أوباما في جولة الوداع

أوباما في جولة الوداع

a18bec9a234f718dc896c6a96044f918

من الخليج العربي، إلى بريطانيا تنتهي رحلة الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى الشرق الأوسط وأوروبا، فيما يشبه زيارة توديعية لحلفاء أمريكا الأقوياء والدائمين. زيارة الوداع وبرغم حجم التحديات السياسية المطروحة، سواء منها تلك المتعلقة بقضايا الشرق الأوسط، أو بمصير الاستفتاء المزمع إجراؤه في بريطانيا بعد نحو شهرين، والذي سيحدد مصير لندن وعلاقتها ببروكسل، إلا أن المراقبين، لم يستطيعوا أن يظفروا بنتائج يمكن أن تؤثر في حقيقة الأوضاع في المنطقتين العربية والأوروبية.
زيارة أوباما إلى منطقة الخليج العربي، أكدت أن الولايات المتحدة بقيادة أوباما، ليست ذلك الشريك القوي، الذي يمكن التعويل عليه في استحقاقات أمنية أو سياسية. صحيح أن البيان الختامي لقمة دول الخليج وأمريكا قد استنكر الإرهاب الإيراني، لكن تلك الإدانة لا تلغي المواقف السابقة من أوباما تجاه طهران والتي أغضبت عواصم الخليج العربي. زيارة الوداع للمنطقة، لم تحمل جديدا، يجعل من أوباما ذلك الرئيس الأمريكي الذي سيظل عالقاً في أذهان الناس بعد مغادرته البيت الأبيض. والحقيقة أن أوباما كان وفياً لتعهداته التي قطعها أثناء منافسته على انتخابات الرئاسة الأمريكية، وهي تعهدات تقضي بعدم الدخول في حرب مباشرة، بعد ورطة واشنطن في العراق. زيارة الوداع إلى منطقة الشرق الأوسط، يمكن قراءتها في جملة من الاستنتاجات.
– تداخل الملفات في المنطقة وبلوغها مرحلة الاستعصاء على الحل، ونذكر منها ملفي سوريا واليمن، وحجم التدخل الأجنبي، وضعف الموقف العربي فيهما، يجعل من زيارة أوباما وكأنها «لا شيء»، من حيث فاعلية الحل والنتائج. فالأوضاع بلغت حداً من التعقد، ما جعل الكل في حالة «عماهية» مطلقة. وهذه العماهية تساهم في انتشار الفوضى، والعجز عن السيطرة عليها. ليس لعدم الرغبة في الحل، وإنما، لتشابك المصالح الداخلية والخارجية في تلك الملفات. ومن سوء حظ المنطقة أنها واقعة تاريخياً في تقاطع تيارات قوية، تجرفها في كل مرة نحو المأساة، وتمنع عنها الرؤية الواضحة، وتجعل الاستقرار مطلباً مستحيلاً. وفي حال كهذه، لا يمكن لرئيس مثل أوباما أن يكون صاحب العصا السحرية، التي ستنهي كل هذه المشاكل في ضربة واحدة. ولذلك يحق لبعض المراقبين الخليجيين أن يتساءلوا «لا نعلم لماذا يأتي أوباما؟».
– بات واضحا أن خيار البيت الأبيض، هو عدم التصادم مع طهران، بل على العكس من ذلك، فكل المواقف الأمريكية تثبت الرغبة الملحة في إدماج طهران كلاعب رئيسي في المنطقة، وهو أمر يغيظ عواصم الخليج التي تعتبر أن إيران، تريد فرض أجندتها، وهي لا تتورع عن التدخل المباشر في شؤون دول الخليج والدول العربية عموما. وهذه النقطة الخلافية، يبدو أن الرئيس الأمريكي، لا يملك رؤية واضحة بشأنها، بل إنه يرغب في التملص من مثل هذه القضايا، ويعتبرها شأناً إقليمياً يمكن أن يحل بالحوار بين دول المنطقة.
سيسجل التاريخ أن أوباما هو أكثر رؤساء البيت الأبيض، إن لم نقل، هو الوحيد الذي لم يكن له إنجازات في ملف القضية الفلسطينية، وهو الأقل تدخلاً سواء كان التدخل سلبياً أو إيجابياً. أوباما يخرج من البيت الأبيض بعلاقات شخصية سيئة جداً مع رئيس حكومة الاحتلال. ولكن تلك العلاقة لم يستفد منها الفلسطينيون، لأن موازين القوى ليست بيد أوباما، والتحالف بين البيت الأبيض والكيان المحتل، لا يمكن أن تؤثر فيها العلاقات الشخصية بين طرفي الحكم في الجهتين. الحصيلة أن أوباما خلال مدة حكمه التي تواصلت ثماني سنوات لم يستطع أن يحرك ملف القضية الفلسطينية. بل إن إدارته ساهمت بشكل أو بآخر في خلق مآس جديدة، قد تضاهي في فظاعتها ما حدث ويحدث في فلسطين. سيخرج أوباما من البيت الأبيض، وهو الرئيس الأقل حديثا عن فلسطين، وهذا يعكس حقيقة ما تردت إليه القضية الفلسطينية، في ظل حالة الخراب التي تعصف بالمنطقة.
– على المستوى الأوروبي، ختم أوباما جولته الأخيرة، بزيارة لندن التي تعيش على وقع الاستعداد للتصويت على استفتاء هو الأكثر خطورة في تاريخها، والمتعلق بتحديد مصير العلاقة بين لندن وبروكسل، إما ببقاء بريطانيا داخل الفضاء الأوروبي الموحد، أو بالخروج والانكفاء داخل الجزيرة الواقعة في المياه الباردة. أوباما دعا الشباب البريطاني إلى «عدم الخروج من العالم»، في إشارة واضحة إلى أنه يرفض خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
حصيلة جولة أوباما كانت مخيبة للآمال بالنسبة للدول العربية، والحقيقة أن استمرار الرهان على البيت الأبيض لحل مشاكل العرب هو في حد ذاته أكبر خطأ.

كمال بالهادي

صحيفة الخليج