تداعيات تصدير النفط من كردستان العراق

تداعيات تصدير النفط من كردستان العراق

Kurdistan-Oil

بدأت حكومة إقليم كردستان قبل نحو سنتين، تنفيذ المشاريع اللازمة لتصدير إمدادات ضخمة من النفط الخام إلى الأسواق العالمية عبر ميناء جيهان التركي، فشيَّدت خط أنابيب مستقلاً عن منظومة خطوط الأنابيب العراقية لتنفيذ خططها. واتخذت قرار التصدير بعد نحو أربعة أشهر من إخفاق تنفيذ الاتفاق النفطي مع حكومة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي. وأدت المجازفة بالتصدير عبر الأنابيب من دون التنسيق مع بغداد، إلى تراكم ديون تقدَّر ببلايين الدولارات لمصلحة تجار النفط، في حين ينخفض الريع النفطي للإقليم، نظراً إلى تدهور الأسعار العالمية للنفط. وتراكمت الديون على حكومة إربيل، ما اضطرها إلى تأخير دفع الرواتب إلى موظفيها أربعة أشهر، وتأخير تسديد مستحقاتها للشركات الأجنبية، فتضعضع اقتصاد الإقليم بعد الانتعاش الذي حظي به منذ 2003.

تتراوح صادرات النفط التي يسوّقها الإقليم حول 780 ألف برميل يومياً، منها نحو 250 ألفاً من حقول ضمن الإقليم، والبقية، أي 530 ألفاً، تأتي من حقول كركوك، التابعة للدولة العراقية، والتي استطاعت قوات البيشمركة تحريرها من عصابات «داعش» بعدما استولت عليها في حزيران (يونيو) 2014. واتخذت حكومة الإقليم قرار التصدير للحصول على أعلى ريع ممكن، نظراً إلى حاجتها الماسة الى تنفيذ الاتفاقات مع الشركات النفطية العاملة في الإقليم، والى تغطية التضخم الكبير في عدد الموظفين الحكوميين الذين تبلغ رواتبهم الشهرية نحو 700 مليون دولار، إضافة إلى أعباء الحرب ضد «داعش» واستيعاب حوالى مليوني نازح ومهاجر.

وبرزت أول مشكلة واجهها تصدير النفط من الإقليم مع إعلان الحكومة العراقية أن تصدير النفط الخام من كردستان، من دون موافقة بغداد أو التنسيق معها، هو في مثابة «تهريب» للنفط العراقي، وأن الحكومة ستقاضي الجهات التي ستوافق على شراء هذا النفط. وتسبّب هذا الإنذار بتخوّف لدى الشركات النفطية الدولية من الشراء لكي لا تقاطعها الحكومة العراقية أو تقاضيها. وعند شحن النفط إلى السوق الأميركية، برز عائق مهم، وهو قرار محكمة أميركية يمنع استيراد النفط من الإقليم لأنه «مهرب»، فاضطرت السلطات في إربيل إلى اللجوء إلى شركات تجارة النفط لتدبير التسويق، وهذه معظمها إما شركات أوروبية أو أميركية، أو مزيج من الاثنين، وهي تشتري الإمدادات عادة عبر عقود قصيرة الأجل.

تتوافر لشركات التسويق الصغيرة نسبياً هذه مرونة في عمليات البيع والشراء التي لا ترغب فيها الشركات العملاقة. فهي، مثلاً، تبيع النفوط إلى أسواق غير تقليدية، وأحياناً خاضعة لمقاطعة، وهذا ما حصل خلال الثمانينات عندما باعت دول منتجة نفوطها إلى جنوب أفريقيا التي كانت تخضع لمقاطعة دولية بسبب سياسة الفصل العنصري، واستطاعت شركات التسويق تمويه مصادر الشحنات بتحويل النفوط من ناقلات إلى أخرى في عرض البحر، أو إطلاق أسماء جديدة على الناقلات بعد إبحارها من موانئ التصدير، فضاعت هويات الجهات المصدرة. وتخدم شركات التسويق الدول المصدرة بشراء كميات فائضة موقتة عبر عقود موقتة، أو البيع إلى أسواق صغيرة، فتستفيد من الدور الذي تقدمه إلى كل من المصدر أو المستورد.

وتفيد تقارير نشرتها اللجنة المالية في مجلس النواب بإقليم كردستان، بأن شركات تسويق قدمت قروضاً إلى حكومة إربيل في مقابل كميات غير محددة من النفط الخام، فيتحدّد السعر عند تسليم النفط إلى الناقلة، وبما أن الأسعار تدهورت خلال السنتين الماضيتين، استلمت الشركات كميات ضخمة بالأسعار المتدهورة. وقدرت التقارير المتداولة في البرلمان الكردي، أن الحسوم بلغت نحو خمسة دولارات للبرميل مقارنة بسعر البيع المحدد من «شركة تسويق النفط» (سومو) الحكومية العراقية للأنواع نفسها من النفوط.

وتشير نشرات نفطية متخصصة كثيرة، إلى أن شركات التسويق هذه حملت نفوطها من ميناء جيهان، وغيرت اسم الناقلات في عرض البحر، أو نقلت النفوط من ناقلات إلى أخرى أثناء الإبحار، وأن كميات كبيرة من هذه النفوط استوردتها شركات إسرائيلية، فشكلت هذه النفوط مصدراً مهماً للإمدادات النفطية إلى السوق الإسرائيلية وبأسعار مغرية. وشكّل تصدير النفط إلى إسرائيل معضلة للحكومة العراقية، فمن الصعب اللجوء إلى القضاء نظراً إلى عدم وجود علاقات ديبلوماسية بين العراق وإسرائيل، كما لا توجد أدلة تثبت تصدير حكومة الإقليم النفط إلى إسرائيل بسبب عمليات التمويه.

يشكّل تصدير نفط كركوك خلافاً آخر ما بين إربيل وبغداد، فعلى رغم طرد «داعش» من حقول كركوك واستيلاء قوات البيشمركة على المنطقة، تبقى كركوك جزءاً من الأراضي «المتنازع عليها» بين بغداد وإربيل. وكانت «شركة نفط الشمال» المتفرعة عن «شركة النفط الوطنية العراقية» مسؤولة عن حقول كركوك. وبرز تحدٍّ جديد لصادرات النفط من الإقليم، وهو التفجير المتكرّر لخط أنابيب التصدير. وتتراوح التقارير حول هوية الجهة المسؤولة عن التفجير بين «داعش» و «حزب العمال الكردستاني» بزعامة عبدالله أوجلان.

شاعت في إقليم كردستان، كما في بقية أنحاء العراق، ثقافة فساد غير مسبوقة. وطالب نواب وقوى كردية برلمانية الادعاء العام في الإقليم بالتحقيق في تهريب أموال عبر شركات تعود إلى أحزاب ومسؤولين، فيما أكدت لجنة نيابية أن التحقيق في الملف يواجه عقبات في الحصول على أدلة رسمية بأسماء الجهات والأشخاص المتورطين. وتحدث الرئيس السابق لحكومة الإقليم القيادي في «حزب الاتحاد الوطني الكردستاني»، برهم صالح، عن مشروع لتأسيس شركة نفطية يملكها أقارب لقياديين في كل من «الحزب الديموقراطي الكردستاني» و «حزب الاتحاد الوطني»، ودعا إلى «الكف عن احتكار السوق».

وليد خدوري

نقلا عن صحيفة الحياة