القضايا الدولية الخمس الحاسمة في العام 2016

القضايا الدولية الخمس الحاسمة في العام 2016

e20869ba97f4735b8fd2cdcc89ebb44f_18430

أولئك منا الذين عملوا في الشؤون الخارجية لعقود، لا يتفقون على رأي في غالب الأحيان، وحول الكثير جداً من الأمور. لكن قدوم العام 2016 يجدنا كلنا وقد اتفقنا، إلى حد تكرار “الكليشيه” نفسه تقريباً، على شيء واحد: إننا لم نشاهد أبداً عالماً مختنقاً كهذا ومليئاً بالقضايا المعقدة والخطيرة والمتداخلة. وإذا كان ثمة شيء قابل للمقارنة في الأزمنة الأخيرة، فإن عليك العودة وراء إلى أواخر الأربعينيات، وإلى الفوضى العارمة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية.
التنبؤ الآن هو بمثل الخطورة التي كان عليها في ذلك الوقت. وهناك العشرات من القضايا التي تندفع نحونا بتهور، ولكننا نغوص فيها لنبرز أكبر خمس قضايا عالمية في العام 2016: سورية؛ والنووي الإيراني؛ والصين؛ وروسيا والاتحاد الأوروبي؛ وأسعار النفط. وفي كل واحدة من هذه المناطق، سوف تكون التغيرات في اتجاه أو آخر متعاقبة حقاً -أي أنها ستكون في موجات متسعة، مثل حجارة ترمى في داخل البركة الجيو-سياسية.
من المؤكد أن قضايا أخرى، مثل الأمن السيبيري وكوريا الشمالية وتغير المناخ، ستكون لها آثار قصيرة وطويلة المدى بالمقدار نفسه. وبالطبع لا أحد يفكر فيما سيفاجئنا حتماً. ومع ذلك، فإن الممكن المقامرة بقول إن القضايا الخمس الآتية ستستأثر بالكثير من انتباه السياسة الخارجية العالمية في العام 2016. وفيما يلي الأسباب:

1- التعامل مع سورية: هذا البلد الذي يدخل الآن سنته الخامسة من الحرب الأهلية الشرسة يجب أن يأتي أولاً. وسوف تؤثر الكيفية التي يتطور وفقها الصراع في العام 2016 في كل شيء، بدءاً من مصير مجموعة “الدولة الإسلامية”، مروراً بأزمة الهجرة الأوروبية، واستقرار الجيران الإقليميين، واشتعال السوق النفطية، ووضع روسيا، ومستوى التهديد الإرهابي في داخل الولايات المتحدة.
في هذا الشأن، تنتهج الولايات المتحدة استراتيجية من شعبتين: زيادة الضغط العسكري على “الدولة الإسلامية” من خلال القصف، بينما تسعى للتوصل إلى تسوية دبلوماسية تكون مرضية لفصائل سورية المتنافسة وللقوى الرئيسية التي تحاول حماية مصالحها المتضاربة -الولايات المتحدة، وروسيا، وإيران، والعربية السعودية وتركيا. ولعل الفائدة الكبيرة لهذه الاستراتيجية هي أنها تقلل إلى الحد الأدنى فرص امتصاص الولايات المتحدة إلى المستنقع.
لكن المجازفة الكبيرة هي أنها استراتيجية تدريجية بوضوح -وتفترض أن “الدولة الإسلامية” ذات توجه تدرجي أيضاً. وذلك خطأ. فـ”الدولة الإسلامية” تنمو بسرعة وتتمدد جغرافياً. وعلى الرغم من بعض التراجعات الأخيرة -تبدو القوات العراقية قريبة من استعادة مدينة الرمادي- فإن من المرجح أن تنجز “الدولة الإسلامية” القدرة على تنفيذ المزيد من الهجمات، أو إلهام تنفيذها، مثل تلك التي وقعت في باريس وسان برناندينو، قبل وقت طويل من إنجاز استراتيجيتنا التدريجية هدفها.
2- الأسلحة النووية في إيران: سوف يشهد هذا العام نجاح أو فشل الاتفاقية النووية الإيرانية. وكان قد ترتب على وكالة الطاقة النووية التابعة للأمم المتحدة وضع تقرير في منتصف كانون الأول (ديسمبر) الماضي حول التقيد الأولي لإيران. وأشارت الوكالة إلى نقاط التقصير الإيرانية، خاصة المراوغة في البحث عن ماضي الأسلحة النووية، وهو ما تبدو الوكالة الدولية للطاقة النووية مقتنعة بأنه قد حدث بالفعل. لكن الوكالة لم توص بوقف تنفيذ الاتفاقية. كل هذا، بالإضافة إلى تركيز إيران على النقاط الناعمة في الاتفاقية، مثل تجارب الصواريخ الخارجة على قرارات الأمم المتحدة، قد تفضي إلى عملية وعرة.
من المحتمل أن تحصل إيران على ما تريده أكثر ما يكون: رفع بعض العقوبات الاقتصادية هذا الشهر. وتستطيع الاتفاقية، إذا طبقت، إرجاء القنبلة الإيرانية لعقد أو أكثر، لكن الولايات المتحدة في حيرة: إذا دخلت في قتال مع إيران حول انتهاكات مزعومة للاتفاق، فإن طهران تستطيع الانسحاب لتصبح مرة أخرى على بعد مجرد أشهر من حيازة قدرة الأسلحة النووية -بكلمات أخرى، العودة إلى المربع الأول. ولنراقب إيران وهي تدفع الحدود، بينما تعطي الولايات المتحدة وشركاؤها لإيران مزية الشك، ما لم تنتهك الاتفاقية بشكل مفضوح أو أن تضبط متلبسة بالغش.
3- الصين، العملاق المرتجف: ستستمر الصين في إلقاء ظل عالمي طويل في العام 2016. ويحاول الرئيس تشي جين بينغ، قيادة بلده الذي يبلغ عدد مواطنيه 1.3 مليار نسمة، عبر عملية انتقالية مخادعة من نموذج اقتصادي بالٍ إلى واحد جديد، وحيث يقف الحزب الشيوعي في الميزان. وكان النموذج القديم (عمالة رخيصة = صادرات رخيصة = معدل نمو عالٍ) قد فقد زخمه. والنمو الاقتصادي، الذي يشكل حجر الزاوية في حكم الحزب الواحد، أصبح الآن في أخفض منسوب له في 25 عاماً. وكان الرئيس قد هز الحزب الشيوعي بحملة غير مسبوقة لمناهضة الفساد، وهو يحاول نقل الاقتصاد إلى صناعة الخدمات وتكنولوجيا المعلومات. فلنراقب بيانات النمو: تقول الصين إنها تحتاج إلى نمو بنسبة 6.5 في المائة للوفاء بتوقعاتها العامة، والحفاظ على الزخم إلى الأمام في الاقتصاد.
تملك الصين، بفضل حجمها وأجهزة الأمن لدى حزبها الشيوعي، طريقة لدحض الغمغمات المتعلقة باحتمال عدم استقرارها. ومع ذلك، ستكون الظروف في العام 2016 أكثر تحدياً منها في عام نمطي -فقد كانت السنوات الأخيرة في كل مكان آخر أي شيء سوى أن تكون نمطية.
4- روسيا والاتحاد الأوروبي: الكثير مما نأخذه بحكم المسلمات في شأن النظام العالمي أصبح على المحك في العلاقة بين أوروبا وروسيا. فقد كسر الغزو الروسي لأوكرانيا قبل ثلاثة أعوام القانون الدولي الذي كان مقبولاً منذ وقت طويل. وقد أقر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بذلك ضمنياً لدى اعترافه في نهاية العام بأن القوات الروسية موجودة داخل أوكرانيا -وهو شيء لطالما أنكره. وما تزال المشاجرات منخفضة المستوى تميز الصراع.
وفي الأثناء، يستمر الاتحاد الأوروبي المكون من 28 عضواً في النضال مع أزمة الهجرة التي تسبب الاستقطاب السياسي، ويشعر بالقلق من الاستفتاء البريطاني على عضوية الاتحاد، والذي يمكن أن يتم في وقت قريب بين منتصف وأواخر العام 2016. ومن المحتمل أن يميل البريطانيون إلى الانضمام لعضوية الاتحاد، لكن الاستفتاءات، كما هو معروف عنها، غير قابلة للتنبؤ بنتائجها. ومن شأن انسحاب المملكة المتحدة أن يهز الاتحاد الأوروبي من أسسه نفسها.
5- النفط، العامل “س” ما يزال النفط يشكل العامل “س” في السياسة الدولية. وقد دفعت وفرته وسعره في السوق السلوك الدولي للعديد من البلدان، وحددت الشخصية المحلية لآخريات. ويعج العالم راهناً بالنفط الذي هبط سعره إلى أخفض نقطة في ستة أعوام، ليدور حول 40 دولاراً للبرميل أو أقل. وقد زاد الائتمان من الانتاج والترشيد وتباطؤ الصين، ومن ضخ المنتجين الرئيسيين معدلات قياسية في السباق على حصة في السوق.
من غير المرجح أن تتغير الأسعار في العام 2016، وسنشاهد أثراً أكبر في البلدان التي تعتمد اقتصادياتها على النفط بشكل رئيسي. وقد شرعت اقتصاديتها في الضعف أصلاً. وللوفاء بمتطلبات موازنتها، تحتاج روسيا إلى سعر 100 دولار على الأقل لبرميل النفط. وفي فنزويلا، ساعد الاقتصاد المنهار صعود المعارضين المحافظين. ومن ناحيتها، خفضت العربية السعودية مؤخراً احتياطياتها من العملة الصعبة بشكل أسرع مما تستطيع استبدالها، بغية إدامة برامجها الاجتماعية ومساعداتها. وكانت السعودية قد خفضت مؤخراً من دعمها للبنزين، وذكر أنها تدرس فرض ضريبة دخل على مواطنيها. ومن شأن أي هزات سياسية في داخل هذه البلدان أن تخلق تبعات تتجاوز حدودها بكثير.

ترجمة:عبدالرحمن الحسيني

    صحيفة الغد الأردنية