الذهاب إلى إيران

الذهاب إلى إيران

iran_herob01

لم يعد مفهوما ولا مقبولا، حرص الفصائل الفلسطينية على تحسين علاقتها مع نظام “الولي الفقيه” في إيران، بعد كل الأدوار المريبة والمشينة التي قام بها هذا النظام، والتي باتت مكشوفة تماما، في السنوات الخمس السابقة، من العراق إلى لبنان مرورا بسوريا، دون أن ننسى أدواره في اليمن والجزيرة العربية عموما.

وفي الواقع فإنه لا يمكن تفسير هذا الحرص من قبل ما يفترض بأنها فصائل حركة تحرر وطني، إلا في إطار النظرة المصلحية الضيقة، التي تضع مصلحة الفصيل قبل مصالح القضية أو الشعب، أو التي ترى أن الفصيل المعين بات هو القضية وهو الشعب، في واقع أضحت فيه قضية استمرار الموارد المالية بمثابة الشغل الشاغل للفصائل السائدة منذ ثلاثة أو أربعة عقود.

ولعل هذا يفسر، أيضا، قابلية معظم الفصائل لتناسي كل شيء في سبيل استمرار هذه الموارد، وضمنه تمكين هذه الدولة أو تلك من ركب القضية الفلسطينية، حتى لو كانت تنكّل بالفلسطينيين وتتلاعب بقضيتهم؛ على ما فعل ويفعل النظامين السوري والإيراني.

القصد أن إيران في ظل هذا النظام هي التي تنتهج سياسة عدوانية إزاء الدول العربية، وضمنه إزاء المجتمعات العربية، لا سيما في المشرق العربي، وهي تشن حربا لا هوادة فيها عبر ميليشياتها المسلحة، على هذه المجتمعات، بالاستناد إلى تلاعبها بالنسيج الاجتماعي، وبإثارتها العصبية الطائفية المذهبية، بل إنها تتصرف كدولة في حالة حرب في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وتوجه التهديدات لهذه الدولة أو تلك.

على ذلك، وبالنظر إلى كل ما تقدم، فإن الفلسطينيين معنيون بأن يدركوا بأن الاتكاء على خيبات التجارب السابقة، في توخي الحياد، لا تجدي هنا، لأن الأمر مختلف تماما، دون أن يعني ذلك أن المطلوب منهم خوض حرب ضد إيران، أو أي دولة أخرى، ومن دون أن يفهم من ذلك أن عليهم الانخراط في دعم الثورة السورية أو أي ثورة أخرى، فهم في أوضاعهم، وفي التضييق والحصار المفروضين عليهم، مع ضعف إمكانياتهم وتشتت مجتمعاتهم، بالكاد يستطيعون تدبر أمورهم. والمعنى أن الفلسطينيين، وفي كل الأحوال، ليس مطلوبا منهم الذهاب إلى إيران، بدعوى الحياد، لأن ذلك لن يفهم إلا كانحياز إلى صفها، وهذا سيضر بالفلسطينيين وبقضيتهم، كما صدقيتهم كدعاة حركة تحرر وكأصحاب قضية عادلة، لأن الحرية لا تتناقض مع العدالة، وإذا تناقضت معها فإنها تكف عن كونها قضية حرية.

بمعنى آخر، ليس مطلوبا استعداء إيران، ولا نستطيع كفلسطينيين شيئا حيالها، ولا حيال أي تحديات أخرى في العالم العربي، لكن الموقف المنطقي والأخلاقي يفترض أن لا نبدو كمن يتجاهل سياساتها التي تبدو متساوقة مع السياسات الأميركية، والتي تبدو أيضا تصب في مصلحة إسرائيل، ولا تجاهل الحروب التي تشنها على المجتمعات العربية.

جانب آخر يفترض إدراكه، وهو أن مشكلتنا مع النظام الإيراني ليست بسبب أنه يدعم أو لا يدعم هذا الفصيل أو ذاك، بالسلاح والمال، وإنما هي تكمن في: أولا، أنه اشتغل كالشريك الأول للولايات المتحدة في غزو أفغانستان والعراق. وثانيا أنه هيمن على العراق وخرّبه بواسطة ميليشياته الطائفية، ولازال مصرا على الاستمرار على ذات السياسات. وثالثا، أنه اشتغل على شق مجتمعات المشرق العربي على أسس طائفية مذهبية، أي أنه استطاع فعل ما عجزت عنه إسرائيل، مقدما لها في ذلك أكبر خدمة في تاريخها. ورابعا أنه استخدم أو وظف قضية فلسطين لتبرير وتغطية تدخلاته وتلاعباته في مجتمعات المشرق العربي من العراق إلى لبنان مرورا بسوريا. وخامسا أنه شريك للنظام في قتل السوريين وتشريدهم وتدمير عمرانهم.

على ذلك، ومع علمنا بأن الميليشيات الموالية لإيران، وذراعها الضاربة، في العراق وسوريا، هي التي شردت فلسطينيي العراق وأسهمت في تشريد فلسطينيي سوريا، وفي قتل السوريين وتدمير عمرانهم، يحق لنا أن نسأل ما الذي تفعله الفصائل الفلسطينية في إيران؟ وما الذي يمكن أن تضيفه هذه الزيارة في هذه الأوضاع؟ ثم هل يمكن مقايضة كل هذا الخراب بدعم تقدمه إيران لهذا الفصيل أو ذاك؟

البعض برر الذهاب إلى إيران بصعوبات يواجهها فصيله متناسيا أن شعب فلسطين كله يواجه صعوبات ويخضع للحصار وأن فلسطينيي العراق وسوريا شردوا بسبب إيران وميليشياتها وأن قضية الحرية لا تستقيم دون عدالة، وأن من يشارك في قتل وتشريد السوريين وتدمير عمرانهم لا يمكن أن يكون مع حرية الفلسطينيين، فالحرية لا تتجزأ.

ماجد كيالي

نقلا عن العرب اللندنية