تركيا تتقرب من إيران لحل أزمتي سوريا والعراق!

تركيا تتقرب من إيران لحل أزمتي سوريا والعراق!

7312a59fd80a99f3b4de96d250407c0a

تحاول الدولة التركية قدر المستطاع إدارة «شؤون البلاد»، محاذرة الجبهات الكثيرة التي يفتحها على تركيا الرئيس رجب طيب إردوغان. فأثناء وجوده في واشنطن مؤخرًا للمشاركة في «قمة الأمن النووي» رفض البيت الأبيض كل محاولات الوفد التركي لالتقاط صورة خاصة تجمع بين الرئيس الأميركي باراك أوباما وإردوغان. بعد هذا الرفض، التقى إردوغان في جلسات خاصة عددًا من كبار المسؤولين والأكاديميين الأميركيين، حيث انتقد «سذاجة» أوباما لدعمه المقاتلين الأكراد في سوريا، مؤكدًا أنه ينبغي أن يُنظر إلى الإرهابيين النظرة نفسها، فهو يرى أن كل كردي إرهابي. في واشنطن نفى إردوغان أنه يلاحق حرية الصحافة في بلاده: «لا مشكلة عندي مع النقد (…) الإهانة شيء مختلف».

من المؤسف أن عدم قدرة إردوغان على التمييز بين الاثنين جعل من العقاب وسيلة لتطبيق سياسة الحكومة، وهذا أعاق الديمقراطية في تركيا التي تتطلب من المسؤول التنفيذي أن يحمي حقوق أشرس خصومه بالأهمية نفسها التي يحمي بها حقوقه.

تركت الدولة رئيسها ورئيس وزرائها ووزير خارجيتها يتعاطون بقضية اللاجئين والمبالغ التي رصدتها المجموعة الأوروبية، لإبقائهم في تركيا، وانصرفت إلى الاقتصاد.

وفي حين أن الأسواق الناشئة الأخرى مثل روسيا والبرازيل تباطأت في الآونة الأخيرة، كذلك كان حال الاقتصاد التركي إنما بوتيرة أقل وبشكل ملحوظ عما كان عليه قبل بضع سنوات. ازداد الناتج المحلي التركي بنسبة 4 في المائة في عام 2015، ويرجع ذلك إلى نتائج قوية حققها الربع الأخير من العام. هذه الزيادة أثارت الإعجاب والدهشة، نظرًا إلى التحديات التي واجهتها تركيا في العام الماضي، بما فيها سلسلة من الهجمات الإرهابية واستمرار العمليات العسكرية ضد الأكراد، فضلاً عن الملايين من اللاجئين الذين دخلوا تركيا وغير قادرين على العمل من الناحية القانونية.

بالمقارنة مع الأسواق الناشئة الأخرى فإن قدرة تركيا على الصمود في وجه الركود العالمي في السلع حماها من الصدمات التي تعاني منها اقتصادات الدول الأخرى.

لكن إذا كان من قطاع حيوي تأثر سلبًا، فإنه قطاع السياحة، فالعمليات الإرهابية التي وقعت في إسطنبول وأنقرة والمدن الكبرى أثرت على إقبال السياح، ثم إن الخلاف السياسي التركي – الروسي الناجم عن إسقاط الطائرة الروسية دفع بالسياح الروس إلى السفر إلى دول أخرى.

وفي حين أن التضخم لا يزال مصدر قلق، حيث بلغ في شهر فبراير (شباط) الماضي 8.8 في المائة، كان هناك مصدر قلق آخر للمستثمرين وهو استقلالية الحاكم الجديد للبنك المركزي التركي مرات تشيتنكايا. كان سابقًا نائب الحاكم أردم باشتشيه الذي أمضى السنتين الأخيرتين من ولايته وهو يرد درء انتقادات حزب العدالة والتنمية بأن أسعار الفائدة كانت مرتفعة جدًا. إردوغان كان صريحًا في انتقاده لباشتشيه، واعتبر أسعار الفائدة ظالمة، وفي أوائل هذا العام، ذهب إلى حد اتهامه بأنه ضحية الأجانب في إبقاء سعر الفائدة مرتفعًا.

الأسواق استقبلت تعيين تشيتنكايا بإيجابية، على أمل أنه سيكون قادرًا على المحافظة على استقلالية البنك المركزي من التدخلات السياسية.

وتترك الدولة التركية رئيسها، يضج العالم بتصريحاته المستفزة وتركز على الطاقة أيضًا. فالعلاقة التي كانت توصف بالمثمرة ما بين تركيا وروسيا لا تزال محفوفة بالأخطار. فهي لا تزال غير فعالة منذ إسقاط «السوخوي» الروسية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2016. تركيا بحاجة إلى الطاقة، والطاقة لدى روسيا. شركة «غازبروم» الروسية قالت إن مشروع «خط أنابيب ستريم التركي» لن يعاد البحث فيه حتى مع تطبيع العلاقات مجددًا بين البلدين.

وبينما يبقى هذا المشروع قيد الانتظار، استمرت علاقات الطاقة لصالح البلدين. «البنك الدولي» يتوقع انكماشًا في الاقتصاد الروسي بنسبة 1.9 في المائة هذا العام، ثم إن روسيا إضافة إلى المقاطعة الدولية تعاني من انخفاض أسعار الطاقة ومع ذلك، في منتصف هذا الشهر أعلنت «غازبروم» التي تملكها الدولة الروسية أنها توصلت إلى تحديد أسعار للغاز مع 7 مستوردين خاصين للغاز من الأتراك.

من جانبها، كثفت تركيا جهودها لتسريع وتيرة البناء في خط أنابيب الغاز الطبيعي عبر الأناضول (TANAP)، الذي سيحمل الغاز من حقول «شاه دنيز» في أذربيجان إلى تركيا. هذا الخط يتجاوز روسيا تمامًا، فيسمح لتركيا بفرصة التنويع بعيدًا عن الاعتماد على روسيا. تأمل أنقرة أن يصبح خط الأنابيب هذا جاهزًا عام 2017. لكن، حتى لو عمل هذا الخط بكل طاقاته، فإن اعتماد تركيا على روسيا سوف يستمر، إذ وفرت روسيا لتركيا 26.97 بليون متر مكعب من الغاز عام 2014، أي 54.8 في المائة من إجمالي وارداتها. ثم إن الاعتماد على خط أنابيب «TANAP» قد يكون بحد ذاته مشكلة بالنظر إلى الوضع الأمني الناجم مؤخرًا عن اشتعال العنف بين أرمينيا وأذربيجان حول إقليم ناغورنو كاراباخ، واتهام روسيا لتركيا بأنها تقف وراء تحريك الأوضاع وإعلان إردوغان أن ناغورنو كاراباخ يجب أن تعود إلى أذربيجان، متجاهلاً شمال قبرص الذي احتلته تركيا عام 1974.

الحاجة إلى الطاقة تجعل تركيا تجس نبض كل الأبواب، إذا كان لها من نبض، أنها تريد أن تقلب الطاولة على روسيا، لكن الغاز الروسي يجب أن يظل يتدفق. من هنا التفكير في استئناف العلاقات الطبيعية مع إسرائيل، لأنها توفر وسيلة أخرى من موارد الطاقة، مع الإمكانات لتطوير حقل الغاز الإسرائيلي «ليفياثان» في الشرق.

الغاز كما يبدو في البحر المتوسط متوفر بزخم، لكن ترافقه تعقيدات. تحتاج تركيا لاستئناف علاقاتها مع إسرائيل أقله من أجل الغاز. تشعر أن هناك تطويقًا روسيًا لها، فالأخيرة تطرح على إسرائيل المساهمة في تطوير حقل «ليفياثان». وكانت مصادر دبلوماسية ذكرت أن فلاديمير بوتين الرئيس الروسي عرض أن تشرف موسكو على تطوير احتياطيات الغاز الإسرائيلي، وتكون تكلفة الاستثمار ما بين 7 و10 مليارات دولار، لا سيما في حقل «ليفياثان». وحسب المصادر فإن بوتين يريد جعل روسيا المطور الرئيسي للطاقة في المتوسط، وأن إسرائيل هدفه الأول، وهو في أعقاب قرار المحكمة العليا في إسرائيل إلغاء الاحتكار الذي تقوده أميركا، تعهد باستخدام النفوذ الروسي لمنع أي هجوم يقوم به «عملاء» إيران ضد حقول النفط التي تديرها روسيا. وكان «حزب الله» هدد بأنه سيوقف تطوير إسرائيل لاحتياطها من الغاز الذي يوجد على حدود المياه الإقليمية اللبنانية.

منذ عام 2010 ساءت العلاقات الإسرائيلية – التركية بسبب حادثة سفينة «مافي مرمرة». الآن مع توقف العمل بتطوير مشاريع الغاز الإسرائيلي بسبب قرار المحكمة العليا، قد تستفيد تركيا من الوقت لتحسين هذه العلاقات، إذ ربما يؤمن حقل «ليفياثان» هدفًا تركيًا بعيد المدى، بالتنويع، خصوصًا أن هناك خططًا تركية لإقامة ثلاث محطات عائمة للغاز الطبيعي، في بحر مرمرة، وبحر إيجه، ومكان لم يحدد بعد قبالة الساحل الجنوبي للبلاد.

هناك ضرورة تركية لتنويع مصادر الطاقة ودعم الاقتصاد. لكن هناك ضرورة أهم لـ«تنويع» الدول التي يحسن الرئيس التركي العلاقات معها. العلاقات مع الولايات المتحدة تدهورت مع تأكيد أوباما في حديثه الأخير لمجلة «أتلانتيك»، أنه كان يعد إردوغان زعيمًا مسلمًا معتدلاً من شأنه سد الفجوة بين الشرق والغرب، فصار ينظر إليه بأنه مني بالفشل وسلطوي. إردوغان بدوره، لا يترك فرصة تمر دون أن يلمح إلى «أياد أجنبية»، وبالذات من الغرب، تحاول تقويض الجمهورية التركية.

مع هذا، تبقى أفضل فرصة له على المدى القصير هي التوصل إلى تهدئة العلاقات مع موسكو وبالذات حول سوريا، خصوصًا أن الإرهاب الذي يضرب تركيا ليس كله كرديًا، ثم لأن الوعد الإيراني بتوفير الطاقة لتركيا من نفط وغاز وكهرباء، كما قال الرئيس حسن روحاني يوم السبت الماضي، سينتظر تطبيق ما قاله إردوغان في المؤتمر الصحافي المشترك بينهما، إن «لتركيا وإيران أهمية كبرى على المستوى العالمي، لذلك علينا أن (نعمل معًا) على حل مشكلات المنطقة مثل سوريا والعراق».. إنه اعتراف مبطن بأن الدولتين جزء كبير من المشكلة.

هدى الحسيني

صحيفة الشرق الأوسط