أصدقاء تركيا القدماء من جديد

أصدقاء تركيا القدماء من جديد

ObamaErdoganWhiteHousePorticoWalking-639x405

منذ توليهما السلطة في عام 2002، سعى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان و «حزب العدالة والتنمية» الذي ينتمي إليه إلى إبعاد تركيا عن حلفائها الغربيين التقليديين. واستندت السياسة التركية الجديدة التي وضعها رئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو الذي شغل سابقاً منصب وزير الخارجية، إلى الفكرة القائلة بأنه لا يمكن لأنقرة أبداً أن تبرز كقوة إقليمية إذا كانت تتمتع بعلاقات جيدة مع الغرب فقط. وتبيّن أن هذا الرأي خاطئ إلى حدّ كارثي.

لقد اعتقد رئيس الوزراء داوود أوغلو أنه من خلال إقامة علاقات أفضل مع إيران وروسيا، والإخلال بين الحين والآخر بالعلاقات مع أوروبا وإسرائيل والولايات المتحدة، فبإمكان أنقرة أن تكسب النفوذ في الشرق الأوسط وأوراسيا، وتبرز كقوة إقليمية تحظى بالاحترام. ولكن، بدلاً من ذلك، حدث العكس. فاليوم، اجتمعت البلدان الأربع الرئيسية المجاورة لتركيا من غير الدول الأوروبية – روسيا وإيران والعراق وسوريا – في محور تاريخي تشكّل حديثاً ضد أنقرة. وبالتالي، فإن الولايات المتحدة هي حليفة تركيا الحقيقية الوحيدة.

في البداية، بدا نهج السياسة الخارجية التركية الجديد ناجحاً. فقد تم استقبال السيد أردوغان، رئيس الوزراء السابق والرئيس الحالي، بأذرع مفتوحة عندما زار دمشق وطهران وموسكو في العقد السابق. وقد دعا أردوغان الرئيس السوري بشار الأسد لقضاء إجازة معه في تركيا، ودافع عن المشروع النووي الإيراني ووقّع اتفاقات حول خط أنابيب الغاز الطبيعي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وعندما انهارت العلاقات التركية الإسرائيلية في عام 2010، أشاد الشارع العربي بفريق أردوغان-أوغلو.

ومع ذلك شكّل “الربيع العربي” الاختبار الحقيقي لقوة تركيا الإقليمية. فعندما دعمت تركيا جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر في عام 2013، وجدت أنّه يتم إبعادها عن القوى العربية التقليدية في المنطقة. إذ وقفت الحكومة الجديدة ذات القيادة العسكرية في القاهرة وجميع مؤيديها في الإمارات العربية المتحدة ودول الخليج الأخرى، ضد أنقرة.

إلى جانب ذلك، حصد أردوغان أعداءً آخرين أيضاً. ففي سوريا، وبفضل دعم أنقرة للثوار المناهضين للنظام، وجدت تركيا نفسها في حرب بالوكالة ضد روسيا وإيران، فضلاً عن نظام الأسد. وعندما اندلعت الانتفاضة السورية لأول مرة في عام 2011، أرسل الرئيس أردوغان السيد داوود أوغلو إلى دمشق لتقديم النصح إلى الأسد بضبط النفس والشروع في الإصلاحات. ولكن، بعد ساعات معدودة من لقائه مع داوود أوغلو، أرسل الديكتاتور السوري الدبابات إلى المدن للمرة الأولى، الأمر الذي كان بمثابة فشل حلم «حزب العدالة والتنمية» بالنفوذ الإقليمي.

وعن طريق دعمها السياسي والعسكري للأكراد العراقيين والعرب السنة، كانت أنقرة على خلاف مع الحكومة التي يهيمن عليها الشيعة في بغداد. وفي الوقت الحالي، يتحرك محور روسيا- إيران- سوريا- العراق نحو تشديد الخناق. وخير مثال على ذلك هي الأزمة الأخيرة بين أنقرة وموسكو حول إسقاط القوات الجوية التركية لطائرة روسية. فمنذ ذلك الحين صعّدت موسكو خطواتها ضد أنقرة، عبر فرض عقوبات تجارية على تركيا وإلغاء صفقات خطوط الأنابيب ونشر صواريخ من طراز “إس-400” في سوريا قادرة على بلوغ المجال الجوي التركي.

ومن جهتها، وافقت أرمينيا على توحيد مجالها الجوي مع المجال الروسي لأغراض دفاعية، وبذلك تكون موسكو قد وصلت إلى الجبهة الشرقية لتركيا. أما من الجنوب، فقد بدأت روسيا بتوريد الأسلحة إلى «حزب الاتحاد الديمقراطي» الكردي في سوريا، المتحالف مع «حزب العمال الكردستاني» الذي يقاتل تركيا في الوقت الراهن. فمن خلال اللعب على الورقة الكردية، يريد بوتين أن يظهر لأنقرة أن بإمكانه أن يولّد مشاكل لتركيا من جميع الجهات، ومن داخل البلاد أيضاً.

ومن الجنوب أيضاً، أي في العراق، فإن روسيا التي تعمل مع إيران، قد شجعت بغداد على اتخاذ موقف عدائي تجاه أنقرة. وقد ضغطت الحكومة العراقية على تركيا لإخلاء بعشيقة، وهي قاعدة عسكرية تركية أسستها أنقرة في ربيع عام 2015 لتدريب العراقيين الأكراد والعرب السنّة، الأمر الذي يهدد عمل مجلس الأمن الدولي.

وفي أيلول/سبتمبر، توصلت روسيا وإيران وسوريا والعراق إلى اتفاق لتشارك المعلومات الاستخباراتية، مما يشير إلى تفاهم غير رسمي، تشكل تركيا أحد أهدافه الرئيسية. وبعد أن أحاط بهما هذا التحالف الذي تم تشكيله حديثاً، بدأ السيدان أردوغان وداوود أوغلو يعيدا النظر في بعض المبادئ الرئيسية لسياستهما الخارجية.

ومع انهيار سياستها الخارجية الجديدة، تتجه أنقرة إلى العودة إلى سياستها القديمة. وتبرز أدلة تشير إلى حدوث انتعاش في الروابط ما بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، الأمر الذي سيرتكز على المدى القصير على التعاملات: فالاتحاد الأوروبي يحتاج إلى مساعدة تركيا في السيطرة على تدفقات اللاجئين إلى الاتحاد. لكنّ هذا الانتعاش يعني أيضاً تحلحل عملية انضمام أنقرة إلى الاتحاد الأوروبي، بعد أن تم تجميدها سابقاً. وفي 15 كانون الأول/ديسمبر، اتفقت أنقرة وبروكسل على فتح صفحة جديدة في عملية انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، والعمل على تنسيق السياسات الاقتصادية والنقدية.

إلى جانب ذلك، تبرز مؤشرات إيجابية في العلاقات التركية الإسرائيلية. فنظراً إلى الأزمة مع روسيا، تحتاج تركيا إلى تنويع المصادر التي تزودها بالغاز، وإدخال الغاز الإسرائيلي ضمنها. ووفقاً لبعض التقارير، اتفقت تركيا وإسرائيل أيضاً على تطبيع العلاقات بينهما، وذلك في إطار اعتقادهما بأنهما تواجهان تهديدات متشابهة من سوريا، أي «حزب الله» بالنسبة إلى إسرائيل و «حزب الاتحاد الديمقراطي» بالنسبة إلى تركيا، بدعم من روسيا في كلتا الحالتين، فضلاً عن التهديد الذي يشكله تنظيم «الدولة الإسلامية».

ولكن، لربما يكون التطور الأفضل الذي طرأ هو تعزيز علاقات تركيا مع واشنطن. فالسيدان أردوغان وداوود أوغلو يدركان أنه في أعقاب حادث الطائرة في 24 تشرين الثاني/نوفمبر، لم يرِد بوتين، ولم يكن بإمكانه الرد من خلال عدوان سافر لأن تركيا عضو في “حلف شمال الأطلسي” (“الناتو”). وحيث أن أنقرة تواجه روسيا التي استعادت نشاطها، والتي تشكّل عدوها التاريخي الذي خاضت ضده حروباً لا تعد ولا تحصى وخسرتها، تدرك تركيا أنها بحاجة إلى “الناتو” وإلى واشنطن أكثر من أي وقت مضى.

والمفارقة بالنسبة إلى إدارة داوود أوغلو وأردوغان هي أنه بعد عشر سنوات من محاولة تقريب تركيا من روسيا والشرق الأوسط، عادت العلاقات إلى ما كانت عليه قبل نحو عشرين عاماً. وإذا تم تطبيع العلاقات التركية الإسرائيلية، فستكون السياسة الخارجية التركية مطابقة تقريباً لما كانت عليه في عام 1995، في ظل حكم الرئيس التركي الأسبق سليمان ديميريل: علاقات جيدة مع الولايات المتحدة، وعلاقات سيئة مع إيران، والعراق، وروسيا وسوريا، وعلاقة عمل [نافعة] مع الاتحاد الأوروبي، وتعاون مع أكراد العراق الذين يساعدون تركيا ضد «حزب العمال الكردستاني». فالآن هي اللحظة التي يجب على تركيا أن تنتهزها. فأنقرة ستكون أكثر أماناً إذا استدارت وعادت إلى أصدقائها القدامى.

سونر جاغايتاي

معهد واشنطن