Modern Battlefield: تأثيرات التكنولوجيا على تحولات القوة العسكرية

Modern Battlefield: تأثيرات التكنولوجيا على تحولات القوة العسكرية

2302larg

تؤدي التطورات الكبيرة في مجال صناعة الإنسان الآلي “الروبوتات”، والذكاء الاصطناعي، والطابعة ثلاثية الأبعاد، والطاقة النانوية.. وغيرها، إلى زيادة هائلة في القدرات العسكرية المتاحة للكيانات الصغيرة، حيث تمدها بقدرات اعتادت أن تكون حِكراً على القوى الكبرى، كما قد تتمكن الأسلحة الصغيرة والذكية والرخيصة التي يتم تطويرها، من إحداث تغييرات جذرية في طبيعة المعارك وطرق القتال.

ما سبق يمثل الفكرة الأساسية التي طرحتها دراسة صادرة عن معهد “كاتو” الأمريكي تحت عنوان: “التقاء التقنيات التكنولوجية وانتشار القوة.. تطور الأسلحة الرخيصة والذكية والصغيرة”، وهي الدراسة التي أعدها “تي إكس هاميس” T. X. Hammes، باحث في جامعة الدفاع الوطني الأمريكية، واستعرض خلالها تأثير التقنيات التكنولوجية الحديثة على الصراعات والمعارك، والتداعيات الاستراتيجية لذلك على الولايات المتحدة.

أبرز التطورات التكنولوجية

يعيش العالم حالياً في عصر التكنولوجيات المتطورة بسرعة، والتي إذا اجتمعت قد تُحدث تغييراً جذرياً في أساليب القتال والحروب. ويتطرق الكاتب، في هذا الجزء من الدراسة، إلى عدد من هذه الأدوات التكنولوجية الجديدة التي تغير مسار حياتنا، وبما في ذلك الحروب، وهي كالتالي:

1- الطابعة ثلاثية الأبعاد Additive Manufacturing (التصنيع الجمعي أو التصنيع بالإضافة):

في السنوات القليلة الماضية، تطورت “عملية التصنيع بالإضافة”، والمعروفة أيضاً باسم “الطابعة ثلاثية الأبعاد” 3D printing من مجرد هواية إلى صناعة تقدم مجموعة متنوعة من المنتجات، حتى أصبح من الصعب حصر أو تحديد قائمة المواد التي يمكن إنتاجها، ولكن آخر قائمة مستحدثة تضمنت معادن، مثل: الفولاذ المقاوم للصدأ والبرونز والذهب، والسيراميك، والمواد الغذائية.

وهكذا تطورت الطابعة ثلاثية الأبعاد، وأصبحت قادرة على إنتاج كميات كبيرة من المنتجات وبسرعة هائلة وبجودة عالية. وبالتالي ربما خلال عقدين قادمين من الزمن، ستصبح الطابعة ثلاثية الأبعاد قادرة على الانقضاض على مجموعة واسعة من الصناعات التقليدية.

2- النانو تكنولوجي  :Nanotechnology

يعتبر النانو تكنولوجي من التقنيات التي شهدت تقدماً سريعاً خاصةً في مجالين يرتبطان بالأمن القومي، الأول: هو علم طاقة النانو nanoenergetics، ففي عام 2002 أطلقت متفجرات النانو قوة تبلغ ضعف قوة المتفجرات التقليدية. والمجال الثاني يتمثل في المواد النانوية nanomaterials، وعلى الرغم من أن هذا المجال لم يحرز تقدماً مُماثلاً للتطور الذي حدث في علم طاقة النانو، فإن احتمالات تطوير الأنابيب النانوية الكربونية قد تمثل تقدماً كبيراً في هذا المجال، حيث سيكون لها انعكاس كبير في زيادة نطاق المركبات التي تعمل بالطاقة الكهربائية، كما أن العديد من الشركات تستخدم المواد النانوية في البطاريات لزيادة سعة التخزين، وزيادة عمر البطارية بمقدار أربعة أضعاف.

3- القدرات الفضائية وشبه الفضائية Space and Space-Like Capabilities:

يرى الكاتب أن إتاحة المراقبة والاستطلاع بشكل مستمر في الفضاء، من شأنه أن يعمل على توفير المعلومات اللازمة لتوظيف هذه التقنيات الجديدة. وفي هذا الإطار، فإن العديد من الشركات بصدد نشر أقمار صناعية مكعبة cube satellites. وعلى سبيل المثال، تهدف شركة “جوجل سكاي بوكس للتصوير بالأقمار الصناعية” Skybox Imaging إلى تسويق الخدمة التي تقدم صوراً بدقة عالية. وهناك شركات أخرى تعمل على تطوير أنظمة تعمل في الغلاف الجوي للأرض، والتي يمكن من خلالها مضاعفة خدمات الاتصالات ووظائف المراقبة التي توفرها الأقمار الصناعية، مثل مشروع جوجل لوون Google’s Project Loon الذي يسعى إلى توفير خدمات الإنترنت لنصف الكرة الجنوبي عن طريق نشر مجموعة من البالونات، وتوفير تغطية في المناطق التي لا تصل إليها أبراج الهواتف المحمولة.

4- الذكاء الاصطناعي Artificial Intelligence:

يوجد مجالان من مجالات الذكاء الاصطناعي يتميزان بأهميتهما خاصةً في مجال تطوير الأسلحة الصغيرة والذكية والرخيصة، وهما: navigation، وتحديد المواقع والأهداف. وقد أثبت النظام العالمي لتحديد المواقع (GPS) نتائج مرضية لتطبيقات الطائرات من دون طيار، مثل نقل حمولات سلاح البحرية الأمريكية بطائرات K-MAX إلى أفغانستان. كما أصبح بالإمكان تكييف التطبيقات أو البرامج الحاسوبية التجارية للاستخدام العسكري، خاصةً فيما يتعلق بالتحرك والتنقل في المناطق الزراعية، وتفتيش المباني في المناطق الحضرية.

5- طائرات من دون طيار Drones:

شهدت السنوات الخمس الماضية تطوراً كبيراً في قدرات الطائرات من دون طيار التجارية، وانتشر استخدامها على نطاق واسع. ومع ذلك، لا يمكن للطائرات من دون طيار الصغيرة أن تحمل سوى حمولات محدودة، وهذا القيد يمكن التغلب عليه عبر وسيلتين، الأولى: استخدام المتفجرات الخارقة للدروع EFPs، والثانية: ما يُسمى “النيل من المفجر” bringing the detonator.

وكان العائق الرئيسي لإنتاج المتفجرات الخارقة للدروع في العراق، على سبيل المثال، هو الحاجة إلى لوحات نحاس عالية الجودة والتي تشكل القذيفة عندما يتم تفجير الشحنة، ولكن في السنوات القليلة الماضية تطورت الطابعة ثلاثية الأبعاد لدرجة أنها يمكن أن تستخدم لطباعة النحاس. وبالتالي يمكن توقع إنتاج طائرات من دون طيار صغيرة ومتوسطة الحجم تحمل متفجرات خارقة للدروع خلال السنوات القادمة. أما النهج الثاني الذي يستهدف النيل من المفجر، فينطبق على الطائرات والسيارات والمرافق الكيميائية ومستودعات الذخائر، والهدف منه تفجير المواد المتفجرة التي يحملها أو ينقلها الهدف.

آثار استخدام التكنولوجيا على الصراعات والمعارك الحديثة

تشير الدراسة إلى أن التطورات التكنولوجيا المذكورة أعلاه لها تداعيات على الصراعات والحروب وساحة المعارك الحديثة Modern Battlefield، وذلك كالتالي:

1- المجال البحري Sea Domain:

يعتبر استخدام الطائرات من دون طيار ذات التحكم الذاتي مصدراً لتهديد القوات البحرية. ومثال ذلك، تفجير طائرة من دون طيار لطائرة أخرى على متن حاملة طائرات، علاوة على الأسلحة التي تعمل تحت سطح البحر، مثل الغواصات الحربية، والتي يعتبر تطويرها مكلفاً ومعقداً. وقد أطلقت البحرية الأمريكية طائرة من دون طيار تحت الماء، وتخطط من أجل أن تعمل خلال خمس سنوات من دون وقود.

ويمكن شراء طائرات من دون طيار بحوالي 100 ألف دولار، وتسعى الشركات التجارية للحد من التكاليف بنسبة 90%، وإذا تم وضعها في إطار أنظمة التسليح، فإنها يمكن أن تغير طبيعة المعارك البحرية بشكل كبير؛ فهجومياً يمكن أن تصبح طوربيدات ذاتية الانتشار أو ألغام عابرة للمحيطات، ودفاعياً يمكن استخدامها لإنشاء حقول ألغام ذكية في نقاط الاختناق البحرية (المضائق أو القنوات المائية). كما يمكن أن تؤثر أيضاً على التجارة العالمية إذا تم استخدامها لإلحاق الضرر بالسفن، حيث سيتسبب ذلك في ارتفاع أسعار التأمين البحري.

2- الحرب الجوية Air Warfare:

سوف تتمثل المشكلة الرئيسية في حماية الطائرات على الأرض، حيث يمكن للخصوم إرسال مئات أو آلاف من الطائرات الصغيرة من دون طيار وراء كل طائرة لضربها وهي تقف في محطتها. كما تجدر الإشارة إلى صعوبة حماية طائرات الدعم على الأرض، مثل: ناقلات النفط، وطائرات التحكم والإنذار المبكر المحمولة جواً (AWACs).

ومن ناحية أخرى، فإن صواريخ كروزcruise missiles ستصبح أكثر تطوراً وأقل تكلفة. وبالتالي فإن استخدام مزيج من الطائرات من دون طيار رخيصة التكلفة، وصواريخ كروز المتطورة قد يتيح للدول الصغيرة والمتوسطة دعم “عمليات الحد من دخول أراض محددة” والمعروفة اختصاراً باسم A2/AD، فضلاً عن إمكانية امتلاك قدرات لتوجيه ضربات بعيدة المدى.

3- حرب الفضاء Space Warfare:

إن ظهور الأقمار الصناعية الصغرى والمكعبة، مقرونة بمنصات إطلاق تجارية، سيسمح للقوى المتوسطة بتطوير برامج فضائية فعالة للمراقبة، والاتصالات، والتنقل، والهجوم. وتعتبر أقمار المراقبة والتنقل بالفعل في متناول معظم القوى الصغيرة أو المتوسطة، وبإمكانها شراء الخدمات من شركات تجارية إذا كانت غير قادرة أو غير راغبة في تطويرها بأنفسها.

4- الحروب السيبرانية Cyber Warfare:

تشير الدراسة إلى أن جميع الشبكات في الفضاء السيبراني عُرضة للخطر. فعلى سبيل المثال، قد تتعرض الأقمار الصناعية لهجمات من قِبل الطائرات الذكية من دون طيار، حيث تقوم بمهاجمتها من مسافة بعيدة.

التداعيات الاستراتيجية على الولايات المتحدة

توجد أربعة عوامل لها تأثير استراتيجي مباشر على الولايات المتحدة، جراء هذه التطورات التكنولوجية، وهي كالتالي:

1- فقدان حصانة الهجوم:

سوف ينتهي احتكار الولايات المتحدة للقدرات المرتبطة بتوجيه ضربات دقيقة وبعيدة المدى، حيث ستتمكن العديد من الدول، بل وحتى الجماعات الإرهابية، من الحصول على قدرات عسكرية عابرة للقارات. فالطائرات من دون طيار بعيدة المدى والغواصات توفر القدرة على ضرب الموانئ الجوية والبحرية، وبالتالي لن يعد بمقدور واشنطن استخدام القوة العسكرية في الخارج مع تمتعها بإمكانية الإفلات من العقاب، أي أنها ستفقد حصانة الهجوم التي تتمتع بها حالياً.

2- هيمنة الدفاع:

من المرجح أن يتسبب تطور القدرات التكنولوجية في التحول إلى ما أسمته الدراسة “هيمنة التكتيكات الدفاعية”، الأمر الذي قد يخلق وضعاً مشابهاً للوضع الذي كان قائماً بين عامي 1863 و1917، حيث يصبح أي شخص مستهدفاً ويتعرض للقتل بسهولة. وفي هذا الإطار، فإن أسراب الطائرات من دون طيار قد تجعل الدفاع الشكل السائد للحرب، سواءً في المجال البري أو الجوي أو البحري أو الفضائي.

3- عودة التكتلات:

راهنت القوات الأمريكية منذ الثمانينيات على عامل الدقة لهزيمة التكتلات أو الأعداد الكبيرة، وساعد هذا النهج قوات التحالف الصغيرة عددياً في هزيمة الجيش العراقي الذي كان أكبر منها مرتين من حيث حجم القوات. ومع ذلك فإن مزج العمل بالتقنيات التكنولوجية الحديثة يشير إلى إحياء فكرة التكتل العددي من جديد، فمثلاً الطابعة ثلاثية الأبعاد قد تجعل أعداداً كبيرة من الطائرات من دون طيار متاحة للعديد من الدول والجهات. ولذلك تعكف وزارة الدفاع الأمريكية على اختبار مختلف أسلحة الطاقة الموجهة، ووسائل التشويش، للتعامل مع الزيادة الهائلة في الأهداف المحتملة.

4- عودة التعبئة العامة:

بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، تخلّت الولايات المتحدة عن مفهوم التعبئة العامة، وكان الدافع الأساسي افتقار صناعة الدفاع الأمريكية إلى القدرة على التجهيز السريع والتعبئة. وقد كانت التعبئة في الحرب العالمية الثانية ممكنة، لأنه كان من السهل تحول الصناعات المدنية إلى الإنتاج العسكري. وبحلول عام 1990، ومع تعقد أنظمة التسليح العسكري الحديثة، أصبح هذا التحول السريع صعباً إن لم يكن مستحيلاً. لكن مع قيام الطابعة ثلاثية الأبعاد بدور أكبر في الصناعة، فإن إمكانية ظهور التعبئة الصناعية ستعود مرة أخرى، الأمر الذي يتطلب قدراً كبيراً من التخطيط في أوقات السلم.

ختاماً، توضح الدراسة أن الولايات المتحدة لديها مجموعة واسعة من الخيارات الاستراتيجية الكبرى، بدايةً من ضبط النفس إلى سياسة التدخل العدوانية، مؤكدةً أن المزج بين التقنيات التكنولوجية الحديثة، وانتشار القوة الناتج عن ذلك، يدفع إلى دراسة مختلف السياسات والاستراتيجيات بشكل متأنٍ. ولعل القضية الرئيسية ستكون حول إعادة النظر في قدرة واشنطن على استخدام القوة العسكرية للتأثير في الأحداث الدولية، وسيصبح التساؤل الرئيسي هو: “هل العائد الاستراتيجي لأي تدخل أمريكي خارجي يستحق التكلفة المتمثلة في إمكانية قيام العدو برد الهجوم داخل وخارج مسرح المعركة؟”

T. X. Hammes

باحث في جامعة الدفاع الوطني الأمريكية

* عرض مُوجز لدراسة بعنوان: “التقاء التقنيات التكنولوجية وانتشار القوة.. تطور الأسلحة الرخيصة والذكية والصغيرة”، والصادرة عن معهد “كاتو” الأمريكي في يناير 2016.

المصدر:

By T. X. Hammes, Technologies Converge and Power Diffuses ..The Evolution of Small, Smart, and Cheap Weapons (Washington: Cato institute, January 2016).

عداد/ د. إسراء أحمد إسماعيل

نقلا عن مركز المستقبل للابحاث والدراسات المتقدمة