الغرب أو يمتنع عن اتخاذها.

باتريك كلاوسون

معهد واشنطن