معضلة جنيف3: مفاوضات سياسية دون توازنات عسكرية

معضلة جنيف3: مفاوضات سياسية دون توازنات عسكرية

201628956363734_8

ملخص

وسط خلافٍ بين النظام السوري والمعارضة على كل شيء تقريبًا، لم يكن متوقعًا أن تحقق المفاوضات التي ترعاها الأمم المتحدة أي تقدم، ولم يأخذ الأمر طويل وقت حتى اختار المبعوث الأممي تعليق المفاوضات بدلًا من إعلان انهيارها. ورغم أن دي مستورا قرر أن يكون 25 فبراير/شباط الجاري موعدًا لاستئنافها، إلا أن المفاوضات قد لا تُستأنف أبدًا مع استمرار غياب الشروط الموضوعية لحصول مفاوضات جدية.

مقدمة

لم يكاد يومان يمران على إعلان المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، ستيفان دي مستورا، رسميًّا عن إطلاق المفاوضات غير المباشرة بين النظام السوري والمعارضة في جنيف، حتى اضطر إلى تعليقها، وذلك استباقًا لقيام المعارضة بإعلان انسحابها، بعد أن رفض النظام تنفيذ أيٍّ من الالتزامات الإنسانية المنصوص عليها في الفقرتين 12 و13 من القرار الأممي 2254 الصادر بتاريخ 18 ديسمبر/كانون الأول 2015. كما أن استمرار وتصاعد الحملة الجوية الروسية المؤازرة لقوات النظام والتي أسفرت عن نجاح هذه الأخيرة في تحقيق اختراقات ميدانية مهمة خاصة في ريف حلب الشمالي، سمَّم أجواء المفاوضات وجعل استمرار مشاركة المعارضة فيها أمرًا غير ممكن.

الطريق إلى جنيف معبَّد بالعراقيل

لم يمثِّل تعثُّر المفاوضات من أيامها الأولى مفاجأة، أخذًا في الاعتبار الصعوبات الكبيرة التي اعترضت استئنافها، ومنذ البداية سادت توقعات بصعوبة التوصل إلى أي نتائج بسبب الغموض الذي ظل يكتنف كل تفصيل من تفاصيل المسيرة التفاوضية، وعلى رأسها تنفيذ الفقرتين 12 و13 من القرار 2254، والتي تعد بالنسبة للمعارضة ممرًّا إجباريًّا للوصول إلى المفاوضات المباشرة، فضلًا عن قضية تمثيل المعارضة في المفاوضات، ومرجعية التفاوض، والنتائج أو المخرجات التي ترجوها الأطراف المختلفة من العملية التفاوضية.

وفيما كان النظام مكرهًا على الذهاب تحت الضغط الروسي، ظلَّت مشاركة المعارضة في مفاوضات جنيف غير مؤكدة حتى اللحظة الأخيرة؛ حيث ظهر فيها اتجاهان:

الأول يدعو إلى المقاطعة بسبب عدم توفر أيٍّ من الشروط الموضوعية التي تسمح ببدء عملية تفاوضية جدية تؤدي إلى حلٍّ سياسي يُنهي الصراع ويحقق المطلب الرئيس المستند إلى بيان جنيف1 لعام 2012 والمتمثل بتشكيل “هيئة حكم انتقالي بصلاحيات تنفيذية كاملة” بما فيها الجيش والأجهزة الأمنية، تتولى إدارة شؤون البلاد وصولًا إلى حالة الاستقرار السياسي والأمني. وقد جادل هذا الاتجاه، الذي قاده جناح في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة ودعمته الفصائل العسكرية الكبرى على الأرض، بأن الذهاب إلى التفاوض في ظل تصاعد القصف الروسي واستمرار الحصار على المدن والمناطق الثائرة (يبلغ عددها 14) وعدم تقديم النظام أي مبادرات تظهر جديته في التوصل إلى اتفاق (مثل إطلاق سراح المعتقلات من النساء والأطفال) سوف يعني توفير غطاء للنظام للمضي في تغيير الوقائع الميدانية على الأرض وفرض الحل السياسي الذي ينشده على طاولة المفاوضات تحت ستار التفاوض.
الاتجاه الثاني، ومثَّله بعض أعضاء الهيئة العليا للمفاوضات، جادل بأن المقاطعة سوف تعطي الفرصة للنظام وحلفائه لتصوير المعارضة أمام المجتمع الدولي وكأنها هي من يرفض الحل السياسي، كما أن ذلك سوف يسمح للروس بتنفيذ مأربهم في فرض وفد التفاوض الذي قاموا بتشكيله كطرف رئيس في المفاوضات. وبناء عليه، رأى هذا الاتجاه ضرورة خوض المعركة السياسية للحصول على أفضل الشروط الممكنة للمشاركة، بدلًا من الاكتفاء بإعلان المقاطعة. وقد ساد الاتجاه الأخير، بعد أن شجَّعت الدول الحليفة على الذهاب إلى جنيف، بما فيها السعودية وتركيا، وبعد أن تلقت المعارضة رسالة خطية من المبعوث الأممي ستيفان دي مستورا تتضمن “رأيه الشخصي” في الإجابة على أسئلة طرحتها المعارضة حول القضايا الخلافية التي تثير قلقها وتُعرقل إطلاق مفاوضات ذات جدوى.

عقدة الفقرتين 12 و13

شكَّل تنفيذ الفقرتين 12 و13 من القرار الأممي 2254، مادة لنقاش طويل قبل انطلاق المحادثات؛ إذ أصرَّت المعارضة على التنفيذ الكامل لهما قبل البدء بأي مفاوضات. وتنص المادة 12 على ما يلي: “تتيح الأطراف فورًا للوكالات الإنسانية إمكانية الوصول السريع والمأمون وغير المعرقل إلى جميع أنحاء سوريا ومن خلال أقصر الطرق، وأن تسمح فورًا بوصول المساعدات الإنسانية إلى جميع من هم في حاجة إليها، لاسيما في جميع المناطق المحاصرة والتي يصعب الوصول إليها، والإفراج عن أي محتجزين تعسفيًّا، لاسيما النساء والأطفال، ويدعو ]القرار[ دول المجموعة الدولية لدعم سوريا إلى استخدام نفوذها على الفور تحقيقًا لهذه الغايات، ويطالب بالتنفيذ الكامل للقرارات 2139 (2014)، و2165 (2014)، و2191 (2014) وأي قرارات أخرى ذات صلة”. أما المادة 13 فتقول: “توقف جميع الأطراف فورًا أي هجمات موجَّهة ضد المدنيين والأهداف المدنية في حدِّ ذاتها، بما في ذلك الهجمات ضد المرافق الطبية والعاملين في المجال الطبي، وأي استخدام عشوائي للأسلحة، بما في ذلك من خلال القصف المدفعي والقصف الجوي، ويرحب بالتزام المجموعة الدولية لدعم سوريا بالضغط على الأطراف في هذا الصدد، ويطالب كذلك بأن يتقيد جميع الأطراف فورًا بالتزاماتها بموجب القانون الدولي، بما في ذلك القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، حسب الاقتضاء (1).

لم يكن ممكنًا للمعارضة أن تقبل المشاركة في أي مفاوضات مع النظام دون تنفيذ هاتين الفقرتين لأنه كان من الصعب عليها أن تقنع جمهورها بذهابها إلى مفاوضات يستمر خلالها النظام في تجويع وحصار حاضنتها الشعبية، ويستمر الطيران الروسي في قصف فصائل المعارضة ودفعها إلى التقهقر أمام قوات النظام وحلفائه من الميليشيات التي ترعاها إيران. ورأت المعارضة أن الالتزامات الإنسانية الواردة في الفقرتين 12و13 من القرار الأممي 2254 واجبة التنفيذ الفوري وغير خاضعة للتفاوض بنص القرار المذكور، ومن ثم فإنها لن تشارك في المفاوضات ما لم تتم المسارعة إلى فكِّ الحصار عن المدن والمناطق المحاصرة وإدخال المساعدات الإنسانية واطلاق سراح المعتقلات من النساء والأطفال، معتبرة تنفيذها جزءًا من إجراءات بناء الثقة ومؤشرًا على جدية النظام في التوصل إلى حلٍّ. ورغم أن المبعوث الأممي أكَّد في رسالته الخطية أن “القضايا الإنسانية غير قابلة للتفاوض” (2)، إلا أن النظام اعتبر موقف المعارضة شرطًا مسبقًا للمفاوضات، رافضًا الامتثال لمطالبها، خاصة وأن استراتيجيته تقوم على أساس تحويل الموضوع الإنساني والإغاثي إلى قضية وحيدة على طاولة المفاوضات حتى لا يُصار إلى الانتقال إلى مناقشة موضوع المرحلة الانتقالية.

إشكالية التمثيل

خرج اجتماع فيينا الذي عُقد في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، على خلفية التدخل العسكري الروسي في سوريا، وضمَّ سبع عشرة دولة إضافة إلى الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، بتوافق إقليمي ودولي تمثَّل في إصدار بيانٍ تضمَّن خارطة طريقٍ مرفقة ببرنامجٍ زمني لتطبيق الحل السياسي في سوريا. وقد طلب المجتمعون، الذين أصبح يُطلَق عليهم اسم “المجموعة الدولية لدعم سوريا”، من السعودية أن تقوم بالترتيب لعقد مؤتمر موسَّع يشمل أطياف المعارضة السورية للخروج برؤية موحدة للحل، وتشكيل وفد تفاوضي استعدادًا لإطلاق عملية سياسية تؤدي إلى تنفيذ بيان فيينا الذي تم تضمينه لاحقًا في قرار لمجلس الأمن حمل الرقم 2254. امتثلت السعودية لطلب “المجموعة الدولية لدعم سوريا”، وقامت، في 9 و10 ديسمبر/كانون الأول 2015، بجمع أطراف المعارضة السورية في الرياض. حضر الاجتماع أكثر من 100 ممثل عن القوى السياسية السورية والفصائل العسكرية الكبرى الموجودة على الأرض، وخرج المجتمعون برؤية موحَّدة للحل السياسي في سوريا، كما اتفقوا على تشكيل هيئة عليا للمفاوضات مع النظام ضمَّت 34 شخصية، موزَّعين على فصائل عسكرية وقوى سياسية من داخل سوريا وخارجها.

رفض الروس مخرجات مؤتمر الرياض، بعد أن تفاجَؤوا بتوحد المعارضة السورية المعروفة بتشرذمها وانقساماتها، وكان الموقف الروسي من المسألة السورية بدأ يأخذ منحى أكثر تشددًا بعد قيام تركيا بإسقاط طائرة حربية روسية في 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2015. ادَّعى الروس أن الوفد المفاوِض الذي نتج عن مؤتمر الرياض يضم فصائل “إرهابية”، في إشارة إلى “أحرار الشام” و”جيش الإسلام”. وكانت “المجموعة الدولية لدعم سوريا” طلبت في اجتماع فيينا من الأردن التنسيق مع استخبارات الدول المعنية لوضع قائمة للفصائل المسلحة العاملة في سوريا لتصنيفها كفصائل إرهابية، حتى يتم استبعادها من العملية السياسية، ومن ثم وقف إطلاق النار المرتقب فرضه في سوريا عبر مجلس الأمن حال انطلاق العملية السياسية. وقد نجح الروس في تضمين مقدمة قرار مجلس الأمن 2254 ما يعطي الموفد الأممي، دي مستورا، الحق في التدخل لتشكيل وفد المعارضة، بحيث يضم شخصيات من لقاءات موسكو والقاهرة إضافة إلى الرياض.

وبناء عليه، حاولت روسيا التدخل في تشكيل وفد المعارضة، بغرض اختراقه عبر شخصيات قريبة منها مثل صالح مسلم زعيم “حزب الاتحاد الديمقراطي”، الذي يُعد الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني الذي تصنفه واشنطن وأنقرة حزبًا إرهابيًّا، وقدري جميل زعيم “الجبهة الشعبية للتحرير والتغيير”، اللاجئ في موسكو منذ أقاله الأسد من منصبه نائبًا لرئيس مجلس الوزراء عام 2013، وهيثم منَّاع الذي أصبح رئيسًا لما يسمى “مجلس سوريا الديمقرطية”، الذي يعد واجهة لقوى كردية قريبة من موسكو، وغيرهم.

تمسكت المعارضة بحقها المطلق في تشكيل الوفد المفاوض وشرعية تمثيلها للمعارضة ورفضت كل الأفكار التي حاول الروس طرحها، بما فيها تعدد تمثيل المعارضة عبر تشكيل وفد ثالث “معارِض” للمشاركة في العملية السياسية. وقد أدَّى إصرار روسيا على تضمين الوفد المعارض بعض الشخصيات القريبة منها، ورفض المعارضة أي تدخل في تشكيل وفدها التفاوضي، إلى ابتداع حلٍّ للالتفاف على الموضوع بتسمية الشخصيات القريبة من موسكو مستشارين يقيمون في لوزان وليس في جنيف حيث تجري المفاوضات. أمَّا بخصوص مشاركة صالح مسلم زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي؛ فقد أدى تهديد تركيا بمقاطعة المفاوضات إلى استبعاد دعوته. ورغم أن الأمم المتحدة استبعدت أي تعديل في الدعوات التي وجَّهتها، كما استبعدت صدور دعوات جديدة في قالب مختلف، ورغم تأكيد دي مستورا أن “المفاوضات تتم حصرًا بين وفدي الحكومة والهيئة المنبثقة عن مؤتمر الرياض”، وأن الآخرين مدعوون بـصفتهم الشخصية، فقد ظلَّ الروس يؤكدون، بموافقة واشنطن، على ضرورة مشاركة حلفائهم، بما فيهم “حزب الاتحاد الديمقراطي”، في مراحل لاحقة من المفاوضات.

خلاف على مرجعية التفاوض

شكَّل موضوع المرجعية التي تستند إليها المفاوضات مادة لخلاف كبير بين المعارضة وكلٍّ من النظام وحلفائه الروس. وكان قرار مجلس الأمن الدولي 2254 زاد من تعقيد المشهد بحديثه عن مرجعيتي جنيف وفيينا، بدلًا من الاقتصار على مرجعية جنيف، كما كانت عليه الحال في القرار 2118 لعام 2013. والفرق بين المرجعيتين هو أن بيان جنيف يؤكد على أهمية المرحلة الانتقالية باعتبارها ممرًّا إجباريًّا للحل، فيما يحيط الغموض بهذه المسألة في بيان فيينا الذي يركِّز بدلًا من ذلك على موضوع “محاربة الإرهاب”. وينطبق الأمر نفسه على قرار مجلس الأمن 2254، الذي أشار في المادة الرابعة منه إلى دعمه “لعملية سياسية بقيادة سوريا تُيسِّرها الأمم المتحدة وتقيم، في غضون فترة مستهدفة مدتها ستة أشهر، حكومة شاملة ذات مصداقية وغير طائفية”، ما يمثِّل تراجعًا عن استبعاد الأسد من العملية السياسية سواء في بداية المرحلة الانتقالية أو نهايتها. وكان بيان جنيف أشار إلى إنشاء “هيئة حكم انتقالي بصلاحيات تنفيذية كاملة”، وقد وافقت روسيا على هذا البيان، لكنها تراجعت عنه بعد تدخلها العسكري في سوريا. أمَّا دي مستورا، فقد أكَّد في رسالة الدعوة إلى مفاوضات جنيف استناده إلى مرجعية جنيف وفيينا معًا، لكنه ذكر أن الهدف من المفاوضات هو تشكيل حكومة شاملة غير طائفية وذات مصداقية وفق ما ورد في قرار مجلس الأمن 2254 الذي استند بشكل كامل إلى بيان فيينا.

مخرجات العملية التفاوضية

نظرًا للخلافات على تحديد مرجعية المفاوضات، فقد كان لدى كل طرف تصور مختلف عن المخرجات التي ستنتهي بها، فبالنسبة للمعارضة يجب أن تؤدي العملية التفاوضية إلى تفويض الأسد صلاحياته كاملة إلى هيئة الحكم الانتقالي التي عليها أن تعد لمرحلة ما بعد الأسد، الذي يجب أن يجري استبعاده. يبدأ بعد ذلك العمل على إعداد مسوَّدة لدستور جديد يتم الاستفتاء عليها، قبل الدعوة إلى انتخابات برلمانية ورئاسية في نهاية المرحلة الانتقالية، التي حددها بيان فيينا للمجموعة الدولية لدعم سوريا بـ18 شهرًا. أمَّا بالنسبة لحلفاء النظام فالمخرجات المرجوَّة من “الحوار السوري-السوري” في فيينا مختلفة تمامًا، وهي ستكون عبارة عن اتفاق على وقف إطلاق النار، يليه تشكيل حكومة وحدة وطنية تؤدي القَسَمَ أمام بشار الأسد، باعتباره رئيسًا للجمهورية وقائدًا أعلى للقوات المسلحة، ثم يجري تحت إشرافه تعديل الدستور والدعوة لانتخابات رئاسية يكون لبشار الحق في دخولها. أمَّا دي مستورا، فلم يُشِرْ في رسالة الدعوة لمفاوضات جنيف إلى موضوع تشكيل حكومة انتقالية بصلاحيات كاملة، بل استند إلى ما ورد في نص قرار مجلس الأمن 2254 حول تشكيل حكومة شاملة ذات مصداقية وغير طائفية، تاركًا لكل طرف أن يفسِّر الأمر بطريقته.

خاتمة

وسط خلافٍ على كل شيء تقريبًا، لم يكن متوقعًا أن تحقق المفاوضات أي تقدم، ولم يأخذ الأمر طويل وقت حتى اختار المبعوث الأممي تعليق المفاوضات بدلًا من إعلان انهيارها. ورغم أن دي مستورا قرر أن يكون 25 فبراير/شباط الجاري موعدًا لاستئنافها، إلا أن المفاوضات قد لا تُستأنف أبدًا مع استمرار غياب الشروط الموضوعية لحصول مفاوضات جدية، فالمعارضة التي اختبرت مماطلة النظام وتسويفه قررت أنها لن تعود إلى جنيف قبل أن يمتثل النظام للفقرتين 12 و13 من القرار 2254، كما أن المعارضة لن تستطيع على الأرجح العودة إلى جنيف في ظل استمرار الهجمة الروسية العنيفة على حلب والتي أدَّت إلى تشريد عشرات الآلاف من المدنيين، فضلًا عن استمرار المعارضة المسلحة في التقهقر أمام القصف الروسي، لأن استئناف المفاوضات دون أن يتوقف القصف يعني توفير غطاء له. من جهة أخرى، يجعل اختلال موازين القوى لصالح النظام، بفضل الدعم الروسي والإيراني، إمكانيةَ استئناف المفاوضات غير ذات معنى. وإذا سقطت حلب التي أطبق النظام الحصار عليها، فعلى الأرجح لن تعود هناك حاجة لاستئناف المفاوضات من وجهة نظر النظام الذي يعتقد أنه يتجه للقضاء على الثورة، فما حاجته إلى مفاوضتها.

أمام هذه الوقائع يبدو دي مستورا عديم الحيلة، فهو من جهة يربط استئناف المفاوضات بالتحقق من “الرغبة في تحقيق السلام لدى الدول الرئيسة المعنية بالأزمة السورية”، خلال اجتماع “المجموعة الدولية لدعم سوريا” على هامش مؤتمر ميونخ للأمن في 12 فبراير/شباط الجاري، فيما يقول من جهة أخرى إنه قد يتجه إلى مجلس الأمن للحصول على قرار بوقف إطلاق النار في سوريا تمهيدًا لاستئناف المفاوضات، لكن لا أحد يعرف كيف سيتم ذلك في ظل الإصرار الروسي على الاستمرار في الحملة العسكرية حتى القضاء على “الإرهابيين”.

يبقى السؤال الأساسي هنا: كيف سيتصرف حلفاء المعارضة السورية؟ وهل يسمحون بانتصار النظام بعد كل الاستثمارات التي وضعوها لإسقاطه؟ وهل حقًّا قامت واشنطن “ببيع” المعارضة السورية إلى روسيا وإيران، أم أن مرحلة جديدة من المواجهة قد بدأت لتحويل سوريا إلى أفغانستان روسيَّة جديدة؟
_________________________________
هوامش
1- بيان مجلس الأمن الدولي الرقم 2254 بشأن حل الأزمة السورية، صحيفة السفير، 19 ديسمبر/كانون الأول 2015، http://assafir.com/Article/5/462785/SameChannel
2- دي مستورا يريد «توازي المسارات»…وكيري لـ “تسلسلها بدءًا من وقف النار”، الحياة 29 يناير/كانون الثاني 2015، http://www.alhayat.com/Articles/13697329/%D8%AF%D9%8A-%D9%85%D9%8A%D8%B3%D8%AA%D9%88%D8%B1%D8%A7-%D9%8A%D8%B1%D9%8A%D8%AF–%D8%AA%D9%88%D8%A7%D8%B2%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%AA——%D9%88%D9%83%D9%8A%D8%B1%D9%8A-%D9%84%D9%80–%D8%AA%D8%B3%D9%84%D8%B3%D9%84%D9%87%D8%A7-%D8%A8%D8%AF%D8%A1%D8%A7%D9%8B-%D9%85%D9%86-%D9%88%D9%82%D9%81-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A7%D8%B1-

مركز الجزيرة للدراسات