ترامب الزاحف نحو الخاتمة

ترامب الزاحف نحو الخاتمة

55d4afb6ea70c

نهاية العام هو موسم الجرد السنوي للسياسيين وليس لرجال الأعمال فقط. لا همّ للإعلام الأمريكي في هذا الوقت من السنة إلا رصد ومتابعة أحوال السياسيين، وفحص حساباتهم الختامية، لحصر ما حققوه من مكاسب وما تكبدوه من خسائر. ولكن 2016 ليس كغيره من الأعوام بالنسبة للسياسيين والإعلاميين والولايات المتحدة كلها. إنها سنة الانتخابات الرئاسية، وما يسبقها من معركة انتخابية طاحنة تبدأ بتصفية المرشحين عن الحزبين الجمهوري والديمقراطي، ثم السباق النهائي بين مرشح عن كل حزب قبل نهاية العام.

وقد تختلف تقديرات الإعلام حول الخاسرين والرابحين من السياسيين في 2015 ، ولكن هناك ما يشبه الإجماع على أن المرشح الجمهوري المثير للجدل دونالد ترامب هو أكبر الرابحين في العام المنتهي. بل إن أحد محرري «واشنطن بوست» كتب «إن العام المنصرم هو عام ترامب بلا جدال، وإن هناك من خسر ومن كسب، ولكن من ليس ترامب فهو خاسر بلا شك».

وعندما يتداول الأمريكيون هدايا عيد الميلاد في هذا الأسبوع الأخير من العام سيكون لدى ترامب هدية خاصة وثمينة هي نتيجة الاستطلاع الأخير لشبكة «سي إن إن» والذي أظهر تفوقه الكاسح على منافسيه في الحزب. ووفقاً لهذا الاستطلاع فإن الفجوة بينه وبين أقرب منافسيه وهو السناتور تيد كروز وصلت إلى 21 نقطة، حيث حصل الملياردير الشهير على 39% من أصوات الجمهوريين ، بينما حصل كروز على 18% فقط.
ما يؤكد أن ظاهرة ترامب أصبحت حقيقة راسخة وليست مجرد ومضة خاطفة تلمع في سماء السياسة الأمريكية وتخبو سريعاً، هو أن نتيجة الاستطلاع الأخير جاءت منسجمة ومتوافقة مع ما سبقها من استطلاعات، وهو ما يعني وجود شعبية حقيقية للرجل. ومنذ يوليو الماضي على الأقل ظهر جلياً تفوق ترامب على منافسيه. وفي الاستطلاعات التي أجرتها «الواشنطن بوست» وشبكتا «إيه بي سي» و«فوكس نيوز» تراوحت النسبة التي حصل عليها بين 38% و39%. أما الاستطلاع الذي أجرته جامعة مونماوث فقد قفز بهذه النسبة إلى 41% ومتوسط شعبيته عموماً يدور حول 35,1% ، وهو رقم لم يبلغه أحد من المرشحين المنافسين.

بناء على هذه النتائج يصير من حق ترامب أن يتعامل معه الجميع بمزيد من الجدية وبلا أي قدر من الاستخفاف. والقلقون من فوزه عليهم أن يشعروا بالخطر فعلاً. الاستطلاعات تقول بوضوح إن للشعب الأمريكي رأياً آخر في تصريحات ترامب رغم ما يكتنفها من تطرف وعنصرية. الأمريكيون الخائفون على سلامتهم ووظائفهم معاً يؤيدون موقفه المتشدد من الإرهاب والهجرة غير الشرعية. وهما القضيتان اللتان يتاجر ويربح بهما.
وإذا كان من الخطأ الاستخفاف بالرجل والتهوين من قدره، فمن الخطأ أيضاً اعتبار نتائج الاستطلاعات وكأنها مؤشر وحيد ونهائي وحاسم على فوزه بترشيح الحزب. مثل هذا الافتراض غير صحيح. وقد أفاضت الصحف الأمريكية في توضيح الأسباب، ونكتفي هنا بالإشارة إلى ما ذكرته مجلة «كريستيان ساينس مونيتور» التي تعترف بتفوق ترامب ، وإن كانت ترى أن هناك ما يدعو للحذر عند الحديث عن فوزه بترشيح الحزب.
أول مبررات الحذر هو أن المؤتمر الانتخابي الأول للحزب لاختيار المرشح الفائز سيعقد أوائل فبراير المقبل في ولاية «أيوا» التي يتفوق فيها كروز على ترامب بنحو أربع نقاط. والمعروف أن نتائج التصويت في كل ولاية تؤثر في التوجهات التصويتية في الولايات التالية. وبالتالي فإذا خسر ترامب موقعة «أيوا» فسوف يتأثر وضعه فيما يليها.
ملاحظة أخرى مهمة وهي أن الشريحة الاقتصادية والاجتماعية المؤيدة له هي من محدودي الدخل والتعليم معاً. وهذا النوع من المواطنين لا يُقبل في العادة على الانتخابات التمهيدية. أي أنه من غير المستبعد حدوث مفاجآت في نتائج التصويت داخل المؤتمرات الحزبية، وهي مكان لا تؤمه عادة الكتلة الصلبة لمؤيدي ترامب.
جانب آخر لا يقل أهمية ، قد لا يكون في صالحه ، وهو يتعلق بطبيعة النوعيات التي تستهدفها الاستطلاعات والتي تشمل عادة الناخبين المسجلين. غير أن هؤلاء ليسوا بالضرورة من الناخبين الإيجابيين أي المواظبين على المشاركة في الانتخابات. ومع اقتراب موعد المؤتمرات الحزبية ( الانتخابية)، وتحرياً لمزيد من الدقة، يستهدف منظمو الاستطلاعات هذه النوعية الأخيرة من الناخبين (المواظبين) ومن ثم ستعكس النتائج آراء شرائح جديدة لم تشملها الاستطلاعات التي أجريت حتى الآن. ومرة أخرى قد لا تأتي الأرقام كما يشتهي ترامب.
في كل الأحوال صعد هذا السياسي اليميني المتشدد صعوداً باهراً في 2015 وسيكون العام الجديد هو الحاسم بالنسبة له، إما أن يشهد تتويجه أو يسجل خروجه بلا عودة من حلبة السياسية الأمريكية. وسواء فاز أو خسر فقد فرض نفسه على الساحة بتصريحاته المسكونة بالعنصرية والغطرسة.
ولهذا السبب تحديداً اعتبرته «واشنطن بوست» تهديداً للنظام الديمقراطي الأمريكي كله لتبنيه خطاباً يروج للكراهية ، وينشر الحقد ، ويبث الخوف في نفوس الأمريكيين لنيل تعاطفهم. لم يتورع، والكلام للصحيفة، عن اختلاق أكاذيب وترديدها ، وركز في حملته على الاستهزاء بخصومه وتسفيه آرائهم. اقترف ترامب ما هو أكثر ، باعتبار معارضيه وأنصارهم بلا قيمة وأقل درجة في الإنسانية، وعليه، فإنهم يستحقون الإهانة. تعمّد شيطنة الآخر ، وهو ما يقدّم المبرر للقيام بأعمال غير مقبولة تجاه هذا الآخر.
جل ما يمكن استخلاصه من كلمات الصحيفة للشعب الأمريكي هو أن ترامب خطر فاحذروه.

عصام عبدالخالق

صحيفة الخليج