كيري لا يستثني فكرة المنطقة الآمنة ولا يدعمها

كيري لا يستثني فكرة المنطقة الآمنة ولا يدعمها

KerryPressIranP5plus1Nuclear-639x405

هيمن الوضع في سوريا على الشهادة التي أدلى بها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في الكونغرس حول ميزانية وزارته، في الجلسة التي انعقدت في الأسبوع الأخير من شباط/فبراير. وقد رفض كيري صراحة أن “يضمن” التزام الروس وغيرهم باتفاق وقف إطلاق النار الذي كان قد تفاوض حوله في ميونيخ في 13 شباط/فبراير وبدأ يُطبَّق في موعده الجديد في 27 شباط/فبراير، بعد أن تم تأجيله بأسبوع واحد. إلا أن كيري تعرض لضغوط كبيرة – لا سيما في “لجنة العلاقات الخارجية” في مجلس الشيوخ الأمريكي واللجنة الفرعية لـ “الشؤون الخارجية والعمليات الخارجية والبرامج ذات الصلة” التابعة لـ “لجنة تخصيص الاعتمادات” في مجلس الشيوخ – لكي يشرح ما الذي يمكن أن يحدث إذا لم يلتزم الرئيس السوري بشار الأسد وأنصاره الروس والإيرانيين و «حزب الله» بالجزء الذي يخصهم من الاتفاق. وقد تحدث كيري مراراً عن “الخطة (ب)”، التي أكد أنه تُجرى حولها “مناقشات مستفيضة” داخل الإدارة الأمريكية. وعندما واجه بعض التحديات أثناء إدلائه بشهادته، قال إنه سيكون من الخطأ الإفتراض أن الرئيس أوباما سوف يسمح لهذه الأطراف بـ “الإفلات من العقاب” إذا ما انتهكت التزاماتها مرة أخرى. لكنه لم يقدم أي تفاصيل حول ما تستلزمه “الخطة (ب)”، بل حتى لم يُشر إلى ما إذا كانت ذات طابع عسكري أم لا.

وعندما اشتد التركيز على احتمال قيام منطقة حظر جوي أو منطقة آمنة كإحدى مكونات “الخطة (ب)”، قال كيري أنه لكي تكون دائرة ما “منطقة آمنة” لا بد لها من أن تكون “آمنة”، مؤكداً أن ذلك قد يتطلب إزاحة نظام الأسد ويُفترض أيضاً إزالة الدفاعات الجوية الروسية، والقيام بدوريات في المنطقة إلى جانب دورية جوية قتالية، ونشر بعض القوات البرية لطرد تنظيم «الدولة الإسلامية» ومن ثم الدفاع عن المنطقة. وبعد ذلك، قال، إن وزارة الدفاع الأمريكية تعتقد أن ذلك سيتطلب نشر “ما يصل إلى” 15,000  أو 30,000 جندي. وأنهى النقاش بطرحه سؤالاً تحقيقياً عما إذا كان الكونغرس مستعداً لمنح الإذن لمثل هذا الوجود الأمريكي.

تقييم تقديرات الإدارة الأمريكية للقوات اللازمة، إدعاءات روسيا

يدل سياق الحديث عن وجود مشكلة في تقييم حجج الإدارة الأمريكية حول أي شيء يتعلق بالقوة العسكرية. وسواء كان ذلك موقفاً أكثر صرامة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» ( “المأزق” الذي يشكله، وقوع آلاف الضحايا في صفوف الجيش الأمريكي، عشر سنوات من الحرب ضد التنظيم)، أو مناطق آمنة (نشر15,000  أو30,000  جندي، قيام مواجهة مع الطائرات الروسية)، أو تسليح المعارضة المناهضة للأسد (المزارعين، وأطباء الأسنان، والناس الذين لم يسبق لهم أن حاربوا)، فإن الرئيس الأمريكي وكبار مستشاريه يشوّهون أي فكرة محددة، ويستشهدون بـ “نتائج بحث البنتاغون” التي غالباً ما تكون مجهولة الهوية، أو تقييمات كبار الجنرالات، دون تقديم تفاصيل داعمة. كما لا تسلط الإدارة الأمريكية أي ضوء على القيود السياسية (المفرطة أو غير الضرورية المحتملة) والحالات الطارئة التي كُلف الجيش بالنظر فيها في إجراء تقييماته. وفي مثل هذه الحالة، الضارة للنقاش السياسي، فإن مسار العمل الوحيد هو أخذ الإدارة بكلامها وتحليل صحة بياناتها على الوجه الأحسن الذي يمكن للمرء الإضطلاع به.

وفيما يتعلق بالمنطقة الآمنة أو منطقة الحظر الجوي، فإن البداية الجيدة هي مع الرقم الجديد الذي “يصل إلى” 15,000  أو 30,000 جندي. والمشكلة الأولى، على افتراض أن كيري كان  محقاً حول أرقام وزارة الدفاع الأمريكية، هي: على أي أساس عمل البنتاغون على صياغتها؟ على سبيل المثال، إذا كانت عمليات القوات الأمريكية المكلفة يحماية مثل هذه المنطقة مقيّدة باتباع نفس قواعد الاشتباك المحدودة التي تخضع لها الحملة الحالية ضد تنظيم «الدولة الإسلامية»، فعندئذ ستكون هناك حاجة إلى قوة برية أكبر بكثير لضمان حماية القوات. ولكن حتى في هذه الحالة، هناك فرق كبير بين “ما يصل إلى” 15,000 جندي وما مجموعه 30,000  جندي، ذلك، أن التوصية الفعلية قد لا تقل عن 10,000  جندي في بعض الحالات الطارئة. ومن ثم ما هي تلك الحالات الطارئة؟

بالإضافة إلى ذلك، ووفقاً لبعض التقارير هناك عناصر يزيد عددها عن 15,000 فرد من القوات المقاتلة تخضع لقيادة تنظيم «الدولة الإسلامية»، وهي منتشرة على مساحة تقدر بآلاف الأميال المربعة في سوريا والعراق. ويواجه  التنظيم مئات الآلاف من مقاتلي الحكومة المركزية العراقية، وقوات البيشمركة التابعة لـ «حكومة إقليم كردستان»، وأكراد «حزب الاتحاد الديمقراطي» السوري، والعرب السنة من «القوى الديمقراطية السورية»، وقوات الحكومة المركزية برئاسة الأسد. وبالتالي فمن الصعب أن نرى لماذا هناك حاجة إلى نشر قوة قوامها حوالي ثلث (30,000 جندي) عدد قوات البيشمركة البالغ 100,000  محارب – والتي تسيطر على رقعة من الأرض تمتد على مسافة 1,000 كيلومتر – ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» في شمال العراق على امتداد 90 كيلومتراً بين الجيب الكردي في عفرين ونهر الفرات.

والموضوع الأكثر أهمية يتمثل بالسؤال التالي: هل كان البنتاغون يتحدث عن القوات الأمريكية – وهو الانطباع الذي قدمه كيري من خلال سؤاله العابث إلى اللجنة – أم قوات من أي مصدر كان أم من جميع المصادر؟ وفي الواقع، لماذا يجب أن تكون هذه القوة أمريكية في الغالب؟ يقيناً، هناك حاجة لقوات أمريكية أو قوات برية أخرى مدربة بنفس القدر، تتمتع بالخبرة، ومجهزة، وتكون مستعدة لأي هجوم خطير ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» في أماكن تمركز الجماعة مثل الموصل، أو الرقة، أو الفلوجة. ولكن هناك فرق كبير بين الاستيلاء على أراضي يسيطر عليها التنظيم بقوة وبين الدفاع عن أراضي ما في منطقة معينة. وعلى وجه الخصوص، فمع الدعم الجوي الأمريكي، فإن القوات المحلية التي هي أقل قدرة إلى حد كبير من القوات الأمريكية قد سيطرت عموماً على أراضي في حربها ضد تنظيم «الدولة الإسلامية». لماذا لا يمكن للقوة البرية التي ستتمركز في أراضي المنطقة الآمنة – للحفاظ على معيار “ما يصل إلى”15,000 جندي – أن تشمل عدة آلاف من القوات الأمريكية، ووحدة متساوية أو ربما أكبر عدداً من القوات التركية – فالأتراك يطالبون قيام مثل هذه المنطقة منذ سنوات – فضلاً عن استنفار الجنود من القوات السنية المحلية التي تسلحها الولايات المتحدة، من بينهم السوريين الأكراد من «حزب الاتحاد الديمقراطي» الذين هم حلفاء «القوى الديمقراطية السورية»؟ وقد تساهم بعض القوات الأخرى من “حلف شمال الأطلسي” في هذه المهمة نظراً للتقبل المتزايد لتواجد مثل هذه المنطقة من قبل الزعماء الاوروبيين مثل المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. وعلى نطاق أوسع حول هذا الموضوع، إن إصرار كيري بأنه ليست هناك أي دولة عرضت مشاركة قواتها هو تصريح لا قيمة له. فكما رأينا مراراً وتكراراً في الحملة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» وعدة منظمات أخرى يعود تاريخها إلى الحرب الكورية، لا تبدأ أي دولة بالعمل التطوعي إلا عندما تصعّد الولايات المتحدة [من نشاطها وتنخرط في العمليات].

وعلى افتراض أن باستطاعة الولايات المتحدة حشد مثل هذه القوة البرية، فيجب الرد على الحجة التي عرضها كيري حول التعامل مع الروس. أولاً، إذا كان عمق هذه المنطقة التي تمتد على ما يزيد عن 90 كيلومتر هو 40 كيلومتراً أو أقل من الحدود التركية، فإن “الدعم النيراني” داخل المنطقة [العازلة] فضلاً عن منطقة الدفاع الجوي فوق أجوائها يمكن أن يُنفذ أولاً من قبل المدفعية البعيدة المدى ووحدات صواريخ أرض – جو الموجودة في تركيا، بدلاً من تحليق الطائرات فوق المجال الجوي السوري. ولكن حتى لو كُلفت الطائرات الأمريكية بحراسة المنطقة أو بمهمات الدعم الجوي القريب، فما الذي يجعل الحكومة الأمريكية تعتقد بأنه سيتم اعتراض هذه الطائرات من قبل طائرات روسية أو وحدات صواريخ أرض – جو؟ إن الوحدات الأمريكية ووحدات قوات التحالف تقوم يومياً بقصف أهداف سورية على المدى الذي يتواجد فيه الروس دون وقوع حوادث. ومن المستبعد جداً أن يطلب بوتين من قواته أن تطلق النار على طائرة أمريكية لا تهاجم وحداته أو طائراته.

ومن المهم أن نتذكر هنا أن بوتين لم يرسل سوى ما يزيد قليلاً عن ثلاثين طائرة، فضلاً عن بعض بطاريات صواريخ أرض – جو، في منطقة واقعة تحت سيطرة الولايات المتحدة وحلفائها، مع ما تملكه هذه الدول من طائرات يزيد عددها عن ألف طائرة. وبالمثل، إن قيام بوتين بنشر قواته وطائراته تجعله قريباً من مناطق تواجد بطاريات صواريخ أرض – جو التابعة لمنظمة “حلف شمال الأطلسي” أو الولايات المتحدة، أو إسرائيل أو داخل نطاقها، من الشرق (الأردن)، والشمال (تركيا)، والجنوب (إسرائيل). وفي الوقت نفسه، وإلى الغرب، فإن السفن الأمريكية ذات القدرة العالية من طراز “ايجيس” المجهزة بصواريخ مضادة للطائرات تتواجد باستمرار قبالة سواحل إسرائيل، في حين أن رادار المصفوفة الممرحلة/الطورية الأمريكي المتقدم في إسرائيل يعزز إلى حد كبير من قابلية الولايات المتحدة على استمكان الهدف والتحكم بإطلاق النار. ويعلم بوتين كل ذلك ولكن من الواضح – وبشكل صحيح – أنه لم يولي اهتماماً لإحتمال تشكيل ذلك تحدياً عسكرياً من قبل واشنطن. والسؤال الذي يعقب ذلك هو لماذا تشعر واشنطن بالقلق، وهي التي تملك قدرات عسكرية محلية وعالمية، أكبر بكثير مما يملكه الروس؟

التصدي للشكوك الإقليمية

ومجدداً، إذا توجد اعتبارات عسكرية مشروعة تُجادل ضد مثل هذا التقييم، فإن الإدارة الأمريكية مدينة بجواب للشعب الأمريكي – وللحلفاء الإقليميين الأكثر قلقاً من أي وقت مضى. وفي غياب تقييم كهذا، سوف تنمو الشكوك، التي ازدادت حدة بالفعل خصوصاً في المنطقة، بأن لدى الإدارة الأمريكية أساس منطقي آخر في الواقع. وتركز بعض تلك الشكوك على خطة أمريكية محتملة تم تعزيزها من قبل «خطة العمل المشتركة الشاملة» المتعلقة بالاتفاق النووي الإيراني، تتمثل بـ “تغيير” مكانة طهران وجعلها قوة يفرضها الوضع الراهن وشريكة إقليمية غير رسمية محتملة.

وهناك شك آخر، مُغذّى بشكل خاص من تصريحات كيري، وهو أن الإدارة الأمريكية لا تزال تعتقد أن التدخل الروسي والإيراني في سوريا يشكل مأزق حقيقي. وفي شهادته أمام الكونغرس عاد كيري مراراً إلى الحجة بـ “أنهم لا يستطيعون الانتصار على المعارضة السورية”، الأمر الذي يشير إلى أن هذه هي “الخطة (ب)” الحقيقية التي أعلن عنها- ربما مع تسليم شحنات أسلحة أمريكية بكمية أكبر قليلاً. وإذا عمل بوتين وأصدقائه الإيرانيين والسوريين على محاربة المتمردين كما تحارب الولايات المتحدة في العمليات التي تشنها لمكافحة التمرد، قد يكون كيري على حق. ولكن إذا حاربوا على غرار حرب روسيا في الشيشان ونظام الأسد في سوريا – أي القيام بقصف مكثف، واتباع أساليب الأرض المحروقة، والتطهير العرقي الشامل – فقد ينتصروا أيضاً.

 جيمس جيفري

معهد واشنطن