القوة الاستثنائية‮ .. ‬لماذا يحتاج العالم إلي أمريكا قوية؟

القوة الاستثنائية‮ .. ‬لماذا يحتاج العالم إلي أمريكا قوية؟

{630A41E7-99BE-4A3D-8274-37E02FD45780}Img400

 يشن نائب الرئيس الأمريكي الأسبق ديك تشيني،‮ ‬وابنته ليز، التي شغلت منصب نائب مساعد وزير الخارجية لشئون الشرق الأدني في إدارة جورج دبليو بوش، في كتابهما الصادر أخيرا،‮ ‬هجوما حادا علي إدارة الرئيس باراك أوباما، وسياستها الخارجية، التي أسهمت برأيهما في تراجع الدور الأمريكي عالميا‮. ‬ويستعرضان في هذا السياق طبيعة القوة الأمريكية الفريدة في العالم، ويوضحان حجم الضرر الذي ألحقته إدارة أوباما بهذه القوة وتراجعها عن مبدأ قيادة العالم‮.‬ ويختمان كتابهما بتوضيح السبل التي يمكن من خلالها استعادة القيادة الأمريكية مرة أخري‮.‬
تاريخ القوة الأمريكية‮:‬
يستعرض الكاتبان خلال القسم الأول من كتابهما ملامح القوة الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية، بهدف تعريف الأجيال الجديدة بأنهم‮ “‬ينتمون إلي أعظم وأقوي أمة في التاريخ الإنساني‮” ‬كما يصفها تشيني‮. ‬إذ يشيران إلي تاريخ السياسة الخارجية الأمريكية،‮ ‬والنجاحات العسكرية منذ إدارة فرانكلين روزفلت، ويصفان دور لولايات المتحدة منذ تلك الفترة بأنه دور‮ “‬استثنائي‮” ‬في الدفاع عن الحرية علي مستوي العالم، حيث اعتمد أمن وحرية ملايين الناس حول العالم علي القوة العسكرية،‮ ‬والاقتصادية،‮ ‬والسياسية والدبلوماسية للولايات المتحدة الأمريكية‮.‬
ويوضح الكتاب تاريخ التفرد الأمريكي في التعامل مع التهديدات المختلفة منذ الحرب العالمية الثانية،‮ ‬والقضاء علي النازية، مرورا بالحرب الباردة،‮ ‬وتفكيك الاتحاد السوفيتي، المنافس الأكثر قوة للولايات المتحدة، وتحرير أوروبا الشرقية، بالإضافة إلي الدخول في حربي فيتنام وأفغانستان، ونشر مبادئ الديمقراطية حول العالم، فضلا عن الحرب علي الإرهاب التي قادتها إدارة بوش الابن بعد أحداث‮ ‬11‮ ‬سبتمبر‮.‬
وقد وُجهت بعض الانتقادات للكاتبين في إطار استعراضهما لذلك التاريخ،‮ ‬خصوصا حربي فيتنام والعراق، بحسبان أن أسلوبهما في التعاطي معهما كان انتقائيا أكثر منه موضوعيا، بحيث يخدم وجهة نظرهما في إطار انتقادهما لسياسات الإدارة الحالية، والتي يعدّانها السبب الرئيسي في تحول القوة الأمريكية من القيادة الواضحة للعالم إلي الاكتفاء بدور القيادة من الخلف، وما لذلك من تداعيات علي طبيعة السياسة الخارجية الأمريكية،‮ ‬وحجم قوتها، وعلاقاتها مع الحلفاء‮.‬
تراجع القوة الأمريكية‮:‬
يري الكاتبان في القسم الثاني من كتابهما أن القوة الأمريكية المعهودة في العالم قد تراجعت في عهد إدارة أوباما، بما أدي إلي زيادة التهديدات الموجهة للأمن القومي الأمريكي‮.‬ بل إن فشله في إدارة العديد من ملفات السياسة الخارجية،‮ ‬بسبب اتباعه‮ “‬مبدأ استرضاء الخصوم، والتخلي عن الحلفاء‮”‬،‮ ‬قوض الدور والتأثير الأمريكيين في التطورات التي تحدث في العالم‮.‬
وقد اتهم المؤلفان إدارة أوباما مرارا بتضليل الرأي العام الأمريكي، خاصة فيما يتعلق بالاتفاق النووي الإيراني الأخير، وبالهجمات التي وقعت في بنغازي بليبيا، فضلا عن انتقادهما للاستراتيجية التي يتبعها الرئيس أوباما علي الصعيد الخارجي،‮ ‬والتي اختلفت عن استراتيجيات الإدارات السابقة،‮ ‬سواء أكانت ديمقراطية أم جمهورية،‮ ‬للتهديدات التي تواجهها الولايات المتحدة خارجيا‮.‬
ولم يتوقف الكاتبان عند هذا الحد، بل أشارا إلي أنه في عهد أوباما،‮ ‬فقدت الولايات المتحدة قدرتها علي التأثير في مجريات الأحداث، بل تضاءل حجم نفوذها عالميا،‮ ‬وعلي الخصوص في منطقة الشرق الأوسط،‮ ‬بعد الانسحاب من العراق، تاركة فراغا كبيرا ملأته إيران بميليشياتها المسلحة من ناحية، وساعدت في ظهور تنظيم‮ “‬الدولة الإسلامية‮” ‬الإرهابي من ناحية أخري،‮ ‬بالإضافة إلي فقدان قيادتها للأوضاع في سوريا،‮ ‬وليبيا،‮ ‬واليمن‮.‬
ويشير الكاتبان إلي أن القوة الأمريكية ضعفت في مواجهة كل من روسيا،‮ ‬وإيران،‮ ‬وكوريا الجنوبية،‮ ‬والصين، بحيث أصبحت تعتمد أكثر علي المواءمات السياسية والدبلوماسية‮ ‬غير المدعومة بقوة عسكرية قادرة علي الردع، نتيجة للاقتطاعات التي حدثت مرة تلو الأخري في ميزانيات الإنفاق الدفاعي علي الجيش الأمريكي‮. ‬وهكذا،‮ ‬يحمل الكاتبان إدارة أوباما مسئولية تراجع القوة والقيادة الأمريكية علي مستوي العالم،‮ ‬برغم احتياج هذا الأخير لها،‮ ‬في ظل تنامي التهديدات العالمية العابرة للحدود كالإرهاب وغيره، وفي ضوء تنامي الصراعات في العديد من الأقاليم الحيوية التي لدي الولايات المتحدة مصالح استراتيجية فيها،‮ ‬واتفاقات شراكة ودفاع مشترك مع بعض الحلفاء فيها‮.‬
الطريق لاستعادة القوة الأمريكية‮:‬
في القسم الثالث من الكتاب،‮ ‬يستعرض الكاتبان الآليات والسبل التي يمكن من خلالها استعادة القوة والقيادة الأمريكيتين في العالم، في إطار مجموعة من التوصيات التي ينبغي علي الرئيس القادم أخذها في الحسبان من أجل تحقيق هذا الهدف، وأبرزها‮:‬
أولا‮- ‬فيما يتعلق بالعلاقة مع إيران،‮ ‬يري الكاتبان أن الاتفاق النووي الأخير سيقود إلي سباق نووي في الشرق الأوسط،‮ ‬ويرفع سقف الخطر في تلك المنطقة،‮ ‬ويدفع دول الخليج هي الأخري لتعزيز قدرتها النووية‮.‬ ومن ثم،‮ ‬ينبغي علي الرئيس القادم بعد أوباما أن يلغي تلك الصفقة، لأن أضرارها علي الأمن الأمريكي من ناحية، وعلي حلفاء الولايات المتحدة من ناحية أخري،‮ ‬أكبر من فوائدها، خاصة أنها لن تؤدي إلي تحقيق السلام في الشرق الأوسط بما قد يهدد المصالح الاستراتيجية الأمريكية هناك‮.‬
ثانيا‮- ‬إعادة النظر في الميزانية العسكرية والإنفاق الدفاعي للولايات المتحدة، والعمل علي تزويد الجيش الأمريكي بأنظمة صواريخ دفاعية جديدة،‮ ‬وقوة نووية أكبر لتحقيق هدف شن حرب علي أكثر من منطقة جغرافية في العالم في وقت واحد،‮ ‬بالإضافة إلي تعزيز القدرات الدفاعية والهجومية الإلكترونية‮ (‬السيبرانية‮)‬،‮ ‬وإرسال القوات الأمريكية المقاتلة إلي مناطق النزاع‮.‬
ثالثا‮- ‬المواجهة العسكرية الحاسمة ضد إرهاب تنظيم‮ “‬الدولة الإسلامية‮”‬،‮ ‬حيث يوصي الكاتبان بضرورة تقديم الدعم المسلح المباشر لقوات البيشمركة الكردية في العراق، والعمل في الوقت نفسه علي توسيع الحملة الجوية في العراق وسوريا، بالإضافة إلي بناء تحالفات أكثر قوة مع الحلفاء المحوريين في المنطقة مثل إسرائيل، وبعض الدول العربية‮.‬
رابعا‮- ‬كبح جماح الطموح الروسي علي الساحة الدولية، عن طريق استعادة أنظمة الصواريخ الدفاعية التي كانت إدارة أوباما قد ألغتها في بولندا وجمهورية التشيك، والالتزام بالمادة الخامسة من اتفاقية حلف الناتو،‮ ‬والتي تقر بالدفاع المشترك عند تعرض أي دولة عضو لهجوم من قوة خارجية، بحيث تقوم الولايات المتحدة بإرسال مساعدات وقوات لبعض دول حلف الناتو،‮ ‬التي لديها حدود مشتركة مع روسيا،‮ ‬حتي تكون بمنزلة رسالة قوية للدب الروسي بأن الولايات المتحدة حاضرة،‮ ‬ولن تتخلي عن حلفائها في المنطقة،‮ ‬حتي إذا وصل الأمر إلي مواجهة مسلحة‮.‬
وخلاصة ما توصل إليه الكاتبان أنه يجب علي الرئيس القادم أن يعي جيدا ضرورة استعادة القيادة الأمريكية في العالم من خلال هزيمة الأعداء،‮ ‬وطمأنة الحلفاء، لأن العالم، كما يراه تشيني وابنته، يحتاج إلي الولايات المتحدة الآن أكثر من أي وقت مضي‮. ‬وقد أكد الكاتبان أن الرئيس القادم ستواجهه بعض القرارات الصعبة،‮ ‬التي يجب اتخاذها في وقت محدود،‮ ‬لكن الأمر سيعتمد في النهاية علي درجة إيمان هذا الرئيس القادم بأهمية ومحورية الدور القيادي للولايات المتحدة الأمريكية في العالم‮.‬
ديك تشيني وليز تشيني
عرض: باسم راشد
مجلة السياسة الدولية
Dick Cheney and Liz Cheney
Exceptional:  Why the World Needs a Powerful America (New York: Threshold Editions, 2015)