قطع العلاقات السودانية الإيرانية يحد من نفوذ طهران في المنطقة

قطع العلاقات السودانية الإيرانية يحد من نفوذ طهران في المنطقة

_72290_s3

اختلف محللون سياسيون حول تداعيات وأسباب قطع الخرطوم علاقتها مع طهران وتقاربها مع المملكة العربية السعودية، ودول الخليج العربي. ورأى مختصون في أحاديث منفصلة مع “الأناضول”، أن تحول السياسة الخارجية السودانية “سلبا” تجاه إيران جاء بعد زيادة الاهتمام السعودي، بالشؤون السودانية، الأمر الذي سيعيد الخرطوم لـعمقها العربي، وسيؤثر على “نفوذ” طهران، في منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر.

ويعتقد آخرون أن قطع العلاقات بين إيران والسودان يرجع لحاجتها لدعم مالي، في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية فيها، بعد انفصال دولة جنوب السودان، إضافة لرغبتها في الحصول على دعم بالمحافل الدولية لإخراج الرئيس عمر البشير، من الملاحقات الجنائية الدولية ورفع العقوبات الدولية على البلاد.

علاقة سطحية

قال الأكاديمي السوداني، عبدالوهاب الأفندي، رئيس برنامج العلوم السياسية في معهد الدوحة للدراسات العليا، إن “العلاقات السودانية مع إيران سطحية إلى حد كبير، وكانت تأتي ضمن مساع سودانية لاستدراج الدعم الإيراني، لتلبية متطلبات الحروب المتعددة التي تخوضها”.

وأضاف الأفندي أن “التغير في علاقات البلدين لم يكن ناتجا عن تحولات في السياسة السودانية، إنما عن تحولات في سياسة السعودية ودول الخليج، التي كانت ترفض أيّ بادرة تقارب مع السودان حتى قبيل حرب اليمن”. ورأى أن فرضية “وجود علاقات استراتيجية بين السودان وإيران لسعي الأخيرة للسيطرة على باب المندب خاطئة”. ومما يدلل على “سطحية العلاقة” السودانية الإيرانية، كما يرى الأفندي، أن الخرطوم كانت تحصل على دعم اقتصادي من الصين في الغالب.

وسعت إيران لاستغلال بوابة السودان لبسط نفوذها في المنطقة الأفريقية والساحل الأفريقي للبحر الأحمر الذي تحتاجه كمنطقة لعبور السلاح إلى حركة حماس والحوثيين ومجموعات أخرى في أطار صراعها المعلن مع إسرائيل من جهة والسعودية وبلدان الخليج من جهة ثانية. وقد ساعدت الحروب الأهلية والحصار الاقتصادي المفروض من الولايات المتحدة والضغوط الدولية المتعلقة بتجاوزات حقوق الإنسان وخرق القانون الدولي الإنساني، إيران على التأثير على عمر البشير لفترة مؤقتة تلافتها في فترة لاحقة السعودية وبقية دول الخليج.

الإهمال العربي للسودان مكن إيران من جعلها قاعدة عسكرية وسياسية وتبشيرية للتموضع بالقرن الأفريقي

وأشار الأكاديمي السوداني إلى أن إيران لم تقدم دعما تسلحيا يستحق الذكر للسودان، حيث كانت الأخيرة تحصل على الأسلحة مقابل ثمن مدفوع مقدما. من جانبه، قال الخبير في العلاقات السعودية الخارجية، سليـــمان العقيلي، إن “الإهمال العربي للسودان مكّن إيران من جعلها قاعدة عسكرية وسياسية وتبشيرية متقدمة لها، للتموضع بالقرن الأفريقي، واختراق المنظومة الأمنية للبحر الأحمر”.

ورأى العقيلي (سعودي) أن عودة العلاقات بين السودان والدول الأفريقية المجاورة لها، إحدى ثمار تسلم الملك سلمان بن عبدالعزيز مقاليد الحكم في السعودية، فهو يفهم لعبة الأمم والمصالح السعودية والعربية العليا، التي تقتضي تأمين العمق الاستراتيجي للمملكة والخليج، من خلال تأمين القرن الأفريقي من الاختراقات سواء تعلق الأمر بإيران أو بالمنظمات الإرهابية.

وتجدر الإشارة إلى أن ثلاثة أرباع الصادرات السودانية تصل دول مجلس التعاون الخليجي، وتجد الخرطوم نفسها معتمدة اقتصاديا على دول تنظر إلى تنامي الوجود الإيراني في شرق أفريقيا بمثابة نكسة جيوستراتيجية مهمة. ويبدو أن السودان تتعامل مع هذا العامل بحكمة نظرا لعدم تحقيق العلاقات مع إيران النتائج المرجوة.

هذا فضلا عن تأثيرات أصوات المعارضة السودانية التي انتقدت عمر البشير بسبب السماح لإيران بزيادة الحضور العسكري في البلاد على أساس الإضرار بالعلاقات بين السودان ودول مجلس التعاون الخليجي وإضعاف آفاق حصول تقارب محتمل مع الولايات المتحدة.

تنظر السعودية إلى السودان باعتبارها “بوابة مشروعها الاستراتيجي في القرن الأفريقي والبحر الأحمر، وحلقة الوصل بين الدول العربية وشرق أفريقيا”، على حد تعبير العقيلي. ووصف مشاركة جنود سودانيين بالقتال في اليمن بأنه “دفاع عن عروبة اليمن، وتلاحم مصيري مع السعودية في مواجهة النفوذ الإيراني”.

بوابة استراتيجية

عبّر عزّان سعيد، الأكاديمي السوداني عن اعتقاده بأن “موقف الحكومة السودانية من إيران، يرتبط بالوضع الداخلي على صعيد الحاجة إلى دعم سعودي مالي، لوقف تداعيات انفصال جنوب السودان، وتبعاته على الوضع الاقتصادي، إضافة إلى الرغبة في الحصول على دعم في المحافل الدولية لإخراج عمر البشير من الملاحقات الجنائية الدولية ورفع العقوبات الدولية على البلاد”.

ورأى سعيد أن قرار السودان بقطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران نتاج “التخبط في مركز اتخاذ القرار وتعدّد مصادره”، قائلا إن “هذا الأمر سيقود إلى المزيد من العزلة الدولية التي لن تنتهي إلا بتغيير الرئيس عمر البشير”. وأكد الأكاديمي السوداني حتمية تأثر خطط إيران في منطقة البحر الأحمر، وأفريقيا بعد قطع علاقتها مع السودان، لكن دون أن يسهم ذلك في تحجيم كبير لدورها. وتطل السودان على البحر الأحمر، الذي يقود إلى “قناة السويس” في مصر شمالا، وإلى مضيق “باب المندب” جنوبا، الذي يعد من أهم الممرات المائية العالمية، ما جعل إيران تتطلع إلى حرية الحركة في تلك المنطقة وبسط نفوذها، بحسب مراقبين.

وعلى ذات الصعيد، قال عادل علي صالح، مسؤول العلاقات الخارجية بحزب “المؤتمر” السوداني (قومي معارض)، إن “مساندة السودان للسياسات السعودية، ليست تحولا استراتيجيا في العلاقات مع إيران، فهو يرجع لحاجتها لدعم اقتصادي، وذلك جراء تردي الأوضاع الاقتصادية فيها”. وأضاف المعارض السوداني، أن “حكومة الخرطوم بحاجة إلى المال السعودي بعد أن فقدت 75 من إيرادات القطاع النفطي، بعد استقلال دولة جنوب السودان، مع استمرار العقوبات الدولية عليها ورفض البنوك العالمية التعامل معها”.

وأعلنت الخارجية السودانية في 4 يناير الماضي، قطع العلاقات الدبلوماسية مع طهران، ساعات بعد اتخاذ الرياض قرارا مماثلا على خلفية اعتداء إيرانيين على الممثليات الدبلوماسية للسعودية، في طهران، احتجاجا على إعدام المملكة، لرجل الدين نمر باقر النمر ضمن 47 مدانا بالإرهاب.

وجاء قرار السودان في ظل تحسن مطرد للعلاقات مع دول الخليج، التي توترت في الأعوام الماضية بسبب تقارب الخرطوم وطهران. وتجلى هذا التوتر عندما استضافت البحرية السودانية سفن حربية إيرانية 4 مرات، خلال العامين 2012 – 2014 على ساحل البحر الأحمر. وبلغ التوتر ذروته عندما منعت السعودية، في أغسطس 2013، طائرة الرئيس البشير، من عبور أجوائها في اتجاه طهران.

وكان أول مؤشر على تحسن العلاقات السودانية الخليجية، عندما أغلقت الخرطوم في سبتمبر 2014 المركز الثقافي الإيراني، بحجة تهديده للأمن الفكري والتبشير بمذهب يتعارض وانتماء أهل البلد.

وكان الرئيس السوداني قد صرح في هذا الإطار لقناة “فرانس 24” اكتشفنا أن الإيرانيين دخلوا السودان ليقوموا بدعوات للتشيع في أوساط المجتمع السوداني، الذي هو مجتمع سنّي بالأساس، ومضيفا أن السودان عنده ما يكفي من الصراعات والأزمات ولن يقبل بإدخال فتيل أزمة جديدة في مجتمعه.

صحيفة العرب اللندنية