الكل يريد، والعبادي وحيد

الكل يريد، والعبادي وحيد

297428365
في خطوة يبدو أنها غير محسوبة، أقحم حيدر العبادي، رئيس مجلس الوزراء العراقي، نفسه في أزمة سياسيةٍ خطيرةٍ، عبر دعوته إلى إجراء تغيير وزاري شامل وجوهري على أساس التكنوقراط، وبعيداً عن المحاصصة الحزبية؛ إلا أن دعوته هذه اصطدمت برياح معارضة الكتل السياسية القوية التي أتت بما لا تشتهيه سفن العبادي، إذ أطاحت مشروعه الإصلاحي، وحفّزت الشعب للخروج بالمظاهرات ضده، أو للضغط عليه من أجل تنفيذ ما وعد به من إصلاحات، والقضاء على المحاصصة السياسية، وتشكيل حكومة تكنوقراط غير حزبية، ومن ثم اعتصم التياران الصدري والمدني أمام المنطقة الخضراء للضغط على العبادي والكتل السياسية، ثم التحق بهم السيد مقتدى الصدر .
في الفترة القليلة الماضية، كان العبادي يعاني من غياب الرؤية أو تشويشها، ولم يتحلَّ بالجرأة والشجاعة لاتخاذ مواقف حاسمة، دفاعاً عن مشروعه الإصلاحي، وإنما بدأ بالانصياع لضغوط الكتل السياسية التي سرعان ما استغلت ذلك، وبدأت طرح مشاريع ورؤى إصلاحية خاصة بها، مشترطة تنفيذها والأخذ بها، فكانت مواقف الكتل من التغيير الوزاري كالآتي:
– التيار الصدري طرح مشروع إصلاحياً، يدعو إلى إجراء تغيير وزاري شامل، وتم طرح أسماء من لجنة شكلها الصدر لذلك، واشترط الأخذ بهذه الأسماء.
– المجلس الأعلى الإسلامي طرح على العبادي أربعة خيارات تراوحت بين: إعلان انسحابه من حزب الدعوة لتمرير تشكيلته الجديدة، أو أن يشكل حكومة خاصة بحزب الدعوة، ويعلن للشعب أنها حكومة الدعوة فقط، أو أن يتم طرح شخص بديل عنه، أو المضي بتغيير وزاري جزئي، مشروط بالتركيز على تغيير رؤساء الهيئات المستقلة وإبعاد عناصر الدعوة عنها.
– إبراهيم الجعفري وحسين الشهرستاني عملا بمبدأ أنا ومن بعدي الطوفان؛ إذ تشير المصادر إلى تمسكهما بمنصبيهما، على الرغم من تظاهرات الطلبة على الشهرستاني والانتقاد الكبير على الجعفري.
– اتحاد القوى العراقية في حيرة من أمره، فتارةً يعلن دعمه المطلق للعبادي، ويقدم وزراؤه استقالتهم له، وتارةً يتمسك بهم، وخصوصاً من الحزب الإسلامي، ويسحب استقالاتهم، ويقول إنها سياسية ليس إلا، ويشترط شروطاً من أجل تمرير التغيير الوزاري.
– التحالف الكردستاني أكثر الكتل وضوحاً عبر تمسكه بنسبة 20% من الكابينة الوزارية، ورفض ترشيح التكنوقراط من دون الرجوع إلى كتلة التحالف الكردستاني.
فضلاً عن ذلك، تكاد تتفق كل الكتل السياسية على أن لا تتم الموافقة على تغيير أي وزير من وزرائها إلا بعد أن يقدم العبادي تقييماً لعمله، وسبباً مقنعاً لإقالته وتغييره، لا أن يكون تغيير لأجل التغيير، وهو ما لم يقدمه العبادي حتى ساعة كتابة المقال، ولعل ذلك من أهم المأخذ على مشروع التغيير الوزاري للعبادي .
ومما تقدم، يبدو أن العبادي يواجه تحديات شعبية (اعتصامات الصدر والمدنيين)، وضغوطاً من الكتل السياسية، فالتياران الصدري والمدني معتصمان على أبواب المنطقة الخضراء للمطالبة بالإصلاح والتغيير الوزاري، والكتل السياسية متمسكة بمناصبها، وتطرح مشاريعها الخاصة، وتشترط شروطاً صعبة على العبادي، من أجل الموافقة على تمرير تغييره الوزاري. وإزاء ذلك، يبدو أن العبادي وحيداً أمام هذه التحديات الشعبية والسياسية، فالشعب المعتصم يريد، والكتل تريد، وبات العبادي أمامهم وحيداً.
للكل مطالب يريد تحقيقها، وكأن العبادي تسلم رئاسة الوزراء بأمر خارجي، ولم يكن مرشحاً عن كتلة التحالف الوطني الذي يبدو أنه قد انفرط عقده إلى درجة تخلى معها عن مرشحه.
ختاماً، نتوجه إلى كتل التحالف الوطني بالقول إن نجاح العبادي نجاحكم، وفشله فشلكم جميعاً، وليس فشلاً له ولحزب الدعوة فقط (بغض النظر عن موقفنا من الحزب)، فهو مرشح التحالف الوطني، ويحسب عليهم، كما تشترك بقية الكتل السياسية المشاركة في حكومة العبادي في تحمل نتائج الفشل، لأنها رضيت به، وصوتت له في مقابل حصولها على حقائب وزارية في حكومته الحالية.

همام السليم
صحيفة العربي الجديد