Arctic Conflict :صراعات الهيمنة على القطب الشمالي بين الدول الكبرى

Arctic Conflict :صراعات الهيمنة على القطب الشمالي بين الدول الكبرى

تتزايد أهمية القطب الشمالي بشكل مضطرد مع بروز تأثير التغيرات المناخية، وتسارع ذوبان الجليد، وانكشاف مساحات واسعة من المحيط القطبي الشمالي أمام حركة الملاحة والاستكشاف معا. وتتمثل أهمية القطب في أمرين، أولهما الطرق البحرية الجديدة بين جنوب شرق وشرق آسيا، وبين أوروبا والولايات المتحدة، والتي ستساهم في تخفيض التكاليف وزمن الرحلات البحرية، وربما تمثل منافسًا محتملا لقناة السويس. وثانيهما الثروات الهائلة التي يختزنها باطن المحيط، وبخاصة من النفط والغاز.

التغيرات المناخية في القطب الشمالي:

يشهد القطب تراجعًا مضطردًا في درجات الحرارة بشكل مستمر منذ عقود، فارتفاع درجات الحرارة في القطب يبلغ ضعف المعدل العالمي لباقي مناطق الكوكب، وقد تراجع الغطاء الثلجي في القطب الشمالي بنسبة 40% خلال العقود الماضية، وهو معدل غير مسبوق. ويوضح الشكل التالي نسب انخفاض الثلوج في القطب منذ عام 1979.

بينما ذكرت لجنة الأمم المتحدة للمناخ في 2013 أن المحيط القطبي الشمالي سيصبح قابلا للملاحة كل عام في شهر سبتمبر بحلول منتصف القرن الحالي بفعل ذوبان الجليد، والذي سيختفي خلال أشهر الصيف بحلول نهاية القرن، وقد بلغت نسبة التراجع في الغطاء الجليدي أقل معدلاتها في سبتمبر 2007 منذ أن بدأ تصوير القطب الشمالي بالأقمار الصناعية عام 1979.

محفزات استغلال موارد الطاقة

يعد القطب الشمالي من المناطق الغنية بموارد الطاقة منذ أن اكتشف الاتحاد السوفيتي أول حقل نفطي وغازي ضخم في 1962 في مدخل بحر كارا في سيبيريا الغربية، بينما اكتشف الأمريكيون في عام 1968 حقل بترول ضخمًا في ألاسكا على بعد 250 ميلا من القطب الشمالي، وفي هذا الصدد قدرت هيئة المساحة الجيولوجية الأمريكية أن ما يقارب ربع الاحتياطي العالمي غير المستكشف من موارد الطاقة يتركز في القطب الشمالي؛ بنسبة 22% من البترول، و78% من الغاز.

وتقع معظم موارد الطاقة في قاع المحيط القطبي الذي يشكل المنطقة الأقل استكشافًا على مستوى العالم، ويقدر الاحتياطي الأمريكي غير المستكشف في هذه المنطقة بـحوالي 30 مليار برميل، بينما تمتلك روسيا الحصة الأكبر من موارد الطاقة في القطب الشمالي حتى الآن، حيث اكتشفت روسيا ما لا يقل عن 43 حقلا للنفط والغاز في القطب الشمالي حتى نهاية عام 3013 في مقابل 11 حقلا للولايات المتحدة، و6 حقول اكتشفتها كندًا، وحقل واحد للبترول اكتشفته النرويج.

وتحتل احتياطات الطاقة سالفة الذكر أهمية قصوى لروسيا، على عكس الولايات المتحدة، فالولايات المتحدة التي يبلغ احتياطها من النفط 30 مليار برميل تشهد حاليًّا طفرة في صناعة النفط والغاز الصخري يتوقع أن تؤدي لتحقيقها الاكتفاء الذاتي من النفط بحلول عام 2030، وستصبح دولة مصدرة للنفط بحلول عام 2035، بينما تكاد تقترب من حافة الاكتفاء الذاتي من الغاز بنسبة 95%، وفي هذا الصدد يعد النفط الصخري أسهل استخراجًا وأقل تكلفة من استخراج النفط والغاز القطبي.

أما عن تأثير الاستكشافات الجديدة على سوق الطاقة العالمية، فقد توقع تقرير لشركة Lloyd الإنجليزية أن النفط والغاز المستخرجين من القطب سوف يساهمان فقط بنسبة محدودة، وفي هذا الصدد يتوقف التأثير الاقتصادي لاكتشافات النفط والغاز في القطب الشمالي على عدة عوامل رئيسية:

1- أسعار النفط العالمية: فالأسعار المرتفعة لبرميل البترول تعد حاسمة للجدوى الاقتصادية للاستخراج من القطب الشمالي، خاصة إذا كان هذا الارتفاع مستمرًّا على المدى المتوسط والطويل. فقد اضطرت شركة جازبروم الروسية لترك حقل (Shtokman) في بحر بارنتس عام 2012 بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج، أما شركة شل العملاقة فقد أوقفت استكشافاتها النفطية في ألاسكا الأمريكية بعد المشاكل التقنية المتعددة التي واجهتها، بالإضافة للتكاليف المرتفعة التي تعدت 5 مليار دولار.

2- التطور التقني: يُعد التطور التقني عنصرًا حاسمًا في الاستكشافات النفطية في المحيط القطبي، نظرًا لصعوبة الأوضاع المناخية من جهة، ووجود جزء من الحقول في المياه العميقة من جهةٍ أخرى، بالإضافة للتكاليف الباهظة لعملية الاستخراج، وهو التطور الذي تعترضه عقبات عديدة على المدى القصير والمتوسط، وفي المقابل فإن التوسع في تقنيات استخراج النفط الصخري خاصة في الولايات المتحدة قد يقلل من اتجاه الشركات النفطية لتطوير تقنيات لاستخراج النقط القطبي، لصالح النفط الصخري.

3- التغيرات المناخية: حيث إن تطور حركة الاستكشاف والملاحة واستخراج الثروات سيتوقف إلى حد كبير على مدى سرعة هذه التغيرات، كما أن الجهود الدولية لمكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري، وجهود مجموعات حماية البيئة خاصة في الدول الاسكندنافية تسعى للحد من الظاهرة.

4- البنية التحتية: إذ تُعد البنية التحتية حيوية لأي استكشاف واستغلال اقتصادي لموارد القطب الشمالي؛ حيث تفتقر كندا والولايات المتحدة للبنية التحتية الملائمة لاستخراج الموارد النفطية من القطب الشمالي، مثل موانئ ومستودعات التخزين، وخطوط نقل النفط والغاز، بالإضافة إلى أسطول بحري كافٍ، خاصة من كاسحات الجليد. وباستثناء روسيا التي استثمرت مبالغ ضخمة في هذا المجال، فإن باقي الدول تواجه نقصًا حادًّا في تلك المستلزمات، مما يعيق استغلالها اقتصاديًّا.

هل تصلح الممرات الملاحية الشمالية بديلا لقناة السويس؟

يبلغ طول الطريق الملاحي الشمالي ما يقارب 3 آلاف ميل من المحيط الأطلنطي إلى الهادي، وقد جرت أول رحلة لسفينة تجارية تُسمى SS Manhattan في عام 1969 اخترقت فيها المحيط الشمالي من نيويورك عبر الأطلنطي، ثم عادت إلى نيويورك مرة أخرى، لكن هذه الرحلات لم تُستأنف لارتفاع التكاليف مقارنة بالطرق الأخرى، على الرغم من أن هذا الطريق الشمالي يستغرق وقتًا أقل بنسبة 30% من طريق قناة السويس لرحلة تنطلق من ميناء هامبورج الألماني إلى ميناء شنغهاي الصيني. كما أن فرق المدة بين طريق قناة السويس والممر الملاحي العابر للقطب الشمالي لرحلة بحرية من ميناء بوسان إلى ميناء روتردام يصل إلى حوالي 13 يومًا. وفي هذا الصدد تزايدت أعداد سفن النقل التي تستخدم الطريق الشمالي منذ عام 2009، لتقفز من 5 سفن فقط عام 2009 إلى 71 سفينة عام 2013.

وقد أدى تزايد أعداد السفن المارة بالطريق القطبي الشمالي إلى إثارة المخاوف من تأثير هذا الطريق المحتمل على قناة السويس، والتداعيات الاقتصادية لهذا التحول المحتمل. لذا فإن هناك عددًا من العوامل التي ستحدد مدى قدرة الطريق الجديد على منافسة قناة السويس:

1- كثافة العبور: يمكن القول إن عدد السفن المارة بالطريق الشمالي لا يزال ضئيلا للغاية مقارنة بمعدلات العبور بقناة السويس؛ إذ تمر 17 ألف سفينة في المتوسط سنويًّا من القناة من جميع الأحجام والأنواع، في مقابل 71 فقط في عام 2013 من الطريق الشمالي.

2- الظروف المناخية: ينفتح الطريق الشمالي موسميًّا فقط في الصيف في شهر سبتمبر، ويكون مغلقًا بالجليد باقي العام، ولا بد من وجود مرافقة كاسحات جليد للسفن العابرة لإزالة أية كتل جليدية، لذا فإن انفتاح الطريق يتوقف على ذوبان الجليد، وهو الذي قدرت لجنة الأمم المتحدة للمناخ بأنه لن يتحقق قبل منتصف القرن الحالي على الأقل في موسم الصيف.

3- الجدوى الاقتصادية: رغم أن الطريق البحري الشمالي أقصر من قناة السويس، فإنه يتطلب مرافقة كاسحات للجليد بشكل مستمر، فحتى خلال فصل الصيف، فإن الجليد يعيق الملاحة البحرية، وتبلغ تكلفة تأجير الكاسحة الواحدة 400 ألف دولار، بالإضافة إلى نفقات التأمين المرتفعة، ولذا فإن السفن الصغيرة والمنفردة لن تستطيع استخدام الطريق الشمالي لارتفاع التكلفة مقارنة بسفن الحاويات الضخمة. كما أن الجدوى الاقتصادية ستكون أكبر إذا عبرت السفن في شكل قوافل وليس بشكل منفرد لتوفير النفقات.

3- التنافس الدولي: من المتوقع أن تتأثر معدلات العبور للطريق الشمالي بتصاعد التنافس الدولي على الهيمنة على القطب الشمالي، فروسيا هي الدولة المؤهلة حاليًّا ببنيتها التحتية وامتلاكها العدد الأكبر من كاسحات الجليد لكي تؤدي الدور الأكبر في تيسير المرور بهذا الطريق، وهو الأمر الذي تتحفظ عليه الولايات المتحدة وكندا في سعيهما لكي يمر الطريق البحري بمياههما، بينما يفتقران حاليًّا للبنية التحتية وكاسحات الجليد.

لذا يمكن القول إن الطريق البحري الشمالي لا يشكل بعد تهديدًا ملحًّا لقناة السويس على المدى القصير والمتوسط، لكنه سيشكل تحديًا جديًّا للقناة على المدى الطويل مع ذوبان الجليد بشكل دوري، وربما مع تطورات تقنية في صناعة كاسحات الجليد تساهم في تخفيض تكلفتها ورفع كفاءتها، كما أن هذا الطريق ليس فقط منافسًا لقناة السويس، بل أيضًا لقناة بنما؛ حيث ستنخفض تكلفة ومدة العبور عبر الطريق الشمالي للانتقال من الساحل الغربي للولايات المتحدة وكندا، أو من ألاسكا إلى دول القارة الأوروبية، بدلا من المرور عبر قناة بنما إلى الأطلسي ومن ثم لأوروبا، حيث كشفت رحلة قامت بها سفينة دنماركية في سبتمبر 2013 عن توفير 800 ألف دولار من الوقود حينما استخدمت ممرات القطب الشمالي البحرية مقارنة باستخدام طريق قناة بنما.

قضايا الصراع علي القطب الشمالي

لم تتفجر مواجهات واسعة النطاق للسيطرة على القطب الشمالي حتى الآن على الرغم من بوادر الصدام بين القوى الكبرى، حيث يدار القطب الشمالي من خلال مجلس القطب الشمالي الذي تأسس عام 1996 بعد توقيع 8 دول على إعلان أوتاوا، ويضم المجلس خمس دول لها سواحل ممتدة على المحيط القطبي هي كندا والولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والدنمارك والنرويج، بالإضافة إلى ثلاث دول أخرى هي فنلندا والسويد وأيسلندا. كما يضم المجلس 12 دولة تحمل صفة مراقب، ومجموعات من السكان الأصليين تحت اسم المشاركون الدائمون.

ويعد المجلس منتدى للتعاون في القضايا الإقليمية الخاصة بالتنمية وحماية البيئة، ويقع مقر الأمانة العامة له في النرويج، ورئاسته دورية تتجدد كل عامين، وقد سبق إنشاء المجلس عقد بعض الاتفاقات المهمة لحماية البيئة، كاتفاقية الحفاظ على الدببة القطبية التي وقعتها الدول المطلة على المحيط القطبي عام 1973، وتم تدعيمها باتفاق ثنائي أمريكي روسي عام 2000. كما وقعت روسيا والدنمارك والسويد وأيسلندا والنرويج وفنلندا على استراتيجية حماية البيئة في القطب الشمالي عام 1991، وهي اتفاقية غير ملزمة لحماية البيئة البرية والسكان الأصليين في القطب من التلوث بعد حادثة الناقلة Exxon Valdez عام 1989، وفي مايو 2008 وقعت الدول المطلة على المحيط القطبي على إعلان يطلق عليه Ilulissat Declaration في النرويج للتأكيد على احترام البيئة البحرية، وحرية الملاحة، والبحث العلمي للقطب، والالتزام بالقانون الدولي في حل المشكلات.

وفي السياق ذاته، يدار القطب الشمالي وفق اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982، والتي حددت المياه الإقليمية بحوالي 12 ميلا بحريًّا، وحدد المناطق الاقتصادية الخالصة بحوالي 200 ميل بحري، والجرف القاري بحد أقصى 350 ميلا، وضمنت حقوق الملاحة في المحيط باعتباره من أعالي البحار، وهي المساحة المقدرة بحوالي 1.1 مليون متر كعب بين المناطق الاقتصادية الخالصة للدول الخمس. وتجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة لم تصدق على الاتفاقية لرؤية بعض الاتجاهات داخل الكونجرس أنها مقيدة للمصالح الأمريكية. بيد أنه يمكن هنا حصر الصراع الدولي في القطب الشمالي في 4 نقاط أساسية:

1- الحدود البحرية: تتعدد الخلافات الحدودية بين دول القطب، فهناك الخلاف الكندي الأمريكي ببحر (Beaufort)، والخلاف الكندي الدنماركي حول جزر هانس، والخلاف الروسي الأمريكي حول اعتبار روسيا لأجزاء من الطريق الشمالي في سيبيريا جزءًا من المياه الداخلية، وفي سبتمبر 2010، اتفقت روسيا والنرويج على تسوية خلافهما الممتد عبر حوالي 40 عامًا بتقسيم المنطقة المتنازع عليها في بحر بارنتس مناصفة، وتطوير الحقول النفطية المشتركة، كما أن الخلاف بين الدول سالفة الذكر معقد للغاية، وغير قابل للتسوية فيما يتعلق بتحديد المنطقة الاقتصادية، وامتداد الجرف القاري.

2- الخطوط الملاحية: تسعى الدول الخمس للحصول على الحصة الأكبر من خدمات الطريق البحري الشمالي، خاصة روسيا التي استثمرت في بنيتها التحتية وأسطول كاسحات الجليد، وتسعى لتحويل الطريق الشمالي لموانئها، لكن كندا ترى أن الطريق الشمالي ليس طريقًا بحريًّا حرًّا، بل هو يقع ضمن مياهها الداخلية، وهو ما ترفضه الولايات المتحدة، ويوضح الشكل التالي الطريق الشمالي وفق الرؤية الكندية، وكيفية مروره بمياهها الداخلية:

3- الموارد الطبيعية: يقع جزء مهم من موارد الطاقة والموارد السمكية في مياه الدول المطلة على المحيط القطبي، ويكمن الخلاف الأساسي حول الحقول النفطية والغازية الواقعة في المياه الدولية، خاصة أن انحسار الجليد سيُتيح إمكانية الاستغلال الاقتصادي، وتسعى العديد من الدول من خارج القطب إلى الدخول لحلبة المنافسة للحصول على حصة من الموارد من خلال شراكات مع الدول المطلة على المحيط، وإرسال سفنها للمياه الدولية.

4- إدارة المنطقة القطبية: يظل مجلس القطب الشمالي مجرد منتدى لتنسيق المواقف، وليس لإدارة شئون المنطقة، وفي هذا الصدد تتبع روسيا سياسة ثابتة تقضي بقصر اتخاذ القرارات التي تخص المنطقة على دولها فقط، وتحديدًا الدول الخمس المطلة على المحيط القطبي، في مقابل موقف أمريكي مرحب بدور أكبر للأعضاء المراقبين.

فروسيا تنظر لهؤلاء الأعضاء على أنهم حلفاء محتملون للولايات المتحدة ضدها، وبالتالي يمكنهم التضامن لإنشاء قواعد قانونية جديدة لا توافق عليها، وتحويل المجلس إلى منتدى دولي تحظى فيه الدول الغربية باليد العليا في اتخاذ القرار. وفي إطار سعي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتعزيز السيطرة الروسية على القطب الشمالي؛ فإن روسيا بلورت سياسة واضحة تجاه القطب الشمالي، تسعى لتحقيق عدة أهداف:

• جذب الاستثمارات: حيث إن الاستثمارات باتت حيوية لدفع النشاط الاقتصادي في القطب الشمالي وتطوير صناعة النفط التي تعتمد على الشراكات مع الأطراف الأجنبية، خاصة بالنسبة لتكنولوجيات الاستخراج من المياه العميقة، كما أن جذب الاستثمارات يعد شرطًا لتحقيق التوازن الديموغرافي، فروسيا تتميز باتساع المساحة وقلة عدد السكان، وتسعى لتوزيع سكانها بشكل يحقق أمنها على كامل رقعتها. وتعد روسيا الدولة ذات الحضور السكاني الأكبر في القطب الشمالي، حيث استوطن حوالي 2.1 مليون روسي على السواحل المطلة على المحيط القطبي في مقابل 1.3 مليون مواطن ينتمون لدول أوروبية و827 ألف مواطن ينتمون لقارة أمريكا الشمالية.

• تعزيز أمن الطاقة: تعتمد الميزانية الروسية على إيرادات الطاقة، لذا فإن استكشاف الحقول الجديدة وتنميتها تعد على رأس أولويات القيادة الروسية. ويقع جزء كبير من الاحتياطي الروسي في القطب الشمالي يقدر بحوالي 95% من احتياطيات الغاز و60% من احتياطيات البترول.

• التحكم في الطريق الشمالي: تطمح روسيا إلى تحويل الطريق الشمالي لطريق منافس لقناة السويس بالتوازي مع عدة مشاريع أخرى تطرحها كمشروع خط حديد سيبيريا الذي سيتم وصل طرفه الغربي بشبكة السكك الحديدية الروسية للوصول لقلب أوروبا، أما الطرف الشرقي فيتم وصله بشبكة السكك الحديدية الصينية للوصول إلى قلب آسيا. وتمتلك روسيا أسطولا كبيرًا من كاسحات الجليد، وتخطط لبناء كاسحات تعمل بالطاقة النووية.

• تعزيز السيطرة العسكرية: من بين كافة الدول المطلة على المحيط القطبي الشمالي، تعد روسيا الدولة الوحيدة غير العضو في حلف الناتو. لذا فقد أصدر “بوتين” قرارًا بإنشاء القيادة الاستراتيجية للأسطول الشمالي الموحد لتكون مسئولة عن حماية القطب الشمالي بحلول نهاية عام 2014. كما قامت روسيا بتعزيز البنية التحتية وبناء الموانئ، والبدء في مشروعات نفطية واسعة.

وفي هذا الصدد، تُعد روسيا الدولة الأولى الأكثر استكشافًا ونشاطًا في القطب نظرًا لاعتماد ميزانيتها على المشتقات النفطية، وبدرجة كبيرة مقارنة بالدول الأخرى. وتلعب الشركات الروسية الحكومية الدور الأكبر في عملية الاستكشاف والتنقيب عن النفط والغاز، وتسعى روسيا لإثبات امتداد سيادتها على مياه القطب في إطار صراع ترسيم الجرف القاري، وهو ما دفعها لإرسال الغواصة مير في أغسطس 2007 لزرع العلم الروسي في قاع المحيط القطبي، وإثبات أحقيتها بالجرف القاري، كما تسعى روسيا للتعاون مع الصين التي دخلت كعضو مراقب في مجلس القطب لموازنة دور حلفاء الولايات المتحدة.

عوائق استغلال الثروات القطبية:

على الرغم من افتقاد الصراع على موارد وممرات القطب الشمالي للحدة التي تؤهله لتصدر الاهتمام الدولي على المدى القريب، فإن عدة قضايا جدلية من المرجح أن تُطرح بقوة على الأجندة الدولية في المستقبل القريب لتصبح محورًا لصراع ممتد بين الدول الكبرى، وتتمثل تلك القضايا فيما يلي:

1- تصاعد التنافس الدولي: من المتوقع أن يتصاعد التنافس الدولي على القطب الشمالي في المدى المتوسط، خصوصًا على الموارد الطبيعية والطرق البحرية، خاصة في ظل الخلافات الحدودية بين دول القطب، لكن التنافس الإقليمي والدولي لا يتوقع تحوله إلى نزاع ذي طابع عسكري، في ظل سعي جميع الأطراف لجذب الاستثمارات، والحصول على حصة أكبر من الموارد، وسيكون العامل الأبرز هو دخول القوى الدولية والصاعدة في حلبة التنافس إلى جانب دول المنطقة.

2- استكشاف النفط والغاز: سيؤدي زيادة استكشاف النفط والغاز لزيادة التلوث، والتأثير على التنوع البيولوجي والكائنات النادرة، ففي ديسمبر 2011 غرقت السفينة الروسية Kolskaya التابعة لشركة جازبروم مخلفة 53 قتيلا، وهي الحادثة الثانية بعد حادثة الناقلة Exxon Valdez التي أدت لتسرب 11 مليون جالون من النفط الخام عام 1989، لذا فإن أعضاء مجلس القطب وقعوا في 2013 اتفاقًا لتنظيم إجراءات التصدي للتلوث، وتدعيم التعاون البيني في هذا المجال، لكن ما تزال إجراءات الاستخراج والاستكشاف خاضعة للقوانين الوطنية لكل دولة، كما أدى التنقيب عن النفط لارتفاع حدة المنافسة بين الدول المطلة على المحيط القطبي، وتطلع الدول غير القطبية للدخول على خط المنافسة.

3- النقل البحري: تزداد حركة النقل البحري عبر القطب بشكل مضطرد، مما يُثير انتقادات المجموعات البيئية من زيادة نسب التلوث نتيجة الحوادث ومخلفات السفن، كما أن ازدياد حركة النقل البحري قد أثارت مزيدًا من المنافسة بين روسيا والولايات المتحدة وكندا حول طرق النقل البحري، والخدمات المقدمة للسفن.

4- استغلال الثروة السمكية: يتمتع المحيط القطبي بثروات سمكية كبيرة وغير مستغلة لوجود الجليد. لكن تغير الأحوال الجوية وذوبان الجليد وارتفاع درجات الحرارة سيؤدي لهجرة أنواع سمكية جديدة وبالتالي زيادة الصيد فيها، خاصة في المياه الدولية، وهو ما دفع بعض دول مجلس القطب الشمالي في 2013 لمحاولة تبني اتفاق يمنع الصيد التجاري في المياه الدولية، لكن دون نجاحها في إبرام اتفاق نهائي.

محمود بيومي : باحث سياسي

نقلا عن المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية

http://goo.gl/8jWytm