النظام الإيراني والاحتلال الأمريكي للعراق

النظام الإيراني والاحتلال الأمريكي للعراق

War-Iraq-Usa-Iran-2003

اتسمت العلاقات الأمريكية الإيرانية في مرحلة ما بعد عام 1979م، بالتوتر والعدائية الشديدتين، ولأنّ العلاقات بين الدول لا تسير على نسق واحد، وتوترات الماضي لا تؤثّر في إمكانية التفاهم في مرحلة مفصلية من مراحل منطقة الشرق الأوسط، فالدول كالولايات المتحدة الأمريكية” الشيطان الأكبر” بالمنظور الإيراني، والنظام الإيراني “محور الشر” بالمفهوم الأمريكي تقيم صلاتها “على المصالح المشتركة”. ولا عجب أن تلتقي مصالح هاتين الدولتين طالما أن الهدف يتمثل في التخلص من عدو مشترك كالرئيس العراقي الأسبق صدام حسين.

وفي هذا السياق، يماط اللثام عن مباحثات سرية جرت بين الولايات المتحدة الأمريكية والنظام الإيراني إبان العدوان والاحتلال الأمريكي للعراق في التاسع من نيسان/إبريل عام 2003م. فعن دار “سانت مارتنز برس” نشر  السفير الأميركي الأسبق لدى العراق زلماي خليل زاد (2005م/2007م)،كتابه بعنوان “المبعوث”. إذ تنقل صحيفة “نيويورك تايمز” مقاطع  من كتابه ولعل أهمها على الإطلاق، تلك المباحثات التي عقدت في جنيف بحضور محمد جواد ظريف السفير الإيراني لدى الأمم المتحدة _آنذاك_ وأسفرت المباحثات عن تعهد النظام الإيراني بعدم التعرض للمقاتلات الأمريكية في حال انتهاكها للمجال الجوي الإيراني.

ولم يكتف”محور الشر”بهذا التعهد “للشيطان الأكبر” فقط، بل انتهج الواقعية السياسية-في الخفاء- للتعاطي معه بعد احتلاله للعراق مباشرة، وهذا ما أشار إليه المحاضر في الشؤون الدولية”جوين دايار” في كتابه المترجم إلى اللغة العربية والمعنون” الفوضى التي نظموها: الشرق الأوسط بعد العراق” والصادر في طبعته العربية الأولى في العام 2008م، حيث أشار المحاضر في الفصل السادس من الكتاب والمعنون” القنبلة الإيرانية المزعومة”، إلى النهج الواقعي في السياسة الإيرانية.

 ففي آيار/مايو من العام 2003م، أرسلت الحكومة الإيرانية – التي صعقت من سهولة الاحتلال الأمريكي للعراق والوصول المفاجىء للقوات المسلحة الأمريكية إلى حدودها الغربية(مع وجود قوات أمريكية أخرى مسبقاً على حدودها الشرقية مع أفغانستان)- رسالة إلى وزراة الخارجية الأمريكية تقترح فيها تسوية شاملة لكل الخلافات بين الدولتين. وصلت هذه الرسالة في الثاني من آيار/مايومن العام 2003م، قبل وقت من الاجتماع الذي جمع سفير إيران في الأمم المتحدة محمد جواد ظريف وأحد رموز المحافظين الجدد زلماي خليل زاد، الذي كان في ذلك الحين مديراً بارزاً في مجلس الأمن القومي،عرضت الحكومة الإيرانية بأن تتخذ إجراءات حازمة ضد أي إرهابي (وخاصة إذا كان من القاعدة) على الأراضي الإيرانية، مقابل تعاون الولايات المتحدة الأمريكية في ملاحقة الإرهابيين المناهضين للنظام الإيراني؛ أي منظمة مجاهدي خلق. ومع أن النظام الإيراني أصر على حقه في الحصول على التكنولوجيا النووية السلمية، إلا أن قَبِل بالخضوع إلى إجراءات تفتيشية أكثر صرامة من خلال الموافقة على كل البروتوكولات الإضافية الخاصة بالوكالة الدولية للطاقة الذرية، وبذلك تمنح مفتشي الوكالة الدولية إمكانية الوصول إلى أية منشأة إيرانية يريدون دخولها بدون أي سابق إنذار، بما فيها تلك التي لم يصرح عنها النظام الإيراني.

ولعل المفاجأة هنا أن النظام الإيراني عرض الانضمام إلى الدول العربية المعتدلة في قبولها إعلان بيروت المنبثق عن اجتماع القمة العربية في العام 2002م الذي دعا للسلام مع إسرائيل مقابل انسحاب إسرائيل إلى حدود ما قبل عام 1967م. حيث ستعمل على تحويل حزب الله إلى مجرد حزب سياسي ضمن لبنان، وتنهي أي مساعدة مالية للفصائل الفلسطينية المعارضة (حركة حماس، الجهاد الإسلامي) من الأراضي الإيرانية. حتى أنه سيضغط على هذه الفصائل من أجل إيقاف عملياته ضد الإسرائيليين داخل حدود العام 1967م. وكل ما على الولايات المتحدة الأمريكية أن تفعله بالمقابل هو تجديد العلاقات الدبلوماسية مع النظام الإيراني وإنهاء العقوبات والاعتراف بالمصالح الأمنية له في المنطقة فيما يتعلق بالقدرة الدفاعية.

حظي هذا العرض بموافقة كل من مرشد الثورة علي خامئني ورئيس جمهورية النظام الإيراني الأسبق محمد خاتمي، لكن إدارة الرئيس الأمريكي السابق”جورج دبليو بوش” رفضت العرض الإيراني، ومرد هذا الرفض يعود إلى شعور المحافظون الجدد والقوميون المتطرفون المحيطون به بقوة مطلقة، وكنت فيها النظام الإيراني والسوري التاليين في قائمة الدول المستهدفة. كانوا مقتنعين بأن النظام  الإيراني يترنح وسوف يسقط عند أول دفعة قوية. ولهذا السبب ضغطت الولايات المتحدة الأمريكية على الوكالة الدولية للطاقة الذرية كي تجد دليلاً على أن هناك عملاً على تطوير أسلحة غير مشروعة في إيران، فاتبعت الوكالة الدولية كل الخيوط المتعلقة بالمواقع السرية للأسلحة النووية التي قدمتها وكالات الاستخبارات الأمريكية، لكنها لم تصل إلى أي شيء.، حيث ذكرت صحيفة الغارديان في 23 شباط/فبراير من العام 2007م نقلاً عن لسان أحد الدبلوماسين في المقر الرئيسي للوكالة الدولية في فيينا:” أعطونا ورقة فيها قائنة مواقع… ولكن لم تكن هناك أية إشارة على وجود أنشطة “نووية محظورة”. وفي تلك الأثناء، أصبح من حق النظام الإيراني حق إنتاج دورة وقود نووي كاملة قضية قومية عامة ونقطة جذب في الحياة السياسية الإيرانية محلية.

وبحلول آب/ أغسطس من العام 2005م، تحوَّل الخوف من القوة الأمريكية في طهران إلى إدراك بمأزق القوات الأمريكية في العراق وبأن الولايات المتحدة الأمريكية لم تكن مستعدة للتورط في وضع مشابه في إيران. ولهذا طردت إيران مراقبي الوكالة الدولية، وأزالت الأختام التي كانت قد وضعت منشآتها الخاصة بتخصيب اليورانيوم قبل ثلاثة أعوام، متحدية الولايات المتحدة الأمريكية، ضمناً، بأن تفعل أي شيء بخصوص هذا الأمر. ليبدأ النظام الإيراني-فيما بعد-  على بسط نفوذه على العراق وهذا ما تم.

ما نخلص إليه من شهادة كل من زلماي خليل زاد السفير الأمريكي الأسبق في العراق بكتابه”المبعوث” وجوين دايار المحاضر في الشؤون الدولية بكتابه”الفوضى التي نظموها …) بأن النظام الإيراني لا يتورع أمام التهديد الحقيقي الذي تعرض له  في بداية الاحتلال الأمريكي للعراق بأن يلجأ إلى كل الوسائل الممكنة للتخلص منه. والتنازل عن شعاراته الثورية والتخلي عن حلفائه.

وحدة الدراسات العربية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية