الاقتصاد اليمني: تداعيات الحرب على الاختلالات البنيوية

الاقتصاد اليمني: تداعيات الحرب على الاختلالات البنيوية

اليمن
يعاني الاقتصاد اليمني من اختلالات هيكلية مزمنة إلا أن سيطرة الحوثيين على العاصمة اليمنية صنعاء، في 21 سبتمبر/أيلول 2014، ومن ثم الحرب الدائرة في العديد من المناطق اليمنية، زادت من صعوبة الوضع الاقتصادي والإنساني منذرة بحدوث أزمة إنسانية كبيرة في البلد. في التحليل المرفق تم التطرق إلى أهم الآثار الاقتصادية المباشرة للحرب على مستوى الاقتصاد الكلي والجزئي في ظل المعلومات المتوفرة.

في الجزء الثاني من التحليل، كان الحديث عن أهم تحديين يواجهان الاقتصاد اليمني في المرحلة الراهنة، وهما: عجز الموازنة الناتج عن توقف إيرادات النفط والمنح الخارجية بشكل كلي، وانخفاض الإيرادات الأخرى إلى مستويات قياسية نتيجة غياب مؤسسات الدولة واستنزافها من قِبل الميليشيات لتمويل الحرب، وبحث المصادر المتاحة للحكومة لتمويل هذا العجز في الوقت الراهن والآثار المترتبة على استخدامها.

التحدي الثاني يتمثَّل في انخفاض احتياطي البلد من العملة الأجنبية مما يُفقد البنك المركزي اليمني الأداة الرئيسية للحفاظ على قيمة العملة الوطنية أمام العملات الأجنبية، فتكون الآثار الاقتصادية والإنسانية سلبية.

وفي الجزء الأخير تطرَّق التحليل إلى الاتجاهات والسيناريوهات المتوقَّعة في حالة عدم حدوث أي تدخل خارجي لإنقاذ الاقتصاد.

مقدمة

لقد مثَّل الوضع الاقتصادي الهاجس الأساسي للحكومات المتعاقبة والمانحين، في دولة تُعد الأفقر في المنطقة محاطة بواحدة من أكثر المناطق ثراء في العالم، زاد الوضع الاقتصادي سوءًا مع سيطرة الحوثيين على العاصمة اليمنية صنعاء، في 21 سبتمبر/أيلول 2014، نتيجة لارتفاع معدلات البطالة وهبوط الأجور في القطاع العام والخاص، بالإضافة إلى انحدار القوة الشرائية بسبب ارتفاع أسعار السلع والخدمات الأساسية، مثل الأغذية والوقود، كنتيجة لارتفاع تكاليف الاستيراد وانخفاض الإمدادات وعدم انتظامها في بلد يعتمد على الاستيراد بنسبة 90% من متطلبات المواطنين الغذائية.

كما يشير أحدث إصدار للبنك الدولي إلى أن عدد الفقراء زاد في اليمن من 12 مليون قبل الحرب إلى أكثر من 20 مليونًا مع بداية عام 2016 (1). ويعيش حاليًا أكثر من 21 مليون يمني تحت خط الفقر، و80% من السكان بحاجة إلى مساعدات إنسانية بحسب الإحصاءات الأخيرة الصادرة عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية ((OCHA. أوضح تقرير البنك الدولي أن النشاط الاقتصادي في البلد تقلَّص بمقدار الربع وأدَّى الافتقار إلى المواد الأساسية إلى تفاقم معاناة الناس، كما تدهورت أوضاع الميزانية العامة وميزان المعاملات الخارجية ووصل الدَّيْن العام إلى 74% من إجمالي الناتج المحلي في عام 2015، وتضاعف معدل التضخم إذ بلغ 21% في العام 2015(2)، كما تقلَّصت احتياطيات النقد الأجنبي إلى مستوي قياسي.

شملت الآثار الاقتصادية للحرب جميع القطاعات الاقتصادية في البلد، فهناك قطاعات اقتصادية توقَّفت بشكل كُلي وأخرى تقلَّص نشاطها نتيجة لتحمل القطاع الخاص لأعباء إضافية تهدد استمرارية نشاطه؛ الأمر الذي أدَّى إلى فقدان مئات الآلاف لوظائفهم ومصادر دخلهم، إضافة إلى أن الاقتصاد اليمني يواجه حاليًا تحديات متمثلة في عجز موازنة الدولة الناتج عن الانخفاض الكبير في الإيرادات وتسخير بعض أطراف الصراع لموارد الدولة لأغراض عسكرية. إضافة إلى ذلك، فإن هذا العجز يأتي مقرونًا بانخفاض هائل في الاحتياطي النقدي للبلد من العملة الأجنبية وما يترتب عليه من مخاطر.

وتجدر الإشارة هنا إلى أنه بسبب غياب التقارير الرسمية والبيانات المالية الخاصة بالسنة المالية 2015، نتيجة للوضع الحالي وغياب أجهزة الدولة وامتناعها عن نشر البيانات، فقد تم الاعتماد على تحليل المعطيات المتوفرة.

الآثار المباشرة للحرب على الاقتصاد اليمني

بعد انقلاب جماعة الحوثي على الرئيس عبد ربه منصور هادي وتوقف إنتاج النفط وسحب السفارات والبعثات الدبلوماسية والمنظمات الدولية من اليمن واندلاع الصراع المسلح في أجزاء واسعة من البلد، دخل الاقتصاد اليمني في مرحلة جديدة من التدهور يرافقها المزيد من الصعوبات والتحديات، إلا أن غياب البيانات والمعلومات عن بعض الآثار السلبية للحرب جعل من الصعوبة قياسها، ومن الأمثلة على ذلك ظهور اقتصاد الحرب الذي ينمو ويعتمد على استمرار الحرب معزِّزًا من الجوانب السلبية التي يعاني منها الاقتصاد اليمني، ويمكن أن نسرد أهم الآثار المباشرة للحرب التي تمثَّلت في الآتي:
  1. توقُّف إيرادات النفط تمامًا وما ترتب عليه من فقدان أهم مورد لتمويل الموازنة العامة للدولة وكذا للعملة الأجنبية؛ حيث كان النفط يغطي أكثر من 70% من إجمالي إيرادات الموازنة العامة للدولة، ويُشكِّل أكثر من 85% من قيمة الصادرات. بناء على تقديرات الحكومة في موازنتها للعام 2015، فإن حصة الحكومة من إيرادات النفط 4.8 مليارات دولار تمثِّل نسبة 46% من إجمالي إيرادات الدولة والتي تصل إلى 10.3 مليارات دولار، ويمثِّل قطاع النفط 25% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي.
  2. توقُّف المانحين عن تقديم تعهداتهم بمساعدة اليمن وما ترتب عليه من توقف العديد من مشاريع البنية التحتية؛ الأمر الذي أدَّى إلى مزيد من فقدان فرص العمل وكذا خسارة الاقتصاد الوطني لتلك المبالغ من العملة الأجنبية؛ حيث كانت الحكومة قد توقَّعت الحصول على مليار دولار كمنح خارجية لتمويل موازنة لعام 2015 بما يساوي 9% من الموازنة يضاف إليها المبالغ المتبقية من تعهدات المانحين، وبموجب تقرير الجهاز التنفيذي لاستيعاب المنح وهو الجهاز الذي تم إنشاؤه في نهاية 2013 فإن تعهدات المانحين التي تم التعهد بها في مؤتمر الرياض بلغت 7.9 مليارات دولار صُرف منها 3.1 مليارات دولار وبقي 4.8 مليارات دولار كان يُفترض استيعابها خلال 2015 ولكن لم يحدث بسبب الحرب(3).
  3. انخفاض القوة الشرائية للمواطن اليمني، نتيجة للارتفاع الكبير في أسعار السلع والخدمات وبالأخص السلع الأساسية، نتيجة ارتفاع تكاليف الاستيراد مثل تكاليف الشحن والتأمين وتكاليف فتح الاعتمادات أو التحويلات نتيجة ارتفاع مخاطر الدولة؛ مما تطلَّب من البنوك الأجنبية فرض تكاليف إضافية على البنوك المحلية مقابل فتح الاعتمادات، قد تصل في بعض الأحيان إلى طلب تأمين نقدي يغطي 100% من قيمة الاعتماد أو الالتزام، يضاف إليها ارتفاع تكاليف النقل الداخلية بسبب انعدام المشتقات النفطية، وأيضًا تخوف العاملين في نقل البضائع من أن يكونوا هدفًا للميليشيات المسلحة أو للضربات الجوية للتحالف. وفي نهاية المطاف تُضاف هذه التكاليف إلى سعر البيع للسلعة مما أضاف أعباء إضافية على كاهل المواطن في ظل انعدام فرص العمل وتوقف الإنتاج في العديد من المنشآت وتسريح القطاع الخاص لبعض موظَّفيه. وبموجب نشرة المستجدات الاقتصادية والاجتماعية الصادرة عن وزارة التخطيط والتعاون الدولي، في فبراير/شباط 2016، فإن الحرب تسبَّبت في إغلاق 26% من منشآت الأعمال في المناطق الأكثر تأثرًا بالحرب و كما أغلقت 42% من المنشآت التي تملكها المرأة كون النساء أكثر خوفا وتأثرا بالحرب. هذه المنشآت التي أُغلقت تعرَّض منها 95% إلى دمار شامل أو جزئي. وفيما يتعلق بارتفاع الأسعار نتيجة للحرب فقد أشار التقرير إلى تصاعد معدل التضخم إلى أكثر من 30% في عام 2015، وتختلف الزيادة في الأسعار من مدينة إلى أخرى حيث يشير بعض التقديرات إلى أن ارتفاع معدل الأسعار في مدينة تعز يصل إلى أكثر من 100% نتيجة للاشتباكات المسلحة والحصار المفروض على المدينة(4).
  4. ظهور سوق سوداء لبيع وشراء الدولار وبأسعار أعلى من السعر الرسمي للبنك المركزي؛ ففي منتصف فبراير/شباط 2016 وصل الفرق بين السعر الرسمي وسعر السوق السوداء إلى نسبة 23%، وفي ظل تراجع قدرة البنك المركزي على توفير احتياجات السوق من العملة الأجنبية فإن قيمة الريال اليمني مرشَّحة للمزيد من الانخفاض.
  5. هجرة بعض رؤوس الأموال الوطنية إلى الخارج وتوقف البعض الآخر عن الإنتاج مما ضاعف من مشكلة ارتفاع البطالة، إضافة إلى الضغط على احتياطي البلد من العملة الأجنبية. ففي بلد يعاني أصلًا من نقص في رؤوس الأموال فإن هجرة تلك الأموال ترفع من التحديات الاقتصادية مستقبلًا، كون تلك الأموال التي خرجت كنتيجة للحرب ستكون من الصعوبة عودتها بعد انتهاء الحرب، فهي بحاجة إلى فترة استقرار سياسي يمكنها من خلاله التأكد من وصول البلد إلى مرحلة مطمئنة من الاستقرار، كما أن جزءًا من تلك الأموال قد يستوطن في البلد الذي رحل إليه. قدَّر بعض المختصين حجم الأموال التي خرجت من بداية الحرب حتى نهاية 2015 بحوالي 6 مليارات دولار.
  6. يساهم القطاع الخاص بحوالي 53% من الناتج المحلي الإجمالي كما يساهم بحوالي 65% من الاستثمار الإجمالي(5)، وقد تعرَّض القطاع الخاص إلى أضرار اقتصادية كبيرة نتيجة للحرب وانقطاع الكهرباء وارتفاع أسعار الوقود بنسبة كبيرة وكذا الانفلات الأمني وتوقُّف العديد من المنشآت الاقتصادية كون بعضها كان في مناطق الاشتباكات، وتشير نتائج المسح السريع الذي نفَّذته وكالة تنمية المنشآت الصغيرة والأصغر بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي خلال الفترة من منتصف أغسطس/آب حتي سبتمبر/أيلول 2015 إلى أن 26% من منشآت الأعمال أُغلق(6) لعدة أسباب، أهمها: التدمير المادي الذي خلَّفته الحرب، لكن الآن وبعد مرور 5 أشهر واشتعال القتال في مدن أخرى فإن هذه النسبة قد تكون تضاعفت.
  7. بعد تعويم المشتقات النفطية والسماح للتجار بالاستيراد في ظلِّ غياب مؤسسات الدولة الرقابية وانتشار الفساد، كل ذلك أدَّى إلى ظهور ما يُسمى باقتصاد الحروب وهو سوق موازية يستفيد منها تجار الحروب الذين سيعملون بكل ما أُوتوا من قوة على إطالتها خصوصًا أنهم يتقاسمون تلك الأرباح الطائلة مع المتنفِّذين، على سبيل المثال في أوائل فبراير/شباط 2016، يباع 20 لترًا من الوقود في السوق السوداء في صنعاء بسعر 6000 ريال يمني بما يعادل 28 دولار بالرغم من أن السعر الرسمي المعلن هو 2800 ريال يمني، فهامش الربح العالي جعل التجار قادرين على شراء الدولار لدفع ثمن وارداتهم من المشتقات النفطية بأي سعر صرف يمكن الحصول عليه، وهو ما سبَّب ضغطًا كبيرًا على قيمة الريال أمام العملات الأجنبية.
  8. ارتفاع حدَّة المواجهات المسلحة في العديد من المدن ونزوح أعداد كبيرة من الأُسر وتعرُّض مشاريعها الصغيرة والمتوسطة للتلف وفقدان مدخراتها، كل ذلك عزَّز من معاناة الأُسر اليمنية وجعلها بدون مصدر للدخل وتحول العديد من المنتجين إلى صفوف البطالة؛ حيث بلغ عدد المشرَّدين داخليًّا إلى 2.5 مليون شخص، أي بحدود 10% من عدد السكان حسب إعلان مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في اليمن في ديسمبر/كانون الأول 2015. ومع قُرب المعارك من العاصمة صنعاء التي يسكنها قرابة 3 ملايين شخص تزداد المخاوف من تضاعف عدد النازحين.
  9. بالإضافة إلى الخسائر الناتجة عن توقف الإنتاج والتجارة في البلد نتيجة للحرب الدائرة، هناك أضرار لحقت برأس المال المادي والبِنية التحتية مثل الطرق والجسور ومنشآت التعليم والطاقة والصحة والإسكان والمياه والصرف الصحي، وحتى اللحظة لا توجد أية إحصائيات رسمية عن حجم الخسائر في البنية التحتية.

أهم التحديات التي يواجهها الاقتصاد اليمني

نتيجة للصراع القائم وغياب الدولة فقد كان عام 2015 هو الأسوأ على الاقتصاد اليمني حتى الآن، لكن استمرار الصراع العسكري الحالي يُحمِّل الاقتصاد اليمني المنهك أصلًا أعباء ومشاكل إضافية في كل يوم يمضي، ناهيك عن الدمار الذي يلحق بالبنية الاقتصادية الضعيفة أصلًا وممتلكات المواطنين، وقبل ذلك كله حياتهم. ويُمثِّل عجز الموازنة وضعف إيرادات الدولة مضافًا إليه الانخفاض الكبير في احتياطيات البلد من العملة الأجنبية أهم التحديات للاقتصاد الوطني.

1- عجز الموازنة العامة للدولة 
تعاني موازنة الجمهورية اليمنية من اختلالات هيكلية مزمنة ناتجة عن انخفاض إيرادات الدولة والاعتماد على الموارد النفطية المحدودة لتمويل الإنفاق الحكومي.

خلال السنوات الخمس الأخيرة (2009–2013) كان عجز الموازنة يتراوح بين 16% و27%. فيما يخص السنة المالية 2014 لم تقم وزارة المالية بإعداد الحسابات الختامية نتيجة لغياب الحكومة وكذا السلطة التشريعية التي خوَّلها الدستور صلاحية إقرار تلك الحسابات.

مع بداية ثورة الشباب في عام 2011 وازدياد الاضطرابات انخفضت الإيرادات العامة بنسبة 4.7% مما زاد من عجز الموازنة، وفي العامين التاليين 2012 و2013، حدث بعض التحسن في الإيرادات العامة وبالتحديد إيرادات الضرائب إلا أنه ونتيجة تحمُّل الميزانية العامة أعباء إضافية، وبالتحديد في بند المرتبات والأجور وفوائد الدَّيْن المحلي ودعم المشتقات النفطية، أدَّى ذلك إلى ارتفاع عجز الموازنة بنسبة 21%، و24.7% على التوالي. ومع نهاية 2014، وبعد دخول جماعة الحوثي صنعاء وتشكيل حكومة جديدة (السلم والشراكة)، لم تتمكن الحكومة من إعداد موازنة لعام 2015 وأقرَّت الحكومة اعتماد موازنة 2014 كموازنة مؤقتة لعام 2015 حتى تتمكن من إعداد موازنة ولكن ذلك لم يحدث. ومع بدء انقلاب الحوثيين والرئيس المخلوع، علي عبد الله صالح، في منتصف يناير/كانون الثاني 2015، واستقالة الحكومة ورئيس الجمهورية ولاحقًا شروع المملكة العربية السعودية في الحرب باليمن، وانهيار الحكومة والأجهزة الرسمية، لم يتم إعداد موازنة للعام 2015، واستمر الإنفاق على أساس المعتمد لعام 2014.

اعتمدت الحكومات المتعاقبة خلال السنوات الخمس الأخيرة على تمويل العجز من خلال الاقتراض الداخلي (أذونات الخزانة، السحب من البنك المركزي دون وجود غطاء نقدي أو إيرادات فعلية أو ما يُسمَّى: السحب على المكشوف من البنك المركزي اليمني)، أو من خلال المنح الخارجية؛ حيث قفزت أرصدة أذونات الخزانة من 2.8 مليار دولار في نهاية ديسمبر/كانون الأول 2010 إلى 6.8 مليارات دولار في ديسمبر/كانون الأول 2014. كما ارتفع انكشاف حساب الحكومة العام من 2.5 مليار دولار في ديسمبر/كانون الأول 2010 إلى 3.5 مليارات دولار في ديسمبر/كانون الأول 2014.

عام 2015 شهد انخفاضًا حادًّا في إيرادات الدولة نتيجة للحرب الدائرة مما ضاعف من عجز الموازنة بشكل كبير، قُدِّرت الموارد العامة في مشروع الموازنة العامة للدولة لعام 2015 بمبلغ 10.3 مليارات دولار وقُدِّرت مساهمة قطاع النفط بنسبة 46%، والضرائب والجمارك بنسبة 31.8%، والمنح الخارجية المتوقعة بنسبة 8%، والبقية مصادر داخلية أخرى.

كما قُدِّرت الاستخدامات (النفقات) بـ13.4 مليار دولار، تمثِّل النفقاتُ التشغيلية نسبة 80% بموجب الموازنة العامة للدولة لعام 2014؛ حيث تم اعتمادها من قِبل حكومة خالد بحاح (حكومة السلم والشراكة) كموازنة للسنة المالية 2015. وبسبب غياب البيانات المالية الخاصة بالسنة المالية 2015 نتيجة للوضع الحالي وامتناع مؤسسات الدولة عن نشر البيانات، فقد تم الاعتماد على تحليل المعطيات المتوفرة للوصول للأرقام التي يمكن أن تعكس الواقع الفعلي.

نشرة التطورات النقدية لشهر يناير/كانون الثاني 2015 الصادرة عن البنك المركزي اليمني هي آخر بيانات رسمية منشورة عن التطورات الاقتصادية في البلد وكذا النفقات والإيرادات العامة، وبالرجوع إلى تلك البيانات بلغ إجمالي النفقات الشهرية ما يعادل 623 مليون دولار. هذه النفقات الشهرية شبه ثابتة كون معظمها يمثِّل رواتب موظفي القطاع العام وفوائد الدَّيْن العام الداخلي. وبتحويل الحسبة الشهرية إلى سنوية فإن إجمالي النفقات في نهاية ديسمبر/كانون الأول يُقدَّر بما يعادل حوالي 8.5 مليارات دولار.

في الجانب الآخر، الإيرادات العامة تعرضت لانخفاض كبير نتيجة لتوقف إيرادات النفط وتأثُّر نشاط قطاع الأعمال مما يعني انخفاض الإيرادات الضريبية وكذا الجمركية نتيجة للانخفاض الكبير في حركة الاستيراد، يضاف إليه السطو على الإيرادات العامة من قِبل الجماعات المسلحة لتمويل الحرب. وبالاعتماد على تحليل المعطيات فإن إجمالي الإيرادات التي يمكن تحصيلها خلال 2015 يُقدَّر بما يعادل 4.6 مليارات دولار، وبالتالي، فإن العجز سيكون بما يعادل حوالي 3.9 مليارات دولار. أمَّا المصدر المتاح حاليًا لتمويل هذا العجز فهو السحب على المكشوف (انكشاف حساب الحكومة العام لدى البنك المركزي) والذي يشير بعض التقديرات إلى أنه وصل إلى ما يعادل 7.5 مليارات دولار.

ومع بداية العام الجديد 2016 وفي حالة استمرار الحرب، ستكون خيارات الدولة شبه منعدمة في الاستمرار بتعهداتها الضرورية. سيدخل اليمن السنة المالية الثانية على التوالي دون إعداد موازنة وسيتم العمل بموازنة العام السابق. هذه الموازنة أُعدَّت في عام 2013 بناء على تقديرات معينة وظروف وتوقعات تختلف تمامًا عن الوضع الحالي، وأهم من ذلك في بلد لا يمر بحالة حرب. في ذلك الوقت كانت التوقعات إيجابية كون البلد يشهد مرحلة تحول سياسي يتجه إلى مرحلة الاستقرار، كما أن الاستمرار بالسحب على المكشوف (قيام البنك المركزي بتغطية الفارق بين إيرادات ونفقات الحكومة وتحميلها على حساب الحكومة بحيث يظهر في سجلات البنك المركزي أن الحكومة مدينة للبنك بتلك المبالغ خلال الأشهر الماضية، واستمرار البنك المركزي بدفع رواتب موظفي الدولة وفوائد الدَّيْن العام وتسجيل هذه المبالغ كقرض على الحكومة حيث وصل إجمالي المبلغ المستحق على الحكومة للبنك المركزي في نهاية 2015 ما يعادل 7.3 مليارات دولار) سيُعرِّض الاستقرار النقدي للخطر وله تداعيات كارثية على استقرار أسعار الصرف.

2- انخفاض احتياطي البلد من العملة الأجنبية
تُمثِّل الصادرات النفطية وتحويلات المغتربين المورد الأساسي للعملة الأجنبية في البلد، في ظلِّ ضعف المصادر الأخرى كالسياحة والصادرات غير النفطية. وبالمقابل، يعتمد اليمن على استيراد معظم الاحتياجات من السلع والمنتجات؛ حيث بلغت فاتورة الاستيراد لعام 2013 مبلغ 10.8 مليارات دولار والتي تمثِّل ما يقارب 32% من الدخل القومي(7). في ديسمبر/كانون الأول 2014، كان إجمالي الاحتياطي النقدي للبلد من العملة الأجنبية 4.66 مليارات دولار، وهو ما يمكن أن يغطي احتياجات البلد من الاستيراد لمدة 4.5 أشهر. وفي ظل الصراع القائم والانفلات الأمني أوقفت الشركات النفطية أنشطتها؛ الأمر الذي أفقد الاقتصاد الوطني موردًا أساسيًّا للعملة الأجنبية.

نتيجة للحرب توقَّف العديد من الأنشطة الاقتصادية، فلقد هاجر بعض رأس المال المحلي للبحث عن فرص استثمارية خارج البلد أو بحثًا عن الأمن، وهو ما سبَّب ضغطًا على احتياطي البلد من العملة الأجنبية.

استمرار الحرب وتوقُّف الشركات النفطية والمنح الخارجية يُفقِد الاقتصاد الوطني مصدرًا رئيسيًّا للعملة الأجنبية؛ الأمر الذي يُعرِّض احتياطي العملة الأجنبية للتلاشي، وهو ما سيعود بأثر كارثي على سعر صرف الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية.

إن ارتفاع أسعار الصرف في بلد يستورد ما يقارب 85% من الغذاء سيزيد من معاناة المواطن اليمني البسيط إلى درجة غير مسبوقة؛ حيث تشير التقديرات إلى أن إجمالي الاحتياطي من العملة الأجنبية وصل في نهاية 2015 إلى حوالي 2.2 مليار دولار، منها مليار دولار هو الوديعة السعودية. في الظروف العادية فإن هذا المستوى من حجم الاحتياطي قادر على تغطية الواردات لمدة 2.4 شهر فقط، وإذا ما أخذنا في الاعتبار الوديعة السعودية فإن قدرة الاحتياطي الخارجي على تغطية الواردات ستنخفض إلى أقل من شهرين، لكن مع أن انخفاض الواردات نتيجة لانخفاض الطلب في السوق المحلية وكذا الحصار القائم قد يعمل على زيادة الفترة، لكنه دليل على شلل الاقتصاد والحياة الاقتصادية في اليمن أكثر من أي شيء آخر.

ما زال البنك المركزي يقوم بتقديم العملة الأجنبية وبالسعر الرسمي لمستوردي السلع الأساسية إلا أنه وفي حالة استمرار الحرب واستمرار الانحدار في احتياطيات البنك من العملة الأجنبية دون أي تدخل خارجي لتعزيز احتياطي البنك المركزي من العملة الأجنبية، فإن البنك سيعجز عن توفير العملة الأجنبية لاستيراد السلع الأساسية، وبالتالي تحوُّل مستوردي هذي السلع للسوق السوداء لشراء الدولار لتغطية احتياجات الاستيراد؛ مما سيضاعف الأسعار في ظل الارتفاع المستمر في سعر صرف الدولار في السوق السوداء، وارتفاع أسعار السلع الأساسية؛ الأمر الذي سيزيد من تدهور الوضع الإنساني في البلد.

استمرار البنك المركزي حتى الآن بممارسة مهامه بنوع من الاستقلالية من خلال تواجد قياداته في العاصمة صنعاء، واستمراره في دفع الالتزامات الضرورية كمرتبات موظفي القطاع العام وكذا دفع فوائد الدَّيْن العام أسهم في بقاء الحدِّ الأدنى من أجهزة الدولة؛ فالبنك المركزي ما زال يقوم بدفع مرتبات القطاع العام من خلال فروعه في المحافظات بغضِّ النظر عن الطرف المسيطر على تلك المحافظات، كما يقوم بتزويد تلك الفروع بالسيولة اللازمة عند حاجتها بالتنسيق مع كافة الأطراف بما فيها التحالف العربي؛ هذا الأمر يعطي مؤشرًا على أن أطراف الصراع مدركون إلى حدٍّ ما أهمية بقاء البنك المركزي بعيدًا عن الصراع حتى الآن للحفاظ على الحد الأدنى من مقوِّمات الاقتصاد الوطني وحماية العملة من الانهيار. إلا أن قيام البنك المركزي بوظيفتين: الحفاظ على قيمة العملة الوطنية وكذا كمقرض أخير للحكومة عقَّد مهام البنك المركزي في ظل الوضع الحالي فإن البنك المركزي هو المصدر الرئيسي لتغطية نفقات مرتبات موظفي الدولة خلال عام 2015 من خلال إقراض الحكومة (كشف حساب الحكومة العام) التي وصل إجمالي المبالغ التي أقرضها البنك المركزي للحكومة إلى ما يعادل 7.5 مليارات دولار. كما قام البنك المركزي بتوفير احتياجات البلد من العُملة الأجنبية لتغطية الاستيراد وذلك من خلال السحب من احتياطي العملة الأجنبية الموجود في حسابات البنك المركزي في الخارج.

الاتجاهات المتوقعة

تبدو خيارت الأطراف المتصارعة محدودة في ظل تهديدات حقيقة قد تؤدي إلى الانهيار الاقتصادي، كما أنه لا توجد استراتيجية واضحة لدى الأطراف المتصارعة لمواجهة تلك التهديدات؛ فقد أنتجت الحرب فئة مستفيدين مهتمين فقط ببناء ثروات خاصة بهم غير آبهين بمعاناة أغلبية الشعب أو ما يمكن أن يؤول إليه الاقتصاد الوطني، وهناك اتجاهات متوقعة قد تتحقق في حال لم يتحرك المجتمع الدولي والإقليمي وأطراف الصراع لإنقاذ الاقتصاد الوطني، وهي ما يلي:

إن استمرار الحرب في ظل توقف إيرادات الدولة النفطية وتوقُّف الدعم الخارجي لتعزيز احتياطي البلد من العملة الأجنبية وجفاف موارد الموازنة العامة للدولة وبالتالي وصولها إلى نقطة العجز عن دفع رواتب موظفي الدولة، واستمرار تحمُّل أعباء الدَّيْن العام، بالتأكيد سيكون له آثار كارثية على الاقتصاد الوطني، وسيزيد من تدهور الوضع الإنساني في البلد، قد يصل إلى حدِّ المجاعة الجماعية في بعض المناطق.

انهيار قيمة العملة الوطنية سيناريو وارد في ظل الاستنزاف الحالي لاحتياطي البلد من العملة الأجنبية دون وجود أي مصدر لتعويض المصروف منه، ويُعتبر الاحتياطي الخارجي من النقد الأجنبي الأداة الأساسية التي يستخدمها البنك المركزي للحفاظ على استقرار أسعار صرف العملات الأجنبية مقابل العملة الوطنية، ومع فقدان الاحتياطي من العملة الأجنبية والتي وصلت إلى الحدِّ الأدنى، سيفقد البنك المركزي اليمني الوسيلة في الحفاظ على العملة الوطنية من الانهيار، وهذا السيناريو سيكون وقعه كارثيًّا على المواطن العادي والاقتصاد الوطني بشكل عام.

إن انخفاض الاحتياطي النقدي للبلد من العملة الأجنبية في الخارج، المقرون بانخفاض أرصدة البنوك المحلية في الخارج، سيؤدي إلى عجز البنوك المحلية عن تمويل الاستيراد الأمر الذي سيُضاعف من شُحِّ السلع في السوق المحلية، وسيبحث المستوردون عن بدائل آخر لتحويل قيمة البضائع المستوردة؛ مما سيُضاعف من تكاليف الاستيراد وبالتالي ارتفاع الأسعار.

الاستمرار في تمويل الموازنة من خلال كشف حساب الحكومة العام وبمبالغ كبيرة، يُحمِّل الحكومة (بعد توقف الحرب) أعباء كبيرة لسداد هذه المبالغ على حساب الاستثمار في التنمية وتحقيق الاستقرار الاقتصادي، بالإضافة إلى ما يُمثِّله من خطر على الاستقرار النقدي وإمكانية انهيار العملة.

اقتراب المعارك من العاصمة صنعاء سيزيد من تخوُّف المودعين في البنوك من احتمالية تعرُّض البنوك للسطو، وبالتالي سيتجه البعض لسحب ودائعهم والاحتفاظ بها في أماكن يعتقدون أنها أكثر أمنًا، ولمواجهة تلك السحوبات المتوقعة ستلجأ البنوك إلى كسر أذونات الخزانة (السندات الحكومية)؛ حيث تستثمر البنوك اليمنية جزءًا كبيرًا من أموالها في إقراض الحكومة من خلال شراء سندات حكومية تُسمَّى: أذون الخزانة، تُستحق في آجال محددة وقد تم التعارف في حالة أرادت البنوك تحصيل هذه الأموال قبل تاريخ استحقاقها فيمكنها التخلي عن جزء من الفائدة وأخذ أموالها مع الجزء المتبقي من الفائدة وتُسمَّى هذه العملية كسر أذون الخزانة. وفي ظل العجز الحالي في الموازنة وغياب البدائل في الحصول على أموال لتمويل ذلك العجز، قد تعجز الحكومة عن مواجهة سحوبات البنوك من أذون الخزانة والوفاء بالتزاماتها، معرِّضة سلامة القطاع المصرفي للخطر، وأيضًا استمرارية الحكومة بالتزاماتها تجاه الدائنين وموظفي الدولة.
_____________________
 مراجع
1. البنك الدولي، الآثار الاقتصادية للحرب والسلام، الموجز الاقتصادي الفصلي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، 103013، العدد (6) يناير/كانون الثاني 2016.
2. المصدر السابق، ص 7.
3. الجهاز التنفيذي لتسريع استيعاب تعهدات المانحين، التقرير السنوي، يناير/كانون الثاني 2014 إلى يناير/كانون الثاني 2015، مارس/آذار 2015.
4. وزارة التخطيط والتعاون الدولي، المستجدات الاقتصادية والاجتماعية في اليمن، العدد (11)، فبراير/شباط 2016.
5. وزارة المالية اليمنية، الحسابات الختامية للسنوات المالية 2009 إلى 2013.
6. البنك المركزي اليمني، نشرة التطورات النقدية والمصرفية، ديسمبر/كانون الأول 2014.
7. البنك المركزي اليمني، المصدر السابق.
8- United Nations Office for the Coordination of Humanitarian ,Humanitarian Bulletin Yemen, Issue 8 , 1 February 2016.
منصور الراجحي
مركز الجزيرة للدراسات