شراكة مستدامة: كيف استثمرت مصر والسعودية زيارة الملك سلمان إلى القاهرة؟

شراكة مستدامة: كيف استثمرت مصر والسعودية زيارة الملك سلمان إلى القاهرة؟

4552

اكتسبت الزيارة التي قام بها العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز إلى مصر، بداية من 7 أبريل 2016، أهمية وزخمًا خاصًا لاعتبارات عديدة: أولها، أنها تتزامن مع تصاعد حدة التهديدات التي تواجهها دول منطقة الشرق الأوسط، سواء لجهة اتساع نطاق تدخلات بعض القوى الإقليمية في الشئون الداخلية للدول الأخرى، أو لجهة تزايد نشاط التنظيمات الإرهابية، التي تسعى إلى الانتقال لمناطق جديدة في المنطقة بعد الضربات التي تتعرض لها في سوريا والعراق، من قبل “التحالف الدولي” وبعص الأطرف الأخرى.

وثانيها، أنها وجهت إشارات عديدة بأن ثمة إدراكًا ملحوظًا من جانب القاهرة والرياض لأهمية التحالف والتنسيق المشترك بين الطرفين في مواجهة تلك التهديدات، والذي لا ينفي في الوقت نفسه وجود تباينات في سياسات الطرفين إزاء التعامل مع بعض الملفات الإقليمية، تعود في الأساس إلى حسابات ورؤية كل دولة للمسارات المحتملة التي يمكن أن تتجه إليها تطورات تلك الملفات، وتأثيراتها على أمن ومصالح كل منهما.

وثالثها، أنها هدفت إلى رفع مستوى التعاون بين الطرفين، من خلال التوقيع على اتفاقيات متعددة وصلت قيمتها الإجمالية إلى نحو 25 مليار دولار، لم تركز على المجال الاقتصادي فقط، وإنما امتدت إلى مجالات أخرى على غرار التعليم والصحة والإسكان والبنية التحتية.

 دلالات عديدة:

لكن اللافت في هذا السياق هو أن توقيع الطرفين على اتفاقية تعيين الحدود البحرية حاز على قدر كبير من الاهتمام في ظل الجدل الذي أثاره، وهو ما يطرح دلالات عديدة: أولها، أن هذا الجدل لا ينفي أن التوقيع على تلك الاتفاقية يمثل انعكاسًا لاتجاه إقليمي عام في منطقة الشرق الأوسط نحو تسوية مشكلات وقضايا الحدود، كانت مصر والسعودية طرفين مشاركين فيه، حيث شهدت الفترة الماضية، وخاصة في عام 2015، توقيع عدة دول في المنطقة على اتفاقات لترسيم الحدود فيما بينها، فضلا عن اتخاذ دول أخرى خطوات إجرائية لتعزيز هذا الاتجاه.

فقد وقعت كل من إيران وسلطنة عمان، في مايو 2015، على اتفاقية تحديد الحدود البحرية بين البلدين في منطقة بحر عمان، خلال زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى مسقط. كما أكدت كل من مصر وقبرص واليونان خلال القمة الثلاثية التي عقدت في نيقوسيا، في أبريل 2015، على ضرورة إجراء مزيد من المشاورات حول ترسيم المناطق البحرية الخالصة بينها. وواصلت مالي وموريتانيا، في يناير 2016، إجراء مباحثات من أجل ترسيم الحدود بينهما، في حين أعلنت السودان، في مارس 2016، عن إنشاء مفوضية وطنية لترسيم الحدود مع دول الجوار.

ومن دون شك، فإن اتجاه دول المنطقة إلى اتخاذ خطوات إجرائية في هذا السياق يعود إلى رغبتها في رفع مستوى التعاون فيما بينها واحتواء الخلافات التي قد تثيرها القضايا المرتبطة بالحدود، ومواجهة بعض التهديدات التي تفرضها عمليات التهريب التي تنتشر بين حدود بعض الدول.

وثانيها، أن قضية جزيرتي “تيران” و”صنافير” لم تكن محور تصعيد أو خلاف واضح بين مصر والسعودية في الفترة الماضية، على غرار ما حدث بالنسبة لقضايا الحدود العالقة بين دول عديدة بالمنطقة، أو بمعنى أدق لم تتحول إلى ملف صراعي بين الطرفين، بشكل يشير إلى حرصهما على إبقاءها ضمن إطار محدد لا يؤثر على العلاقات الاستراتيجية بين الطرفين، والتي انعكست بشكل واضح في الزيارة الأخيرة التي قام بها الملك سلمان إلى القاهرة.

وثالثها، أن هذا الجدل الذي ثار حول تلك الاتفاقية لم يختزل الزخم الذي حظيت به الزيارة، والتي أشارت اتجاهات عديدة إلى أنها كانت “استثنائية”، سواء لجهة الاتفاقات المتعددة التي وقعها الطرفان، في المجالات المختلفة، والتي وصلت قيمتها إلى نحو 25 مليار دولار، أو لجهة استمرارها لخمسة أيام تخللتها زيارات للملك سلمان إلى مجلس النواب المصري وجامعة القاهرة والأزهر الشريف، ولقاءات مع شخصيات مصرية، منها الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر والبابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، بشكل يعكس حرص الطرفين على دعم العلاقات الثنائية على المستويين الرسمي والشعبي خلال المرحلة القادمة.

رسائل إقليمية:

كان واضحًا أن كلا من مصر والسعودية سعتا إلى استثمار الزيارة من أجل توجيه رسائل إقليمية عديدة: أولها، أن ثمة توافقًا مشتركًا بين القاهرة والرياض على ضرورة تطوير آلية مؤسسية لمحاربة الإرهاب، الذي بات يهدد أمن ومصالح دول المنطقة، وفي مقدمتها مصر والسعودية، وهو ما بدا جليًا في إعراب الملك سلمان عن أمله في “تشكيل القوة العربية المشتركة في أقرب وقت”، وفي تأكيد وزير الخارجية السعودي عادل الجبير على أن ذلك لا يتناقض مع التحالف الإسلامي الذي دعت إليه السعودية وانضمت له مصر.

وثانيها، أن الرياض والقاهرة حريصتان على تنحية أية خلافات عالقة في التعامل مع الملفات الإقليمية المختلفة، وهنا لا يمكن فصل هذا الاتجاه عن مؤشرات التهدئة التي تشهدها تلك الملفات، سواء فيما يتعلق باستضافة الكويت لمباحثات السلام بين الحوثيين والحكومة الشرعية في اليمن، بالتوازي مع بدأ سريان اتفاق وقف إطلاق النار في 10 أبريل 2016 بهدف تعزيز جهود التسوية السلمية التي تبذلها الأمم المتحدة، أو فيما يرتبط بانعقاد مفاوضات جنيف بين وفد المعارضة السورية والنظام السوري، والتي بدأت جولتها الثالثة في 13 أبريل الحالي من أجل الوصول إلى توافق مشترك حول المحاور الخلافية المتعددة، أو فيما يتصل بتزايد احتمالات حصول حكومة الوفاق الوطني الليبية برئاسة فايز السراج على ثقة مجلس النواب في طبرق خلال الفترة القادمة، لتبدأ في تهيئة المجال أمام التركيز على محاربة التنظيمات الإرهابية في ليبيا، وهو الملف الذي بات يحظى بأهمية خاصة من جانب أطراف إقليمية ودولية عديدة معنية بتطورات الأزمة في ليبيا.

 وثالثها، أن رفع مستوى التعاون والتنسيق بين الطرف سوف يساهم في مواجهة التدخلات المستمرة من جانب قوى إقليمية في الشئون الداخلية للدول العربية، على غرار إيران، التي تسعى إلى استثمار الوصول إلى الاتفاق النووي والتغير الملحوظ في سياسات العديد من القوى الدولية تجاهها، مثل الولايات المتحدة الأمريكية، من أجل تعزيز دورها الإقليمي في المنطقة، بصرف النظر عن التأثيرات السلبية التي يفرضها هذا الدور على حالة الأمن والاستقرار في بعض دول المنطقة.

وعلى ضوء ذلك، ربما يمكن القول إن زيارة الملك سلمان إلى مصر تشير إلى بداية مرحلة جديدة من التنسيق والتعاون بين الطرفين لمواجهة التهديدات التقليدية وغير التقليدية التي باتت تفرض تداعيات مباشرة على أمن ومصالح القاهرة والرياض.

المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية