النفط في أسبوع (متغيرات في صناعة الكهرباء)

النفط في أسبوع (متغيرات في صناعة الكهرباء)

Hybrid_Power_Plant_in_Laghouat_Province,_Algeria

تمر صناعة الكهرباء العالمية في حال من «الغليان» بعد عقود من الاستقرار النسبي، وفقاً للدورية الفصلية لمعهد «أوكسفورد» لدراسات الطاقة، التي خصصت عددها الأخير لدرس التغيرات الحديثة في صناعة الكهرباء ومدلولاتها. هذه التطورات ستترك بصماتها على قطاع الكهرباء الحيوي لفترة طويلة، وعلى الصعيد العالمي برمته.

فهناك مثلاً، التغيير في أنواع الوقود لإنتاج الكهرباء، من الفحم الحجري الى المنتجات البترولية الى الغاز والذرّة، فالطاقة المستدامة من الرياح والشمس. ويتأثر تغيير الوقود بالتطورات التقنية الحديثة وبالسياسات الداعمة لتقليص انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون. كما تتأثر صناعة الكهرباء، كغيرها من الصناعات، بالتطور السريع في نظم المعلومات وتقنية التحكم اللامركزي من خلال استعمال نظم الإدارة الحديثة والتعامل بسرعة مع مرونة الطلب. وتطرح هذه التغييرات أسئلة عدة مثل تقنية الصناعة وعلاقتها بالمستهلكين وأثرها في البيئة.

يؤدي الاعتماد المتوسع على الطاقة المستدامة الى انخفاض تكاليف الوقود المستخدم لتوليد الكهرباء. كذلك، تواجه مؤسسات الكهرباء تحدياً جديداً، غير مألوف لديها سابقاً، وهو الاتجاه نحو دور أوسع للقطاع الخاص، من إنتاج الكهرباء الى توزيعها، والى جباية الفواتير.

تواجه الشركات الخاصة الجديدة صعوبة في التغلغل في الصناعة، نظراً الى ضآلة الهامش الربحي الممكن تحقيقه بسبب قيمة التعرفة. وهنا تطرح أسئلة على الهيئات الناظمة للكهرباء وسياساتها التسعيرية: كيف يمكن فرض تعرفة تأخذ في الاعتبار الأوضاع الاقتصادية لمختلف فئات الشعب الاجتماعية؟ وكيف يمكن الأخذ في الاعتبار استعمال وقود الطاقة المستدامة بدلاً من الوقود الهيدروكربوني أو الذرّة؟ وكيف تستطيع التعرفة دعم اللامركزية في الصناعة؟ وما هو أثرها في ترشيد الاستهلاك؟ ثم ما هو النموذج الاقتصادي الذي يتوجب على الهيئات الناظمة تبنيه من أجل الاهتمام بالمتغيرات الحديثة في الصناعة، وما هي ردود فعل المستهلكين على هذه السياسات؟

يقترح خبراء اعتماد نماذج اقتصادية جديدة للكهرباء، تعتمد على توزيع كلفة المخاطرة وإرسال الإشارات الاقتصادية الى المستهلك لترشيد الطلب. وتوفر التجربة الألمانية مجالاً لدرس النظم الحديثة، حيث تلعب الطاقة المستدامة دوراً مهماً في توليد الكهرباء. كما نشأت شركات حديثة تملك قطاع الطاقة المستدامة وتديره، ما خلق للمرة الأولى منافسة قوية لشركات الكهرباء التقليدية، التي أخذت تخسر الأسواق وتضطر الى توزيع بعض الأعمال التي كانت تقوم بها، على شركات متخصصة مثل البحوث والتطوير والمشاركة مع شركات أخرى في بعض مجالات العمل الذي كانت تنفرد به سابقاً، والاستثمار في المحافظ المالية.

يتطلب استعمال الطاقة المستدامة تعاوناً واسعاً مع المحطات التي تستعمل المصادر الهيدروكربونية في توليد الكهرباء والشبكة القائمة. والسبب هو التباين الكبير في معدلات الطاقة الممكن توليدها من الشمس والرياح، إذ إن الإمدادات تختلف بين فترة وأخرى، والتخزين لا يزال محدوداً، ومن ثم تحصل انقطاعات قصيرة المدى. وأدى الاعتماد الواسع على الطاقات المستدامة الى الاضطرار لإغلاق بعض محطات الكهرباء لفترات قصيرة، وطبعاً إزعاج المستهلكين. هذا الأمر يدعو الى دمج الشبكتين القديمة والحديثة لتلافي انخفاض طاقة التوليد من الشـمس أو الرياح والاستـــعانة بطاقة التوليد الهيدروكربونية. وتدعو وجهة النظر هذه الى ضرورة الاستثمار في كل من الطاقات الحديثة والتقليدية المولدة للكهرباء للحاجة إليهما سواسية حتى إشعار آخر. كما تدعو وجهة النظر هذه الى ضرورة ترشيد استهلاك الكهرباء عموماً، واستعمال الموارد المتاحة بطريقة عقلانية.

كما تواجه الهيئات الناظمة مسؤولية للتعامل مع تنوع إمدادات وقود الطاقة الجديدة: المحطات الكهربائية التي تعتمد على الغاز فقط، أو التي تعتمد على نوعين من الوقود (فيول أويل أو الغاز)، الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح. كما هناك تغيرات مهمة على صعيد الطلب يجب التعامل مع كل منها: استهلاك السيارة الكهربائية للطاقة وتحديات طرق التخزين لاستيعابها كميات أكبر من الطاقة المستدامة.

تعالج دراسة أخرى في الدورية سبب ارتفاع تعرفة الكهرباء في دول السوق الأوروبية مقارنة بها في الولايات المتحدة، خصوصاً منذ العام 2008. إذ لا يمكن تفسير هذه الظاهرة بقيمة التكاليف فقط. فالدراسة تشير الى أن السبب يكمن في زيادة الضرائب وتمويل حملة تقليص انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون أوروبياً، إضافة الى الدعم الحكومي الأوروبي لمصادر طاقوية محلية لتشجيع الفحم الحجري مثلاً. فارتفاع أسعار الكهرباء أوروبياً بالنسبة الى سعره في الولايات المتحدة لا يعكس قيمة التكاليف الفعلية، بل كلف أهداف سياسات طاقوية.

وتواجه الصين تحديات تشبه مثيلاتها في الدول النامية. فهناك صعوبات في دمج موارد الطاقة الجديدة والقديمة في شبكة توزيع موحدة، في وقت تحاول الصين تطوير القطاع الصناعي من خلال السياسة التسعيرية والمؤشرات الاقتصادية التي تعلنها بين الحين والآخر. وتشير تجربة الصين الى تأخر تعاملها مع ردود فعل الطلب على سياساتها الجديدة، وعلى اهتمامها بتقليص التلوث البيئي في المدن الكبرى. وتستمر السياسة الصينية باعتماد التحكم المركزي بالكهرباء، بدلاً من اللامركزية.

وعلى رغم الاستعمال الواسع للطاقة المستدامة في الصين، وهي الأكبر في إنتاج الطاقة من الرياح عالمياً، تجد الدراسة أن نحو 15 في المئة من هذه الطاقة الجاهزة تقنياً لم تمتد الى الشبكة الكهربائية خلال النصف الأول من عام 2015، ومن ثم تم إغلاقها. ويعود السبب في ذلك الى فقدان التنسيق اللازم بين محطات الرياح والشبكة الكهربائية. يضاف الى ذلك عدم توافر المرونة الكافية في تلبية الطلب الجديد، وعدم توفير الحوافز اللازمة لشركات الشبكة ولمحطات الكهرباء المعتمدة على الفحم الحجري.

وليد خدوري
جريدة الحياة