إماطة اللثام‮ .. ‬آمال عريضة وفرص ضائعة في العراق

إماطة اللثام‮ .. ‬آمال عريضة وفرص ضائعة في العراق

2016-635928683091528032-152

شكل الغزو الأمريكي للعراق في‮ ‬2003‮ ‬مدخلا لفوضى مجتمعية حادة لا تزل آثارها ماثلة حتى الوقت الراهن،‮ ‬وهذا هو موضوع كتاب إيما سكاي الذي تعالج فيه تطورات الأوضاع في المجتمع العراقي بعد الغزو، بالإضافة إلي تحليل مسار الحرب الأمريكية في العراق للإجابة علي تساؤل جوهري مفاده‮: ‬كيف ولماذا فشلت الحرب الأمريكية علي العراق؟‮.‬

الفوضى ومحاولة فرض السيطرة‮:‬

تشير المؤلفة إلي أن القوات الأمريكية العاملة في العراق ارتكبت العديد من الجرائم الوحشية للسيطرة علي الفوضى،‮ ‬إثر سقوط نظام صدام حسين، مما أسهم في تحريض السنة ضد الشيعة، والجميع ضد الجنود الأمريكيين‮. ‬ويرصد الكتاب العديد من مظاهر الفوضى التي عمت العراق بعد الغزو الأمريكي،‮ ‬منها مشهد طفو الجثث العراقية في نهر دجلة، واستخدام الحيوانات الميتة لإخفاء القنابل علي جوانب الطريق، كما كان يتم تفخيخ جثث القتلي العراقيين لتفجير أقاربهم عندما يقتربون من جثثهم، فضلا عن تحول الأطفال من ذوي الإعاقات الذهنية إلي انتحاريين، وكانت المآتم في كثير من الأحيان هدفا للهجمات‮. ‬وأشارت إلي أن العراق بعد الغزو الأمريكي كان في خضم حرب أهلية، وهو ما لم يعترف المشاركون به، لأن الولايات المتحدة لم تكن تريد أن تسمع ذلك‮.‬

وهي تصف تلك الأوضاع العراقية في كتابها بأنها أعظم كارثة استراتيجية تواجهها الولايات المتحدة منذ تأسيسها‮. ‬وخلال مؤلفها،‮ ‬أشارت إلي المحاولات الأمريكية لمكافحة التدهور الأمني في العراق من خلال تطبيق خطة الجنرال ديفيد بتريوس لمكافحة التمرد، حيث تقوم الخطة علي مبدأ السيطرة علي الأرض من خلال وضع وحدات قتالية صغيرة،‮ ‬والبقاء داخل المدن لعزل الجهاديين عن البيئة الآمنة، فضلا عن تحقيق الأمن والحماية للمدنيين، وإقناع بعض القبائل السنية في محافظة الأنبار‮ -‬الأكثر دموية‮- ‬بالتحول عن دعم تنظيم القاعدة‮.‬ وكان الهدف النهائي هو دمج عشرات الآلاف من المقاتلين السنة في وحدات الجيش والشرطة لتحقيق‮ “‬المصالحة‮”‬، وهي الخطوة التي أيدها بعض مستشاري رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي،‮ ‬في حين عارضها آخرون استجابة للتودد الإيراني، حيث رأوا أن دمج السنة هو قناع لعودة البعث إلي السلطة من جديد‮.‬

جهل المسئولين الأمريكيين بالمجتمع العراقي‮:‬

تفسر‮ “‬إيما‮” ‬تعقد الوضع في العراق بعدم اكتراث المسئولين الأمريكيين بطبيعة المجتمع العراقي،‮ ‬وعدم اهتمامهم بفهمه، وخصت بالذكر نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن،‮ ‬الذي لم يبد أي اهتمام بتعقيدات العراق السياسية علي حد قولها، والذي كان يري أن الصراع في العراق يشبه النزاعات بين بريطانيا وأيرلندا،‮ ‬أو الوضع في البلقان،‮ ‬حيث الجميع يكرهون بعضهم بعضا‮. ‬بينما أوضحت المؤلفة محاولاتها المستمرة لتوضيح التركيبة العراقية للمسئولين الأمريكيين،‮ ‬مع تأكيد وجود علمانيين وإسلاميين ومعتدلين يرغبون في تجاوز هذه المرحلة الطائفية، ومن ثم يمكن الاعتماد عليهم في بناء السلام المجتمعي‮. ‬كما أوضحت أن سياسات بول بريمر‮ -‬حاكم سلطة الائتلاف المؤقتة في العراق‮- ‬دلت علي جهل بجوهر التمرد، علاوة علي أن سياسة اجتثاث البعث التي اتبعتها السلطة لمنع الموالين لنظام صدام حسين من المناصب العليا أعاقت قدرتها علي الحد من العداء بين الطوائف المتنازعة والجماعات الإثنية في كركوك‮.‬

وفي سياق عرضها لجهل المسئولين الأمريكيين بالعراق،‮ ‬وطبيعة تكوينه الطائفي،‮ ‬تشير الكاتبة إلي تعيين السفير كريستوفر هيل خلفا لريان كروكر، وهو سفير‮ ‬غير كفء،‮ ‬علي حد قولها‮. ‬وعن هيل،‮ ‬تضيف أنه لم يكن يمتلك خبرة تذكر بالمنطقة،‮ ‬وكان ينظر لسكانها بازدراء، حيث تشكلت معظم خبراته في آسيا، وكان بعيدا تماما عن الشرق الأوسط‮. ‬وتضيف أن هيل أعرب في كثير من اجتماعاته مع موظفي السفارة عن كرهه للعراق والعراقيين، وأن دوره اقتصر علي إدارة البعثة الدبلوماسية بشكل روتيني‮. ‬وتحمله‮ “‬إيما‮” ‬مسئولية التفريط في المكاسب التي حققتها الولايات المتحدة في السنوات السابقة، وذلك حين قرر أن تدعم واشنطن نوري المالكي بكل ثقلها‮.‬
انتكاسة التحول الديمقراطي والاندماج الوطني‮:‬

تشير المؤلفة إلي أنه بمجرد تولي نوري المالكي منصب رئيس الوزراء،‮ ‬تخلي عن ميليشيات الصحوة التي حاربت عناصر القاعدة،‮ ‬وقام بالقبض علي عناصرها، واعتقل الآلاف من السنة بدون محاكمة، وقتل عشرات المحتجين سلميا، وعين الضباط الموالين له في الجيش بدلا من تعيين ضباط لديهم كفاءة لتحسين الأوضاع الأمنية في البلاد‮. ‬وكان من شأن هذه السياسات إثارة الفتنة الطائفية في المجتمع العراقي، فضلا عن سعي المالكي وراء تحقيق مصالحه الشخصية دون الاكتراث بمصالح البلاد، وتراجع قدرته علي حل مشكلات الدولة‮.‬

وتري‮ “‬إيما‮” ‬أن نوري المالكي استطاع أن يتلاعب بواشنطن للحصول علي ولاية ثانية لا يستحقها، علي الرغم من المخاوف التي أثيرت في واشنطن من صناعة ديكتاتور طائفي جديد‮. ‬وأرجعت المؤلفة دعم الولايات المتحدة لنوري المالكي من جديد لما شهدته السياسة الخارجية الأمريكية من تراجع واضطراب‮.‬

واستنكرت الكاتبة السياسات الأمريكية في العراق ومليارات الدولارات التي خسرتها الولايات المتحدة في حرب فاشلة، فضلا عن خسارة أرواح الكثير من أفراد الجيش الأمريكي،‮ ‬وإصابة بعضهم بحالة اكتئاب أدي لانتحار العديد منهم‮. ‬ولم تتوقف تداعيات السياسات الأمريكية الفاشلة في العراق علي الداخل الأمريكي‮ -‬وفقا للكاتبة‮- ‬بل كان لها أثر إقليمي، تمثل في تنامي قوة إيران، ومحاولاتها العديدة لكسب مزيد من النفوذ في العراق،‮ ‬وجعله خارج سيطرة الولايات المتحدة، مما أسهم بدوره في تغيير ميزان القوي في المنطقة لمصلحة إيران‮.‬

وتنهي كتابها بأن سياسة واشنطن في العراق لا تزال تعاني التخبط،‮ ‬حتى بعد انسحاب القوات الأمريكية من العراق، وهو ما يستدعي ضرورة إعادة تقييم هذه السياسة، والتعرف علي مكامن الإخفاق لتجاوزها‮.‬

عرض: أحمد محمود مصطفى

مجلة السياسة الدولية