البصرة في أيدي فوضى العشائر

البصرة في أيدي فوضى العشائر

البصرة والفوضى العشائرية

أظهرت المعارك العشائرية التي اندلعت في البصرة مدى الارتخاء غير المسبوق لقبضة الحكومة العراقية منذ تولي حيدر العبادي رئاسة الوزراء في سبتمبر 2014 وهو ما دعا الحكومة إلى إرسال قوات كبيرة إلى مناطق شيعية في الوقت الذي تخوض فيه القوات العراقية مدعومة بميليشيات الحشد الشعبي الشيعية معارك عنيفة في مناطق سنية يسيطر عليها تنظيم داعش.

وانفجر التوتر في مدينة البصرة النفطية في الوقت الذي يواجه فيه العراق أزمة اقتصادية لا مثيل لها تعصف بميزانية الحكومة إثر التراجع الحاد في أسعار النفط منذ عام ونصف العام، واستنزاف مستمر من خلال الحرب الدائرة منذ صيف 2014 لأغلب موارد الحكومة.

وتأتي تطورات الموقف في البصرة بعد أن شهدت محافظة ديالى المتاخمة لبغداد عمليات تصفية طائفية أدت إلى مقتل المئات من العراقيين السنة وتفجير مساجد على أيدي الميليشيات الشيعية وهو الأمر الذي دفع المرجع الشيعي الأعلى آية الله علي السيستاني إلى الدعوة لتدخل السلطات لإيقاف حمام الدم.

وقال مسؤول محلي ومصادر أمنية أمس إن الحكومة العراقية أرسلت فرقة مدرعة من الجيش وقوات من الشرطة إلى البصرة لنزع سلاح السكان وسط نزاع عنيف بين عشائر شيعية متنافسة.

وأجبر القتال الذي اشتعل بين عشيرتي الكرامشة والحلاف، الحكومة في بغداد على إرسال قوات إلى المحافظة الجنوبية، إثر مخاوف من تطور الأمر إلى حرب عشائرية تصب الزيت على الانقسام الطائفي الذي يعصف بالبلاد منذ سنوات.

وقال جبار الساعدي رئيس اللجنة الأمنية في مجلس محافظة البصرة إن “هذه العملية تستهدف مناطق شمال البصرة والتي تشهد الكثير من النزاعات العشائرية وستتضمن أيضا أحياء داخل مدينة البصرة مستقبلا”.

وتتمتع العشائر في العراق بنفوذ سياسي واجتماعي كبير، إذ ظلت العشيرة إحدى أقدم المكونات التاريخية للمجتمع العراقي دون أن تفقد مكانتها.

وقال رشيد الخيون الباحث العراقي المتخصص في تاريخ المنطقة إن “الدولة العثمانية كانت تعتمد على شيوخ العشائر في ضبط الأمن وجباية الضريبة، وعندما احتل البريطانيون العراق كذلك سعوا إلى استمالة شيوخ العشائر، ولقوة العشيرة آنذاك اعتمد البريطانيون قانون (السواني) وهو أن العشائر تحل مشاكلها بين بعضها البعض من دون تدخل الدولة، وظل هذا القانون معمولا به طوال العهد الملكي”.

لكن التقلبات التي مر بها العراق منذ سقوط الملكية ساهمت في تأجيج الصراعات العشائرية إلى جانب تصاعد حدة الاستقطاب الطائفي.

وتعيد اشتباكات البصرة إلى الأذهان حملة عسكرية أطلقها رئيس الوزراء السابق نوري المالكي في مارس 2008 بعد تصاعد نفوذ ميليشيا جيش المهدي بقيادة مقتدى الصدر التي تركزت في المحافظة، حيث استمر القتال قرابة ثلاثة أسابيع أفضى إلى استسلامها.

وعقد رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الاجتماع الأسبوعي للحكومة يوم الأربعاء في البصرة حيث دعا قوات الأمن إلى ضرب بيد من حديد “العصابات التي تعيث بأمن البصرة وفرض هيبة الدولة وتحقيق الأمن المجتمعي للمواطن البصري”.

وقال محلل سياسي عراقي لم يشأ ذكر اسمه لـ”العرب” إن “العصابات التي أشار إليها العبادي هي في حقيقتها الجزء السائب من الميليشيات التي كانت قد حسمت الموقف لصالحها في الكثير من النزاعات السابقة”.

وأضاف “لذلك فإن تسرب السلاح إلى أيدي المواطنين العاديين هو أمر طبيعي، في ظل عجز الحكومة عن استعادة الوضع من أيدي مقاتلي الميليشيات. ربما تكون الواجهة عشائرية لكن الصراع يظل مرتبطا بمصالح الميليشيات المتنازعة في ما بينها على ثروات المدينة الأكثر ثراء في العراق”.

وذكرت الاشتباكات العشائرية أخيرا بقوة استثنائية كانت العشائر تحظى بها سابقا.

ويقول الخيون “حاولت الأنظمة الجمهورية إضعاف العشائر لكنها وإن تمكنت من إضعاف تدخلها في الدولة، إلا أنها كانت تقوم بمهام الدولة عند وقوع جريمة قتل أو الفصل في قضية ثأر”.

وأوضح لـ”العرب” أنه “في التسعينات عادت الدولة إلى الاعتماد على شيوخ العشائر، بل تعيين شيوخ جُدد، فصار العراقيون يميزون بين شيخ أصل وشيخ مُعين. وبعد سقوط نظام الرئيس صدام حسين ظهرت القوة العشائرية بشكل جلي، اعتمدتها الأحزاب الدينية، ويفسر ما عُرف بعشائر الإسناد أو الصحوات قوة العشيرة. فما حصل من قوة الصدام بين عشائر البصرة، واستخدام الأسلحة الثقيلة دلالة على قوة العشيرة ووجودها المؤثر في المشهد السياسي العراقي”.

صحيفة العرب اللندنية