كيف سيؤثر انخفاض أسعار النفط على مُصدري النفط الخام

كيف سيؤثر انخفاض أسعار النفط على مُصدري النفط الخام

sea_1891531b

“انخفاض أسعار النفط سوف يضرب الاقتصاد الروسي، وصناعة التنقيب عن مصادر الطاقة في الولايات المتحدة وإيران، ولكنه يمكن أن يكون جيدًا للمُتسوقين والشركات في بريطانيا، ويمكن أن يؤخر رفع أسعار الفائدة المتوقع على المدى الطويل”.

كانت معادلة جون بول جيتي للنجاح تتمثل في النهوض مبكرًا، والعمل الشاق، والبحث عن النفط، ولكن الاعتماد على مواد النفط الأسود يمكن أن يكون له مشاكله الخاصة، خاصةً عند تدهور الأسعار كما حدث خلال الأشهر القليلة الماضية.

فقد انخفض سعر البرميل من خام البرنت إلى النصف تقريبًا، من 115 دولارًا في الصيف ليستقر على نحو 60 دولارًا في الأسبوع الماضي. ويتوقع معظم الخبراء أنّ تكلفة النفط سوف تظل منخفضة خلال العام القادم.

3c0f5d00-54d8-4d0f-b461-4432c48b1b30-bestSizeAvailable

أصبح جيتي ملياردير النفط بعد أربع سنوات من حفر المضاربة في صحراء المملكة العربية السعودية والذي أثبت أنه يستحق المخاطرة. والآن يبدو آل سعود مستعدين تقريبًا للانتظار طالما أنهم سيحققون انتصارًا خاصًا بهم، فالخطة المتتفق عليها مع منظمة الأوبك هي المحافظة على الإنتاج، وتجاهل مطالب تخفيض السعر لدفع السعر إلى أعلى مرة أخرى.

وكعضو مسيطر على منظمة الأوبك وحريص على حماية حصته السوقية، أجبر السعوديون الآخرين على اتباع وجهة نظر استراتيجية تهدف إلى تهدئة أعمال هؤلاء المنتجين الذين أغرقوا السوق بالإنتاج خلال السنوات القليلة الماضية مما تسبب في سحب السعر إلى الأسفل.

شركات التنقيب في الولايات المتحدة، حيث تكاليف الإنتاج المرتفعة، ينبغي أن تكون أول من يشعر بالانزعاج المالي، ولكن سيكون هناك أضرار جانبية أيضًا للآخرين. إيران قد تجد نفسها أمام حالة من نفاد النقدية، وهناك أيضًا روسيا التي تتجه نحو ركود عميق العام المقبل؛ إذ تتبع أسعار الغاز أسعار النفط في أدنى مستوى لها خلال العشر سنوات الأخيرة.

سوف يكون هناك رابحون أيضًا، المملكة المتحدة وهي الآن مستوردة للنفط الخام، قد استفادت بالفعل بما يقدر بـ3 مليون جنيه إسترليني يوميًا، تخفيض في تكاليف الوقود. وسوف تربح شركات الأعمال من الطاقة الرخيصة، كما أن البنزين الرخيص في واقع الأمر يضع المزيد من النقدية في جيوب المستهلكين.

وفي جولة سريعة، فإن الناتج المحلي الإجمالي العالمي قد يرتفع من 0.2% إلى 0.5% بسبب دفع انخفاض أسعار الطاقة لعجلة التجارة العالمية.

أولًا: الولايات المتحدة الأمريكية

هناك نظرية شائعة تقول إن الولايات المتحدة تريد أن ترى أسعار النفط منخفضة لبعض الوقت من أجل تقويض طموح فلاديمير بوتين في أوربا الشرقية، وللضغط على إيران، ولدفع الاقتصاد العالمي الذي يعتبر في أمس الحاجة إلى الطاقة الرخيصة. وفي الولايات المتحدة وحدها، فإن كل انخفاض في أسعار النفط بنسبة 10 دولار لكل برميل، يعزز الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.1% وفقًا لبنك الاستثمار السويسري UBS.

النفط والغاز المستخرج من سهول داكوتا وكانساس ونبراسكا، إلى جانب النفط من الرمال الكندية، خفّضا من واردات النفط إلى الولايات المتحدة، مما أدى إلى غمر السوق العالمي بالنفط والغاز، بالإضافة إلى ارتفاع العرض وانخفاض الطلب خاصةً أنّ اليابان تتطلع إلى الاعتماد على محطات الطاقة النووية، والتباطؤ في نمو قطاع الصناعات التحويلية في الصين.

بعد فترة طويلة من انخفاض أسعار النفط يمكن أن تتنحى صناعة التنقيب جانبًا عن العمل؛ إذ إن لها نقطة تعادل هي 110 دولار للبرميل أو أعلى قليلًا، ومواردها المحدودة لا تمكّنها من الاستمرار في إنتاج غير اقتصادي. وكانت الصناعة قد رفعت إنتاجها من 5 مليون برميل يوميًا في عام 2008 إلى 8.5 مليون برميل في يونيو من هذا العام، وارتفع إنتاج الغاز بنسبة الثلث منذ عام 2005.

ويقدّر أحد الأكاديميين الأمريكيين أن أحد الحقول التي وجدت في جنوب تكساس، قد أضاف 87 مليار دولار إلى اقتصاد الولايات المتحدة في عام 2013. وأن إغلاق بئر تلو الأخرى، وهو ما يحدث بالفعل، ليس بالشيء الذي يمكن للبيت الأبيض أن يتجاهله.

ثانيًا: فنزويلا

خلال الشهرين الماضيين فقط، بيعت دمية باربي النموذجية  بحوالي 200 دولار في المحال التجارية في فنزويلا. وفي الفترة السابقة على أعياد الميلاد، يمكن شراؤها بأقل من 2.50 دولار، ولازالت المحال التجارية تتابع جهود الرئيس نيكولاس مادورو الغريب في دعم الاحتفال الاستهلاكي. والأسوأ من ذلك، أنّ النقدية المستخدمة لشراء دُمى باربي سوف تمتص جزءًا كبيرًا من العملات الأجنبية قي البلاد والتي نضبت بالفعل بعد سنوات من الحيل الفاسدة للاستيراد، وتنضب الآن بسبب هبوط أسعار النفط.

وكواحدة من أكثر أعضاء منظمة الأوبك تضررًا، فإن فنزويلا لديها نقطة تعادل لأسعار النفط تُقدّر بـ117 دولارًا للبرميل. وفي هذه الحالة من عدم كفاءة صناعتها، وتبديد حكومتها، يتوقع بعض خبراء الصناعة نفاد أموال الحكومة العام القادم. ويجب التوقف عن ذلك بدلًا من الاحتفال بأعياد الميلاد والتي قد تُحوّل مادورو بعد ذلك إلى شخصية “الجرينش” فارضًا مستوى أعلى من التقشف على الدولة المحاصَرة بالفعل.

ثالثًا: المملكة المتحدة

في عام 2005، أصبحت المملكة المتحدة مستوردًا للنفط الخام، مما يُعقد علاقتها مع مصدر توفير الإيرادات لها على مدار الـ25 عامًا الماضية. وقد دعم الانخفاض الأخير في أسعار النفط ميزان المدفوعات البريطاني، وخفّض الأسعار للمستهلكين بقيمة 3 مليون جنيه إسترليني يوميًا، ولكنه يضرب الصناعة التي تضم عمالة كثيرة في الساحل الغربي لأسكتلندا والتي توفر لوزير المالية إيرادات ضريبية كبيرة.

وقال مدير “Wood Group” وهي شركة بترول هندسية، إن “15000 وظيفة يمكن أن تضيع العام المقبل، مع تعثُّر الإنتاج اليومي ليصل إلى 800000 برميل يوميًا”.

نيكولا سترجيون، زعيمة الحزب الوطني الأسكتلندي، من المرجح أنها ستعيد النظر في موقفها من النفط في بحر الشمال كمصدر آمن للمالية في أسكتلندا المستقلة (سَلفها السابق، أليكس سالموند، اعتمد منطقه الاقتصادي من أجل الاستقلال في الاستفتاء السابق في سبتمبر على النفط وسعره 113 دولارًا).

وهذا التذبذب القوي في أسعار النفط يؤثر على عملية صنع القرار الاقتصادي التي تم ذكرها في الأسبوع الماضي والتي لا تضع جنيهًا واحدًا إضافيًا في جيوب المتسوقين للإنفاق في أعياد الميلاد، ولكنه أيضًا أحبط معدل التضخم إلى الحد الذي أوجب على المسؤولين في بنك إنجلترا أن يؤجلوا رفع أسعار الفائدة المقرر إجراؤها في الصيف المقبل.

رابعًا: روسيا

نفى الرئيس فلاديمير بوتين المخاوف في مؤتمره الصحفي السنوي الأسبوع الماضي بأنّ روسيا يمكن أن تتخلف عن سداد ديونها إذا ما بقيت أسعار النفط منخفضة العام المقبل، ولكنه كان مازحًا قليلًا عندما قال إن “روسيا يمكن أن تزدهر مع سعر 60 دولارًا للبرميل”. وقد اعتمد البرلمان الروسي مؤخرًا موازنة لمدة ثلاث سنوات والتي افترضت أن سعر النفط 100 دولار للبرميل في 2015.

وتتوقع وزارة المالية الآن أن يتم تداول النفط العام القادم بسعر 80 دولارًا، وأن ينكمش الاقتصاد بنسبة 0.8%. وتم استبعاد التعديلات في الميزانية.

ومع ذلك، وحيث إن النفط والغاز يمثلان 70% من الصادرات، و50% من عائدات الضرائب، فإن أي انخفاض في السعر عن 100 دولار للبرميل سيعني انخفاضًا كبيرًا في الموازنة، وركود أكثر عمقًا. ويبدو كما لو أنه ستتم التضحية بالإنفاق على البنية التحتية لحماية ميزانية الرفاهية والدفاع، في الوقت الذي ساعد فيه التوغل في أوكرانيا على طلب القوات المسلحة لزيادة ميزانيتها بنسبة 30%.

أيضًا الشركات الروسية التي اقترضت من البنوك الغربية في أزمة؛ إذ إن قطاع الشركات الذي استغل الحصول على الائتمان الرخيص من الغرب، يجب أن يدفع الفوائد على هذه القروض بالدولار في الوقت الذي إذا ما انهار فيه الروبل يصبح الدولار أغلى. وقد ضغط قليل من هذه الشركات على بوتين لمساعدتهم في دفع القروض، وحتى الآن رفض الرئيس ذلك مفضلًا الاعتماد على البنك المركزي في الحفاظ على الروبل عن طريق رفع أسعار الفائدة إلى 17%.

خامسًا: إيران

باعتبارها واحدة من أهداف السياسة الخارجية لكل من المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، تعتبر طهران في مأزق. وقد رفعت الحكومة الإنفاق لاسترضاء طبقتها المتوسطة الغربية، وفي نفس الوقت العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة، وتدني أسعار النفط يأكلان ميزانيتها.

الولايات المتحدة تأمل في اتفاق ممكن للحد من الطموح النووي الإيراني، في حين يريد السعوديون التخلص من الجهاديين الممولين من إيران في المنطقة. ويمكن التوصل إلى حل في الحالة الأولى، ولكنه غير محتمل في الحالة الثانية، ولكن من الممكن أن تحدث مقايضة النقد مقابل الإرهاب بعد فترة مطولة من انخفاض أسعار النفط.

سادسًا: المملكة العربية السعودية

الدولة الصحراوية التي جمعت تريليون دولار في صدر الحرب للاستعانة بها في فترة انخفاض الأسعار، صرّح وزير المالية إبراهيم العساف الأسبوع الماضي بأريحية شديدة أن موازنة عام 2015 سوف تمضي قُدُما بالرغم من “تحديات” الظروف الاقتصادية العالمية.

وقد دافع العساف عن سياسة المملكة المالية “لمواجهة التقلبات الدورية” والتي ساعدت على بناء جبال من الأصول الأجنبية عندما كانت أسعار النفط مرتفعة.

وفي حين يعتقد أكبر بلد مصدر للبترول في العالم أن هناك حاجة إلى أن يكون متوسط سعر النفط الخام فوق الـ90 دولارًا للبرميل لموازنة ميزانيتها، ومع أول عجز في  الميزانية منذ عام 2009 والذي سوف ينطوي على بيع أصول أجنبية لتحقيق التوازن الدفتري، فإنه يمكنها البقاء على قيد الحياة لعدة سنوات عند سعر 60 دولارًا للبرميل.

ولماذا تفعل هذا؟

للحد من الإنتاج العالمي للنفط والغاز على المدى الطويل، خاصة استخراج البترول والغاز في الولايات المتحدة وأوربا، والذي يعتمد مسبقًا على إمدادات الشرق الأوسط. ومثل الولايات المتحدة، فإنها تريد إخضاع إيران.

الجارديان – التقرير

http://goo.gl/cQSyHo