الهند .. شريك إيران الاستراتيجي الخفي

الهند .. شريك إيران الاستراتيجي الخفي

349 (1)
تتحرّك إيران على أصعدة عديدة في منطقة الشرق الأوسط، فلها موقعها في المحادثات بشأن الأزمة السورية، وكذلك الأزمة اليمنية، كما أنها تسعى إلى التأثير السياسي على عُمان، العضو في مجلس التعاون الخليجي، وعلى باكستان المسلحة نووياً. وفي حين تتبنى دول مجلس التعاون الخليجي وضعاً دفاعياً، فإن إيران قادرة على تبني مقاربة أخرى، أكثر شمولاً وأكثر فعالية، والتي قد تحتوي على “البعد الفارسي” مع تقوية دفاعها الداخلي. وفي مقدمة لائحة أقوى حلفاء إيران ثلاثة دول، روسيا والصين والهند. وفي حين نرى بوضوح أن مصالح روسيا وتحركاتها في منطقة الخليج تأخذ طابعاً هجومياً، فإن الصين تتبنى مقاربة أكثر سلمية تجاه القضايا الحساسة، فدعمها بشار الأسد ما زال يتعزز، إذ صوتت بالفيتو ضد قرار استهدفه في مجلس الأمن الدولي. أما الهند، فلا تتفق فقط مع سياسة طهران في الحفاظ على نظام بشار الأسد، بل تتفق كذلك على إبقاء السلطة بيد الحوثيين في اليمن، فالأغلبية الشيعية في الهند تدعم بالفعل المعارضة المدعومة من إيران في البحرين.
ومنذ إسقاط الشاه في 1978، والهند تسعى، بكل جهدها إلى التودد مع إيران، وقد حققت في ذلك إنجازات مهمة، منذ أدارت طهران ظهرها لحليفها السابق باكستان، وإيرانُ ما بعد رفع العقوبات المرتقب عنها، بموجب الاتفاق مع الغرب بشأن ملفها النووي، تشكل فرصة ذهبية للهند التي لا تريد فقط أن ترفع من مستوياتها التجارية، ولكن تهدف أيضاً إلى أن تبيع معدّات عسكرية متطورة.
ومن منظور طهران، لن تكون لتقوية العلاقات مع الهند أية تداعيات سياسية أو أية قيود. وبما أنها متعطشة إلى بيع الأسلحة الروسية والأوروبية المصنوعة محليا، فإن طهران لن تسأل الهند عمّن ستقاتل. وفي أثناء ذلك، يبقى العالم العربي غافلاً عما تصنعه الهند على مستوى سياستها المتعلقة بجبهات الدفاع، فالعرب يجدون متعة في مشاهدة الأفلام الهندية عبر قنوات الساتلايت والكابل. وأفلام بوليوود تُروج ثقافة بعيدة تجمع وتخلط بدهاء صوراً من سويسرا وأميركا وتايلاند، لكنها تأتي بجرعات قوية من العلمانية الهندية غير الواقعية، وتعمل على نشر أفكار مناهضة للإسلام ولباكستان. ويغطي هذا الغزو الثقافي المخفي توجهاً يدفع نحو التشكيك في المسلمين والعرب داخل المجتمع والدولة الهنديتين، ويعمل على تمويه الحقائق المتعلقة بمستويات الفقر المدقع، والفوارق الاجتماعية المهولة، والنظام السياسي الطائفي.

الاتفاق السري حول الدفاع
الغريب والخطير أن عرباً قليلين يعلمون عن الاتفاق الذي وقعته إيران مع الهند سنة 2003

بشأن قضايا الدفاع، وجاء نتيجة مذكرة تفاهم موقعة سنة 2001. وقد حل، بعد أسبوع عليه، الرئيس الإيراني حينها، محمد خاتمي، ضيف شرف على حفل استقبال بمناسبة ذكرى جمهورية الهند. وقد نصّ الإعلان المشترك عند زيارة خاتمي الهند على: “أن جمهوريتي الهند وإيران الإسلامية تتفقان على استغلال جميع إمكانات العلاقة المشتركة في سبيل شعبي البلدين والسلام والاستقرار الإقليميين… وبرؤية تنم عن علاقة استراتيجية، من أجل منطقة أكثر استقراراً، وأكثر أمنا، وأكثر رفاهاً، ومن أجل تشجيع تعاون إقليمي ودولي… واستغلال الفرص من أجل تعاون في مجال الدفاع في المجالات المتفق عليها، بما في ذلك تدريبات، وزيارات تبادل.”
وقد كتَبت حينها أسبوعية “جاين ديفنس” أن “الاتفاق الهندي الإيراني حرّك الميزان الاستراتيجي.” وعلى الرغم من أن مراقبين دوليين عديدين حينها رأوا في الاتفاق محاولة لتطويق باكستان المؤيدة للعرب، إلا أنه، وفي فترة ما بعد رفع العقوبات عن إيران، لن تهدف الهند فقط إلى مدّ القوات الإيرانية بالعتاد الحربي والتدريبات اللازمة، بل ستكون مجبرة على توفير قواعد عسكرية لإيران في حالة الحرب.
وكما هو الحال مع إمكانات إسرائيل النووية، فإن كلاًّ من الهند وإيران اختارتا عدم الإفصاح عن وثيقة الاتفاق للعموم، وعلى الرغم من أن نص الاتفاق ما زال سرياً، إلا أنه، وبعد 14 عاماً من توقيعه، ظهرت على السطح بعض تفاصيله، كما أن الروابط الثنائية حول قضايا الدفاع أعطت بعض الإشارات على ملامحه.
وقبل مناقشة الاتفاق، والذي يبقى مصيرياً بالنسبة لأمن الخليج العربي وأمن باكستان وتركيا، من الضروري الإشارة إلى أن الهند تدّعي أنها البلد الذي يضم ثاني أكبر ساكنة شيعية في العالم، والتي لها روابط تاريخية عديدة مع إيران. فعدد المسلمين الشيعة في الهند يتراوح بين 16 و24 مليون، كما جاء في تقرير مركز بوي سنة 2009. ويشكل هؤلاء المسلمون الشيعة جزءاً من النسيج السياسي، والبيروقراطي في الهند، كما أن لهم حضوراً في قوات الأمن الهندية، ونائب الرئيس الحالي الدكتور حميد الأنصاري شيعي، وسبق له أن شغل منصب سفير الهند في إيران.

رؤية الخميني
في أثناء الحرب مع العراق، وتحالف باكستان مع العرب، أمْلَت رؤية الإمام الخميني التحالف الإيراني الهندي تأسيس هيئة مشتركة سنة 1983، تعمل على التوطئة لروابط ثنائية بشأن قضايا الدفاع والجيش. وقد طلبت إيران مساعدة الهند لها سنة 1993 في إطار تطوير بطاريات جديدة من أجل غواصات من طراز 3 كيلو، كانت قد اشترتها من روسيا، وكانت البطاريات التي وفّرها الروس لا تتلاءم ومياه الخليج الدافئة، وكانت للهند خبرة مسبقة في تصنيع مثل تلك البطاريات التي تناسب المياه الدافئة.
واستمرت مساعدة الهند إيران في أغراض أخرى، متعلقة بعتاد حربي روسي، كان من ضمنه مقاتلات ميغ ـ29، وسفن حربية، وغواصات، وتكنولوجيا الصواريخ، والدبابات. وبسبب المراقبة الدقيقة في فترة العقوبات على إيران، لم يكن يشار كثيراً إلى مساعدة الهند في إعلام البلدين، خصوصا مع ادعاء طهران قدرتها على تطوير أنظمة السلاح، وحتى على صنع سلاح جديد (أي إعادة تغليف وإعادة تسمية التكنولوجيا الروسية والهندية). كما أن اتفاق الدفاع لسنة 2003 يسمح للهند بأن تعدّل وتطور منظومات الأسلحة التقليدية روسية الصنع في إيران.
وقد تمكنت العلاقة الاستراتيجية بين الهند وإيران من الوصول إلى صفقات عسكرية، وفي مجال الطاقة، تناهز 25 مليار دولار. ويمثل هذا التعاون واسع النطاق، والذي يضم كل الخدمات العسكرية الثلاث، نوعا ما، ركنا مفصلياً في الوضع الاستراتيجي القائم في الشرق الأوسط.
ولكلا البلدين الحقّ في استخدام القواعد العسكرية لبعضهما بعضاً، من أجل عمليات قتالية، إذا ما كانت إحداهما في حالة حرب. وقد وافقت الهند أيضاً على المساعدة في تطوير مرافق الموانئ الإيرانية، وفي بناء الطرق والسكك الحديدية في إيران. كما أنهما ناقشتا، ومع روسيا أيضاً، إحداث ممر نقل روسي ـ إيراني ـ هندي. وإذا ما تم تطوير مثل هذا الطريق التجاري بالكامل، فقد يكون له تأثير كبير على الأهمية السياسية والاستراتيجية، والتي تضرّ، في المقابل، بالمصالح العربية والتركية والباكستانية.
ووفقا لتقارير نشرت في سبتمبر/أيلول 2007، تفاوضت إيران مع الهند لشراء أنظمة رادار متقدمة ومصممة خصيصاً لمكافحة الحريق ومراقبة البطاريات المضادة للطائرات. وقد تمت إعادة التفاوض على هذه الصفقة، بهدف الاستفادة من تكنولوجيا أكثر تطوُّراً تتوفر عليها الهند، ومن المقرر أن يتم تفعيل هذه الصفقة، بعد إنهاء العقوبات.
وتُقبل إيران أيضا على شراء عدد غير محدد من أنظمة رادار متطورة، من نوع “سوبر

فليديرموس” من شركة تمتلكها الحكومة الهندية، وتصل قيمة هذه الصفقة وحدها إلى مليار دولار، وتعتبر أول اتفاقية دفاع رئيسية بين نيودلهي وطهران. ويستخدم هذا الرادار المتطور في بطاريات الدفاع الجوي من صنف 35 ملم، وقد تم تصميمه بهدف الكشف عن الأجسام التي تحلق على ارتفاع منخفض، مثل المركبات الجوية غير المأهولة. ويتضمن نظامه الرقمي نظام محاكاة مدمجاً ونظام تشويش على الإشارات، كما تدرس الهند إمكانية بيع مروحيات خفيفة وطائرات تدريب نفاثة.
انخرطت كلّ من إيران والهند بشكل فعال في مناورات بحرية مشتركة في مياه الخليج العربي، الشيء الذي تعتبره دول مجلس التعاون الخليجي مهمّاً وحاسماً في جميع الأحيان.

العلاقة مع روسيا
تقوم الهند بتصنيع عدة نسخ نموذجية للمعدات العسكرية الروسية، بموجب ترخيص منها. وتشمل هذه النّسخ المروحيات والطائرات والصواريخ والسفن الحربية، كما أنّ الحكومة أعطت الضوء الأخضر لبناء دفعة من طائرات هليكوبتر متعددة المهام، مثل تي 226. وتسافر صواريخ كروز براهموس، التي أنتجتها الهند وروسيا، بسرعة متقدمة، وسيتمكن الإيرانيون من الولوج إلى المعرفة وتكنولوجيا صاروخ “كروز” ذي المحرك النفاث، والذي تفوق سرعته سرعة الضوء، مع غواصات وسفُن ومركبات جوية وأخرى أرضية. وتجدر الإشارة إلى أن روسيا مقبلة على بيع نظام الدفاع الصاروخي الحديث س – 300 لطهران في سنة 2016 الجارية.
ليست روسيا وحدها من تتطلع إلى الاستفادة من طموحات الهيمنة الهندية، بل صناعة الأجهزة العسكرية بأكملها، بالإضافة إلى أن “إيرباص” الفرنسية، بي إيه إي سيستمز الهند (المملكة المتحدة)، بيلاتوس (سويسرا)، شركة لوكهيد مارتن (الولايات المتحدة الأميركية)، بوينغ الهند (الولايات المتحدة)، رايثيون (الولايات المتحدة)، وشركة صناعات الفضاء الإسرائيلية وأنظمة رافائيل الدفاعية المتقدمة استثمرت في الهند للمشاركة في الإنتاج.
وعلى الرغم من أن الهند لن تخاطر بالتكتم في بيع التكنولوجيا الأوروبية إلى إيران، فسوف تُستعمل الخبرة المُكتسبة في إنتاج أنواع حديثة من الأسلحة. ويعتقد محللون عسكريون أن الهند ستكون بمثابة بوابة إيران الأمامية، للوصول إلى تكنولوجيا الدفاع الأميركية، والتي تستخدمها دول الخليج.

الاندماج اللوجستي الاستراتيجي
سيمكّن ميناءُ شاباهار الهندَ من الولوج إلى أفغانستان وتجاوز باكستان تماماً، وهو ميناء يرتبط

بحصول الهند على واردات الغاز الطبيعي من إيران، وسيكون بمثابة نقطة إنشاء خط أنابيب الغاز الطبيعي المقترح بين إيران وسلطنة عمان والهند. ومن المقرر أن يصبح هذا الميناء متعدد الاستعمال قاعدة بحرية في مرحلة لاحقة. وتُقرّ كل الأطراف بخطط طموحة للقاعدة البحرية الهندية في مصب مضيق هرمز.
وضعت الهند بالفعل مراكز استخبارية في إيران، بما في ذلك قنصلية في زاهدان وأُخرى في بندر عباس، سوف تمكّن الهند من مراقبة تحركات السفن في الخليج. وفي الوقت نفسه، فإن الهند بصدد ربط شاباهار بزارانج في أفغانستان، عن طريق بناء خط سكك حديدية بينهما. كما يربط الطريق السريع زارانج ـ ديلارام الممتد على مسافة 218 كلم بين أفغانستان والميناء الإيراني شاباهار جزءاً من الطريق الدائري الأفغاني، الذي يربط هيرات ومزار الشريف وكابول وقندهار.
وتعد الخطة بأكملها جزءاً من مبادرة أكبر للمحيط الهندي إلى بحر الشمال، والتي تشمل روسيا ودولا أخرى، وترتكز بالأساس على ميناء بندر عباس الإيراني.

قضايا ملحة لدُول مجلس التعاون
ـ ألم يحن الوقت بعد للدول العربية لإعادة النظر في سياستها تجاه الهند من الناحيتين الأمنيتين، الوطنية والإقليمية، باعتبار أن دلهي أكبر حليف لإيران؟ هل يجب أن تحصل الهند على أفضل ما في العالمين، العربي والفارسي، في ما يخص التبادل التجاري والتجارة وتصدير اليد العاملة؟
ـ هل يمكن للعالم العربي ترك تركيا وباكستان وأفغانستان تحت رحمة طموحات إيران والهند بالهيمنة؟
ـ هل يمكن إضاعة فرصة ذهبية لتعزيز التجارة والعلاقات مع الصين، من خلال الممر الاقتصادي، عبر ميناء جوادر في باكستان في ضباب من ضوضاء المدى القصير؟
ـ لماذا يجب على الشراكة الاستراتيجية الهندية الهائلة والمضرة للدول العربية أن لا تكون على ارتباط باستيراد اليد العاملة في دول مجلس التعاون الخليجي؟ ستوفر الهند أسلحة حديثة وبأسعار معقولة وحتى مفاعلات نووية لإيران، بالإضافة إلى الدعم السياسي في الأمم المتحدة وغيرها.
ـ ألم يحن الوقت لتنويع الواردات على دول إسلامية أخرى، بهدف علاقة استراتيجية وكذلك الجودة والتكلفة؟
وترتبط الهند وإيران تاريخيا من خلال السكان الشيعة وتراث عصر مغول الهند، وتتلاقى مصالحهما وطموحاتهما حول الأمة العربية، وبشأن تركيا وباكستان وأفغانستان. وتتطابق هذه المصالح والطموحات حول معظم القضايا، مثل أفغانستان وباكستان، والإسلام السّني والهيمنة الإقليمية على أساس الإكراه والتفويض.
وقصد مواجهة العلاقة التي تربط بين الهند وإيران وروسيا، يمكن للدول العربية أن تشكل كتلة مستقلة مع باكستان، تركيا، الصين، على أساس التجارة، والاتصالات المباشرة ومعدّات الدّفاع بطبيعة الحال. إنّ إنشاء قاعدة تركية في قطر نقطة واحدة، يجب أن يتم وصلها بنقاط أخرى. لا يمكن للهند تحقيق التوازن بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي في الوقت نفسه. ولكن، على العرب أن يمضوا في توطيد العلاقات مع الصين كما فعلت باكستان.

نويد أحمد
صحيفة العربي الجديد