الاقتصاد العراقي في مهب العواصف السياسية

الاقتصاد العراقي في مهب العواصف السياسية

العراق5928

في كل المجتمات يعتبر عامل الاستقرار السياسي مؤشرا للاستقرار الاجتماعي والاقتصادي الى حد كبير ، قد ادت الحالة السياسية في العراق منذ سقوط العاصمة العراقية بغداد تحت الاحتلال الاميركي عام 2003 الى حالة من انعدام الامن والاستقرار ، حيث انهارت كل المفاهيم التي تؤسس عليها الدول في العالم وأصبحت أمام النمو الاقتصادي والتنمية .

اصبح العراق بعد دخول قوات الاحتلال الاميركي الى ارضه ، بلد بلا سلطة تتناهشه ايدي الاحتلال والقوى الاقليمية ، التي تبحث عن مصالحها ، وافرزت هذه المرحلة عراق بلا امن ، ومنهار اقتصاديا بسبب الفساد والتهميش وغياب الرؤية وبات الاقتصاد العراقي لا يلبي ادنى طموحات المواطن البسيط.

وهنا تشير التقارير الى ان العراق خسر تقريبا 65 % من معدلات ميزانيته العامة بعد انهيار اسعار النفط منذ صيف 2014 ، حيث قدر عجز الميزانية الفدرالية العراقية بـ21 مليارا ، نهيك عن المواجهات  مع تنظيم داعش  التي افقدته جزء كبير من ايراداته ، والفساد الذي قدر بمئات المليارات واكثر من ذلك ، والهدر المستمر في مؤسسات الدولة العراقية والصفات المشبوهة وغيرها الكثير .

اليوم العراق على مايبدو قد دخل مرحلة جديدة بعد ان اقتحم المتظاهرون المنطقة الخضراء ومبنى البرلمان العراقي ، وهي مرحلة جدا خطيرة تعد الاخطر بعد دخول القوات الاميركية بغداد عام 2003 ، وتنذر بمنزلق خطير جدا قد يغير قواعد اللعبة في العراق .

تؤسس هذه المرحلة لمزيد من التصعيد مستقبلا حتى وأن تراجع المتظاهرون وانسحبوا خارج المنطقة الخضراء، وهي مرحلة قوامها الصراع بين الاحزاب والتيارات وحتى الشخصيات ، وانقسام بين المكونات ، والتي تمكنت من تحدي قوات الامن ،لتكشف ان الدولة واجهزتها اضعف من ان تقف في وجه هذا المكون او ذاك مستقبلا .

واعتبر خبراء اقتصاديون أن ما يجري في بغداد انعكس بشكل سلبي على الواقع الاقتصادي فالحادثة الاخيرة في المنطقة الخضراء واقتحام البرلمان وتطور الأوضاع الأمنية في البلاد دفع العديد من المواطنين إلى سحب أرصدتهم من بعض البنوك العراقية، تحسباً من انهيار محتمل للنظام السياسي فيما لو استمرت الأوضاع بهذا التوتر.

وشاهدنا كيف تم أعلان قيادة عمليات بغداد في بيان أن “كافة البنوك والمصارف في العاصمة بغداد تم تأمينها بقوات أمنية خاصة تحسباً من أي طارئ قد يحصل ومنعاً لاستغلال الوضع من قبل العصابات المسلحة والسارقين”.

وتشير الاوضاع ان العاصمة بغداد شهدت تعطل الكثير من أعمال التجارة و الصفقات التجارية إلى إشعار آخر بانتظار التطورات السياسية في البلاد.

بطبيعة الحال هذه التطورات كان لها انعكاسات مباشرة وغير مباشرة على الاقتصاد العراقي ، وقد تلقي هذه الاحداث بثقلها على كاهل الاقتصاد وتعمق من أزماته حيث بات اليوم في “غرفة الانعاش ” والوضع ينذر بما هو أسوء .

لقد دخل العراق منذ ما يقارب العام مفاوضات مع المؤسسات المالية الدولية من أجل كسب ثقتها للحصول على قروض ودعم للموازنة في ظل تركه ثقيلة من الالتزامات المالية وحزمه كبيره من الاصلاحات الماليه والاقتصادية لتقليل النفقات الحكومية و قد حصل على ثقة هذه المؤسسات بحسب المسؤلين العراقيين ، ووعد بدعم مالي بأكثر من خمسة عشر مليار دولار .

وهنا يبرز سؤال مهم بعد الاحداث الاخيرة ، وهو هل يستطيع العراق ان يحافظ على هذه الثقة ؟

 الاجابة ترتبط بخط سير الاحداث الامنية والتوترات السياسية فالكثير من مساعدات التنمية قد تتعثر بسبب غياب الاستقرار السياسي والامني و الفساد وغياب الاصلاح والشفافية  في العراق ، وغيرها من أشكال المساعدة، لتكون ازمة جديدة تضاف الى سلسلة الازمات التي تفتك الاقتصاد العراقي المنهك والذي هو بأمس الحاجة لمثل هذه المساعدات ليتمكن من دفع الاوضاع في البلاد الى الامام .

وكما هو معلوم ترتبط موافقة المؤسسات الدولية المالية على منح القروض والمساعدات المالية مثل صندوق النقد الدولي ،والبنك الدول المؤسسات الدولية المالية بشروط كثيرة منها ؛ مواجهة عجز الموازنة العامة للعراق، عودة تدفق الائتمان إلى القطاع العقاري  ، شفافية أكثر للعمليات الحكومية، إعادة هيكلة مؤسسات الدول ،التوسع فى الخصخصة ، تشجيع الاستثمارات الأجنبية المباشرة ، وإجراءات التكيف المالي ، تخفيض التضخم فى إطار الخطة الهادفة إلى مواجهة التضخم.

ان مراقبة مؤسسة دولية مثل صندوق النقد الدولي للسياسات المالية والاقتصادية للعراق ،وفرض شرط قاسية على الحكومة قد يكون ذا اثر سلبي على المواطن البسيط وهو الامر الذي يزيد من تعقيد المسألة في حال ظهرت اعتصامات رافضة للوضع الاقتصادي والتضييق جراء هذه الشروط .

كل ما سبق لايمكن ان يتم دون محاربة الفساد ، ووجود الامن والاستقرار السياسي ، والعراق اليوم يعيش تطورات متسارعة ، كما ذكرنا وصلت الى كشف هشاشة مؤسسات الدولة في فرض الامن والاستقرار ، ناهيك عن العجز في مواجهة الفساد ،

مؤخرا اصدر صندوق النقد الدولي تقريرا قال فيه  “رغم النمو فإن العراق سيرتفع العجز لديه نتيجة قلة إيراداته النفطية، ما سيقلل من قدرة الحكومة على الإنفاق”، مبيناً أن “العجز سيصل لنحو 4.75% وسيبلغ 7.75% مع نهاية العام الجاري من الناتج المحلي الإجمالي”

وتابع التقرير أن “تكاليف الحرب في العراق وليبيا وسوريا واليمن ما تزال مرتفعة، وتسببت أعمال العنف في ندرة المواد الغذائية وغيرها من الضروريات وألحق الضرر بالبنية التحتية والمؤسسات وارتفعت معدلات التضخم وضعفت المدخرات وتدهورت المراكز المالية لهذه الدول”.

لقد افرز الفساد ، وغياب الحكم الرشيد في مؤسسات الدولة العراقية ما نراه اليوم من انعدام للأمن والاستقرار السياسي ، واحتجاجات شعبية كبيرة  وانعدام لثقة بالدولة ومؤسساتها ، ناهيك عن الوضع الاقتصادي القاتم الذي ينذر بمزيد من التراجع  ، وهو ما جعل الحكومة العراقية في ساحة مناورة ضيقة ، وقد تتطور الاوضاع في حال غياب الضمانات الحقيقية للشعب بالإصلاح الى ما لا تحمد عقباه .

عامر العمران

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية