التحالف العسكري الإسلامي في زمن الهياكل العسكرية

التحالف العسكري الإسلامي في زمن الهياكل العسكرية

20151227101331590734_19

ملخص:

تُروِّعنا جملة وقائع في المشهد العربي حول هياكل عسكرية “عدوانية” لا تتبع الدول، يفوق عددها عدد الدول العربية وتتخذ من الإسلام رايةً لها. ولقد أصبح من العسير سياسيًّا ترويض بيئتنا الإقليمية دون اللجوء إلى الحلول العسكرية. ومن تلك الحلول إعلان الأمير محمد بن سلمان، ولي ولي العهد في المملكة العربية السعودية ووزير دفاعها، في منتصف ديسمبر/كانون الأول 2015، تشكيل “التحالف الإسلامي العسكري” الذي لاقى ترحيبًا واسعًا على المستويين الإقليمي والدولي، وفي الوقت نفسه كانت هناك علامات استفهام وانتقادات حادَّة لهذا التحالف من قِبل البعض لاسيما إيران. وحتى لا ننقاد إلى ما سار عليه هؤلاء؛ يمكن قراءة هذا التحالف بناءً على ما ورد في كلمة الأمير محمد بن سلمان من أنه حلف عسكري إسلامي لمحاربة الإرهاب، من قيادة مشتركة مقرها العاصمة السعودية “الرياض”.

نعيش اليوم زمنَ الهياكل العسكرية التي تنتشر على خارطة المناطق المشتعلة في الوطن العربي على ثلاثة أشكال: الميليشيات المسلحة والقوات النظامية والتحالفات الإقليمية. واليوم، يخرج التحالف الإسلامي العسكري، كظاهرة حتمية تقتضيها الظروف، وغالبًا ما تكون هناك قيادة جماعية للتحالفات. ولا يبدو أن المراقِب الخليجي يخشى خروج بعض الدول الإسلامية من التحالف الوليد، فقد تكون تبعاته عبئًا عسكريًّا على البعض، وقد تواجه قوات التحالف معضلة امتداد قواتها المسلحة في مساحات واسعة، فيما تتربص بدول الخليج أزمة انخفاض أسعار منتجات الطاقة من النفط والغاز، في حين تشارك في ثلاثة هياكل عسكرية متزامنة، هي: التحالف العربي والتحالف الدولي والتحالف الإسلامي.

لكن استمرار النهج الذي سنَّه الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، بأخذ زمام الأمور في المنطقة، يفتح الباب للرياض لترقية “upgrade” مكانتها كقوة إقليمية؛ حيث لم تعد تقود الخليج أو توجه الجهود السياسية والعسكرية العربية فحسب بل والعالم الإسلامي أيضًا. وقد أتى تشكيل التحالف في إطار الشرعية الدولية والقبول العربي والإسلامي والدولي. إلا أن البعض يرى أن الدعوة إلى تشكيل حلف سُنِّي، يجعل الخليج يحارب الإرهاب من تحت مظلة تحالف طائفي، كما رأى البعض أن سرعة المبادرة والإعلان المفاجئ عن التحالف قد أربك الدوائر السياسية والعسكرية؛ حيث لا يزال التحالف بحاجة كبيرة إلى تسويقه وبحاجة أيضًا لمزيدٍ من الوقت ليتحول إلى وحدات مناورة تتعقب الإرهاب.

مقدمة
أصبح من السذاجة في العالم العربي الاعتماد على الحس الاستراتيجي فقط لصانع القرار السياسي الذي كان من نتائج أخطائه تشكُّل هياكل عسكرية عدوانية لا تتبع دولًا non-state actors؛ حيث تروعنا جملة من الوقائع حول هذه الهياكل التي يفوق عددها عدد الدول العربية نفسها؛ بل وتمتد دوليًّا تحت “راية الإسلام” بُهتانًا ناشرة الدمار والموت.

ونظرًا لفشل المؤتمرات في حلِّ قضية الإرهاب أصبح من العسير سياسيًّا ترويض بيئتنا الإقليمية دون اللجوء إلى الحلول العسكرية التي هي آخر الإجراءات السياسية في العلاقات الدولية. وعليه، فقد أعلن الأمير محمد بن سلمان، ولي ولي عهد المملكة العربية السعودية ووزير دفاعها، في 15 ديسمبر/كانون الأول 2015، تشكيل “التحالف الإسلامي العسكري” من 34 دولة إسلامية. وقد لاقى نبأ الإعلان عن هذا التحالف ترحيبًا واسعًا وردود أفعال عربية ودولية مؤيِّدة لإنشائه؛ وفي الوقت نفسه كانت هناك علامات استفهام كثيرة حول هذا التحالف.

كما سارعت عدَّة جهات إلى انتقاد التحالف العسكري الإسلامي عن قصد أو عن سوء فهم، ملقية بتحليلات وسيناريوهات افتراضية بعيدة عن الواقع لغياب التفاصيل المتعلقة بإنشاء التحالف. وحتى لا ننقاد إلى ما سار عليه هؤلاء؛ ستكون قراءتنا لهذا التحالف مبنية على ما ورد في كلمة الأمير محمد بن سلمان من أنه حِلف عسكري إسلامي لمحاربة الإرهاب تكون قيادته مشتركة ومقرها في العاصمة السعودية “الرياض”.

زمن الهياكل العسكرية
على خارطة المناطق المشتعلة في الوطن العربي تتوزع ثلاثة أشكال من الهياكل العسكرية؛ الشكل الأول هو الميليشيات المسلحة، وهي هياكل عسكرية عدوانية لا تتبع دولًا بعينها Violent non-state actors (VNSA)؛ ففي العراق بلغ عدد الميليشيات المسلَّحة وفقًا لتقرير استخباري صادر عن ديوان استخبارات وزارة الدفاع العراقية 53 ميليشيا في عموم العراق(1). وتُعد ميليشيات فيلق بدر وجيش المهدي وعصائب أهل الحق وجيش المختار ولواء أبي الفضل العباس، أبرز الميليشيات الشيعية المسلحة، عدا عن ما يُعرف بـ “الحشد الشعبي”. وتتمتع الميليشيات الكبرى بقدرات مالية وبشرية ملحوظة، ويتلقى معظمها الدعم من إيران(2).

كما غرقت ليبيا في فوضى الميليشيات المسلحة التي تتقاتل فيما بينها فى محاولاتٍ بائسة لفرض سيطرتها على البلاد، كداعش الليبية والقاعدة، بالإضافة إلى 300 ميليشيا مسلحة تنقسم إلى: كتائب الشرق وكتائب الغرب والجنوب، وكتائب جهوية قبلية؛ حيث تتفاوت أعداد تلك الكتائب من منطقة إلى أخرى، مع تفاوت في أعداد المنتسبين لكل كتيبة من 70 إلى 200 عنصر(3).

أمَّا في سوريا، فيُقدَّر عدد الجماعات المسلحة المعارضة بأكثر من 1000 جماعة، يقاتل في صفوفها 100 ألف مقاتل على الأقل، وتتفاوت في الحجم والتأثير. كما أن هناك جماعات معارضة مسلحة بارزة كأحرار الشام، وجبهة النصرة وما يُعرف بتنظيم الدولة الإسلامية “داعش” والجيش السوري الحر وعصائب أهل الحق وكتائب سيد الشهداء، والتنظيم السوري القومي الاجتماعي، وفيلق القدس وحزب الله. كما يمكن رصد الجماعات المسلحة التالية في اليمن: تنظيم القاعدة وجماعة الحوثي و”داعش”.

أمَّا الشكل الثاني من الهياكل العسكرية؛ فهي القوات النظامية والتي لا تعمل بالضرورة لمواجهة الميليشيات بل قد تكون داعمة لها في جبهات عدَّة، مثل الجيش النظامي في سوريا. كما يمكن اعتبار الحرس الثوري الإيراني كقوات نظامية يديرها “قاسم سليماني” في العراق وسوريا وإن توارت تحت غطاء هيكل الميليشيات. كما يمكن اعتبار القوات التي يقودها اللواء خليفة حفتر في ليبيا تعمل على نفس النسق. وفي اليمن هناك اللجان الشعبية والجيش اليمني الموالي للشرعية، وبالتالي يمكن اعتبار القوات الموالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح من بقايا الحرس الجمهوري، قواتٍ نظامية داعمة لجماعة الحوثي.

أمَّا الشكل الثالث من الهياكل العسكرية القائمة في بيئتنا الإقليمية فهي التحالفات ومنها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية الذي انطلق صيف عام 2014 كردِّ فعل مباشر على المذابح التي ارتكبها تنظيم ما يُعرف بالدولة الإسلامية في عين العرب. ويضم التحالف الدولي 65 دولة غربية و6 دول عربية(4).

كما تم تشكيل التحالف العربي، في مارس/آذار من العام 2015، بقيادة المملكة العربية السعودية لحرب جماعة الحوثي والقوات الموالية للرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح، بعد استيلائهم على مفاصل الدولة اليمنية لاسيما في العاصمة صنعاء. كما يمكننا اعتبار التحالف الروسي/السوري/العراقي/الإيراني، ومقر قيادته بغداد، من هياكل الشكل الثالث العسكرية.

لقد أصبحت الهياكل العسكرية بأشكالها الثلاثة المكون الرئيس للمشهد في العالم العربي، وتراجعت الدبلوماسية منكفئة على نفسها بعد الفشل الذريع للعديد من المؤتمرات التي عُقدت في الداخل والخارج لحل الأزمات التي تعصف بالمنطقة لاسيما في سوريا وليبيا واليمن والعراق، وعلى من يجادل في ذلك أن ينظر مليًّا ويمعن النظر في الملفات العالقة التي تتصدر جدول أعمال القمم الخليجية والعربية.

واليوم، وبسبب وضوح المعسكرات المتقابلة وضيق الخيارات أمامها للدفاع عن وجودها وبسبب طبيعة المعركة، تم الإعلان مؤخرًا عن تأسيس التحالف الإسلامي العسكري المكوَّن من 34 دولة إسلامية؛ حيث تسعى الدول المنضوية تحت لوائه لأن تجعل منه مركزًا للثقل Center of Gravity الذي ترتكز عليه القدرة القتالية للقوات المسلحة السعودية؛ رغم أن تركيا تأتي في صدارة القوة العسكرية للتحالف، وتأتي باكستان في المركز الثاني، إلا أن فارق التسليح والتدريب يصب في صالح تركيا. كما يأتي الجيش المصري في المرتبة الثالثة، وتأتي السعودية، التي تقود التحالف، وهو ثاني هيكل تطلقه الرياض منذ تولي الملك سلمان بن عبد العزيز الحُكم في يناير/كانون الثاني من العام 2015 في المركز الرابع ثم ماليزيا في المركز الخامس ونيجيريا في المركز السادس(5).

التحالف كهيكل عسكري
التحالف العسكري هو ظاهرة حتمية تقتضيها الظروف، فهو اتفاق بين أطراف عدَّة لحماية أعضائه من قوة مهدِّدة للأمن الجماعي. وفي أحيانٍ كثيرة يكون التحالف العسكري ظرفيًّا بسبب الاشتراك في المصالح ذاتها أو العدو نفسه لمدة زمنية معينة، أو وفق اتفاق مسبَق بين الأطراف المتحالفة. وغالبًا ما يكون هناك قيادة جماعية Collective Leadership للتحكم في المواقف، واتخاذ قرارات ملزمة للآخرين. وللقيادة الجماعية شروط أساسية، كأن يكون جميع الأعضاء متساوين في الحقوق والواجبات، فلا يهيمن أيٌّ منهم على الأعضاء الآخرين لا ماديًّا ولا معنويًّا؛ وأن يكون قرار أغلبية أعضاء القيادة ملزمًا للأقلية. ويبدو أن القيادة في التحالف الإسلامي العسكري ستكون على هذه الشاكلة، كما سيكون التحالف الإسلامي تحالف أسلحة مشتركة Combined Arms؛ حيث سيتم استخدام الأسلحة المقاتلة والمعاونة في المعركة لإنجاز مهمة واحدة ومحددة، وهي تدمير العدو وتحقيق المهام المطلوبة. ولكثرة عدد قوات التحالف الإسلامي العسكري، يُرجَّح أن يكون هناك احتياطي للأسلحة المشتركة Combined Arms Reserve أو من المحتمل أيضًا تكوين نسق ثانٍ؛ لدفعها في التوقيت الملائم. وعليه، يمكن ملاحظة ما يلي في التحالف الإسلامي العسكري:

• سيضم التحالف 34 دولة إسلامية، ويتجاوز عديد جيوش تلك الدول أربعة ملايين جندي، وهدفه الأساسي هو محاربة الإرهاب، وعلى غالبية هذه الدول المشاركة بقدرات عسكرية مختصة في مكافحة الإرهاب(6). كما سيكون أغلب المعارك في مناطق حضرية تحتم اختيار نوعية القوات واستخدام التكنولوجيا والأسلحة الموجهة الدقيقة. فدروس حرب اليمن تلزم قوات التحالف الإسلامي جعل الخسائر محدودة ولا تتعدى 2%، كما هو المقياس في سيناريوهات التخطيط لحلف شمال الأطلسي “الناتو”.

• من الناحية العملية والفنية، من المحتمل أن تكون هناك معضلة قيادة بوجود الجيشين التركي والباكستاني؛ حيث إن هذين الجيشين أكبر بعشرين مرة من هياكل جيوش دول الخليج العربية مجتمعة، وبالتالي فالأفق التخطيطي لدى تلك الجيوش أفق خيالي بالنسبة لضباط جيوش الدول الخليجية؛ فتركيا مثلًا تملك تشكيلات مجموعة جيوش فيما أكبر أفق تخطيطي في الخليج لا يزيد عن فرقة وهي قيادات صغرى لدى الأتراك، فمن سيخطط؟ ومن سيقود؟ ومن سينفِّذ؟ عليه، فإن دول الخليج العربية ستكون بحاجة لتطوير هياكلها العسكرية وإحداث تغيير جذري في تنظيم قواتها المسلحة ومستوى هيئة الأركان إذا أرادت فعلًا أن تكون مؤثِّرة في مثل هذا التحالف، وقد يكون ممكنًا تجاوز معضلة وحدة القيادة باستغلال نظم إدارة المعركة ذات التكنولوجيا العالية.

• يخشى بعض المراقبين الخليجيين أن يبادر بعض دول التحالف بإعلان خروجها منه تباعًا لنجاح العمل السياسي في مواجهة العمل العسكري، لاسيما باستخدام نوعٍ من الضغوط الروسية أو الإيرانية أو العراقية أو السورية في الأمم المتحدة بحجة معاناة المدنيين وباب جرائم الحرب. أو بسبب عدم تنظيم الإعلان عن التحالف بشكل تقبله البرلمانات في بعض الدول.
وفي تقديرنا، فإن فرضية الانسحابات لم تغب عن ذهن صانع القرار السياسي حين أعلن عن تأسيس التحالف، بل إن المراقب الخليجي يرى أن بعض الانسحابات قد تكون لصالح الجهد العسكري؛ فقد عانت القيادة الأميركية خلال حرب تحرير الكويت 1991 من جيوش بعض الدول المشاركة رغم أنها أعضاء في حلف الناتو. وقد يكون أفضل من يُستشار في التعامل مع جيوش العالم الثالث هو قائد القوات العربية والإسلامية في حرب تحرير الكويت، الفريق خالد بن سلطان، الذي فصَّل في مصاعب التعامل مع جيوش العالم الثالث، فقد كان هناك عقائد وآليات عسكرية مختلفة، أدَّت إلى غياب التبادل للعمليات interoperability لعدم وجود تشابه بالأسلحة وقطع الغيار والذخائر(7).

• تواجه قوات التحالف العسكري الإسلامي معضلة دفع القوات لمسافات بعيدةpower projection والتي تعتمد بالدرجة الأولى على قدرة الدول المضيفة، فيما يتربص بدول الخليج انخفاض حادٌّ بأسعار منتجات الطاقة من النفط والغاز، في حين تشارك دول الخليج في ثلاثة هياكل عسكرية متزامنة، هي: التحالف العربي (الحرب في اليمن)، والتحالف الدولي (الحرب على الإرهاب أو ما يُسمى بتنظيم الدولة الإسلامية)، والتحالف العسكري الإسلامي.

كما أن تنوع مكونات التحالف قد يخلق ثغرات في جهد الاستطلاع والاستخبارات لتوقع التهديد المحتمل وإقامة هيكل إنذار استراتيجي؛ فالإرهاب لن يحارب في ميدان المعركة فحسب، بل في مؤسسات المجتمع المدني كافة. وسيكون هناك صعوبة في الكشف عن الاستراتيجية المضادة؛ فالعدو يخوض حربًا غير متكافئة. كما سيكون هناك صعوبة في تنفيذ عمليات المقاطعة والحصار بشدة؛ فقد نجح تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” مثلًا في تجاوز الحصار وتنفيذ عمليات بيع وشراء ناجحة طوال السنوات الثلاث الماضية، بل إن أهم متطلبات التحالف هي القدرة على إنهاء القتال؛ مما يستوجب أن يتم مسبقًا تحديد الأهداف الابتدائية والأهداف الاستراتيجية التي إذا تحققت فستؤدي إلى عودة الجنود إلى ثكناتهم.

السعودية قوة إقليمية بمواصفات استثنائية
في زمن الهياكل العسكرية، يشير ظهور التحالف العسكري الإسلامي إلى أن صانع القرار السياسي في الخليج العربي قد عزم على التحرك في مرحلة إيجابية تحمل أكثر من مؤشر، منها:

• استمرار نهج أخْذ زمام المبادرة بدلًا من الانتظار، وهو نهج سَنَّه الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود وأثبت التحالف العربي جدواه، من خلال وقف تمدد وسيطرة جماعة الحوثي والميليشيات الموالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح على اليمن؛ ما أدى إلى أن تشرع الرياض في ترقية “upgrade” مكانتها كقوة إقليمية بخطوات استباقية جريئة ومتقدمة في ملفات جديدة؛ حيث لم تعد تقود الخليج أو توجه الجهود السياسية والعسكرية العربية فحسب بل والعالم الإسلامي أيضًا(8).

• يستهدف التحالف تهدئة حدَّة الانتقادات الغربية التي طالما اشتكت من صمت العالم الإسلامي ووقوفه موقف المتفرج من قضية مكافحة الإرهاب. وقد يكون من أهداف الإعلان عن التحالف تخفيف الحملة الإعلامية التي تستهدف الخليج كمصدر للفكر السلفي الجهادي.

• منع وقوع العالم الإسلامي في شباك مشروع الهيمنة الإيراني بتحالفات تحارب الإرهاب انتقائيًّا بدعمٍ روسي، ولعزل مشروع طهران الطائفي فقد تصدرت الرياض قيادة التحالف الإسلامي ليحدَّ من غطرسة إيران في المنطقة بمشاريع مفكِّكة للأمة الإسلامية(9)، وبالميليشيات التابعة لها.
تحالف في إطار الشرعية الدولية
أتى تشكيل التحالف العسكري الإسلامي في إطار الشرعية الدولية واستنادًا إلى ما تضمنه قرار مجلس الأمن رقم 2249 الصادر بتاريخ 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، والذي أكَّد على أن الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره يمثِّل أحد أشد الأخطار التي تهدد السلم والأمن الدوليين، ودعا في بنده الخامس الدول الأعضاء إلى اتخاذ التدابير اللازمة(10). كما يستمد التحالف شرعيته وبذور نجاحه من القبول العالمي لتشكُّله؛ فقد رحبت منظمة التعاون الإسلامي بالإعلان عن تشكيل التحالف.

وتجدر الإشارة إلى أن واشنطن كانت قد صرَّحت علنًا، وفي أكثر من مرة، بأن على دول الخليج أن تفعل المزيد لمساعدة الحملة العسكرية ضد داعش(11). ويأتي تشكيل التحالف في إطار ما ذكره الرئيس أوباما بضرورة تشكيل قوة عربية مشتركة تحارب على الأرض، بينما توجه القوى الغربية ضرباتها جوًّا. وهذا ما عكسه تصريح جون ماكين، رئيس لجنة شؤون القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الأميركي، بأن التحالف العسكري الإسلامي مثال واضح على غياب الزعامة الأميركية، مُعربًا عن شكره للرياض على هذه المبادرة(12).

معالم وتفاصيل مفقودة
في الوقت الذي رحبت بالإعلان عن تشكيل التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب دولٌ ومنظمات عدَّة؛ انبرت منصات إعلامية أخرى لمهاجمة التحالف بوصفه تجمعًا طائفيًّا شقَّ وحدة المسلمين وصفوفهم، فعدم انضمام العراق وإيران والدعوة إلى حلف سُنِّي يجعل الخليج يحارب الإرهاب بتحالف طائفي ويخدم أغراضًا مشبوهة(13). بينما يشير بعض العقلاء إلى أنه من المفترض أن يكون موقف العراق أكثر إيجابية بل وأن يشارك العراق في قيادة التحالف لأنه أكثر البلدان تضررًا من الإرهاب(14).

كما اعتبر البعض أن سرعة المبادرة والإعلان المفاجئ عن التحالف قد أصابته في مقتل؛ فقد أدى ذلك إلى إرباك الدوائر السياسية والعسكرية، لاسيما أن التحالف قد تشكَّل في مدة زمنية قصيرة دون مباحثات مكثفة أو اجتماع مشترك لقادة أركان تلك الدول. كما أن التحالف لا يزال غير واضح المعالم، من حيث طريقة إدارته وأهدافه، ‏ إذا كان تحالف القوة العربية المشتركة، الذي دعا إليه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في القمة العربية التي عُقدت في مارس/آذار 2015، لم ير النور رغم العوامل المشتركة الكثيرة التي تجمع أطرافه، بسبب اختلافها حول بعض الملفات والقضايا، فكيف ستتجاوز الدول العربية خلافاتها في تعريف الإرهاب؟ وكيف ستنسجم دول لا يربطها غير الدِّين مع بعضها البعض؟ فالدول الإسلامية موزعة في مناطق مختلفة من العالم ومتباينة فكريًّا واقتصاديًّا(15). كما أن نجاح التحالف لا يخدم الدول العظمى وستحارب هذا التحالف بشكل علني أو خفي، مباشرة أو بالوكالة، لأنه سيحد من هيمنتها وتفردها بالقرار الدولي(16).

خاتمة
إن المبادرات السياسية والعسكرية ليست ألعابًا نارية يتلهَّى الناس بها ثم تتوارى، بل هي مشاريع استراتيجية جادَّة؛ فإن لم تتوفر على رؤية ومشروع متكامل الأركان وآليات تنفيذ محكمة ورسالة واضحة وأهداف يلتقي عليها جميع أعضائها، بالإضافة إلى جهاز متابعة بمستوى هذه المبادرات فهي ليست أكثر من مناورة تكتيكية عارضة.

صحيح أن إعلان الأمير محمد بن سلمان هو مبادرة جريئة لإعادة صياغة العلاقات الإسلامية-الإسلامية (نحو ثلث سكان العالم)، إلا أن التحدي ليس في المبادرة، وليس في المتابعة، ولكن في واقعية المبادرة وإمكانية تطبيقها على أرض الواقع. لذا، فإن مبادرة التحالف العسكري الإسلامي تحتاج للمصارحة عبر عرضها على متخصصين عسكريين واستراتيجيين وأكاديميين، كما تحتاج لآلة إعلامية ترتقي لمستوى أهدافها، وربما يصل الأمر لإعادة هيكـلة وزارات الإعـلام لاسيما في دول الخليج العربية لتكون بمستوى الحدث؛ فالتحالف بحاجة ماسَّة للتسويق وبحاجة أيضًا لجهد كبير وزمنٍ طويل ليتحول من مرحلة التحضير والتخطيط إلى مرحلة التنفيذ من خلال وحدات المناورة التابعة للتحالف العسكري الإسلامي في تعقب الإرهاب.
_________________________________________
*د. ظافر محمد العجمي: المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج.

الهوامش
1. المختار، عثمان، عالم الميليشيات في العراق، موقع العربي الجديد، 24 يوليو/تموز 2015، (تاريخ الدخول 20 ديسمبر/كانون الأول 2015(.
http://tinyurl.com/prvwwg2
2. أبرز الميليشيات الشيعية المسلحة في العراق، الجزيرة نت، 8 سبتمبر/أيلول 2014، (تاريخ الدخول 19 ديسمبر/كانون الأول 2015)،
http://tinyurl.com/osqf97o
3 . أبرز الكتائب المسلحة في ليبيا، الجزيرة نت، 23 فبراير/شباط 2014، (تاريخ الدخول 20 ديسمبر/كانون الأول 2015)
http://tinyurl.com/o2v7rax
4. كشف حساب التحالف الدولي لقتال داعش: ما الجدوى؟، موقع مركز الروابط، 15 ديسمبر/كانون الأول 2015، (تاريخ الدخول 19 ديسمبر/كانون الأول 2015)، http://rawabetcenter.com/archives/16481
5. أقوى عشر دول بالتحالف العسكري الإسلامي، سي إن إن العربية، 15 ديسمبر/كانون الأول 2015، (تاريخ الدخول 17 ديسمبر/كانون الأول 2010)،
http://arabic.cnn.com/middleeast/2015/12/16/islamic-alliance-info-map
6. التحالف الإسلامي: محاربة للإرهاب أم تأجيج للصراع، موقع فرانس 24، 16 ديسمبر/كانون الأول 2015، (تاريخ الدخول 20 ديسمبر/كانون الأول 2015)،

7. ابن سلطان، خالد، الصعوبات والتحديات التي واجهت قائد القوات المشتركة، موقع مقاتل من الصحراء، (تاريخ الدخول 19 ديسمبر/كانون الأول 2015)،
http://www.moqatel.com/openshare/Behoth/IraqKwit/17/sec01.doc_cvt.htm
8. رميح، طلعت، تحديات التحالف العسكري الإسلامي لمحاربة الإرهاب، موقع بوابة الشرق، 18 ديسمبر/كانون الأول 2015، (تاريخ الدخول 18 ديسمبر/كانون الأول 2015)،
http://www.al-sharq.com/news/details/392399#.VnQCn8Z97IU
9. خاشقجي، جمال، ترحيب بإعلان التحالف العسكري الإسلامي ضد “الإرهاب”، الجزيرة نت، 15 ديسمبر/كانون الأول 2015،
http://tinyurl.com/pkntawq
10. عواد، عماد، قراءة مبدئية في التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب، جريدة الجريدة، 19 ديسمبر/كانون الأول 2015، (تاريخ الدخول 19 ديسمبر/كانون الأول 2015)، http://tinyurl.com/p45j9at
11. السعودية تعلن تشكيل تحالف إسلامي عسكري من 34 دولة لمحاربة الإرهاب، رويتر العربية، 15 ديسمبر/كانون الأول 2015، (تاريخ الدخول 16 ديسمبر/كانون الأول 2015، http://tinyurl.com/powmygd
12. جريدة القبس الكويتية، ص 42، 17 ديسمبر/كانون الأول 2015.
13. خفايا تشكيل التحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب.. وأسئلة لمصر والأردن والسلطة!، جريدة المنار اللبنانية، 18 ديسمبر/كانون الأول 2015، (تاريخ الدخول 19 ديسمبر/كانون الأول 2015)، http://www.manar.com/page-28020-ar.html
14 . النائب عن تحالف القوى العراقية خالد المفرجي، موقع السومرية نيوز، 16 ديسمبر/كانون الأول 2015، (تاريخ الدخول 19 ديسمبر/كانون الأول 2015)، http://tinyurl.com/pcxeldg
15. عز الدين، أسماء، خبراء: التحالف الإسلامي لن يؤدي لجديد.. وآخرون: خطوة إيجابية للخلاص من الإرهاب، بوابة الوفد، 15 ديسمبر/كانون الأول 2015، (تاريخ الدخول 17 ديسمبر/كانون الأول 2015)، http://tinyurl.com/o99cjo4
16. العمري، طراد. التحالف الإسلامي والمعضلة الكبرى، موقع أنحاء الإلكتروني، 17 ديسمبر/كانون الأول 2015، (تاريخ الدخول 17 ديسمبر/كانون الأول 2015)، http://www.an7a.com/221879 /

 د. ظافر محمد العجمي
المصدر: مركز الجزيرة للدراسات