العبادي عاجز عن الخروج من مأزق الحكومة العراقية

العبادي عاجز عن الخروج من مأزق الحكومة العراقية

_76821_1

وجد رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي نفسه أمام عجز حقيقي عن إعلان تغيير يلبي طموحات العراقيين، بالرغم من تقديمه أمس قائمة مقترحة بأسماء الوزراء الجدد إلى مجلس النواب، في وقت أعلن رجل الدين الشاب مقتدى الصدر إنهاء اعتصامه ومطالبا أنصاره بإنهاء الاعتصام عند بوابات المنطقة الخضراء.

وتدفع قوى سياسية وطنية وكذلك المرجعية الدينية في النجف وعلى رأسها آية الله علي السيستاني في اتجاه تشكيل حكومة تكنوقراط من الكفاءات الوطنية العراقية في مسعى لمعالجة سنوات الفشل السياسي التي تلت غزو 2003.

يأتي هذا فيما زاد حجم التوقعات بالبحث عن بديل للعبادي يستطيع أن يقاوم ضغط الأحزاب الدينية ويفرض إصلاحات جدية. وقد عاد الحديث من جديد عن أمين عام مجلس الوزراء عماد الخرسان بديلا لرئيس الوزراء الحالي.

وسلم العبادي البرلمان 16 حقيبة وزارية جديدة للحكومة المقبلة، وطلب من البرلمان دراسة السير الذاتية للوزراء في غضون 10 أيام.

ومن الواضح أن العبادي رضخ للضغوط في أهم عنوان من عناوين الإصلاح العاجلة، إذ حافظ على وزير الداخلية محمد سالم الغبان الذي ينتمي إلى منظمة بدر رغم الشكاوى من التجاوزات التي سجلت حول أدائه، وخاصة ما تعلق بإبعاده للعشرات من مسؤولي وضباط الوزارة واستبدالهم بضباط من ميليشيات منظمته.

والرضوخ لمنظمة بدر المرتبطة بإيران رسالة مهمة للعراقيين بأن تعهدات رئيس الوزراء بتقليص نفوذ الحشد الشعبي وتقوية دور وأداء الجيش والقوات العراقية كانت مجرد وعود ليس أكثر.

إلى ذلك يكشف عجزه عن تحدي الدور الإيراني عن أنه لم يتخلص من كونه مرشحا عن حزب الدعوة، وأنه من الصعب الرهان عليه كشخصية تدافع عن استقلال القرار الوطني العراقي، ومن ثمة من الصعب أن يلقى دعما من خارج الأحزاب الدينية.

ورغم غموض التسريبات بخصوص قائمة الوزراء، فإن مراقبين لم يستبعدوا أن يعمد العبادي إلى اقتراح أسماء غير معروفة وتبدو مصنفة “تكنوقراط” لكنها تنتمي إلى الأحزاب وتراعي توازن المحاصصة الطائفية، أو قد يلجأ إلى الزج بأسماء جديدة لوزارات سيادية على أن يكون دورها صوريا وتستمر أحزاب التحالف الوطني (الشيعي) بالسيطرة عليها وإدارتها من وراء الستار.

وقال التلفزيون الرسمي العراقي إن العبادي رشح نزار سالم النعمان لمنصب وزير النفط، وعلي علاوي لمنصب وزير المالية، والشريف علي بن الحسين -أحد أقرباء ملك العراق الذي أطيح به في 1958 – لمنصب وزير الخارجية.

ويرى مراقبون للشأن العراقي أن رئيس الوزراء الحالي غير قادر على الانفصال عن حزب الدعوة. وهو ما يعني استمرار نوري المالكي، زعيم الحزب، في الاضطلاع بدور الرجل الأقوى، بالرغم من غيابه الصوري عن السلطة.

وأشار مراقب سياسي عراقي إلى أن العبادي جيء به إلى السلطة من أجل ألا تبدو الضربة التي وجهت إلى نوري المالكي وكأنها توجه أيضا إلى حزب الدعوة الذي ينتميان إليه، لافتا إلى أن نظام المحاصصة كان أقوى منه، وقيده بوزراء اضطر للعمل معهم من غير أن يرغب في ذلك.

وأضاف المراقب في تصريح لـ”العرب” أن قدرة العبادي على المناورة كانت محدودة، وقد وضعه غياب غطاء المرجعية الدينية في النجف وحيدا أمام مقتدى الصدر، الرجل الذي لم يكن مستعدا لخسارة شعبيته التي استنهضها من خلال مطالبته بالتغيير الشامل.

وفي خطوة مفاجئة، دعا الصدر أنصاره الخميس إلى إنهاء الاعتصام عند بوابات المنطقة الخضراء.

وفي كلمة تلفزيونية، وصف الصدر تشكيل الحكومة الجديدة بأنه “مشجع” ودعا أنصاره إلى الانسحاب من المنطقة التي تضم مكاتب الحكومة والبرلمان بعد الاعتصام لنحو أسبوعين.

وهذا الانسحاب قد يعكس وجود ضغوط على الزعيم الشيعي من إيران والأحزاب المرتبطة بها، خاصة أن التشكيل الحكومي ليس فيه ما قد يدفع الصدر إلى وقف الاعتصام والإشادة به.

ولفت المراقب إلى أن الفشل الشخصي واضح تماما في تجربة العبادي الحكومية، غير أن تداعياته لن تؤدي إلى نهاية حكم حزب الدعوة وحده، بل إلى تراجع دور التحالف الوطني الذي لن يحصل على أغلبية مطلقة في مجلس النواب، إذا ما تم اللجوء إلى انتخابات مبكرة.

وعاد الحديث وبقوة عن تكليف المهندس عماد الخرسان بتشكيل حكومة من الكفاءات بعد سنوات من الفشل السياسي والأمني وإنهاء رئاسة حزب الدعوة الإسلامي للحكومة العراقية، خاصة أن موقف المرجعية داعم وبقوة لقيام حكومة كفاءات مستقلة عن سطوة الأحزاب التقليدية.

ويحظى الخرسان بدعم واسع من الأوساط العراقية غير المنخرطة في العملية السياسية وجهات مستقلة داخل مرجعية النجف. وسبق أن طرح اسمه بديلا للعبادي في أكتوبر الماضي وسط تأكيدات مختلفة عن رضا أميركي وعربي عنه للخروج بالعراق من الأزمة التي أنتجها نظام المحاصصة الطائفية منذ غزو 2003.

ويعتبر الخرسان أحد الكفاءات العراقية البارزة، وهو معروف بجرأته في محاربة الفساد والطائفية. وقد استقدمه العبادي ليكون أمينا عاما لمجلس الوزراء ولم يتم فرضه من أي جهة حزبية، خاصة أنه لا ينتمي إلى أيّ من الأحزاب المتصارعة على الساحة السياسية.

صحيفة العرب اللندنية