العلاقات الإيرانية الإسرائيلية… ماض طويل ومستقبل زاهر

العلاقات الإيرانية الإسرائيلية… ماض طويل ومستقبل زاهر

isran-570x300

يطرح العديد من الخبراء في العلاقات الدولية أن التحولات الاستراتيجية في المنطقة، ستملي تقاربا إسرائيليا إيرانيا حتميا، يعيد الدفء إلى علاقات كانت موجودة اصلا منذ الثمانينات، ووصلت حد التحالف العسكري والسياسي ضد العراق الذي مثل عدوا مشتركا لإيران وإسرائيل، وهو الخطر الذي يسميه الإسرائيليون بالجبهة الشرقية، يقول امنون شاحاك ( لم تكن إيران تمثل خطرا مباشرا ولم يسبق أن مثلت خطرا أما العراق فبلى )، كان العداء المشترك للعراق وحاجة طهران للسلاح الأمريكي وخرق عزلتها عن أمريكا، في حقبة الحرب الباردة سببا للتقارب،كما أسهم مبدأ بن غوريون المحيطي الذي يعتبر اساسا في السياسة الخارجية الإسرائيلية في ذلك، فبحسبه على إسرائيل أن تتحالف مع دولة غيرعربية لموازنة الخطر المحيط بها من جيرانها العرب،فتحالفت إسرائيل مع اثيوبيا والأكراد وطهران.
الإيرانيون من طرفهم ايضا لم يكن هدفهم الاستراتيجي إزالة إسرائيل من الوجود، بل ان الخميني قال لمسؤولين ثوريين ( ان الصراع مع إسرائيل هو في الاساس صراع فلسطيني إسرائيلي وان على إيران أن لا تتحول إلى دولة مواجهة مباشرة)،فانجزت عدة صفقات حيث اشترت طهران من إسرائيل سلاحا بـ 500 مليون دولار دفعت ثمنه على شكل شحنات بترول وسمح الخميني بهجرة آلاف اليهود الإيرانيين بحسب المسؤول الإيراني الفار من إيران في 95 (محمد زادة) مقابل قطع غيار لطائرات الفانتوم، واجتمع مسؤولون إيرانيون وضباط إسرائيليون في فرنسا لضرب المفاعل العراقي اوزيراك زودت خلاله طهران تل أبيب بصور وخرائط وعرضت على الطائرات الإسرائيلية الهبوط في تبريز حال الطوارىء، ورتب صفقات السلاح والتعاون ضد المفاعل العراقي الابن الاصغر لآية الله كاشاني الذي زار تل ابيب في الثمانينات ورتب هجرة الصهاينة ضابط اسرائيلي اسمه اوري زار طهران!
تاجرت إيران اكثر من مرة بورقة ««حزب الله»» والمقاومات فضغطت عليه في 1985 للافراج عن رهائن أمريكيين مقابل 500 صاروخ «تاو» أمريكية، وتمت الصفقة بوساطة إسرائيلية بين الأمريكيين والإيرانيين، و في 96 عرضت طهران على إسرائيل عبر قنوات اتصال تعرف بالمسار واحد ونصف والمسار2، على حكومة نتنياهو التخفيف من دعم «حزب الله» مقابل ان لا يضغط الإسرائيليون على موسكو لوقف التعاون العسكري الإيراني الروسي،وعرضت المساعدة في العثور على الطيار الإسرائيلي اراد الذي اسر في لبنان في 86 في مقابل توسط إسرائيل للتقريب بين طهران وواشنطن .
في 2003 قدمت طهران للأمريكيين وثيقة عبر السفير السويسري غولديمان،وقع عليها المرشد الاعلى،خامنئي، و سربها تريتا بارسي رئيس المجلس القومي الأمريكي الإيراني، واستاذ العلاقات الدولية في جامعة هوبكنز في كتابه القيم التحالف الغادر، تعطي انطباعا هاما عن حزمة التفاهمات الأمريكية الإيرانية الإسرائيلية فوق الطاولة وتحتها في اتفاق جنيف النووي، عرضت طهران يومها وقف دعمها لحماس والجهاد الاسلامي، والضغط على المجموعتين لوقف العمليات ضد العدو، ونزع سلاح «حزب الله» وتحويله إلى حزب سياسي محض،وفتح البرنامج النووي الإيراني امام عمليات التفتيش الدولية،والتعاون الكامل في ملف مكافحة الإرهاب وخاصة تنظيم القاعدة، والقبول باعلان بيروت الصادر عن القمة العربية في 2002في ابرام سلام جماعي مع إسرائيل مقابل موافقة إسرائيل على الانسحاب من كافة الاراضي المحتلة عام 67،وحل ملف اللاجئين الفلسطينيين، والقبول بحل الدولتين، الذي ستعترف إيران به دون المجاهرة بالعلاقات مع العدو،حيث شرح الإيرانيون في اجتماعات مع إسرائيليين وأمريكيين انهم مع نموذج ماليزيا وباكستان، اللتين لا تقيمان علاقات مع إسرائيل ولكنهما لا يناوئان ايا من مصالحهما.
في الحقيقة ان هذه الورقة كانت ثمرة لقاء سبقها عقده القائد السابق للحرس الثوري الإيراني، وعضو مجمع تشخيص مصلحة النظام محسن رضائي، في احدى الجامعات الأمريكية في اثينا، مع مسؤولين إسرائيليين وأمريكيين وتضمن عرضا ببناء علاقات استراتيجية مع الأمريكيين، وناقش رضائي مع إسرائيليين التفاهم مع إسرائيل، ضمن احترام كل دولة منهما لمناطق نفوذ الاخرى،وتجنب التصادم معها مباشرة، أو عبر وكلاء، في مقابل ان تخفف إسرائيل من معارضتها للتقارب الأمريكي الإيراني، وتعترف بدور إيران في المنطقة،وتقبل بدور إيراني في امن الخليج، وينقل بارسي عن مسؤول في الخارجية الإيرانية قوله ( في السنة الأولى من الثورة لم نعترف بإسرائيل ولكن اذا دعت الضرورة يمكن الاتجار مع إيران عبر أمريكا وسيكون هذا حلا مؤقتا لأننا لا نستطيع الاعتراف بإسرائيل وفي هذه المرحلة ستكون إسرائيل قادرة من الناحية العملية على بلوغ اهدافها ولن تعارض إيران من الناحية العملية سياسات إسرائيل في المنطقة)!!.
ان التوقيع على الاتفاق النووي حتما لم يتم دون حزمة من التفاهمات تتعلق بامن العدو الإسرائيلي و ملفات مكافحة الإرهاب والأمن الاقليمي واسلحة الدمار الشامل والتعاون الاقتصادي. هذه التفاهمات املاها التحول الاستراتيجي في السياسة الخارجية الأمريكية ونزوحها نحو الشرق الاقصى و ايقاف التدخل العسكري الأمريكي في الشرق الاوسط، خصوصا وان أمريكا تقترب من الاكتفاء ذاتيا في موارد الطاقة وتركز منافستها واهتمامها على الصين التي تعتمد بـ 70% من واردات نفطها على المنطقة، حيث تشكل إيران مصدر اهتمام لأمريكا لأنها يمكن ان تشكل حاجزا يحول دون وصول الصين إلى مصادر الطاقة في الخليج العربي وبحر قزوين، تماما كما خدمت في وجه الاتحاد السوفييتي ايام الحرب الباردة وقبل انهيار الشيوعية، كما ترى اوروبا في طهران سوقا هامة بعدد سكان يصل إلى ستين مليونا ناهيك عن القوة النفطية والعسكرية.
يطمح الأمريكيون، في ارساء تعاون في مكافحة( الإرهاب) ومنظمات الجهاد العالمي، وضمان أمن الممرات المائية الدولية وتدفق الطاقة، واغلاق ملف الصراعات التي يمكن ان تؤثر على استقرار المنطقة، ما يعني بالضرورة انه من المستحيل ان ينجز تفاهما مطلقا دون موافقة الطرفين الإيراني والإسرائيلي،لامتلاكهما مفاتيح عدة يمكن ان تهز الأمن الاقليمي، فطهران تملك اوراقا في لبنان والعراق واليمن وسوريا والداخل الفلسطيني، وإسرائيل قوة نووية وتحتل الاراضي الفلسطينية وتتسبب في تقويض الاستقرار، تريد أمريكا من إسرائيل ان تقبل طهران نووية ولا تعمل بمبدأ الردع، وتريد من طهران ان تتوقف عن سياسة الحرب البعيدة، باستخدام ميليشياتها كأوراق ضغط اقليمية، واولهم «حزب الله» الذي يشير تصريح كيري الاخير إلى انه ما من حاجة إلى سلاحه الصاروخي طالما ان إيران ضمنت مصالحها.
أما الإسرائيليون فيدركون عبر تاريخ علاقاتهم الطويل مع إيران الثورة ان الهدف الاستراتيجي لطهران ليس تدمير إسرائيل، وان النقاش يجب ان يدور مع الإيرانيين حول كيفية دمجهم في منظومة الأمن الاقليمية دون التعرض لإسرائيل، يقول وزير الخارجية الإسرائيلي الاسبق بن عامي ( السؤال المطروح اليوم ليس حول تحديد متى ستصبح إيران قوة نووية وانما حول كيفية دمجها في سياسة الاستقرار الاقليمي قبل ان تمتلك تلك القوة، ان إيران لا يدفعها هوس بتدمير إسرائيل، وانما اصرارها على المحافظة على نظامها وتثبيت نفسها كقوة اقليمية استراتيجية ازاء إسرائيل والدول العربية).
وهو ما شكل مضمون محادثات سريةنشرتها مجلة «نيوزويك» عن اجتماعات سرية عقدت في بورغندي الفرنسية في قصر «شاتو دى سيلور» بوساطة رئيس الوزراء الأسترالي السابق روبرت هوك،بين ضباط إسرائيليين، منهم الجنرال الإسرائيلي دورون أفيتال القائد السابق للقوات الخاصة بالجيش الإسرائيلي وعضو لجنة الأمن القومي بالكنيست، ووزير الدفاع الفرنسي الأسبق ميشيل أليوت وضباط من الحرس الثوري الإيراني في ضيافة كريستوف فون فيتين مستشار للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني ومجموعة ثالثة من الصين ذللت العقبات لاتفاق جنيف. «
ويميل50% من المستوى السياسي والأمني والاستراتيجي في كيان العدو إلى التفاهم الأمني مع طهران بحسب جابي سيبوني خبير المخاطر والقائد السابق في لواء النخبة جولاني والذي دعا إلى ضرورة فتح قنوات تفاهم امنية وتأسيس تعاون أمني بين طهران وإسرائيل،لمحاربة السلفية الجهادية التي بدا أنها حلت محل العدو العراقي في الثمانينيات، كما وأن طهران ترى أن الخطر ممثل في السعودية وليس في تل ابيب وهو ما سربه السفير لسابق للولايات المتحدة الأمريكية فريدريك هوف حيث قال ان مسؤولين إيرانيين قالوا له ان إيران لم تكن على صراع مع إسرائيل وامريكا انما ترى ان عدوها الاول هو الرياض !!!!
لذا سيكون تقارب إسرائيلي إيراني سببا في التخلص من التهديد الصاروخي للحزب دون خسائر الحرب وتحويله إلى حزب سياسي واضعاف دعم المقاومة الفلسطينية وضمانات بان لا تقوم طهران بفتح جبهة في الجولان كبديل عن ورقة الجنوب اللبناني التي سحبتها إسرائيل من طهران ودمشق بانسحابها من الجنوب ما يعني ان مخرجات الملف السوري ستحسم الكثير في الامر.

غادة الشاويش

صحيفة القدس العربي