المدى الاستراتيجي لعاصفة الحزم

المدى الاستراتيجي لعاصفة الحزم

werged-661x365

عندما وقف رجب طيب إردوغان مرحبًا بخادم الحرمين الشريفين، وقائلاً: «إن تركيا تعتبر سياسة الملك سلمان صمام أمان، واستقرارًا للمنطقة»، بدا أن الجسر السياسي الاستراتيجي المهم الذي رسمته زيارة العاهل السعودي التاريخية إلى مصر امتد للتو إلى تركيا، رغم أن ترتيب العلاقات التركية – المصرية يحتاج إلى عناية سعودية خاصة.

وفي حين بدأت القمة السعودية التركية، وهي الثالثة في خلال ستة أشهر، كان ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان قد أنهى زيارة مهمة إلى الأردن تلبية لدعوة من الملك عبد الله الثاني، ثم انتقل فورًا إلى أبوظبي، حيث عقد اجتماعًا مع الشيخ محمد بن زايد ولي العهد ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، ومن الواضح أن الزيارتين تجيئان ضمن الدينامية السياسية الناشطة، لترجمة قرار الملك سلمان لتصحيح التوازن على المستويين الإقليمي والدولي، انطلاقًا من الأرجحية الطاغية التي يوفرها قيام تحالف الدول الإسلامية برعاية سعودية.

على هذا يبني إردوغان قوله إن سياسة الملك سلمان هي صمام أمان للمنطقة، وعلى هذا بدا أن العاهل السعودي لم يبنِ خلال زيارته التاريخية إلى مصر، جسرًا بين أكبر بلدين عربيين ولا بين قارتين وهما آسيا وأفريقيا، بل بنى جسورًا تستند إليها الساحة العربية والإقليمية، وبالأحرى بنى قلعة تعيد ترتيب الأوزان والأحجام وتقيم التوازن الاستراتيجي لمصلحة العرب والمسلمين.

في 26 مارس (آذار) من العام الماضي أطلق الملك سلمان «عاصفة الحزم»، استجابة لطلب الشرعية اليمنية وانتشالاً لليمن من فوضى الانقلابيين الحوثيين، الذين تستعملهم إيران حصان طروادة للإطباق على الخليج عبر كماشة مضيق هرمز جنوبًا وباب المندب شمالاً، بعدما مضت بعيدًا في العربدة والتخريب ووصلت إلى درجة التبجّح بأنها باتت تسيطر على أربع عواصم عربية هي دمشق وبغداد وصنعاء وبيروت.

بعد عام تقريبًا على قرار دعم الشرعية اليمنية في وجه الحوثيين ورعاتهم، صار من الواضح أن عاصفة سلمان تهِبّ مرارًا وبأكثر من أسلوب وطريقة، فإذا كانت قد هَبّت عسكريًا عبر تحالف الدول الخليجية وأعادت الشرعية اليمنية إلى أبواب صنعاء مما دفع الانقلابيين إلى الرضوخ وقبول التفاوض في الكويت، على أساس القرار 2216، فإنها تَهب سياسيًا على أكثر من مستوى تأسيسًا لتحالفات استراتيجية واسعة.

وعلى هذا، إذا كانت قمة الأيام الخمسة التاريخية في مصر أنشأت جسر الملك سلمان الذي سيربط بين البدين، وسرعان ما سيتحول شريان الحياة والتبادلات والمصالح الحيوية بين كل دول الخليج والقارة الأفريقية، غير أن الجسر السياسي الذي يتجذّر بين الرياض والقاهرة يرسي تمامًا ما أشار إليه الملك سلمان في خطابه أمام البرلمان المصري عندما شدّد على أن معالجة قضايا الأمة وفي مقدمها قضية فلسطين تتطلب وحدة الصف وجمع الكلمة:

«إن التعاون السعودي المصري الوثيق الذي نشهده اليوم، انطلاقة مباركة لعالمنا العربي والإسلامي لتحقيق توازن بعد سنوات من الاختلال، وانتهاجًا للعمل الجماعي والاستراتيجي بدلاً من التشتت، وقد أثبتت التجارب أن العمل ضمن تحالف مشترك يجعلنا أقوى، ويضمن تنسيق الجهود من خلال آليات عمل واضحة».

في جوهر هذا الكلام، عاصفة حزم سياسي واستراتيجي لإنهاء الاختلال في التوازن الإقليمي، الذي جعل إيران تتدخل وتخلق المشكلات في كل دول المنطقة تقريبًا، ولا تتردد في طرح نفسها في إطار المفاوضات النووية مع أميركا والغرب وكأنها القوة المحورية المسيطرة في المنطقة والإقليم!

ومن خلال هذا كان من الطبيعي أن تعلن السعودية والأردن بعد محادثات الملك عبد الله الثاني والأمير محمد بن سلمان رفضهما سياسة التدخل التي تنتهجها إيران في المنطقة، وقيامها بإشعال الفتن وتنمية الإرهاب، وتحذيرهما من استمرار طهران في نهجها الحالي الذي يعمّق النزاعات والصراعات في المنطقة ويستهدف استقرارها.

وعندما ينهي الملك سلمان زيارته التاريخية إلى مصر بالوصول مباشرة إلى أنقرة لعقد قمة مهمة مع رحب طيب إردوغان، قبل أن ينتقل الزعيمان إلى إسطنبول للمشاركة في قمة الدول الإسلامية، ويبادر الرئيس التركي إلى القول إن سياسة سلمان تعتبر صمام أمان للمنطقة، هل كثير الافتراض أن تركيا أيضًا مؤمنة بضرورة أن يَهبّ قرار الحزم عواصف عسكرية وسياسية، وفق ما يقوم به خادم الحرمين الشريفين عبر تشكيل التحالف الإسلامي العسكري، الذي دشِّن قبل أسابيع بمناورات «رعد الشمال» وهي الكبرى في تاريخ المنطقة؟

كلمة الملك سلمان أمام البرلمان المصري رسمت جسرًا لاستراتيجية عربية إسلامية قوية تواجه التحديات المتصاعدة التي تستهدف المنطقة من الداخل والخارج على السواء، وحددت أيضًا قاعدتين لهذا الجسر يتعيّن على مصر والسعودية والدول الإسلامية أن ترسيهما وهما، أولاً القيام بمحاربة الإرهاب ومكافحة التطرف وثانيًا المضي قدمًا في إنشاء القوة العربية المشتركة وهي فكرة سبق أن اقترحتها مصر.

ومن الواضح تمامًا أن السعودية التي تشن حربًا لا هوادة فيها على الإرهاب وقد نجحت في ذلك باعتراف باراك أوباما المتكرر، تريد ربط محاربة الإرهاب ومكافحة التطرف برؤية شمولية، أشار إليها الملك سلمان بالقول إن السعودية أدركت ضرورة توحيد الرؤى والمواقف لإيجاد حلول لهذه الظاهرة، فتم تشكيل التحالف الإسلامي العسكري، لكن من شأن هذا التحالف أن يرسي عناصر قوة استراتيجية فعّالة وكبيرة تضمن إنهاء الخلل في التوازن الإقليمي، الذي اتّسعت فجوته بعد الانحسار التدريجي للدور الأميركي التقليدي في المنطقة.

ولعل أوضح دليل على هذا، النقاشات التي جرت في القمة الإسلامية الثالثة عشرة، التي عقدت في إسطنبول، والتي جاءت ترجمتها واضحة في البيان الختامي، الذي يترجم ضمنًا قول إردوغان إن سياسة سلمان صمام أمان للمنطقة، ذلك أن هذا البيان تضمّن عشرات القرارات التي تعكس روح سياسة الحزم وعواصفها من خلال تأييده جهود السعودية والدول الأعضاء في مكافحة الإرهاب، ودعمه التحالف العسكري الإسلامي في هذا المجال ودعوته كل الدول الأعضاء المهتمة إلى الانضمام إليه.

أما لجهة إعادة التوازن في المنطقة، فقد تضمن البيان الختامي موقفًا قويًا في مواجهة عربدة طهران وبرزت أكثر من ستة بنود في قراراته تدين، أولاً التدخل الإيراني في الشؤون الداخلية لدول المنطقة ومنها البحرين واليمن وسوريا ولبنان والصومال، وثانيًا استمرار دعم طهران للإرهاب، مع التأكيد على ضرورة أن تكون علاقة طهران مع دول المنطقة قائمة على حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية واحترام سيادة الدول واستقلالها، وإدانة تعرّض البعثات السعودية في طهران ومشهد للاعتداء.

راجح الخوري

*نقلاً عن صحيفة “الشرق الأوسط”