عن أهمية زيارة جو بايدن لبغداد

عن أهمية زيارة جو بايدن لبغداد

عن أهمية زيارة جو بايدن لبغداد

أصبح العراق لمسؤولي إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما في شهر نيسان/إبريل الحالي بلد الزيارات المفاجئة، إذ وصل جو بايدن نائب الرئيس الأميركي على متن طائرة عسكرية أمريكية العاصمة العراقية بغداد يوم أمس الخميس، في زيارة مفاجئة لم يعلن عنها من قبل. لإجراء محادثات مع المسؤولين العراقيين،وقال مكتب جو بايدن في بيان أن “نائب الرئيس وصل إلى العراق لإجراء محادثات مع القيادة العراقية، للتشجيع على الوحدة الوطنية ومواصلة زخم الحرب الجارية ضد تنظيم الدولة الإسلامية”.وأضاف البيان أن “نائب الرئيس سيناقش كذلك خطوات المجتمع الدولي التي يمكن اتخاذها من أجل دعم استقرار الاقتصاد العراقي والمزيد من التعاون الدولي”.

تُشكل هذه الزيارة انتهاكاً للأعراف والقواعد الدبلوماسية المعمول بها دولياًّ، حيث جرت العادة أن يستقبل الضيف الزائر من شخص مماثل له في الدولة المضيفة، لكن الوضع في العراق مختلف تماما إذ أستقبل جون بايدن من قبل السفير الأمريكي في العراق مثلما استقبل من قبله آشتون كارتر وزير الدفاع الأمريكي في زيارته الأخيرة لبغداد من قبل ضباط أمريكيين في غياب كامل لأي مسؤول عراقي في مراسيم الاستقبال. هذه صورة لجون بايدن ومن قبله آشتون كارتر والتي تسرب من قبل السفارة الأمريكية في بغداد  لوكالات الأنباء تسيء إلى ما تبقى من “سيادة” العراق وتضع مفهوم الاستقلالية محل سخرية.

 تأتي هذه الزيارة في الوقت الذي يعيش العراق فيه عدة أزمات: فعلى المستوى السياسي، وتحديداً منذ شباط/فبراير الماضي يعيش العراق أزمة سياسية نتجت عن خلاف بين الكتل البرلمانية بشأن الإصلاحات التي يريد تطبيقها رئيس الحكومة حيدر العبادي، ولا سيما بشأن تشكيل حكومة تكنوقراط بعيدة عن التجاذبات الحزبية. وانعكست هذه الأزمة أيضا فوضى في مجلس النواب العراقي في الأيام الأخيرة وتظاهرات الآلاف من أنصار مقتدى الصدر خارج أبواب المنطقة الخضراء المحصنة.

وساهمت هذه الفوضى في مزيد من تدهور الثقة بالسياسيين العراقيين الذين ينظر إليهم بشكل واسع على أنهم فاسدون ويسعون وراء مصالح أسرهم وعشائرهم وطوائفهم. ومنح مجلس النواب العراقي الثلاثاء الثقة لخمسة وزراء من تشكيلة التكنوقراط التي تقدم بها العبادي لاستبدال الوزراء الحزبيين بعد أجواء من الهرج والمرج واعتراض نواب طعنوا في شرعية الجلسة. والوزارات التي شملها التعديل الوزاري الذي يمثل قلب الإصلاحات التي يريد رئيس الوزراء حيدر العبادي إجراءها لإنهاء المحاصصة السياسية، هي الصحة والعمل والتعليم العالي والموارد المائية والكهرباء.

وعلى المستوى الاقتصادي يعاني العراق من أزمة اقتصادية حادة مردها انخفاض أسعار النفط، إذ تكاد تكون هي الأولى من نوعها منذ تأسيس دولة العراق المعاصر في عشرينيات القرن الماضي، فضلاً عن أزمتها الأمنية المتمثلة بمحاربة داعش ومستجداتها التي تكمن في المواجهات الأخيرة بين البيشمركة والحشد الشعبي التركماني في طوزخورماتو.

 تأتي أهمية هذه الزيارة كونها هي المرة الأولى التي يزور فيها جو بايدن -منظر فكرة تقسيم العراق- العراق منذ سحبت الولايات المتحدة الأمريكية قواتها  العسكرية في كانون الأول/ديسمبر عام 2011، كما أنه ثالث أرفع مسؤول أميركي يزور العراق هذا الشهر، فقد سبقه وزير الخارجية جون كيري في الثامن من هذا الشهر ووزير الدفاع آشتون كارتر في الثامن عشر من ذات الشهر. إذ تأتي في الوقت الذي تستعد فيه القوات العراقية بدعم من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، لوضع اللمسات الأخيرة لاستعادة مدينة الموصل من سيطرة تنظيم الدولة والعراق بلاد”داعش”. الذي يسيطر عليها -ولايزال- حتى الآن منذ حزيران/يونيو عام 2014م.

 فزيارة جو بايدن جاءت لتجدد إدارة الرئيس باراك أوباما دعمها للعراق وللمسيرة الإصلاحية التي أطلقها رئيس الوزراء حيدر العبادي جاء ذلك خلال لقاء جو بايدن نائب الرئيس الأميركي مع رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي الذي استقبله في بغداد إذ بحث الجانبان اخر المستجدات والتطورات في البلاد خاصة المكاسب العسكرية التي حققتها القوات العراقية المشتركة ضد تنظيم الدولة في العراق وبلاد الشام “داعش” في ظل التشتت والأزمة السياسية الراهنة. ونقل جو بايدن لحيدر العبادي رسالة دعم وتضامن من إدارة الرئيس باراك أوباما للعراق في كافة المجالات وخاصة العسكرية والاقتصادية مشددا على الاستمرار بمسيرة الإصلاحات الشاملة تلبية لمطالب الشعب العراقي.

 فواشنطن تخشى من أن يؤدي سحب دعمها لحكومة حيدر العبادي إلى انهيار قدرتها على قتال تنظيم الدولة في العراق وبلاد الشام “داعش”، وغرقها وسط خلافات طاحنة بين أحزاب شيعية متشددة تسعى للهيمنة على القرار في بغداد. فهي تدعم  حكومة حيدر العبادي لأنه يحاول- من وجهة نظر الإدارة الأمريكية- أن يشكل حكومة شاملة وتوافقية تضم جميع الأطراف. صحيح أن حيدر العبادي يظل مقيدا من قبل الميليشيات الشيعية والنظام الإيراني، لكن الولايات المتحدة هنا تدعم استراتيجية دمج السنة في الحكومة، بالإضافة إلى توفير الأمن والسلاح للعشائر هناك. إقصاء السنة سيؤكد مخاوف في واشنطن من أنه حتى لو نجحت الحكومة العراقية في هزيمة تنظيم الدولة في العراق وبلاد الشام” داعش”، فسيظهر بديل له أكثر تشددا. لذا فإنه يجب أن تقدم المساعدة في تحرير مدينة الموصل، بشرط ألا يكون هناك أي دور للميليشيات الشيعية كعصائب أهل الحق وغيرها في العملية.

ومن جانبه أكد رئيس مجلس النواب العراقي سليم الجبوري على أهمية الدعم الدولي للعراق في جميع المجالات خاصة في ظل الظروف الراهنة والتحديات التي يواجهها جاء ذلك خلال استقبال الجبوري لجو بايدن نائب الرئيس الامريكي الذي يزور العراق حاليا وبحث الجانبان اخر التطورات السياسية والامنية في العراق والمنطقة، بالإضافة الى مناقشة الوضع الاقتصادي الذي يمر به البلد واهمية دعم العراق في هذا الجانب.

كما أكد اللقاء ايضا على اهمية استمرار الحرب على تنظيم الدولة في العراق وبلاد الشام “داعش” واستثمار زخم الانتصارات المتحققة في جميع الميادين من جانبه اكد جو بايدن على ضرورة حل الازمات والخلافات بالحوار مشددا على دعم مؤسسة الدولة العراقية ومنع انهيار العملية السياسية داعيا للاستمرار بمسيرة الإصلاحات الشاملة التي تقود البلاد الى بر الأمان وتحقيق الاستقرار.

من هنا تتضح أهمية هذه الزيارة لهذا المسؤول الأمريكي للمحافظة على الثلاث فؤاد معصوم وحيدر العبادي وسليم الجبوري وهذا ما أكد عليه السفير الأمريكي في بغداد في لقائه مع القائمة العراقية الذي هددها بأن الولايات المتحدة الأمريكية سترفع دعمها العسكري عن العراق، وتوقف جهودها في صندوق النقد الدولي إذا لم تستجب الطبقة السياسية لمطالب واشنطن بالابقاء على تلك الشخصيات في مناصبهم السياسية. هذا التهديد يجعل من إدارة الأمريكية طرفاً في الأزمة العراقية ويجعلها في مواجهة كل القوى السياسية التي تطمح بالتغيير، ومن جانب آخر يحرج حلفائها ويجعلهم بمثابة موظفين كبار تم تعيينهم بالتوافق الخارجي لتحقيق مصالح الدول الداعمة لهم.

فمن وجهة نظر واشنطن أن الإبقاء على فؤاد معصوم وحيدر العبادي وسليم الجبوري من شأنها أن تنعكس بشكل ايجابي على حظوظ الديمقراطيون في الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي سوف تجري في تشرين الثاني/نوفمبر من العام الحالي، فالإدارة الديمقراطية للبيت الأبيض تسعى لتوظيف العامل الخارجي لتعزيز فرص نجاحها في الانتخابات القادمة، فهي يعنيها قبل الذهاب إلى تلك الانتخابات أن تستقر الأوضاع الأمنية والعسكرية والسياسية والاقتصادية في العراق ولو بشكل نسبي ولا ينزلق إلى أتون الفوضى، لأن هذا الانزلاق الخطير لن يقتصر على طائفة دون غيرها ولا قومية دون سواها. وتحرص واشنطن على ضمان الاستقرار السياسي في العراق لما له من انعكاسات مباشرة على العمليات العسكرية وضرورة وجود حكومة موحدة تساعد في تسهيل مهمات التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن للحرب ضد تنظيم الدولة “داعش”.

وأن تحقق الولايات المتحدة الأمريكية بمساعدة حلفائها العراقيين والغربيين على أرض العراق تقدما ملموساً كالقضاء على تنظيم الدولة الدولة في العراق وبلاد الشام”داعش” لأن القضاء عليه ستكون إحدى المرتكزات الأساسية التي سيعتمد عليها حزب الديمقراطي في برنامجه الانتخابي، فمقتل أسامة بن لادن في آيار/مايو عام2011م، عزز من ولاية الثانية لباراك أوما، كما القضاء على تنظيم الدولة سيعزز من استمرار الديمقراطيون في حكم الولايات المتحدة الأمريكية للمرة الثالثة على التوالي، وإذا ما تحقق ذلك فأننا سنكون أمام سابقة رئاسية تاريخية لم تحدث منذ إقرار دستورها في آذار/مارس عام 1789م.

وتجدر الإشارة هنا بأن جو بايد نائب رئيس الجمهورية لم يلتق بفؤاد معصوم رئيس جمهورية العراق واكتفى بإجراء مكالمة هاتفيه معه مما آثار استياء عام عبر شبكات التواصل الاجتماعي لتجاهل الأول الثاني، كما تجدر الإشارة هنا بأن جو بايدن زار إقليم كردستان العراق لمدة ساعتين  حيث التقى خلالها مع مسعود بارزاني رئيس الإقليم  وتركزت المحادثات بينهما على محاربة تنظيم الدولة”داعش” وتجهيزات معركة الموصل وسبل دعم البيشمركة.

والسؤال الذي يطرح في هذا السياق: لماذا تتدخل الولايات المتحدة الأمريكية بشكل واضح ومعلن على خط الأزمة العراقية متجاوزة أي عرف سياسي ودبلوماسي في أزمة داخلية تعكس انقسام اجتماعي وسياسي كبيرين؟ هل ثمة توافق وتقاسم للنفوذ بينها وبين النظام الإيراني على المنطقة؟ هذا الاتفاق الذي جعل العراق ساحة أمريكية مقابل سيطرت النظام الإيراني على الساحة السورية، لا ننسى أن التصرفات الأمريكية الأخيرة في العراق تترافق مع ارسال قوات إيرانية إلى سوريا بموافقة أمريكية أو على الأقل صمت أمريكي.

 ويمكن الإجابة على هذا السؤال بالقول أن السياسية الأمريكية بشكل عام مهتمة بحماية العملية السياسية التي أطلقتها في العراق منذ عام 2003م، والتي رغم مساوئها الكثيرة وانعكاساتها السلبية على العراقيين، لا تزال تضمن لواشنطن مصالحها في البلد الذي يحتوي على ثروات كبيرة من النفط وغيره.

وحدة الدراسات العراقية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية