الجيش العراقي يستنجد بالسيستاني لاستعادة دباباته من الميليشيات

الجيش العراقي يستنجد بالسيستاني لاستعادة دباباته من الميليشيات

_75807_rr3

لفتت مساع قام بها مؤخرا وزير الدفاع العراقي خالد العبيدي لدى المرجعية الشيعية العليا في العراق لاسترداد عدد من الدبابات التابعة للجيش من أيدي الميليشيات الشيعية، النظر مجدّدا إلى ظاهرة استيلاء فصائل الحشد الشعبي على مقدّرات الدولة، ما يمثّل مظهرا من مظاهر تغوّل تلك التشكيلات الطائفية المسلّحة التي باتت تمثّل جيشا رديفا يهدّد مستقبل الدولة العراقية التي فقدت حقّها الطبيعي في احتكار السلاح وامتياز استخدامه في فرض القانون وحفظ الأمن.

ولم يكن إعلان الأمانة العامة للعتبة الحسينية التي يشرف عليها وكيل آية الله علي السيستاني في كربلاء عبدالمهدي الكربلائي عن تسليم وزارة الدفاع دبابات من طراز “تي72” إلى لواء علي الأكبر التابع للعتبة بحجة المشاركة في تطهير قضاء الشرقاط شمال تكريت من تنظيم داعش إلا محاولة لاستعادة 60 دبابة استولت عليها قوات مشتركة من ميليشيا بدر بقيادة هادي العامري وعصائب أهل الحق برئاسة قيس الخزعلي وكتائب حزب الله التي يشرف عليها أبومهدي المهندس كانت الوزارة استوردتها من رومانيا مؤخرا ووضعتها في معسكر بسماية -النهروان سابقا- تمهيدا لنقلها إلى تخوم محافظة نينوى عبر المنطقة الكردية للمشاركة في معركة تحرير الموصل.

وفي التفاصيل فإن زيارة وزير الدفاع خالد العبيدي ورئيس أركان الجيش الفريق عثمان الظالمي إلى كربلاء مؤخرا ولقاءهما مع وكيل السيستاني في المدينة عبدالمهدي الكربلائي تركزت أساسا على ضرورة أن يتدخل المرجع الشيعي الأعلى ويوعز إلى قادة الميليشيات الثلاث المذكورة بإعادة الدبابات إلى الوزارة بعد أن فشلت مساعي رئيس الوزراء حيدر العبادي في إعادتها على اعتبار أنّ السيستاني، وهو صاحب فتوى “الجهاد الكفائي” التي تشكّل بموجبها الحشد الشعبي المكوّن من ميليشيات شيعية، الوحيد القادر على حسم الأمر.

وحسب مصادر عسكرية مطلعة في وزارة الدفاع ببغداد، فإن العبيدي والظالمي اتفقا مع الكربلائي الذي أوضح استحالة تدخل السيستاني في هذه القضية، على صيغة قد تعيد الدبابات إلى صاحبتها الشرعية وذلك عن طريق إعلان لواء علي الأكبر التابع إلى المرجعية أن وزارة الدفاع سلّمت الدبابات إليه مع طواقمها لاستخدامها في معركة تحرير قضاء الشرقاط من احتلال داعش.

سبق للميليشيات أن استولت على 560 عربة قتال مسلمة من دولة عربية كمساعدة للعراق في حربه ضد تنظيم داعش

ووفق الصيغة المتفق عليها فقد أعلن أحمد الفهد مساعد الكربلائي، أن وزارة الدفاع سلمت العتبة الحسينية دبابات القتال المدرعة طراز تي 72 لاستخدامها من قبل لواء علي الأكبر خلال عمليات استعادة قضاء الشرقاط من براثن داعش، مبينا أن الدبابات تم تسليمها إلى مقر اللواء في بيجي برفقة طاقم تم تدريبه في معسكر بسماية شرقي بغداد، فضلا عن تجهيز اللواء بالعتاد.

ورغم أن بيان العتبة الحسينية التي يتبعها لواء علي الأكبر قد أشار إلى تسليم الدبابات في بيجي في محاولة لطمأنة الفصائل التي استحوذت عليها وإبعاد الشبهات عنها، إلا أن هذا ليس صحيحا حيث مازالت الدبابات رومانية الصنع جاثمة في معسكر بسماية يتدرب عليها أفراد من ميليشيات بدر والعصائب وحزب الله ويمكن مشاهدتها بالعين المجردة من الطريق العسكري الرابط بين النهروان ومحافظة ديالى.

ومنذ بدء مشاركة فصائل الحشد الشعبي في المعارك العسكرية ضدّ تنظيم داعش، تقوم جهات سياسية وإعلامية شيعية بتضخيم صورة الميليشيات والدفاع بشراسة عن دورها في الحرب، إلى حدّ استخدام عبارة “الحشد المقدّس” بهدف تنزيه الميليشيات من النقد، الذي لم ينفكّ رغم ذلك ينهال عليها، بفعل ما مارسته من جرائم بحقّ المدنيين في المناطق التي شاركت في استعادتها من داعش.

وعلى عكس ما يروّج له، يقول خبراء الشؤون العسكرية، إن الميليشيات بكثرة عدد منتسبيها الذي يتجاوز المئة ألف مقاتل، وبتشتت قيادتها، نظرا لتبعيتها لعدّة شخصيات وتيارات، متنافرة أحيانا، ومتناحرة أحيانا أخرى، وبكثرة مصاريفها ومتطلّباتها تمثّل عبئا على الدولة العراقية، التي تعاني مصاعب مادّية كبيرة، وكان الأجدر توجيه الجهد لتدعيم القوات المسلّحة وتحسين تسليحها والظروف المادية لمنتسبيها.

وليست هذه هي المرة الأولى التي تستولي فيها فصائل الحشد الشيعي على معدات عسكرية تابعة لوزارة الدفاع، فقد سبق لها أن استحوذت على 560 عربة قتال كانت دولة عربية قد أرسلتها كمساعدة إلى العراق بناء على طلب من رئيس الحكومة الأسبق إياد علاوي.

وقد اعترف علاوي في مقابلة تلفزيونية بأن أطرافا غير حكومية استولت على العربات عند إيصالها بالقرب من مطار بغداد، وأنه سأل وزير الدفاع خالد العبيدي عن مصيرها فأجابه بأن وزارته لم تتسلمها.

وبدا أن صيغة اتفاق الوزير العبيدي والشيخ الكربلائي على تمرير “رواية” تسليم الدبابات طوعا للواء علي الأكبر تنقصها الحبكة، بحيث لم يصدّقها أحد، ولم تمنع برلمانيين، وحتى ضباطا عراقيين من الاستفسار عن مبرّر “تسليم” عتاد للميليشيات، فيما القوات المسلّحة بحدّ ذاتها تشكو نقصا فادحا في التسليح، فضلا عن كون الجيش أولى باستخدام تلك المعدات الثقيلة، بشكل فوري، ودون الحاجة إلى التدرّب عليها.

ونقلت وكالة “العباسية نيوز” عن اللواء المتقاعد مصلح عباوي قوله إن لواء علي الأكبر التابع للمرجعية الشيعية يعد أصغر فصائل الحشد الشعبي عددا وحجما وجميع أفراده من المشاة ولا يملك أسلحة ومعدات ثقيلة وبالتالي فإن تسليم دبابات ثقيلة ومستوردة حديثا إلى فصيل صغير وغير مهيأ لاستخدامها، لا يتفق مع المنطق والعقل، خصوصا وأن هذا النوع من الدبابات يحتاج إلى تدريب وصيانة لا يقدر عليهما إلا ضباط وجنود متمرسون ومختصون بها.

صحيفة العرب اللندنية