الحرس الايراني..تموله الميزانية العراقية ويقوده سليماني

الحرس الايراني..تموله الميزانية العراقية ويقوده سليماني

يلاحظ المتتبع أن إيران نشرت ما لا يقل عن 5 الاف جندي في العراق منذ انطلاق المهام القتالية ضد ” تنظيم الدولة” في شهر حزيران/ يونيو 2014، وبضمنهم 500 مقاتل من الحرس الايراني، ينتمون لقوات النخبة في “قوة القدس”وهي واحدة من القوات العسكرية الأكثر فاعلية في الشرق الأوسط، والتي لا تمكن مقارنتها بالقوات العراقية غير المنضبطة وغير المنظمة، التي فرت من الموصل في هزيمة تاريخية.

 وقوة القدس التي يقودها الجنرال قاسم سليمانى الذي يتلقى توجيهاته من المرشد على خامنئي مسؤولة عن العمليات الخارجية للحرس إلايراني فى الدول الأخرى، بمعنى آخر تصدير الثورة الإيرانية.

وتعد نهاية الحرب العراقية ـــ الإيرانية في عام 1988، منطلقا لتحول الحرس الى قوة عسكرية وسياسية مؤثرة في إيران والمنطقة، بوصفه راعيا للثورة الايرانية التي حدثت عام 1979، إذ تمكن من نسج شبكة واسعة من المصالح الاقتصادية والسياسية والأمنية والاستراتيجية، فضلاً عن السيطرة على برنامج ايران النووي المثير للجدل.

ولتوافر الخبرة العسكرية لدى الحرس الثوري فقد كانت بصماته واضحة في تدريب مقاتلي “حزب الله” اللبناني في رد فعل على الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982، ليسجل اول عمل له خارج الحدود الإيرانية، وتبع ذلك انشطة عسكرية واستخباراتية له في أفغانستان ولبنان والبوسنة، وفي سوريا لدعم نظام الأسد.

ولعل ما آل اليه العراق  بعد عام 2003، افضى الى تعزيز تأثير النفوذ الايراني، ليتضخم معه دور الحرس إلايراني وفاعلياته، وتحديدا بعد تفجير سامراء في شباط/ فبرايرعام 2006، الذي يعد لحظة فاصلة مكنت إيران من بسط هيمنتها على المعادلات العراقية المتعددة، لتبدأ بالتوسع في استخدام القوة الناعمة على شيعة العراق، ولعب دور الوسيط بين الاحزاب والتيارات الشيعية خاصة بين التيار الصدري والمجلس الأعلى الإسلامي وبين رئيس الوزراء السابق نوري المالكي. إذ تركز دور الحرس الإيراني آنذاك بجمع المعلومات الاستخباراتية، وإدارة الصراعات اللوجستية، وتدريب الميليشيات الشيعية وتحويلها الى قوة عسكرية أكثر تنظيما، على غرار ما فعلته إيران في لبنان مع “حزب الله”.

وفي ضوء أهمية العراق الاستراتيجية والعسكرية والاقتصادية لإيران، ومع سيطرة “داعش” على اكثر من ثلث مساحة العراق في غضون اسابيع قليلة، ما شكل أكبر تهديد أمني منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق عام 2003، الامر الذي ادى إلى انتشار واسع للكثير من الميليشيات الشيعية التي اعلنت ولاءها المطلق لايران  مثل ميليشيا خراسان، التي باتت تحكم سيطرتها على منطقتي السعدية وجلولاء التابعتين لمحافظة ديالى، بعد طرد مسلحي تنظيم “داعش” باشراف أحد قادة الحرس الإيراني.

ولهذا فليس من المستغرب أن يقول العميد الحرسي مسعود جزايري، ان إيران أبلغت المسؤولين العراقيين استعدادها “لتزويدهم بتجاربها الشعبية الناجحة في الدفاع، واستراتيجية الفوز المستخدمة في سوريا لوضع الإرهابيين في موقف دفاعي، والتي تدور حول “الدفاع الشعبي والمخابرات”.

وتشير التقارير إلى أن سيطرة  “قوة القدس” بمساعدة الجيش العراقي على تكريت، وحماية بغداد والمدن الشيعية.

ومن الناحية الاستراتيجية، فان طهران تفضل الانخراط في القتال من خلال الميليشيات الشيعية، التي هي أقل تكلفة من نشر الوحدات القتالية الإيرانية، فضلاً عن تشابه المصالح وتطابق الرؤى، اذ تمكنت ايران خلال عقد من الزمان من الاستحواذ على عقول واتجاهات وقناعات الكثير من شيعة العراق، انطلاقاً من تقديم نفسها راعيا ومساندا للشيعة في اي مكان من العالم.

وبهذا الصدد قال رضا المرعشي، وهو ضابط مكتب إيران السابق في وزارة الخارجية الأمريكية، ويعمل حالياً مدير الأبحاث في المجلس الوطني الإيراني الأمريكي ان ظهور ” تنظيم الدولة ” وتصاعد تأثيره يعد في احد جوانبه من أخطاء إيران، كونها لم تفعل شيئا يذكر لكبح جماح الدوافع الطائفية لحليفها المالكي. وأضاف انها بالغت “من خلال السعي لتعزيز مصالحها مع حلفائها العراقيين على حساب اللاعبين الأجانب والمحليين الآخرين…”.

قاسم سليماني …رئيس تكتيكي للعراق

أشارت تقارير إعلامية إيرانية إلى أن قائد “فيلق القدس” في الحرس الإيراني، الجنرال قاسم سليماني، هو القائد الفعلي للقوات العراقية التي تقاتل “داعش”، مضيفة ان الشعب العراقي يثق به وليس بالتحالف الدولي الذي تقوده واشنطن؛ لتمتد قواته من بغداد، الى جنوب ووسط العراق، اضف الى ذلك نشر خبراء عسكريين، للقيام بعمليات التدريب العسكري، لتأهيل الميليشيات الشيعية لشن حرب المدن، حيث تهدف الاستراتيجية الايرانية في المقام الأول تدريب المتطوعين الشيعة، الذين يمكن ان يشكلوا كتلا من قوة عسكرية غير رسمية بدعم وتدريب إيرانيين.

ولعلها المرة الاولى التي تعترف بها إيران بقيام الحرس الايراني بمهام عسكرية خارج الحدود، وهي سابقة اسهمت في انتقال دور سليماني من السرية الى العلنية، ليوصف بالرئيس التكتيكي والقائد الفعلي للعراق، حيث يعمل معه على خط جبهة القتال ضد مسلحي ” تنظيم الدولة ” نحو 120 مستشارا ايرانيا، وهو ما يحمل على الاستنتاج بوجود المزيد من القوات الايرانية تحت امرته، ففي بلدة جرف الصخر، التي انسحب منها مسلحو التنظيم، كان سليماني والعشرات من مستشاري “حزب الله” اللبناني والحرس الايراني، يقاتلون هناك وفي الخطوط الأمامية لهذه الجبهة، حيث ادار عملياتها رافضا ارتداء سترة واقية من الرصاص، ومتبنياً شعار “الموت هو بداية الحياة، وليس نهايتها”، ما اسهم في تحفيز القوات العراقية والميليشيات الطائفية على الانخراط في القتال.

ومن هنا شكل خطر “داعش” فرصة سانحة استغلتها ايران لتعبئة الميليشيات مثل “جيش المهدي” والميليشيا المنشقة عنها مثل “عصائب أهل الحق” التي عضدتها فتوى الجهاد الكفائي، ليتشكل اكبر خزين بشري مناصر لإيران في العراق، من فقراء الشيعة في بغداد وجنوب البلاد. وبعبارة اخرى تصرفت ايران في العراق كصاحبة مصلحة مباشرة، وكانت العامل الرئيس في صياغة خطاب الطائفية، ومخاطبة جموع الشيعة وتخويفهم، وتحشيدهم، من خلال تبني شعارات المظلومية، الامر الذي استفز عناصر في الثقافة الشعبية الشيعية تتجسد في رفض الاتجاهات السلطوية السابقة ممثلة بحكم السنُة، ما يحتم على إيران، بذل قصارى جهدها لمواجهة أكبر تهديد لمصالحها جراء عدم وجود جيش عراقي منظم، يحافظ على بقاء الحكومة الشيعية، وما ترتبط بها من مزايا ومصالح ايرانية. وهو ما حمل القيادة الايرانية على المشاركة في العمليات العسكرية بقوة وسرعة، من خلال الاعتماد على “قوة القدس” وعملاء مخابرات النخبة لقيادة العمليات العسكرية، والتي يمكن وصفها بأنها استراتيجية القيادة من الخلف، والحفاظ على الانظار في ساحة المعركة. ومن هنا تحوّل سليماني إلى ملهم يعلن أن “النصر للشيعة”، وهو تدمير لحالة التعايش في المنطقة، ورفعا لأسهم الجهاديين السنّة.

العراق..  وميزانية الحرس الايراني

ادى توسيع العقوبات الاقتصادية الدولية على ايران في عام 2012 الى انخفاض قيمة العملة المحلية بنحو 60٪ ، فضلا عن اتجاه الاقتصاد الإيراني نحو ركود واسع ومستويات تضخم كبيرة، تضاف إلى معدلات بطالة قياسية، مع تناقص في احتياطات العملة الصعبة، بسبب نقص إنتاج وتصدير النفط وتراجع أسعاره الحالية، حيث يرى اقتصاديون أن أزمة الريال الإيراني ستدخل البلاد في متاعب وتحديات غير مسبوقة، وأنها ستكون العامل الحاسم في تقرير سياسة طهران في ملفها النووي.

وتدل المؤشرات الاقتصادية على تأثير تراجع اسعار النفط على الموازنة الايرانية، وهو امر ندد به الرئيس الايراني حسن روحاني عازيا خفض اسعار النفط الى من أسماهم بـ”المتآمرين” في المنطقة، وقال ان “هؤلاء تصوروا أن الاقتصاد الإيراني ومسار التنمية سيواجه مشكلة..”.

وقد اضطرت إيران بسبب الأسعار المتدنية للنفط في السوق العالمي لتعديل موازنتها للعام القادم 2015 على أساس سعر يتراوح بين 70 إلى 80 دولارا للبرميل، بعد أن كانت قد احتسبت سعر 100 دولار للبرميل لموازنة عام 2014. وبلا شك لن يكون أمام إيران إلا اللجوء إلى احتياطاتها النفطية وصناديقها السيادية، وهو ما أعلنه بالفعل وزير النفط الإيراني خلال الأيام الماضية، حيث تضم الصناديق السيادية لإيران قرابة 62 مليار دولار.

وتماشيا مع استراتيجيتها في بناء النفوذ في المناطق الجيوستراتيجية الدولية، فلن يكون بمقدور ايران الاستمرار في تمويل حرسها، بما يؤمن الحفاظ على انشطته العسكرية والاستخباراتية في ظل تأثر الاقتصاد بهبوط اسعار النفط، خصوصا ان الميزانية المخصصة لـ “قوة القدس” تكلف الخزينة نحو 2.8 مليار دولار سنويا، وفقا لتقديرات متحفظة.

وعلى هذا الاساس واستمراراً لجهده العسكري في العراق، فان صفقات لشراء اسلحة ايرانية وقعتها بغداد مع شركات الحرس، بأسعار بلغت ثلاثة اضعاف سعرها في السوق، بحيث سيقع على عاتق هذه الصفقات تحمّل اكلاف ميزانية الحرس وتمويل عملياته الخارجية، وعبر الوسيط جمال جعفر محمد المعروف باسم “ابو مهدي المهندس” ممثل قاسم سليماني، الذي أسهم بشكل كبير في تأسيس العديد من الميليشيات العراقية التي تقاتل في سوريا”، كما تم تكليفه ليكون قائداً لما يُسمى بفصائل “المقاومة الإسلامية” في العراق، وإنشاء الجيش الرديف المكون من الميليشيات وفقا لتوجيهات رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، وبناءً لأوامر إيرانية .

وتجنباً للعقوبات الاقتصادية الدولية التي تحظر التعاملات المالية مع ايران، يتولى المصرف التجاري العراقي TBI تسليم مبالغ هذه الصفقات نقداً، لتنقل هذه المبالغ بعد ذلك جواً عبر مطار بغداد. ومن جهة اخرى اصبح العراق واحداً من اهم القواعد الفاعلة للاحتيال على العقوبات. كما افادت مصادر استخباراتية بان ريع مبيعات عدد من حقول النفط في كركوك وميسان والبصرة، يذهب لصالح شركات تابعة للحرس الايراني، بعد ان اضحت العقوبات هي العقدة الأبرز التي تواجه السياسة الايرانية التوسعية.

اليوم يعيش العراق مرحلة مفصلية، من أهم مظاهرها الاحتراب باسم الطائفة، وصراع الهويات، الذي يتغذى على الطموحات الايرانية الاقليمية، حيث افضت الى تطهير انساني نتلمسه في محافظة ديالى كاحدى نقاط الصراع الحاسمة، وهو ما سيدفع ثمنه العراقيون وحدة وقيماً وتماسكاً، فثمة اجيال جديدة ستحمل وجع العنف الممارس عليها، لنشهد محطات من التقاطع والكراهية، هذا في حال بقي العراق موحداً.

د.هدى النعيمي

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية