أوروبا ومعاييرها المختلّة حيال تركيا واللاجئين

أوروبا ومعاييرها المختلّة حيال تركيا واللاجئين

news-10-07-2015-001

كانت للدول الأوروبية مواقف مؤيدة للشعب السوري وقضيته، سواء داخل مجموعة «أصدقاء سوريا» أو بعلاقات مباشرة أقامها بعضٌ قليل منها مع المعارضة. ورغم القرب الجغرافي والقلق الاستراتيجي من الصراع السوري لم تستطع دول معنية «تاريخياً»، مثل فرنسا وبريطانيا، أن تؤثّر في مسار الأزمة ربما لأن «معالجتها» حُصرت باكراً بين الولايات المتحدة وروسيا. غير أن حكومات عدة في الاتحاد الأوروبي، لاسيَّما الشرقية منها والاشتراكية سابقاً، حافظت على علاقات وثيقة مع النظام وأجهزته، خصوصا مع مافياته، فساعدته في مجالات محددة على خرق الحظر والعقوبات المفروضة عليه، وشكّلت ممراً لمعدّات تقنية يحتاج إليها، كما لانتقال أشخاص ممنوعين من السفر، وبالأخص لأموال وتجارات المشتبه بها، ومنها مثلاً تهريب القطع الأثرية. وباستثناء وقائع محدودة جداً، لم تُثَر أي ضجة حول هذه الأنشطة، لا سياسياً ولا إعلامياً، بسبب طبيعة شبكات المستفيدين منها.
غير أن قضية اللاجئين تحوّلت منذ منتصف الصيف الماضي إلى مشكلة المشاكل أوروبياً، ليس فقط لأنها أضافت أعباء هائلة مالية واجتماعية وأمنية على الحكومات، بل أيضاً لأنها كشفت فجأةً هشاشة تماسك الاتحاد الأوروبي؛ إذ هدد العديد من العواصم بالخروج رسمياً من «معاهدة شينغن» التي كرّست الحدود المفتوحة، وهناك من جمّد عملياً تطبيقها كإجراء مؤقت وأقام جدراناً من الحواجز الشائكة. وكانت هنغاريا هنا، وإلى حد ما النمسا، بين أكثر الدول رفضاً للاجئين؛ لذلك سارع الاتحاد إلى التفكير في تسكير «حدوده» الشرقية وتحصينها بالضغط على دول البلقان، لكن أيضاً بالإغراءات المالية، فوجدت اليونان وبلغاريا نفسيهما وكأنهما تُركتا لتواجها الاجتياحات من دون مساعدة.
بطبيعة الحال، ألقيت الملامة والمسؤولية على تركيا. ورغم أنها دولة أطلسية مزمنة إلا أن «الناتو» حجب عنها أي دعم أو تزكية لأي إجراء مفيد -كـ «منطقة عازلة آمنة» مثلاً لإيواء اللاجئين داخل سوريا- وحتى عندما صارت مستهدفة من جانب روسيا ظلّ تضامنه معها خجولاً، وكذلك عندما تفجّرت العلاقة بين الحكومة وحزب «بي كي كي» الكردي كانت حكومات أوروبا وإعلامها الأكثر انتقاداً لأنقرة. ثم إن الأطلسي اعتمد خطة تخصيص قوة بحرية لاعتراض سفن وزوارق تهريب اللاجئين، أي لصدّهم وإجبارهم على البقاء في البرّ التركي. مع ذلك لم يكن مفر من التعاون مع تركيا التي باتت تؤوي 2.8 مليون لاجئ سوري بالإضافة إلى مئات الآلاف من جنسيات مختلفة. اعتمدت أوروبا أولاً ثلاثة مليارات دولار كمساعدة مالية، لكن كان مفهوماً أن المشكلة تتطلّب أكثر من ذلك.
عندما اقترحت أنقرة مشروعاً متكاملاً للتعامل مع هذه القضية علت الأصوات القائلة: «ابتزاز… ابتزاز»! لماذا؟ لأن تركيا طلبت مضاعفة المساعدة المالية وإلغاء تأشيرة الدخول للأتراك وتسريع مفاوضات انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي. كانت تهمة الابتزاز تكرّرت أيضاً في الاتهامات المتبادلة بين العواصم الأوروبية في خضم الفوضى والارتباك أمام تدفق اللاجئين، لكن في حال تركيا كان واضحاً أن الأوروبيين تناسوا أنهم تركوا الأزمة السورية تعتمل على حدودها، ويريدونها أن تتحمّل كل الأعباء من دون أن يقدّموا أي تنازل أو حتى دعم سياسي في مواجهتها للخطر الإرهابي. أي دولة أوروبية تمر بمأزق تركيا الحالي كانت ستحظى برعاية أكبر من الاتحاد، إلا أن الطابع الإسلامي للحكم في تركيا لا يحول فقط دون مساندتها بل يحول دون العضوية التي تأملها في الاتحاد.