الحرب في بروكسيل بعد باريس

الحرب في بروكسيل بعد باريس

تفجيرات بروكسيل

بعد بروكسيل وباريس وإسطنبول لم يعد مستغرباً أن ينشأ في الدول الأوروبية شعور بالعنصرية ضد العرب والمسلمين. صحيح أن الإرهابيين الذين قاموا بتفجيرات وهجمات بروكسيل وقبلها باريس هم أقلية بين الجاليات العربية في أوروبا ولكن أعمالهم الوحشية وتبني تنظيم «داعش» لهذه الأعمال تدفع عدداً كبير من الأوروبيين إلى خلط صورة العرب والإسلام بهذا الإرهاب الوحشي.

تفجيرات بروكسيل أمس جاءت بعد يومين على اعتقال الإرهابي صلاح عبد السلام الذي قاد عمليات الإرهاب في باريس في تشرين الثاني (نوفمبر) والتي تبناها «داعش» وأسقطت أكثر من ١٣٠ قتيلاً. وأمس قتلت تفجيرات بروكسيل أكثر من ٢٦ شخصاً. وأصبحت الجاليات المسلمة التي تعيش بأعداد كبيرة في فرنسا وبلجيكا وهولندا وغيرها مهددة من تصاعد التطرف العنصري نتيجة أعمال وحشية ترتكبها أقلية مجرمة بدأت تأخذها رهينة في دول لا تعرف القيادات فيها كيف تتعامل مع هذه الظاهرة الإرهابية التي تتغذى من الفوضى والحرب السورية.

إن بلجيكا وفرنسا في حرب مع هذا الإرهاب الوحشي الذي ضربها على يد مواطنين بلجيكيين وفرنسيين من أصل عربي مغربي وجزائري. واستطاع «داعش» تجنيد أوروبيين من أصل عربي مسلم وغسل دماغهم لقتل الأبرياء وتحويل حياة الجاليات العربية الأصل في أوروبا إلى جحيم الاضطهاد والعنصرية.

«نحن في حرب»، قال رئيس الحكومة الفرنسية أمس. ولكن تنبغي الإضافة أن الحرب وصلت أيضاً إلى الأبرياء العرب والمسلمين في أوروبا. فكل من يحمل اسماً يوحي أنه مسلم في فرنسا وفي بلجيكا وسائر الدول الأوروبية سيخاف لأن هويته ستكون باستمرار موضع شكوك وحذر، مهما كانت هناك دعوات إلى هدوء الأعصاب والابتعاد عن العنصرية وضرورة عدم الخلط بين الجميع.

إن «داعش» والإرهاب الذي ينشره في أوروبا وغيرها من الدول أصبح يهدد حياة ومستقبل الجاليات العربية والمسلمة في أوروبا لأن الخلط طبيعي عندما يضرب المواطن الأوروبي العادي الذاهب إلى عمله إما بالقطار أو بالطائرة ويسمع كلما وقع هجوم كلمات باللغة العربية. في باريس قبل التفجير سمع الناس قبل الهجوم «الله أكبر» يلفظها مجرمون يدعون الإسلام. فأدى ذلك إلى خلط المواطن الأوروبي العادي بين إرهابيين يستخدمون الإسلام لأهدافهم الخاصة وصورة المسلم العادي الهادئ الذي يمارس دينه في بلده الأوروبي. حتى أن عدداً كبيراً من السياسيين الفرنسيين أصبح يتهم دولاً عربية بأنها وراء التطرف الإسلامي وغسل الدماغ في حين أن هذه الدول تعاني من هذا الإرهاب.

برونو لوميير، أحد المرشحين عن اليمين الديغولي للرئاسة الفرنسية قال في برنامج تلفزيوني يوم السبت الماضي أن هناك مشكلة في الإسلام في فرنسا. وتابع انه لو وصل إلى الرئاسة سيبعد فرنسا عن ارتباطها القوي ببعض الدول العربية والمسلمة. فالخلط يجري على جميع المستويات السياسي وأيضاً الشعبي وهذا طبيعي في مثل هذه الظروف التي لا يعرف أحد كيف يتعامل معها. فالفرنسيون منذ حوالى ثلاث سنوات اكتشفوا تجنيد عدد من مواطنيهم من أبناء الجالية المسلمة لـ «الجهاد» في سورية إلى جانب «داعش». ومما لا شك فيه أن الغرب وتحديداً الولايات المتحدة شهدت تحت أنفها عناصر «داعش» يخرجهم نوري المالكي من العراق إلى سورية ثم يخرجهم بشار الأسد من سجونه ويستخدمهم حتى أصبح «داعش» شريكه في حرق وتدمير سورية وتهديد العالم. أصبح التهديد كونياً فعلاً. فلا أحد يستطيع أن يتنقل أو يسافر بطمأنينة بسبب هؤلاء الإرهابيين. وليس هناك رادع لإرهابهم طالما أنهم مستعدون للانتحار والتفجير. فالحرب انتقلت إلى أوروبا والخوف والتهديد على الجاليات العربية الأصل ومستقبلها في أوروبا.

 رنده تقي الدين
صحيفة الحياة اللندنية