تركيا والعراق وعبد الحسين شعبان

تركيا والعراق وعبد الحسين شعبان

25-12-1014006
قرأت بإمعان مقالة الصديق عبد الحسين شعبان “في رسائل الاجتياح التركي” في صحيفة الخليج الإماراتية في 23/ 12. وأقدر آراء الصديق شعبان وأحترمها، ويربطني به أكثر من موقف، وأتفق معه جملةً وتفصيلاً في الرفض المطلق اختراق أي قوة دولية مجال أي قطر عربي، براً أو بحراً أو جواً أو سياسياً، وعلينا جميعاً التصدي له بكل الإمكانات قولاً وعملاً.
(2)
أتفهم ظروف بعض كتّاب الصحافة العرب، من خارج جغرافية الخليج العربي، الذين يكتبون لصحف خليجية، وخصوصاً أصحاب الرأي التوفيقي مثل الصديق عبد الحسين شعبان، فهو يكتب، وعليك أن تكون متنبهاً لما تقرأ، فبين السطور أسطر عليك أن تمعن النظر فيها. في مقاله آنف الذكر، لا تحتاج إلى أن تقرأ ما بين السطور، كان واضحاً في موقفه الاسترضائي لجهةٍ خليجيةٍ يعلم أنها ليست على وفاق كما يجب مع تركيا، فيسمي وجود القوات التركية على أراضي بعشيقة العراقية “الاجتياح التركي” لأراضي بلاد الرافدين، والتي لا يزيد تعداد تلك القوة عن ألف جندي في أحسن تقدير، وتشير كل الدلائل إلى أن دخول تلك القوات كان بعلمٍ يرقى إلى مرتبة الترحيب والترتيب من الحكومة المركزية في بغداد، وبرغبة من حكومة إقليم كردستان العراق، فكيف نسمي هذه العملية اجتياحاً. أعرف أن الدكتور شعبان دقيق في اختاره كلماته والمصطلحات التي يستخدمها، فكيف غابت عنه تلك الدقة في هذا المجال؟
يجب أن نؤكد رفضنا اعتبار أي دولة غير عربية العراق أو سورية مجالاً حيوياً لها، كما أشار الدكتور شعبان، ونرفض أيضاً محاولات الوجود والهيمنة الإيرانية على العراق، وبأي ذريعة. نعرف أن تركيا ترغب في أن يكون العراق دولة موحدة وقوية، ليسهل التعامل معه، والتعاون لصد أي جماعات متطرفة، تريد المساس أي من الدولتين. في الجانب الآخر، تريد إيران العراق ضعيفاً ومفككاً ليسهل ابتلاعه، والعبث بأمنه الداخلي، لتحقيق مصالح طائفية ونزعة توسعية، وشتان بين الموقفين.
تاريخ العراق، كما يعلم الدكتور عبد الحسين شعبان، مملوء بالاتفاقيات والمعاهدات مع الجانب التركي، منذ الزمن الملكي وحتى نهاية الحكم الوطني في العراق عام 2003، وكذلك الحكومات العميلة التي تناوبت على حكم العراق بعد احتلاله عام 2003، وهي تجيز لأي من الدولتين اجتياز الحدود لملاحقة الخارجين عن القانون.
وفي شأن القوات التركية في منطقة بعشيقة على سفوح جبل مقلوب القريبة من الموصل، (منطقة خارج سلطة الحكومة العراقية)، وبرغبة واتفاق مع حكومة حزب الدعوة في بغداد في ولايتي نوري المالكي، ومن بعده حيدر العبادي، وجدت القوات التركية التي يسميها شعبان قوات اجتياح، كانت بموجب اتفاقية رسمية، ولو أنكرت بغداد ذلك. وتصعيد حزب الدعوة الحاكم في بغداد ضد تركيا لم يكن قراره، إنما قرار إيراني روسي بامتياز، وأثيرت هذه الزوبعه ضد تركيا بعد إسقاط الأخيرة طائرة عسكرية روسية على الحدود التركية ــ السورية.
فيما يتعلق بلواء الإسكندرون، يدرك شعبان الذي جاء على ذكره أن حكومة الأسد، الأب والابن، لم يعودا يطالبان به منذ زمن ليس قصيراً، وبالكاد تذكره في وسائل الإعلام أو المناهج الدراسية كما كانت قبل عهد الأسد، ولا أريد أن أستدعي مأساة الجولان، والسكوت عنه أكثر من أربعين عاماً.

(3)
يقر الدكتور عبد الحسين شعبان ضمناً بأن هناك اتفاقاً بين العراق وتركيا، يقضي بوجود قوات تركية على أراضٍ عراقية بهدف تدريب قوات عراقية كردية، والمشاركة في الحرب على الإرهاب، لكنه يناقض نفسه بالقول “لا يحق لتركيا دخول الأراضي العراقية من دون علم حكومته”. ويمكن القول إنه إذا كان هناك اتفاق بين الدولتين، فهذا يعني أن الحكومة العراقية أعطت حقاً لتركيا بالوجود على الأراضي العراقية المحددة لها، بهدف محاربة الإرهاب وتدريب قوات عراقية، وكلما شعرت بأن هناك خطراً يهدد أمنها وسلامة مواطنيها، وهي لم تتجاوز الاتفاق الموقع بين الدولتين.
يتساءل شعبان “هل يكفي القول إن تنظيم داعش وحزب العمال الكردستاي يهددان أمن تركيا، لكي تسمح لنفسها باختراق حدود دولة أخرى؟”.
(4)
جوابي بأسئلة أخرى: هل يكفي قول الولايات المتحدة الأميركية إن تنظيم القاعدة في أفغانستان يهدد أمنها القومي، وهي على بعد آلاف الكيلو مترات وتحتل أفغانستان والعراق بتلك الحجة. هل يكفي أن تعلن روسيا الاتحادية الحرب على “داعش”، وأن تحتل سورية اليوم بحجة محاربة “داعش”، لأنها تهدد أمن روسيا والعالم.
لماذا، تتجاهل، دكتور عبد الحسين شعبان، دخول أكثر من 600 ألف إيراني إلى العراق في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، من دون إذن دخول الأراضي العراقية، وتعلن الحكومة الإيرانية أن الذين اجتازوا الحدود إلى العراق بدون موافقة مسبقة سيتعرضون للمحاكمة في إيران، إذا عادوا. ألا يعني ذلك أن عليهم البقاء في العراق في إطار تغيير التركيبة السكانية لصالح إيران في العراق؟ ألم تعلن إيران أنها قررت إيجاد منطقة عازلة بين الحدود العراقية ــ الإيرانية، بعمق 40 كيلومتراً داخل الحدود العراقية، من دون استشارة الحكومة العراقية، والتي تعتبر عميلة لإيران. هل يعلم شعبان أن في العراق أكثر من 14 جيشاً أجنبياً دخلوا العراق عنوة بذريعة محاربة الإرهاب.
آخر القول: القلم أمانة، وكرّمه الله بسورة في القرآن الكريم، وعلينا احترامه، وعلى الذين يشتغلون به توجيه الأمة وقادتها إلى ما يعود بالخير على أمتنا العربية، واعلموا جميعاً أن أهل الخليج يعرفون الصادقين من الكتّاب، اللهم اجعلنا من الصادقين.

محمد صالح المسفر
صحيفة العربي الجديد