عن اللعبة السياسيّة الإيرانيّة

عن اللعبة السياسيّة الإيرانيّة

iran-mullah

غالبا ما نسمع عن تقسيمات الطيف السياسي الإيراني مقرونة بالحديث عن آمال بتغيّر نوعي أو جذري في سلوك إيران الخارجي، ولا يعدّ هذا الأمر استثناءً في زمان أو مكان، إذ يتم اجتراره في الغرب والشرق منذ سنوات طويلة عند كل استحقاق سياسي في إيران.
يُقال إن هناك إصلاحيين ومحافظين، أصوليين ومعتدلين، وفي بعض الأحيان لا يستطيع كثيرون التمييز بينهما حتى داخل إيران فضلاً عمّن هو موجود خارجها. لكن حتى طبيعة التسمية هذه لا توحي لك بأنّ هناك سلطة وأنّ هناك معارضة، فالجميع يلعب في حلبة النظام الذي صمّمه ويقوده المرشد الأعلى ويحرسه الحرس الثوري، وهذا هو جوهر اللعبة الحقيقية التي يجب أن نركّز عليها.
التصنيفات هذه ليست سوى توزيع مدروس بعناية للأدوار داخل النظام نفسه. كل المتنافسين يؤمنون بنظام ولاية الفقيه، لكنّ ذلك قد لا يكون كافيا للولي الفقيه نفسه، إذ يعمل مجلس صيانة الدستور على غربلة المرشحين ليختار من يعتقد أنّه مناسب للترشّح للانتخابات وفق معايير استنسابيّة.
ولمن لا يعرف، فإن مجلس صيانة الدستور يعتبر أعلى هيئة تشريعية في البلاد، ويتألّف من 12 عضوا نصفهم يعينهم المرشد الأعلى مباشرة، والنصف الثاني يأتي عن طريق مجلس الشورى بتوصية من رئيس السلطة القضائية المعين أصلاً من قِبل المرشد! ما يعني أن مجلس صيانة الدستور تابع للمرشد.
ورغم أن قبول المجلس بالمرشحين يعتبر بداية مرحلة التحضير للانتخابات، إلا أنّ هذه الخطوة تعد عملياً بداية تحديد نتيجة الانتخابات بشكل مسبق. فالمجلس لا يقبل أولا من يعارض نظام الولي الفقيه، وهذا يعني أنّه يستبعد بشكل أوتوماتيكي المعارضين، ثم يقوم بغربلة الموالين، إذ إن القبول بولاية الفقيه ليس شرطا كافيا فيتم اختيار من يعتقد أنّهم الأكثر ولاءً منهم و/أو أولئك الذين تتوافق مواصفاتهم مع متطلبات المرحلة السياسية التي يريدها المرشد لإيران، هل هي مرحلة تشدد أم مرحلة تنفيس، هل هي مرحلة مواجهة أو مرحلة التفاف.
ويختار المجلس الذي يُعتبر أداةً للمرشد «مَن يتنافس مع مَن مِن أجل الصعود»، ليس هذا فقط بل يقوم المجلس بتحديد من يصبح مصنّفاً تحت خانة المعتدل، فإذا تمّ اختيار من هو شديد المحافظة مع مرشح محافظ عندها يصبح الأخير معتدلا قياسا إلى الأوّل دون أن يكون معتدلا في حقيقة الأمر. وقد يتدخل المرشد بنفسه في مرحلة من المراحل لتزكية واحد من المرشحين على الآخرين.
وبهذا المعنى فإن النظام وبصورة غير مباشرة يدفع الناخبين الإيرانيين إلى اختيارٍ موجّهٍ ومدروس قام هو بتحضيره لهم ضمن مواصفاته وشروطه. وحتى عندما لا تجري الرياح بما تشتهيه سفن المرشد وجماعاته ويختار الناس من بين هؤلاء من لم يكن مفضّلا لديه، تحل اللعنة على الجمهور وتبدأ التلاعبات لتغيير النتيجة كما حصل في عام 2009.
مختصر الكلام، النظام السياسي الإيراني كما سبق وذكرت أشبه بوحش «هيدرا» الأسطوري المتعدد الرؤوس، وهذه الطبيعة تمنح النظام الإيراني الأفضلية في المناورة والمراوغة والهويّة المزدوجة، وهي جزء أساسي من طبيعة تركيبته توجد بقدر ما يمكن الاستفادة منها في خدمة النظام، ولا يجب على أي أحد أن ينتظر العكس.

علي حسين باكير

نقلا عن العرب القطرية