قمة استثنائية حول فلسطين

قمة استثنائية حول فلسطين

فلسطين
رغم كل ما يطال هذه الأمة من آلام بسبب انتشار الإرهاب في أرجاء كثيرة منها، إلا أن فلسطين تبقى دائماً القلب النابض في وجدان الشعوب العربية والإسلامية، لأنها قضية شعب عربي أُخرج من أرضه ليحل محله شعب غريب ليس له ماضٍ، لكنه يسعى ليكون له مستقبل على هذه الأرض الطيبة.
وعلى الرغم من أن موازين القِوى الدولية تميل لصالح أولئك المغتصبين، إلا أن ذلك لم يمنع العرب والمسلمين من الاستمرار في التضامن مع الشعب الفلسطيني ومع قضيته العادلة. وكان تأسيس منظمة التعاون الإسلامي، عام 1969، قد جاء استجابة للجرائم التي اقترفها المستعمرون بحق الشعب الفلسطيني، وبحق المقدسات الإسلامية في مدينة القدس، وأشدها جرماً ووحشية إحراق المسجد الأقصى، وقد تم اختيار مدينة جدة كمقر مؤقت لهذه المنظمة بانتظار تحرير القدس لتكون مقراً دائماً لها.
وتشكل الاجتماعات الدورية للمنظمة أبلغ رسالة بأن العرب والمسلمين لن يتنازلوا عن فلسطين مهما مر على اغتصابها من الأيام والسنين. وبتاريخ 6 مارس/آذار 2016، عقدت المنظمة قمة استثنائية حول فلسطين والقدس في العاصمة الإندونيسية جاكرتا تحت عنوان «الاتحاد من أجل الحل العادل»، لبحث التحديات التي تواجه القضية الفلسطينية. وقد ناقشت القمة جملة من القضايا المتعلقة بالشأن الفلسطيني، وعلى رأسها محاولات تهويد القدس، وتوفير الدعم ل (الأنروا) في ظل انتهاكات «إسرائيلية» غير مسبوقة تطال مدينة القدس والضفة الغربية، وحصارها الجائر على قطاع غزة.
وقد شاركت دولة الإمارات العربية المتحدة في أعمال القمة، وأكدت رئيسة الوفد الإماراتي ميثاء الشامسي في كلمة الدولة التي ألقتها أمام القمة: «أن القضية الفلسطينية هي القضية الإسلامية الأولى، وأن استمرارها من دون حل عادل يولد المزيد من التعقيدات، ويجذب قوى التطرف والإرهاب في العالم الإسلامي». وكررت: «طلب دولة الإمارات بتوفير نظام حماية دولية لحماية شعب أعزل من إرهاب الدولة والمستوطنين، وفقاً لاتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 والبروتوكولات اللاحقة بها، لتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، والرفع الفوري لكافة أشكال الحصار «الإسرائيلي» الجائر على الأراضي الفلسطينية». وقالت: «إن دولة الإمارات تؤمن بأن حل القضية الفلسطينية لن يتأتى إلا من خلال إنهاء الاحتلال للأراضي الفلسطينية، وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو/حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية».
والواقع أن دولة الإمارات وبتوجيه من قيادتها الحكيمة، وقفت دوماً إلى جانب الشعب الفلسطيني الشقيق، وكان لها اليد الطولى في المحافظة على صمود هذا الشعب على أرضه، ويتجلى ذلك في حجم ونوعية المشاريع التي تنفذها منذ سنوات طويلة وحتى الآن، ابتداء من ترميم المباني والآثار وبناء المدن السكنية والمساجد والمدارس والمستشفيات، إضافة إلى المشاركة الفاعلة في إعادة إعمار ما هدمه الاحتلال «الإسرائيلي» في اعتداءاته المتكررة على مدن الضفة وقطاع غزة. وتؤكد هذه المواقف النبيلة أن دولة الإمارات العربية المتحدة، بقيادة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة- حفظه الله-، هي ضمانة حقيقية لقضية فلسطين، وأنها لن تفرط بهذه القضية حتى لو تخلى عنها العالم أجمع؛ لأنها قضية حق وعدل، فأي منطق ذاك الذي يبرر العدوان والاحتلال والاستيطان، وأي منطق ذاك الذي يبرر بقاء عدة ملايين من الفلسطينيين مشردين في مختلف بقاع الدنيا، ولا يسمح لهم بالعودة إلى ديارهم، بينما يتم جمع شتات اليهود من كل مكان بحجة العودة إلى «أرض الميعاد». فلماذا يُمنع الشعب الفلسطيني من العودة إلى أرضه، ولماذا يضيق على من بقي من هذا الشعب في الضفة وغزة وحتى داخل «إسرائيل»، بهدف دفعه إلى الهجرة وترك أرضه لليهود القادمين من مجاهل التاريخ. وعلى الرغم من فدح الجريمة التي ارتكبتها «إسرائيل» منذ قيامها عام 1948 بحق الشعب الفلسطيني والعرب أجمعين، يحرص الموقف العربي الحالي على دعم الحل العادل القائم على أساس انسحاب «إسرائيل» من الأراضي العربية المحتلة عام 1967، وإقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، مقابل سلام عربي كامل ودائم معها، وهي المبادرة التي أطلقت في قمة بيروت عام 2002 وعُرفت بالمبادرة العربية للسلام، لكن «إسرائيل» لا تزال تصر على غيها، وترفض الاعتراف بحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة. وتتنكر لحقوق العرب والمسلمين في فلسطين، معتمدة على دعم القوى الغربية لها، لكنها لو فكرت قليلاً فسوف تدرك أن ما يطرحه العرب اليوم، قد يتخلون عنه في المستقبل، فالدول العظمى لا تبقى كذلك أبد الدهر، بل تصعد دول وتسقط دول أخرى.
وهكذا هي حركة التاريخ، وكما كان الاستيطان اليهودي منسجماً مع صعود القِوى الغربية في العالم في أواخر القرن التاسع عشر، فإنه سيزول في اللحظة التي ستتجه فيها تلك القِوى نحو السقوط.

محمد خليفة
صحيفة الخليج