قلق حول الاقتصاد الأميركي مع تراجع الاستثمار والإنفاق الاستهلاكي

قلق حول الاقتصاد الأميركي مع تراجع الاستثمار والإنفاق الاستهلاكي

الاقتصاد-الأمريكي

لم يعد التباطؤ الاقتصادي في العالم يضر بمصلحة دولة واحدة، فالضرر الذي شهدته الولايات المتحدة من انخفاض مؤشرات النمو في الربع الرابع من 2015 له آثار إيجابية وسلبية على حد سواء على المنطقة العربية. وبينما تكمن أبرز السلبيات فيما يعرف بـ«تأثير الدومينو»، حيث تتراجع أسواق الشرق الأوسط متأثرة بنظيرتها الغربية أو الشرقية، يرى البعض أن ثمة فائدة كبرى قد تشهدها المنطقة جراء التباطؤ الأميركي، وهي في ارتداد الاستثمارات العربية إلى الشرق الأوسط، ما يعني أنه سيسفر عن مزيد من الانتعاش الاقتصادي.
وسجل نمو الاقتصاد الأميركي تباطؤا ملحوظًا في الربع الرابع من العام الماضي بنسبة 0.7 في المائة على أساس سنوي، ليقترب من معدل النمو في الربع الأول من العام ذاته بنحو 0.6 في المائة، وذلك بعد موجة الزخم لدفع الاقتصاد الذي اكتسبه منذ منتصف 2009. وعللت الحكومة الأميركية ذلك التراجع بأن تباطؤ العمل في ظروف الطقس الشتوي الشديد أثر على إنفاق المستهلكين، إضافة لتباطؤ العمل في موانئ الساحل الغربي التي أثرت على حركة الصادرات، مقارنة بنحو 2 في المائة في الربع السابق بنفس الفترة، وذلك نتيجة لتدهور استثمار شركات قطاع الطاقة وتراجع إنفاق المستهلكين، غير أن تباطؤ الاقتصاد العالمي قلص من الصادرات الأميركية، الأمر الذي قد يجدد الشكوك حول قدرة تحمل الاقتصاد الأميركي للضغوط الاقتصادية العالمية.
وفي تقرير أولي أصدرته وزارة التجارة الأميركية يوم الجمعة الماضي، توقع محللون تراجع الاقتصاد الأميركي بمعدل 0.9 في المائة في المتوسط، وسجل الاقتصاد الأميركي نموا بنحو 2.4 في المائة على غرار العام الأسبق.
وبالرغم أن العام الماضي انتهى بأجواء معتدلة بشكل استثنائي حتى ديسمبر (كانون الأول)، فإن الإنفاق الاستهلاكي لم يتقدم سوى بنحو 2.2 في المائة في الربع الرابع من 2015. في حين يشكل ثلثي إجمالي الناتج المحلي، متراجعا بعد أن بلغ 3 في المائة في الربع الثالث من نفس العام.
ويرى بول أشوروت، كبير المحللين الاقتصاديين في كابيتال إيكونوميكس، في تصريح له، أن أداء الربع الرابع جاء مخيبًا للآمال، مضيفًا أن ما يحدث «لن يكون بداية انكماش».
وتوقع أشوروت أن ينمو الناتج المحلي بمعدل سنوي ما بين 2.5 في المائة و3 في المائة في النصف الأول من العام الجاري، ليرتفع الإنفاق الاستهلاكي ردا على مواصلة المكاسب القوية في نمو الوظائف، إضافة لانخفاض الصادرات التي تعكس في جزء منها قوة الدولار، مما جعل أسعار البضائع الأميركية أقل قدرة على المنافسة في الخارج. غير أن التباطؤ العالمي أثر على الأسواق الرئيسية للسلع التصديرية الأميركية كالصين وأوروبا، فتراجع العجز التجاري الأميركي 0.5 نقطة مئوية على أساس سنوي في الربع الرابع من 2015.
وتراجعت الصادرات الأميركية بنسبة نحو 2.5 في المائة بعد تقدمها بنسبة 0.7 في المائة في الربع الثالث. كذلك كلفت التجارة الخارجية النمو 0.47 نقطة خلال الفصل الثاني، لتحقق 0.66 نقطة على مدى السنة. يضاف إلى ذلك ضعف تقدم النفقات العامة خاصة على مستوى الولايات والبلديات المحلية التي لم تزد سوى بنسبة 0.7 في المائة، مقابل 1.8 في المائة في الفصل السابق.
وزاد تراجع استثمارات الشركات للفصل الثاني على التوالي بنحو 2.5 في المائة، في حين كلف هذا القطاع النمو بما يقرب من 0.4 نقطة على مدى الأشهر الثلاثة الأخيرة من السنة ذاتها.
وانخفض الإنفاق الاستثماري في الأعمال التجارية بنحو 1.8 في المائة على أساس سنوي، كما انخفض الإنفاق على الهياكل النفطية بنسبة 0.5 نقطة مئوية في الفترة ذاتها، ويعكس هذا الانخفاض في صناعة النفط والغاز بنحو 38.7 في المائة خلال الفصل الثاني، والذي أدى إلى تراجع الحفر والتنقيب كنتيجة لانخفاض أسعار النفط. وأوضحت متحدثة باسم وزارة التجارة الأميركية، أن تدهور أسعار النفط كان له أثر على قطاع التنقيب واستثمارات البنية التحتية، فقد تراجعت الاستثمارات بنحو 35 في المائة خلال 2015، لتسجل أكبر تراجع منذ عام 1986. مما دفع الشركات إلى اللجوء إلى مخزوناتها ليتأثر النمو بنحو 0.45 نقطة.
وهذا الأداء الرديء في الربع الأخير من العام المنصرم يأتي صدى قلق الاحتياطي الفيدرالي، الذي لحظ الأربعاء تباطؤ الاقتصاد وقرر فترة توقف في رفع معدلات الفائدة. وامتنع البنك المركزي الأميركي أيضا عن الإفصاح بوضوح عن «أي وتيرة يعتزم بها متابعة تطبيع السياسة النقدية»، التي كانت متكيفة مع الظرف بصورة استثنائية خلال أكثر من سبع سنوات.
وستنشر وزارة التجارة في 26 فبراير (شباط) القادم تقريرها الثاني لإجمالي الناتج الداخلي في الربع الأخير من عام 2015. وفي تقرير منفصل، نشرت وزارة العمل الجمعة الماضي مؤشر سوق العمل في الفصل الأخير الذي تقدم بشكل متواضع بنسبة 0.6 في المائة على غرار الفصل السابق و2 في المائة على مدى السنة. ويرى مارك كارلسون الخبير الاقتصادي، في تعليق لـ«الشرق الأوسط»، أن زيادة معدلات التوظيف الأميركية ستزيد من تعزيز الأجور التي ستنعكس بالانتعاش على الإنفاق الاستهلاكي، إضافة إلى أن انخفاض أسعار البنزين قد يدعم من نمو الاقتصاد الأميركي بنحو 2.5 في المائة في 2015، الأمر الذي يؤكد ضعف معدلات التوظيف وتباطؤ معدلات النمو.
ويضيف تباطؤ النمو الأميركي أعباء اقتصادية إضافية على الشرق الأوسط، فيقول جمال بيومي، الأمين السابق لاتحاد المستثمرين العرب، لـ«الشرق الأوسط»، إن «نقطة البداية كانت من الصين ثم إلى العالم، فقد أصبح العالم متكاملا اقتصاديا بصورة تؤثر على العالم العربي».
ويشير بيومي إلى أن النقاط الإيجابية لذلك الضعف تكمن في ارتداد بعض الأموال الخليجية إلى المنطقة، والتي تزيد على إثرها الانتعاش الاقتصادي، في حين ينبغي على دول شمال أفريقيا أن تقدم المزيد من الحوافز لجذب الاستثمارات كأسواق ناشئة جاذبة للاستثمار.

لمياء نبيل

نقلا عن الشرق الأسط