دول الخليج العربي وإيران: الرد على ما جاء في افتتاحية صحيفة رأي اليوم

دول الخليج العربي وإيران: الرد على ما جاء في افتتاحية صحيفة رأي اليوم

دول الخليج العربي وإيران

التحامل والمغالطات على دول الخليج العربي، وعدم ضبط المصطلحات السياسية، والمبالغات كانت العنوان الأبرز لافتتاحية صحيفة “رأي اليوم” التي نشرت في تاريخ 18 كانون الثاني/يناير الحالي، وقد جاء ذلك في إطار الإعلان عن رفع العقوبات الاقتصادية التي فرضت على خلفية مشروع إيران النووي. وفي هذا السياق سنسلط الضوء على أهم مواطن التحامل والمغالطة، وعدم ضبط المصطلحات التي أتت على ذكرها تلك الافتتاحية، وهي على النحو الآتي:

جاء في عنوان الافتتاحية عبارة ” اكتئاب في دول الخليج”، وهذه العبارة فيها تحامل شديد على دول الخليج العربي، إذ من المعروف أن الاكتئاب مرض نفسي يصاب به الأفراد، وقد يصل بالفرد في حال تعاظم أثره إلى الانتحار. أما الدول فلا تصاب به -إذا رفعت العقوبات الاقتصادية عن دولة أخرى -وإنما قد تشعر بانزعاج وعدم رضا، فالدول وفق تصنيفات علم السياسة إما دولة قوية أو متوسطة القوة، أو ضعيفة، ولم يرد ضمن تلك التصنيفات تصنيف الدولة المكتئبة! كما يحلو لافتتاحية صحيفة “رأي اليوم” أن تصف دول الخليج العربي.

نأتي الآن على متن الافتتاحية لنبين تلك المغالطات، وعدم ضبط المصطلحات السياسية فيها، ومن الممكن أن نشير إلى عدم ضبط المصطلح في العبارة الآتية:” شهادة بالتزام إيران بالاتفاق النووي الموقع يوم 17 تموز (يوليو) الماضي مع الدول الست العظمى” وما يعنينا في هذه العبارة جملة “الست العظمى”، والسؤال الذي يطرح في هذا السياق هل جميع الدول التي وقعت الاتفاقية مع إيران هي دول عظمى؟ وما المعيار الذي اعتمدت عليه الافتتاحية في هذا التصنيف؟ إن ما يميز دولة عن أخرى من حيث التصنيف كونها دولة عظمى، أو كبرى، هو ما تمتلكه من قدرات، فهل قدرات الولايات المتحدة الأمريكية تتساوى مع قدرات ألمانيا أو فرنسًا مثلًا؟ طبعا لا، فقدرات تلك الدولتين تصنفهما ضمن الدول الكبرى وليس العظمى.

كما يمكن أن تشير أيضًا إلى عدم ضبط المصطلح السياسي في العبارة الآتية: “رفع العقوبات عن إيران سيعزز طموحاتها الإقليمية كقوة إقليمية عظمى”، وسنتوقف هنا عند جملة “دولة عظمى”، إذ يبدو أن الافتتاحية غير مطلعة تمامًا على الداخل الإيراني، وحالة القلق الاجتماعي الذي تنتابه، فالقوميات غير الفارسية كالبلوشية والكردية والعربية والطوائف كأهل السنة في إيران يعانون تمييزًا قوميًا وطائفيًا ضدهم، وتعمًق هذا التمييز بعد الثورة الإيرانية حتى وصل الأمر بتلك القوميات المطالبة بالانفصال عن الدولة الإيرانية، ولا يتوقف أمر هذه المطالبة على تلك القوميات، وإنما أيضا على القومية الأذربيجانية فعلى الرغم من المكانة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تحظى بها تلك القومية على مستوى الدولة، والمجتمع الإيراني، إلا أنها طالبت بالانفصال عن الدولة الإيرانية، والانضمام إلى دولة أذربيجان. فعن أي قوة إيرانية عظمى تتحدث الافتتاحية إذن؟، الدولة الإقليمية العظمى لا تقوم على القهر والتمييز ضد من يخالفها بالمذهب والعرق.

أما عن المبالغة في الافتتاحية فيمكن رصدها في الآتي: “تدفق أكثر من 50 مليار دولار من الأموال المجمدة (مقدارها مئة مليار) على الخزانة الإيرانية” ونتساءل هنا هل هذا المبلغ يكفي إيران لشراء 150 طائرة مدنية، وأكثر من مليوني سيارة، وتحديث قطاع السكك الحديد المتهالك فيها، والبنى التحتية الأخرى؟ فوفق هذه الحال إيران ليست بحاجة فقط إلى ذلك المبلغ وإنما إلى أضعافه للنهوض.

ومن المغالطات التي جاءت في الافتتاحية نقتبس الآتي: “الكآبة التي تسود دول الخليج العربي، أو معظمها، انعكست سلبا على البورصات، وحركة بيع الأسهم فيها بشكل جنوني، الأمر الذي أدى إلى انخفاضها بأكثر من خمسة في المئة دفعة واحدة، حيث انخفضت الأسهم السعودية إلى أدنى معدلاتها (5520 نقطة) منذ خمسة أعوام …. ألخ”
واضح من هذا الاقتباس أن التراجع الذي أصاب البورصات السعودية والكويتية والقطرية قد أصابها بمقتل لكن هذا التراجع وفق سياسة التذبذبات الاقتصادية أمر جائز وقوعه، فالدولة التي رفع عنها الحصار هي دولة جوار لدول الخليج العربي ومن الطبيعي أن تتأثر بهذا الرفع سواء سلبا أو إيجابا، لكن غير طبيعي، هو هذا التهويل في انخفاض أسعار الأسهم في البورصات الخليجية، فالبورصات الخليجية كسائر البورصات العالمية تتأثر بالأحداث الاقتصادية، ثم تعو للاستقرار بعد تجاوز ذلك الحدث. والدليل على ذلك تعرض الاقتصاد الخليجي إلى أزمات متلاحقة على خلفية انهيار الأسواق العالمية بين عامي 2008و2009، إلا أنها استطاعت النهوض مجددا، وتدارك خسائرها من خلال عمليات شراء لأصول شركات عالمية متعثرة، وكانت أبرزها شراء صندوق الثروة السيادية للكويت “الهيئة العامة للاستثمار” حصة في بنك سيتي جروب الأمريكي عام 2009. ما نود قوله هنا أمران الأول: إن طرق مواجهة الأزمات الاقتصادية لا تنعدم، والآخر، أنه يمكن لافتتاحية “رأي اليوم” أن تبتهج! إذا استمر ذلك الانخفاض في البورصات الخليجية دون العمل على مواجهتها، من منطلق” للأسف” مصائب الاقتصاد الخليجي العربي فوائد لنا!!

أما عن أبلغ مغالطة جاءت الافتتاحية على ذكرها فيمكن نقتبس منها الآتي:” هذه العودة الإيرانية –أي تصدير النفط الإيراني إلى الأسواق العالمية وفق الحصة المقررة لها من قبل منظمة أوبك، والتي تقدر بخمسة ملايين -تعني المزيد من انخفاض أسعار النفط إلى ما يقرب العشرين دولارا، الأمر الذي سيشكل كارثة لدول الخليج العربي التي تواجه عجوزات ضخمة في ميزانيتها، وتآكل أرصدتها الخارجية، ووقوف بعضها، مثل المملكة العربية السعودية على حافة الإفلاس”، فالافتتاحية تقول أيضا:” الإيرانيون ربما يلجؤون إلى الانتقام من الخليج، والخصم السعودي، الذين اتبعوا سياسة تخفيض أسعار النفط بضخ كميات إضافية تصل إلى مليوني برميل لإغراق الأسواق، لإلحاق الضرر بالإيرانيين والروس بسبب موقفهم الداعم للنظام السوري”.

يبدو من هذا الاقتباس أن الافتتاحية فرحة جدا لعودة النفط الإيراني إلى الأسواق العالمية من أجل الضرر بالاقتصاد الخليجي، كما أنها أيضاً فرحة جدا فيما إذا قرر الإيرانيون الانتقام من دول الخليج وخاصة من المملكة العربية السعودية، بسبب موقفها الواضح من الرئيس بشار الأسد. لكن غير مفرح لهذه الافتتاحية أن كل ما جاءت به عبارة عن معلومات مضللة للقارئ، إذ ليس من مصلحة إيران الاقتصادية العمل على تخفيض أسعار النفط، لأن الاقتصاد الإيراني يعتمد بشكل كبير على الصادرات النفطية إذ تشكل الميزانية الإيرانية منه ما نسبة 80 في المئة، فالانخفاض في أسعار النفط ما يقرب العشرين دولارًا كما ترجوه “الافتتاحية” لا يخدم الاقتصاد الإيراني خاصة إذا علمنا أن تكلفة إنتاج برميل النفط الإيراني يبلغ 18 دولارًا أمريكيًا، فالبيع بذلك السعر الذي ترجوه الافتتاحية يعدو كارثة على الاقتصاد الإيراني وليس الخليجي وبهذا الحال لن يفلح انتقامها!.

فالخبراء الاقتصاديون يؤكدون لكي ينهض الاقتصاد الإيراني ويكون للنفط الإيراني جدوى اقتصادية، فهي بحاجة إلى بيع برميل النفط بسعر لا يقل عن 77 دولارًا أمريكيًا، وعلى فرض وجريا مع رجاء “الافتتاحية” وانخفض سعر النفط أقل من عشرين دولارًا فإيران هي المتضررة الأكبر، لأنها لا تنفق أموالها على الشعب الإيراني وحده الذي بلغ تعداده نحو 75 مليون نسمة، وإنما أيضًا على ميليشياتها المنتشرة في الدول العربية كحزب الله في لبنان والحوثيون في اليمن وميلشياتها وما أكثرها في العراق، وعلى حليفها في سوريا بشار الأسد والمليشيات الأفغانية والباكستانية والكورية والروسية التي تقاتل معه، ناهيك عن تنظيماتها السرية التي تسمى خلايا في دول الخليج العربي، فكيف ستغطي إيران هذه النفقات الداخلية والخارجية مع انخفاض أسعار النفط. فدول الخليج العربي على العكس منها تنفق أموالها على شعبها وتقدم المساعدات والقروض لبعض الدول العربية وليس لديها ميليشيات كي تكون ملزومة بالإنفاق عليها.

أما عن تأثير انخفاض أسعار النفط على دول الخليج العربي فلا شك أنه ستضرر لكنها تستطيع أن تتجاوزه من خلال صناديقها السيادية التي تمثل عامل استقرار لاقتصاداتها، فهي تلجأ إليها في أوقات الأزمات الاقتصادية وتقلبات أسعار النفط العالمية. فعلى سبيل المثال يحتل صندوق أبو ظبي المرتبة الثانية عالمياً، والسعودي الثالثة عالميا، والكويتي يحتل المرتبة الخامسة عالميا، وبهذا التصنيف تمتلك دول الخليج العربي نحو 35 بالمئة من أموال الصناديق السيادية على مستوى العالم. بمبلغ يقترب من 2.688 ترليون دولار خلال الربع الثاني من العام 2015م. وبهذا تكون دول الخليج العربي أقل ضررًا من إيران في حال استمرار انخفاض أسعار النفط. وهذا ما لا ترجوه الافتتاحية ونقولها للمرة الثانية “للأسف”. وبخصوص إفلاس المملكة العربية السعودية الذي ترجوه الافتتاحية! مما لا شك فيه أن المملكة ستعاني من تداعيات انهيار سعر النفط الخام، لكن احتياطها النقدي سيمكنها من تجاوز مرحلة الخطر عبر إرشاد الإنفاق وتنويع المداخيل وخصخصة جزئية لبعض الشركات.

في الختام ما يعنينا في هذا الرد ليس تبيان العوامل التي من شأنها أن تعمل على ازدهار الاقتصاد الإيراني بعد رفع العقوبات الدولية عليه من عدمه، وإنما الذي يعنينا لماذا كل هذا التحامل الذي يصل إلى مستوى التشفي في تلك الافتتاحية من قبل صحيفة “رأي اليوم “على دول الخليج العربي؟!

           وحدة الدراسات الإعلامية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية