الولايات المتحدة تشن حربين متعارضتين في سورية

الولايات المتحدة تشن حربين متعارضتين في سورية

البيت-الابيض

في إطار المساعدة لتنفيذ الضرورات الجيوسياسية للقوى السنية في الشرق الأوسط، والمتمثلة بإسقاط الرئيس السوري بشار الأسد، تجد الولايات المتحدة نفسها الآن واقفة بحزم على واحد من طرفي الشقاق السني–الشيعي، والذي ليس لها مصلحة في التواجد فيه.
*   *   *
نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” في الأسبوع الماضي تقريراً معمقاً عن العملية السرية لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية الخاصة بتسليح وتدريب من يدعون الثوار “المعتدلين” في سورية، والتي كان الرئيس أوباما قد منح التفويض بها في ربيع العام 2013. وفي إظهاره لمدى التعاون المالي والتكتيكي والاستراتيجي بين الاستخبارات المركزية الأميركية والمملكة العربية السعودية، يبرز التقرير إحدى أكثر المشاكل خطورة في هذا الصدد، وهي الأحدث في سلسلة طويلة من “الحروب الصغيرة الرائعة” التي تخوضها واشنطن.
في مساعدتها لتنفيذ الضرورات الجيوسياسية للمملكة العربية السعودية، والمتمثلة في إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد، تجد الولايات المتحدة نفسها اليوم واقفة بحزم في جانب طرف واحد من طرفي الشقاق السني- الشيعي، والذي لا مصلحة لها بالتواجد فيه. ويقول تقرير التايمز إنه “من اللحظة التي بدأت معها عملية الاستخبارات المركزية الأميركية، دعمتها النقود السعودية”، وإن “التقديرات تضع الكلفة الكلية لجهد التسليح والتدريب عند مليارات عدة من الدولارات”.
أن تدعم الولايات المتحدة بنشاط تحقيق الهدف السعودي الجيو-استراتيجي الرئيس المتمثل في خلق شرق أدنى يسيطر عليه السنة، هي وحسب إحدى مشاكل عديدة تعترض جهد وكالة المخابرات المركزية الأميركية الذي مضت عليه ثلاثة أعوام لإسقاط الأسد. وكانت شهادة عرضت على لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب الأميركي يوم 12 كانون الثاني (يناير) الحالي عن سورية والعراق قد أشارت عن غير قصد إلى عدد من الآخرين.
شخص الاستماع ما يزعم بأنه “وجهات النظر الخارجية” للقائم السابق بأعمال مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، مايك موريل، ووكيل وزارة الخارجية لشؤون الدفاع والاستخبارات، مايكل فيكرز، والسفير الأميركي السابق لدى سورية، روبرت فورد. ولندع جانباً عبثية هؤلاء الشهود كرافعين للواء الرأي “الخارجي”، ولنركز الاهتمام على ما قاله هؤلاء “الداخليين” في واشنطن منذ وقت طويل عن العمليات الأميركية في سورية.
قال فيكرز للجنة: “إننا نحتاج إلى إعادة تجديد جهودنا لإزاحة الأسد عن السلطة”، و”تكثيف عملياتنا هناك بشكل كبير”. وقال فيكرز للجنة أيضاً إنه يجب على الولايات المتحدة زيادة “دعم التحالف، من الناحية الكمية والنوعية على حد سواء، للمعارضة السورية المعتدلة”، مضيفاً أن “الوقت ليس متأخراً جداً لدعم المعارضة بشكل حاسم”.
بالمثل، دعا السفير الأميركي السابق لدى سورية، روبرت فورد، إلى زيادة دعم “المعارضة السورية”، وإلى “إزاحة الأسد عند نقطة ما”. ولعل من المثير للاهتمام ملاحظة كيف أن “وجهات النظر الخارجية”، كوجهات نظر فيكرز وفورد، جاءت موحدة بشكل كامل.
ومع ذلك، ثمة منشق ثابت عن طريقة إجماع الحزام السائدة فيما يتعلق بسورية، هو النائب الديمقراطية عن هاواي، تولسي غابارد. وأشارت غابارد في جلسة الاستماع سالفة الذكر إلى أن “الولايات المتحدة تتجاهل حقيقة أن أكثر القوى المقاتلة فعالية” في داخل المعارضة السورية هي، وفق غابارد، تنظيم القاعدة وجبهة النصرة وغيرها من الجماعات الإسلامية المتطرفة. وتساءلت غابارد عن السبب في أن الولايات المتحدة تشن “حربين متناقضتين”؛ واحدة للإطاحة بالأسد، والأخرى لإلحاق الهزيمة بداعش.
إنه هذا الموقف غير المنتج في سورية هو الذي شرعت غابارد في وقفه عبر طرح مشروع قرار من شأنه وضع حد لعمليات وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية للإطاحة بالأسد. وتجدر الإشارة إلى أن مشروع قانون (مجلس النواب 4108) يدعو إلى حظر “إنفاق الأموال المتوفرة لدى وكالة الاستخبارات المركزية ووزارة الدفاع (أو) أي وكالة أميركية أخرى” لتوفير “تدريب ومعدات وإمدادات ومواد غذائية أساسية… لأي عنصر من المعارضة السورية الساعية للإطاحة بحكومة الجمهورية العربية السورية”.
وإذا كان ما قاله القائم بالأعمال السابق لمدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، مايك موريل، للجنة القوات المسلحة يوم 12 كانون الثاني (يناير) الماضي صحيحاً “لم يسبق لنا أن واجهنا مثل داعش من قبل”، فإن التدبير الذي تقترحه غابارد سيكون عندئذٍ على قدر كبير من العقلانية.
في الحقيقة، قال مصدر في الكونغرس، مطلع على طريقة تفكير غابارد في المسألة لمجلة “ذا نيشن”، إن مشروع القرار يعكس قلق عضو الكونغرس من أن “إزاحة الأسد عن السلطة ستقوي أعداءنا، وتلزم الولايات المتحدة ببذل جهد آخر مكلف ومطول لبناء دولة، ويمكن أن يجر الولايات المتحدة إلى صراع مباشر مع روسيا”.
وتدرك غابارد أيضاً أن العمليات الراهنة لوكالة الاستخارات المركزية الأميركية غير قانونية وذات نتائج عكسية على حد سواء. فهي غير قانونية لأنها تتم في غياب مصادقة الكونغرس أو الأمم المتحدة عليها. وهي ذات نتائج عكسية للسبب المباشر نسبياً، والمتمثل في أن الجهد الرامي إلى إسقاط الأسد يصب مباشرة في صالح المجموعات الإسلامية المتطرفة، من خلال تسليحها وتمويلها وتدريبها.
كما أشارت غابارد نفسها، فحتى لو كانت السياسة الحالية الرامية للإطاحة بالأسد ناجحة، فإنها “ستلزم الولايات المتحدة بإنفاق تريليونات الدولارات، وبهدر أرواح أفراد الخدمة العسكرية الأميركية في الجهد العقيم لخلق سورية جديدة”.
وليست هذه قضايا مجردة للنائب الديمقراطية عن هاواي. فباعتبار خدمتها لدورتين من الخدمة العسكرية في حرب العراق، كان أول عمل لغابارد مع وحدة طبية، حيث شاهدت مباشرة التكاليف التي تتحملها القوات المقاتلة الأميركية. ونظراً لذلك، يتمتع صوت غابارد حول قضايا الحرب والسلام بمصداقية فريدة لدى الكابيتول هيل (الكونغرس)؛ حيث اجتذب مشروع القانون الذي طرحته مؤشرات إيجابية من الأعضاء التقدميين والمحافظين في المجلس على حد سواء. وحتى الآن، اجتذب مشروع القرار ثلاثة رعاة من الجمهوريين: سكوت أوستن من جورجيا؛ وولتر جونز من كارولاينا الشمالية؛ وتوماس ماسي من كنتكي. وقد يطرح مشروع قانون مرافق في مجلس الشيوخ قريباً.
بدأت يوم الجمعة في جنيف مباحثات تهدف إلى إنهاء الحرب الأهلية السورية التي دخلت عامها الخامس. ووفق المبعوث الخاص للأمم المتحدة، ستيفان دي ميستورا، فإن الهدف الأساسي للمباحثات سيكون إنجاز “وقف واسع النطاق لإطلاق النار”. ولكن، وحتى يتجسد وقف إطلاق النار الذي يعلق الكثير من الأمل عليه، سيظل تمرير مشروع قانون غابارد حتمياً ويستحق دعماً واسعاً من كلا الحزبين.

عبدالرحمن الحسيني

صحيفة الغد الأردنية