النظام الإيراني..دولة الإستكبار الإقليمي

النظام الإيراني..دولة الإستكبار الإقليمي

سليماني-الشرق-الاوسط

هدد قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني في خطاب ألقاه قبل عدة أيام في مدينة “كرمان” الإيرانية بمنع التيار الإصلاحي والمعارضون السياسيين الرافضين في تدخل النظام الإيراني بالشؤون العربية من شغل أي منصب في الجهاز الحكومي، ونقلت وكالة “مشرق” التابعة للحرس الثوري، عن قاسم سليماني قوله: “من هتفوا في عام 2009- وهنا يقصد التيار الإصلاحي- بشعار “لا غزة، لا لبنان، روحي فداء إيران”، لا يمكن أن يكونوا بأي منصب سياسي، أو أن يكونوا في رأس صناع القرارات الكبرى في البلد”.  ومن جانبه، هدد نائب رئيس هيئة أركان القوات المسلحة الإيرانية، الجنرال مسعود جزائري، في 8 آذار/ مارس الجاري، بإرسال قوات إيرانية إلى اليمن لمساعدة الحوثيين، على غرار دعم النظام الإيراني للرئيس السوري بشار الأسد في مواجهة الحقوق المشروعة للشعب السوري.

تؤسس هذه التصريحات من الرموز الأمنية والعسكرية في النظام الإيراني لحالة خصومة وعداء  مستمر مع الدول العربية وخاصة المشرق العربي وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، فهي ممعنة في التعامل مع الدول العربية بمنطق إيران الثورة وليس إيران الدولة. فالتصريحات العدائية من قبل تلك الرموز لا تنسجم مع نتائج الانتخابات الإيرانية”مجلس الشوري، ومجلس قيادة الخبراء” الأخيرة والتي جاءت لصالح التيار الإصلاحي في النظام الإيراني، فهي تدلل على أن السلوك الإيراني المبني على التدخل السافر في شؤون الدول العربية لايزال مستمراً، فعلى الرغم من أهمية الانتخابات النيابية في رسم السياسات الداخلية والخارجية في النظام الديمقراطي إلا أنها ليست كذلك في النظام الإيراني، إذ يحكم هذا النظام من قبل مؤسسة مرشد الثورة علي خامئني، فهو الذي يرسم السياسة الداخلية والخارجية النظام الإيراني وليس الرئيس الإيراني حسن روحاني أو وزير خارجيته جواد ظريف. فالانتخابات الدورية بتنوعاتها ومنصب رئيس الجمهورية لا تلامس مضامين النظام الديمقراطي في حالة النظام الإيراني بقدر ما  تعبر عن أشكاله.

ومع هذه التصريحات تتشابه إيران الثورة مع إيران الشاهنشاهية إبان حكم محمد رضا بهلوي لجهة رغبتهما في السيطرة على القرار السياسي في منطقة الشرق الأوسط وخاصة في دول الخليج العربي، لكن هناك فرق جوهري بينهما في التعامل مع الدول العربية، فعلى الرغم من عدائهما الشديد مع تلك الدول، إلا أن مستويات العداء والتعبير عنه قد اختلف في حالة إيران شاهنشاهية عن إيران الثورية، ففي  الحالة الأولى كان العداء ذات طابع سياسي بين إيران محمد رضا بهلوي والدول العربية وخاصة الخليجية، ولم تنزلق إلى المستوى الأمنى بمعنى أن شاه إيران لم يعمل على انشاء خلايا نائمة في دول الخليج العربي لضرب استقرارها كما أنه لم يساهم في تأسيس أحزاب سياسية تسهم في تفتيت النسيج الوطني كما فعلت إيران الثورة عندما أسست حزب الله في ثمانينيات القرن المنقضي بذريعة محاربة إسرائيل، وها هو اليوم أي حزب الله الذي يتفاخر زعيمه حسن نصر الله بأنه أحد جنود الولي الفقيه، يحارب بالنيابة عن مشروعها في سوريا.

ناهيك عن عشرات المليشيات التي أسسها النظام الإيراني في العراق في مرحلة ما بعد الرئيس صدام حسين، ليسهل سيطرته عليه، فضلا عن خلاياه النائمة المنتشرة في دول الخليج العربي وخاصة في دولتي الكويت والبحرين، والتي تقوم الأجهزة بين الفينة والأخرى من القاء القبض على بعض منها، ولعل آخرها خلية حزب الله في دولة الكويت. وفي هذا الإطار يمكن القول أن إيران الثورة لم تكتف في حالة العداء السياسي مع الدول العربية كما كان الحال عليه مع إيران “محمد رضا بهلوي”، بل انسبحت ايضا إلى العداء الأمني لها وتهديد استقرارها من خلال توظيفها السلبي للعرب الشيعة في الدول المشرق العربي لتكون أداة لها تعمل على وفق مبدأ ولاية الفقيه. 

فتصريحات المسؤول الأمني قاسم سليماني والمسؤول العسكري مسعود جزائري في النظام الإيراني لا تؤسس لعلاقات قائمة على حسن الجوار مع الدول العربية، بل هي اعتداء على ذلك الجوار، وتعد انتهاكاً صريحاً لكل الشرائع السماوية وخاصة الإسلامية إذ يتخذها النظام الإيراني إطاراً مرجعياً لحكمه، كما إنها تعد انتهاكا لمبادىء هيئة الأمم المتحدة التي تدعو الدول في الجماعة الدولية  إلى عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.

في الختام يمكن القول أن تصريحات المسؤولين الإيرانيين تندرج في سياق تصريحات استكبارية للدولة الإيرانية التي تدعي زوراً بأنها تعادي -منذ قيام ثورتها وإلى يومنا هذا- الولايات المتحدة الأمريكية “الاستكبار العالمي”، بينما في واقع الأمر تمارس نفس سياساتها ضد الدول العربية. لكن الفرق يكمن  أن “إيران الثورة” تري في الولايات المتحدة الأمريكية دولة الاستكبار العالمي، بينما أن النظام الإيراني من وجهة نظر عربية والمبنية على ممارسات السلبية لذلك النظام إزاء الدول العربية، تعتبر دولة الإستكبار الإقليمي. وهذا الاستكبار سيزول حتماً في يوم ما بفعل العوامل الداخلية أو الخارجية.

وحدة الدراسات العربية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية