أي دلالات لخطاب نتنياهو في الجولان؟

أي دلالات لخطاب نتنياهو في الجولان؟

441
شد رئيس الحكومة الإسرائيلية الرحال بنيامين نتنياهو, واقتاد حكومته احتفاءً بعامها الأول إلى الجولان السوري المحتل، واختار ذكرى جلاء المستعمر الفرنسي عن سوريا ليطلق تصريحات أغضبت المواطنين العرب السوريين في الجولان المحتل الذين أعربوا عن رفضهم القاطع لها.

وخلال ترؤسه الجلسة الأسبوعية لمجلس وزرائه الذي يلتئم للمرة الأولى منذ الاحتلال في الجولان، انطوى خطاب نتنياهو على رسالة بعث بها إلى العالم بأسره وفي مقدمته العرب, وتحديدا سوريا التي تعيش حربا أهلية دامية.

ووثق نتنياهو زيارته في صورة تذكارية تم التقاطها له متوسطا وزراءه في الهواء الطلق, وقد امتد الجولان من خلفهم، ثم جمعهم في مجلس مستوطنة كاتسرين، كبرى مستوطنات الجولان.

وقال نتنياهو أمام وزرائه وقادة المستوطنين في الجولان المحتل في مستهل الجلسة، إنه جاء بهم إلى الجولان ليبعث برسالة صريحة وواضحة مفادها أن هضبة الجولان ستظل إلى الأبد بيد إسرائيل.

وشكل ذلك مقدمة لشروط إسرائيل لتسوية الأزمة في سوريا حسب نتنياهو, حيث كشف أنه أبلغ “وزير الخارجية الأميركي أمس أن إسرائيل لن تعارض تسوية سياسية في سوريا, شرط أن لا تكون على حساب أمن دولة إسرائيل”.

وفسر نتنياهو شرطه بأن “يتم طرد قوات إيران وحزب الله اللبناني وتنظيم الدولة الإسلامية من الأرض السورية, وأنه آن الأوان كي يعترف المجتمع الدولي بالواقع, وخاصة بحقيقتين أساسيتين, إحداهما أنه ليس مهمًّا ما سيجري خلف الحدود, لأن هذا الخط الحدودي لن يتغير, وقد حان الوقت بعد خمسين سنة أن يعترف المجتمع الدولي بأن الجولان سيبقى إلى الأبد تحت السيادة الإسرائيلية”.

ألف مستوطن
ويستوطن في الجولان نحو خمسين ألفا من اليهود الذين حشدتهم الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ احتلاله في حرب يونيو/حزيران 1967. ووعد نتنياهو وزراءه بآلاف آخرين سينضمون إليهم قريبا.

ويعيش في الجولان الذي تبلغ مساحته 1860 كيلومترا مربعا, نحو ثلاثين ألفا من العرب السوريين موزعين على أربع قرى متاخمة للجزء الشمالي الممتد من سفوح جبل الشيخ بمحاذاة خط وقف إطلاق النار الذي تم ترسيمه بعد اتفاق فك الارتباط, وهو الاتفاق الذي أعقب حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973, أما القرية الخامسة وهي الغجر فتقع في الغرب على تقاطع الحدود بين لبنان وسوريا وفلسطين التاريخية.

ولم تخف إسرائيل أطماعها في الجولان منذ احتلاله، فقد سنّ الكنيست الإسرائيلي قانونا عام 1981 ضم بموجبه الجولان السوري المحتل إلى إسرائيل، لكن المجتمع الدولي ممثلا في الأمم المتحدة رفض ذلك في قرار أصدرته هذه المنظمة الأممية حمل الرقم 497.

وتأتي تصريحات نتنياهو الجديدة في هذا الوقت بالذات, حيث تحاول سوريا لملمة جراحها وإبرام تسوية سياسية بين “الإخوة الأعداء”, لتخطر المجتمع الدولي بأن إسرائيل قادرة على تخريب هذه المساعي إذا رأت أنها ستضر بما أسماها نتنياهو “مصالحها الأمنية”.

رفض قاطع
في هذه الأثناء، أحيا أهالي الجولان المحتل الذكرى السنوية ليوم الجلاء كعادتهم كل عام. وهو يوم جلاء المستعمر الفرنسي وزوال استعماره عن الأرض السورية في مثل هذا اليوم من عام 1946.

واحتشد العديد بميدان سلمان باشا الأطرش في مجدل شمس، وهتفوا لحرية الجولان وعافية سوريا. وبدا هذا التحرك بمثابة رد على تصريحات نتنياهو، حيث رفع المشاركون شعارات ورددوا أهازيج ملخصها أن “زيارة نتنياهو وحكومته الفاشية لا يستطيع تغيير موقف أهل الجولان وأصحابه، وأنه مثلما تم كنس المستعمر الفرنسي عن سوريا, سيتم تطهير الجولان من دنس الاحتلال الإسرائيلي”.

كما أعرب الكثير من المواطنين السوريين في الجولان المحتل، رصدت الجزيرة نت آراءهم، عن رفضهم القاطع لما وصفوه بتغيير الجغرافيا والتاريخ من جانب نتنياهو, وأن ما ادعاه يجافي طبيعة أهل الجولان وهويتهم القومية.

وذكر هؤلاء أن الجولان شهد هبة جماهيرية كبيرة شملت إحراق بطاقات الهوية الإسرائيلية عندما سن الكنيست قانون ضم الجولان، وذلك تعبيرا عن رفضهم القاطع للانفصال عن “الوطن الأم” كما يطلقون على سوريا.

وقد فند مواطنون سوريون في الجولان المحتل فضلوا عدم الكشف عن أسمائهم ما قاله نتنياهو, وأشاروا إلى أن السواد الأعظم منهم يعارض ما قاله نتنياهو ويرفض إغراءاته، وأن “الترويج الإسرائيلي بأن أعدادا متزايدة منهم تحصل على الجنسية الإسرائيلية عار عن الصحة”.

وقد ذكر أحد المهتمين في بلدة مجدل شمس، كبرى القرى السورية في الجولان المحتل، أنه خلال الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة التي جرت قبل عام تم إجراء مسح لمعرفة عدد الذين يحملون المواطنة الإسرائيلية وحصلوا على جوازات سفر في الجولان.

واقتصر المسح على 420 شخصا من أصل 23 ألفا يعيشون في قرى مجدل شمس وعين قينيا ومسعدة وبقعاتا، إضافة لقرية الغجر التي يعيش فيها نحو سبعة آلاف وتقع في الجزء الغربي من الجولان وهي البقية الباقية من أصل 137 قرية وخربة، إضافة لـ112 مزرعة دمرتها آلة الحرب الإسرائيلية خلال حرب عام 1967 وهجرت أهلها.

طبيعة استعمارية
وفي الأوساط السياسية العربية داخل الخط الأخضر، أثارت تصريحات نتنياهو ردودا مستنكرة، فقد قال عضو الكنيست باسل غطاس من التجمع الوطني الديمقراطي المشارك في القائمة المشتركة للأحزاب العربية في الكنيست في تصريح خص به الجزيرة نت، إن “هذا الاجتماع, وهذه التصريحات, إنما تؤكد الطبيعة الاستعمارية والعدوانية لإسرائيل”.

ورأى أن أي كلام عن سلام بين إسرائيل ومحيطها العربي إنما هو محض كذب وافتراء, وما قاله نتنياهو على الأراضي السورية المحتلة إنما هي الحقيقة، وهي تكشف أن إسرائيل متجهة إلى مزيد من الاستيطان وتكريس الاحتلال وفرض الأمر الواقع بالقوة, ضاربة عرض الحائط بكل القرارات والمعاهدات الدولية، وفق تعبيره.

واعتبر النائب غطاس أن الوقت قد حان لكي يعامل المجتمع الدولي إسرائيل كما عوملت دول أخرى لإرغامها على احترام الإرادة والقرارات الدولية أي بفرض العقوبات القاسية عليها.

وليد العمري

الجزيرة نت