انفجار انقرة ومديات الكيان الكردي

انفجار انقرة ومديات الكيان الكردي

تركيا-أعزاز-الاكراد
منذ ان اعلنت الحكومة التركية وقوفها ومساندتها للشعب السوري في مناهضته لحكومته ونظامه السياسي في منتصف اذار 2011 حيث شهدت المدن والاقضية السورية اندلاع تظاهرات شعبية عارمة تطالب بالتغيير السياسي في دمشق ، اتخذ الاتراك موقفا واضحا ومساندا لهذا التحرك الشعبي والسياسي المعلن وبادرت بتقديم الدعم والاسناد لفصائل المعارضة السورية واسناد حركة واهداف الجيش الحر الذي انشق عن المؤسسة العسكرية التابعة لنظام الاسد ، مما شكل انعطافا واضحا وصريحا في العلاقة بين انقرة ودمشق انعكس سلبيا على طبيعة العلاقات التي كانت سائدة بينهما وعمق التعاون الاستراتيجي في كافة المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية وتوحيد المواقف في المحافل الاقليمية والدولية .
وكان من اول مظاهر العداء السوري للحكومة التركية هو مساندة ودعم المنظمات والاحزاب الكردية التي تناهض حكومة انقرة ودعمها عسكريا وماديا واللقاء بمسؤوليها وفصائلها، فكان لوحدات الشعب الكردي وحزب العمال التركي دورا بارزا ومهما في الاحداث التي جرت في شمال سوريا وبالقرب من الحدود التركية -السورية وأبرزها معارك مدينة كوباني والاحداث الجارية الان في مدينة اعزاز.
أمام هذه التطورات التي حاكت أماني وتطلعات اكراد سوريا ورغبتهم في تحقيق امانيهم واهدافهم بانشاء كيان كردي لهم في شمال سوريا يعزز وحدتهم ويناغم أهدافهم القومية.
وكان الابرز في التعبير عن هذه المفاهيم والاهداف هو (حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني) بزعامة صالح مسلم الذي يعتبر من اهم الاحزاب الكردية شعبية في المناطق الكردية ضمن الاراضي السورية، حيث تتواجد احزاب كردية اخرى ولكنها اقل فعالية منها: (الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة نصر الدين ابراهيم، حزب اليسار الكردي بقيادة محمد موسى، الحزب الديمقراطي الكردي السوري بقيادة جمال بافي.) .
وجاءت معركة كوباني التي استمرت (120) يوما بمثابة نقطة التحول بالنسبة لمكانة الاكراد في سوريا ومدى تأثيرهم على الاحداث فيها لأنها رسمت الاطر الواقعية التي حددت فعالية اكراد سوريا ومكانتهم على المستوى المحلي والاقليمي والدولي لأن هذه المعركة جعلت منهم جزءا مهما من عملية سياسية واسعة النطاق تتعدى خارطة سوريا.
واثبت المعركة ان اكراد سوريا لا يتحكمون بمصيرهم السياسي فقد حددت التجاذبات الاقليمية مواقعهم وادواتهم وادوارهم فلم يقدم لهم الاتراك المساعدة ولم يحصلوا على الدعم الامريكي الا بحدود مقاتلة تنظيم الدولة الاسلامية وبعد ان رتبوا علاقتهم فيما بينهم ويمكن لنا ان نستثني ما قام به الزعيم الكردي مسعود البرزاني بمساندته للأكراد في تحرير كوباني من سيطرة مقاتلي تنظيم الدولة وارسل اعدادا كبيرة من المقاتلين الاكراد من اقليم كردستان العراق للمساهمة والدفاع عن اكراد سوريا وشاركت ايضا وحدات قتالية تابعة لتشكيلات الجيش الحر في تقديم الاسناد للمقاتلين الاكراد .
وجاء انسحاب قطعات الجيش السوري التابع لنظام الاسد طوعا وبدون قتال في شهر تموز 2012 من المناطق الكردية في شمال سوريا بحجة التركيز على مقاتلة فصائل المعارضة السورية في مناطق تشهد صراعات ونزاعات عسكرية وتعتبر أكثر اهمية وستراتيجية للنظام السوري، ليشهد الموقف على الاراضي السورية واقعا واضحا تمثل في التنسيق المباشر والعلاقة الوطيدة بين مقاتلي وحدات الشعب الكردي واجهزة النظام السوري بالسيطرة على المناطق الكردية والدفاع عنها وجعل مسؤوليتها بيد حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني.
هذا الموقف الجديد شجع قيادات وحدات الشعب الكردي لطرح مشروع الادارة الذاتية في المناطق الكردية شمال وشمال شرق سوريا في تشرين الثاني 2013 والذي شكل أولى الخطوات الميدانية نحو الشروع بتطبيق الاهداف والافكار التي نادى بها زعيم حزب العمال التركي عبد الله اوجلان والموقوف لدى السلطات التركية منذ عام 1999، وتم تحديد الرقعة الجغرافية لهذه الادارة بثلاث مناطق هي (الجزيرة وكوباني وعفرين).
شكل هذا التطور السياسي مخاوف كبيرة للأتراك وبدأوا بمتابعة حركة ونشاط وحدات الشعب الكردي التي تعتبر من وجهة نظر المسؤولين الامنيين الاتراك امتدادا لتنظيمات حزب العمال التركي خاصة وان لتركيا حدود طويلة مع شمال سوريا تقدر ب (800) كم تقع اجزاء كبيرة من هذه الحدود حاليا تحت سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي والذي يصنف ضمن الاحزاب الارهابية في تركيا واوروبا وامريكيا.
ان نشوء كيان كردي شبه مستقل في شمال سوريا سيهدد الامن التركي الوطني ويحرك التنظيمات السياسية والفعاليات العسكرية لمقاتلي حزب العمال التركي لقرب هذا الكيان من المناطق الكردية ضمن الاراضي التركية وبالتالي سيؤدي الى حدوث نزاعات واشتباكات قتالية بين افراد الجيش التركي والمقاتلين الكرد في حزب العمال.
تعمقت بشكل واضح طوحات وحدات الشعب الكردي في المعارك الجارية الان بمنطقة اعزاز وسعي الاكراد السوريين للسيطرة عليها واحكام قبضتهم عليها مستغلين طبيعة الاحداث الجارية في هذه المنطقة والنزاعات العسكرية بين جميع الفصائل القتالية مما ادى الى قيام الجيش التركي وقطعاته العسكرية الضاربة بتوجيه مدافعهم وقاذفاتهم وصواريخهم لمنع الاكراد من التقدم في مدينة اعزاز والمناطق المحيطة بها وهذا ما تسبب في تصعيد الموقف المتوتر بين حكومة انقرة ودمشق وارتفاع حدة اللهجة الدبلوماسية بين روسيا وتركيا.
امام هذه التحديات الكبيرة والمخاطر الجسيمة ووقوع العديد من الضحايا المدنيين واتساع الهروب من المواجهات العسكرية باتجاه الحدود السورية-التركية ،يأتي حادث التفجير الارهابي الذي وقع مساء يوم الاربعاء 17 شباط 2016 في وسط العاصمة التركية انقرة وضمن المربع الامني بالقرب من بناية هيئة الاركان العسكرية وبعض الدوائر الامنية المهمة بسيارة مفخخة اعترضت احدى الناقلات العسكرية التي تنقل عدد من الجنود الاتراك اثناء وقوفها عند الاشارات الضوئية أدت الى مقتل (20)جنديا تركيا و(8) اشخاص مدنيين وجرح واصابة (61) اخرين ،واتهمت الحكومة التركية وأجهزتها الامنية وحدات حماية الشعب الكردي وحزب العمال التركي بقيامهم بهذا العمل الارهابي ،وتعزز هذا الرأي بعد ان كشفت الاجهزة التركية المختصة ان الفاعل هو شاب سوري كردي اسمه(صالح نجار) مواليد 1992 في منطقة عامودا شمال سوريا ومرتبط بتنظيمات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني .
ادى هذا الانفجار الى تصعيد حالة الرد التركي الذي اتسم بتكثيف القصف على منطقة اعزاز شمال حلب حيث مواقع الاكراد السوريين من وحدات الشعب الكردي وتنظيماتهم العاملين ضمن حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني، ومعاودة القصف الجوي والمدفعي على جبل قنديل داخل الاراضي العراقية الواقعة ضمن اقليم كردستان العراق حيث تواجد مقاتلي حزب العمال التركي.
وبغية اعطاء المبررات لهذا الرد التركي الواسع تأتي المعلومات التي أعلن عنها جهاز المخابرات التركي عن استهداف عناصر وحدات الشعب الكردي للمطارات في مدن (أنطاليا وايدن وأزمير وانقرة واسطنبول وبورصا وموغلا) التركية.
فهل تجح الحكومة التركية في سعيها لإعادة مقترحها بإيجاد منطقة أمنة بعمق10 كم داخل الاراضي السورية بعدما اقنعت الحكومة الالمانية بمقترحها وهي تعلم برفض التحالف الدولي اقامة هذه المنطقة والذي أكد هذا الموقف الكولونيل ستيف وارن المتحدث الرسمي لقيادة التحالف حيث بين ان اقامة هذه المنطقة مكلفة من حيث الافراد والعتاد ، أم سنشهد تصاعدا في الاحداث والمواجهات قد تشارك فيه قوات دولية واقليمية وعربية؟

وحدة الدراسات الاقليمية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية