تكاليف انتاج برميل النفط واثره على الدول المنتجة

تكاليف انتاج برميل النفط واثره على الدول المنتجة

OiL.Info
لقد ادت عاصفة اسعار النفط منذ صيف عام 2014 الى حالة من الرعب هيمنت على الاسواق، وفقدت أسعار النفط حوالي 70% من قيمتها ، وكان النصيب الاكبر من هذه الصدمة للدول المنتجة ذات التكلفة الانتاجية العالية ، وهذه التكلفة تعد مقياس لمدى تأثر الدول المنتجة من الازمة النفطية التي لاتزال تخيم على الاسواق .
ولنتمكن من فهم العلاقة بين كلفة الانتاج والاسعار العالمية وتأثيرها على الدول المنتجة ،لابد لنا من التعرف على التكلفة الانتاجية للدول المنتجة ،وماهي العوامل التي تحدد الكلفة الانتاجية لأي حقل نفطي؟ وماهي انعكاسات التفاوت بين كلفة الانتاج وسعر برميل النفط في لااسواق العالمية ؟
يختلف سعر إنتاج برميل النفط باختلاف الدول المنتجة ، حيث تعتمد تكلفة الانتاج على عدد من العوامل التي تؤثر في تكلفة الانتاج للبرميل الواحد من النفط .
وتعتمد تكلفة الانتاج على مدى احتياج الدولة المنتجة للمادة الخام، وذلك اعتمادا على التكلفة الرأسمالية والتشغيلية لإنتاج برميل واحد منها.
وهنا لابد من التأكيد على ان تكلفة الإنتاج هي من أهم العوامل المؤثرة على الأسعار، فإذا اردنا مقارنة أسعار تكلفة إنتاج النفط في مصدرين مختلفين كلياً نلاحظ أن تكلفة إستخراج النفط العربي رخيصة نسبياً مقارنة بغيرها من الأماكن مثل كندا أو الولايات المتحدة الأميركية، وتميل الأسعار إلى الإرتفاع إذا تم إستتنزاف جميع مصادر النفط الرخيصة ولم يتبقى سوى المصادر الأكثر كلفة.
وتشمل تكاليف الإنتاج التشغيلية تلك التكاليف المتعلقة بعمليات ضخ النفط من الحقول وأعمال الصيانة ومرتبات الايدي العاملة والخبراء ونقل النفط في حين أن التكاليف الرأسمالية هي التكاليف المتعلقة بعمليات التنقيب والحفر والمعالجة وبناء المنشآت والأنابيب والمعدات.
وبحسب الخبراء لا يمكن تحديد كلفة البرميل المضاف دون توفر أرقام حقيقية منبعها خطة تطوير الحقل المستكشف أو توسيع طاقة الحقل المنتج بما فيها المبالغ وانتاج براميل النفط. وهناك حسابات اخرى للغاز المصاحب ،كذلك ان الكلف الرأسمالية الأساسية والكلف التشغيلية ترتبط بكل فترة العمليات التي صرفت من أجلها.
ويجب الإشارة إلى أن التكاليف تختلف من حقل لآخر، ويمكن ان نقول هنا ان طبيعة وجغرافية هي اهم العناصر المؤثرة على تكلفة الانتاج النفطي ، حيث نلاحظ ان الحقول البرية الضخمة مثل حقل “الغوار” في السعودية أو حقل “برقان” في الكويت تقل بكثير عن المعدلات الموضحة في حين تكون تكلفة الإنتاج في الحقول البحرية بالمياه الضحلة أكثر، أما تكاليف الحقول في المياه العميقة كما هو الحال في خليج المكسيك والحقول في البرازيل وغرب إفريقيا فهي مرتفعة جدا.

وبحسب تقارير مختصة فأنه بالرغم من تراجع التكاليف الاستثمارية لإنتاج النفط في دول منظمة” أوبك” عنها خارج المنظمة، إلا أن الظروف السياسية والأمنية في دول الشرق الأوسط جعلت التكلفة الاجمالية للاستثمارات النفطية في معظم دول المنظمة بل في العالم أجمع أكبر بكثير من ذي قبل.
وتزداد تكلفة الاستخراج كلما امتد الاستخراج إلى مخزونات أو احتياطيات ذات جودة أو نقاء أقل.
وبحسب دراسات حديثة فإن التكلفة الإجمالية لإنتاج برميل واحد من النفط البريطاني تشكل الكلفة التشغيلية منه 30.72 دولار و نفقات رأسمالية 21.78 دولار للبرميل والكلفة الكلية 52.5 دولار ، في حين أن أدنى تكلفة إنتاج هي النفط الكويتي حيث تصل إلى 8.5 دولارا للبرميل الواحد .
أما برميل النفط السعودي، فتبلغ تكلفته الإجمالية 9.9 دولار، منها 4.5 دولارا نفقات رأسمالية و5.4 نفقات تشغيلية، بينما تبلغ تكلفة برميل النفط العراقي 10.7 دولارات (5.6 دولارا نفقات رأسمالية و5.1 دولارا نفقات تشغيلية) ويليه النفط الإماراتي، الذي تصل تكلفة إنتاج البرميل الواحد منه إلى 12.3 دولارا، منها 6.6 دولارا نفقات رأسمالية، و5.7 دولارا نفقات تشغيلية.
وفي حين نلاحظ ان دول أعضاء في منظمة اوبك مثل نيجيريا وليبيا وفنزويلا لديها أعلى تكلفة إجمالية لإنتاج النفط الخام.حيث يبلغ إجمالي تكلفة الإنتاج في نيجيريا تبلغ 31.6 $ للبرميل، وفي ليبيا تبلغ 23.80 $ للبرميل، و في الجزائر بلغت التكلفة 23.50 $ للبرميل .
ويذكر أن تكلفة استخراج النفط العراقي منخفضة هي الأخرى من ، برغم وجود العديد من التحديات السياسية والأمنية التي تزيد من تكاليف الاستثمار في قطاع النفط العراقي الا ان الموازنات السنوية كانت تبنى على اساس سعر مرتفع لذلك واجهه العراق عجز كبير في موازناته السنوية بسبب هذا الانخفاض الكبير في اسعار النفط، مازال العراق يواجه تحديات كبيرة نتيجة الازمة المالية التي تعانيها البلاد والمواجهات مع تنظيم داعش وما رافق ذلك من ازمة النازحين.
ولو تأملنا الكلف الانتاجية لعدد من الدول المنتجة سنلاحظ انها تكبدت خسائر هائلة ،كما هو واضح في الشكل اعلاه هناك دول تبيع برميل النفط حالياً بأقل من تكلفة إنتاجه عند مقارنة أسعار النفط في الأسواق العالمية بالتكلفة الفعلية لإنتاج البرميل الواحد وتتصدر القائمة بريطانيا ، ويبقى العدد مرشح للزيادة كلما تراجع الاسعار، ناهيك عن التزاماتها الخارجية مثل القروض والمعاملات البنكية ،وهو كما ذكرنا سابقا كان سببا في انهيار عشرات من الشركات ، وقد تستمر هذه الخسائر وسط مخاوف بأن يستمر فائض المعروض في الأسواق إلى وقت أكثر من المتوقع.
ونشير هنا الى انهيار اسعار النفط وتراجعا بشكل كبير الى 27 دولار للبرميل بداية العام الحالي ، قد ادت الى خسائر ضخمة على المنتجين ولكن بنسب متفاوتة ، وقد كانت شركات النفط عالي الكلفة هي الاكثر تضررا ،وذلك ببساطة لأن سعر بيع برميل النفط لم يكن يغطي تكلفة انتاجه ،وهو ما لاحظناه خلال فترة تهاوي اسعار النفط الى اقل من50 دولارا للبرميل ، وقد اضطرت العشرات من شركات النفط والغاز إفلاسها وتكبدت خسائر بمئات الملايين في أمريكا الشمالية بعد بلوغ ديونها مجتمعة اكثر من 14.1 مليار دولار وهنا نذكر على سبيل المثال شركة التنقيب عن النفط والغاز الأمريكية “ماجنوم هانتر ريسورسيز”، كذلك بلغت خسائر أصول شركات النفط البريطانية أكثر من 10مليارات جنيه إسترليني .
وبحسب تقارير فقد خفضت الشركات العالمية إنفاقها الرأسمالي بنسبة 25% خلال عام 2015 ومن المتوقع أن تخفض إنفاقها الرأسمالي بـ 25% أخرى خلال عام 2016 وذلك عبر تخفيض ميزانيات الحفر والتنقيب وإيقاف بعض المشاريع التي أصبحت غير مجدية .
لم يقتصر تأثير تراجع الاسعار على الدول ذات الكلفة الاستخراجية العالية فحسب ، بل طال دول أوبـــك التي تأثرت موازناتها وتكبدت خسائر كبيرة ،وقد شرعت الكثير من هذه الدول باتباع خطط تقشفية وترشيديه ، وهناك دول مثل العراق وفنزويلا وهي الدول الريعية الاكثر اعتمادا على النفط وهي بطبيعة الحال تقف على حافة الانهيار الاقتصادي بسبب تراجع ايراداتها النفطية بشكل هائل .
وعلى الرغم من الخسائر الضخمة التي طالت المنتجين والشركات العاملة في قطاع النفط الا ان المنافسة الشرسة بين المنتجين ادت الى اطالة عمر الازمة ،فهناك دول تدافع عن حصتها السوقية التي تضررت بسبب المعروض النفطي الضخم في الاسواق والذي تجاوز حاجز 94 مليون برميل يوميا وتسعى الى احداث نوع من التوازن في السوق النفطية، بالمقابل هناك الدول الصناعية الكبرى التي اتخذت من مرحلة ازدهار اسعار النفط التي تجاوزت 115 دولار للبرميل ، واخذت باستخراج النفط العالي الكلفة والذي كان مجديا في تلك المرحلة ،وهي بطبيعة الحال دول تملك التكنولوجيا المتقدمة ورأس المال الضخم وبذلك تضاعف المعروض العالمي من النفط وتراجع الطلب بسبب هذه الوفرة وهذه اهم الاسباب التي ادت الى تراجع اسعار النفط الى هذه المستويات .
ايام قليلة تفصلنا عن اجتماع المنتجين في العاصمة القطرية الدوحة لبحث قرار تجميد الانتاج وهو يضم دول اوبك وروسيا ، وعلى الرغم من معارضة ايران لهذا القرار الا ان دول كثيرة داخل المنظمة تطالب بتخفيض الانتاج لوقف نزيف الخسائر المالية نتيجية سعر برميل النفط المنخفض ، ولكن الواقع ان هذا التوتر سيستمر في العام الحالي وقد يمتد الى بداية العام 2017، فهو مرهون بالعديد من المعطيات مثل تراجع المعروض النفطي وتحسن الاقتصاد العالمي وانتعاش الاقتصاد الصيني ، والعديد من المعطيات التي تؤثر على اسعار النفط ،وهو ماسيجعل الاسواق تنتظر عاما اخر .

عامر العمران

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية